لطالما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) أحد أكثر الأسماء إثارة للجدل ليس فقط خارج إسرائيل بل داخل دولة الكيان الغاصب ذاته.
كتاب مكان تحت الشمس بقلم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. |
وربما يكون نتيناهو وخصوصا بعد الحرب الوحشية الأخيرة ضد قطاع غزة هو أكثر رئيس وزراء إسرائيلي سالت في عهده الدماء العربية.
نطالع اليوم كتابه (مكان تحت الشمس) وهو العنوان العربي وكذلك العبري لكتابه، والذي تم تحويره ليصدر بعنوان مختلف قليلا باللغة الإنجليزية وهو (Place Among the Nations) أو مكان بين الأمم.. محاولين قراءة أفكاره.. أو بتعبير أدق (ما يعرضه منها) لأننا مؤمنين أن بداخله كثير من الأشياء التي لم يقلها.
الطبعة العربية من الكتاب:
توجد طبعة عربية من الكتاب صادرة عن دار الجليل للنشر، عمان، المملكة الأردنية الهاشمية، ترجمة محمد عودة الدويري، مراجعة وتصويب كلثوم السعدي.
مكان تحت الشمس:
اختار بنيامين نتنياهو عنوان كتابه (مكان تحت الشمس) للدلالة على أن قومه من اليهود لم يكن لهم قبل قيام الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين، لم يكن لهم دولة، متناسيا حقيقة أنه ليكون لهم مكان تحت الشمس كان عليهم أن يطردوا ويقتلوا ويهجروا شعبا آخر من أرضه.
من هنا يتضح لنا أن نتنياهو والذي لا تغيب عنه هذه الحقيقة بالطبع، سيتجاهل وسيكذب أمام أي حقيقة قد تعارض الرواية الصهيونية.
المقدمة:
كعادته في حب الدعاية والبروباجاندا حاول نتنياهو أن يستغل مقدمة النسخة العربية من كتابه للدعايا لحزب الليكود ولإسرائيل بشكل عام وتقديم كليهما باعتباره محبا للسلام لكن (سلام بالشروط الإسرائيلية).
وبشكل غريب يتعمد نتيناهو أيضا تجاهل حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم باعتبارهم شعب محتل وهو حق مقرر لهم في القوانين والأعراف الدولية، فيصف حركات المقاومة بالإرهاب، وهو ما سيستمر معنا طيلة الكتاب.
وببجاحة شديدة، يقارن موقف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من اتفاقية أوسلو بموقف الرسول الكريم صلى اللَّه عليه وسلم من صلح الحديبية.
فيقول أن عرفات يعتبر أوسلو مجرد هدنة مؤقتة .. ويتجرأ فيكذب على النبي صلى اللّه عليه وسلم مدعيا أنه ما أن جمع قوة عسكرية كافية حتى طرح الإتفاقية وهاجم قريش .. وهذا عكس ما حدث لأن قريشا هي من نقضت الصلح بالهجوم على قبيلة خزاعة التي كانت في حلف المسلمين، فبذلك نقضت قريش العهد وكان الرسول صلى اللَّه عليه وسلم له الحق في التصرف.
بنيامين نتنياهو (الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) الذي يكذب كما يتنفس، (DoD Photo by U.S. Air Force Staff Sgt. Jack Sanders). |
ولا عجب من قول بنيامين نتنياهو وقومه الذين ذكر اللَّه -عز وجل- في كتابه .. وشهدت وقائع التاريخ أنهم أهل نقض العهود والمواثيق ولعل خير مثال على ذلك هو ما فعله يهود المدينة المنورة أنفسهم مع النبي صلى اللّه عليه وسلم من نقض للعهد ومحاولات للقتل وتجميع الأحزاب ضده وغير ذلك الكثير.
بل إن نتنياهو نفسه لو كان رجلا يحترم المعاهدات .. لكان قد ألتزم بمعاهدة أوسلو التي وقعتها بلاده مع الفلسطينيين في عهد اسحاق رابين الذي قتله متطرف إسرائيلي لأنه اعتبره خائن لتوقيع تلك الاتفاقية.
المدهش أن نتنياهو نفسه اعتبر رابين وشيمون بيريز خائنين لنفس السبب .. لكن ما علينا فلينعتوا بعضهم بعضا بما يشاءون .. لكن رفض نتنياهو الشخصي للمعاهدة لا يبرر له نقضها كرجل مسؤول.. فكأن ما فيه هو من نقض للمعاهدات يحاول أن يرمي به النبي الأكرم صلى اللّه عليه وسلم.
لكن الملاحظة المهمة في تلك المقدمة هو محاولة بنيامين نتنياهو شق الصف الفلسطيني بين حماس وفتح، ثم عرضه السلام مع الفلسطينيين بشروطه هو .. شروط مفادها أن لا دولة حقيقية .. بل كيان كرتوني تحكمه إسرائيل.
حيث يري نتنياهو من منظور واحد، لكنه وبدون أن يشعر عبر عن "خوفه الشديد" من زوال دولته .. فهو يري أن من حق إسرائيل امتلاك القوة العسكرية للدفاع عن وجودها، لكنه وفي الوقت ذاته يخشي من قيام دولة فلسطينية تمتلك القوة العسكرية لأن ذلك وفقا لرأيه شخصيا سيجعل من المتيسر تحقيق هدف إزالة إسرائيل.
لكننا إذا ركزنا في مصطلحات بنيامين نتنياهو في كتابه (مكان تحت الشمس) فسنجدها لا تعترف بشئ إسمه فلسطين أو شعب فلسطين.. وإنما يتحدث عن من يسميهم (العرب الذين يسكنون أرض اليهود).
هذه النظرة هي اعتقاده الحقيقي الذي يحاول تصديره إلى العالم وخصوصا قراء الكتاب من غير العرب، ويا حبذا لو صدقه عربي ساذج.. ولكنها نظرة تكشف أن كل حديث له عن السلام هو كذب صريح، ومجرد محاولة إضاعة للوقت لتثبيت أركان إسرائيل عبر قضم قطع جديدة من أرض فلسطين وإنشاء مستوطنات عليها.
ويحاول نتنياهو إظهار أن هناك قرابة بين العرب وبين اليهود الحاليين فيصفهم بأنهم (أبناء سارة) و (أبناء هاجر) زوجتا نبي الله إبراهيم -عليه السلام-.
ثم يقفز بنيامين ليصور نفسه وبلاده دولة ديمقراطية تعيش في برج عالي، وأنه يري أن جيرانه من العرب يمكن أن يكونوا هم أيضا دولا تحكمها أنظمة ديمقراطية ويعطي النظريات المؤيدة لذلك .. كما يحدثنا عن كون الإسلام عقيدة عظيمة لا تشكل خطرا على إسرائيل وإنما ما سماه (التطرف الإسلامي المسلح).
نظرة على محتويات كتاب (مكان تحت الشمس):
لقد استغل بنيامين نتنياهو كتابه كما قلنا لا لعرض أفكاره عن إسرائيل كدولة فقط بل أيضا للترويج لحزب الليكود والهجوم على اليسار الإسرائيلي الذي يصف المنتمين إليه بأنهم: (نسوا معني أن يكون المرء يهوديا).
ولك أن تعلم يا عزيزي القارئ أن اليسار الإسرائيلي والذي يمثله أساسا (حزب العمل) والذي كان أقوى أحزاب إسرائيل ذات يوم إلى أن تحولت إسرائيل كلها إلى دولة يمينية متطرفة يضم أسماء مثل ليفي اشكول وجولدا مائير وشيمون بيريز وايهود باراك واسحاق رابين.
إننا عندما نقرأ ذلك .. فإننا لا نندهش من النتيجة التي أوصل نتنياهو الكيان الصهيوني لها الآن بأن تحكمه الحكومة اليمينية التي وصفت بأنها الأكثر تطرفا في تاريخ البلاد، حكومة فيها وزراء متطرفين مثل إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي، ووزير المالية بتسلئيل سموتريش، ومعهما وزير التراث عميحاي إلياهو الذي دعا لضرب غزة بقنبلة نووية.
ولعلنا هنا نقتبس من مقال السيد (عبد الرحمن شلقم) وزير الخارجية الليبي السابق والمنشور بتاريخ 3 يونيو 2023 في صحيفة الشرق الأوسط السعودية: ((ساد الرأي بأن بنيامين نتنياهو، قبل بالتحالف مع المتطرفين بدافع الهروب من الملاحقة القانونية، التي تهدده بالدخول إلى السجن، كما حدث لسابقه أولمرت. الحقيقة غير ذلك تماماً. إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي، وسموتريتش وزير المالية في حكومة نتنياهو، اللذان يمثلان أقصى التطرف والعنصرية في حكومته، ليسا سوى تلميذين في مدرسة نتنياهو، يعتقدان في ما كتبه في المانيفيستو الصهيوني الشامل، بعنوان «مكان تحت الشمس»)).
نعود إلى نتنياهو الذي عبر عن اعتقاده أن فكرة الصهيونية كانت بمثابة الدرع الذي حمي الوجود اليهودي وهوية اليهود.
ونتنياهو في ذلك إما جاهل أو كذاب، ونحن نرجح الثانية .. فالحامي الأساسي تاريخيا للهوية اليهودية هو الدين اليهودي نفسه وليست الصهيونية.
لقد ظهرت الفكرة الصهيونية على يد تيودور هرتزل في القرن التاسع عشر، فكيف ظلت الهوية اليهودية يا نتنياهو قبل ذلك بآلاف السنين منذ عصر نبي الله موسى -عليه السلام- وحتى ظهور الصهيونية؟.
في الكتاب الصادر مطلع التسعينيات من القرن العشرين، نجد فلسفة السلام عند بنيامين نتنياهو تتمحور في مبدأ (السلام مقابل السلام).
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المؤتمر الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، WORLD ECONOMIC FORUM/swiss-image.ch/Photo Jolanda Flubacher. |
هذا المبدأ أحد المبادئ المطبقة دوما طيلة سنوات حكم نتنياهو، فقد ألقى بمبدأ (الأرض مقابل السلام) والذي كان يعني تنازل إسرائيل عن الأراضى التي احتلتها عقب حرب يونيو 1967 وأهمها القدس الشرقية وفيها المسجد الأقصى، والضفة الغربية والجولان السورية، مقابل السلام مع الدول العربية.
المبدأ الجديد (السلام مقابل السلام) والذي أصطنعه نتنياهو يقوم أساسا على فكرة أن الدول العربية هي من ستسعى للسلام مع إسرائيل حينما تصبح الأخيرة قوية سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
لعل هذا يفسر حالة الجنون التي أصابتهم بعد هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 .. فإذا كانت حركة مسلحة غير نظامية ومحاصرة منذ سنوات بشكل خانق في قطاع ضيق من الأرض استطاعت فعل ذلك .. فإن اتحاد الدول العربية ضد إسرائيل يجعلها كريشة في وجه إعصار، ولا مبرر للتحالف أو حتى التطبيع مع ريشة.
بمبدأ السلام مقابل السلام حقق نتنياهو معاهدات تطبيع مع دول مثل الإمارات والبحرين، وخاض شوطا طويلا في ذلك مع السعودية، ومن قبل كل هؤلاء جاءت المغرب التي وصلت إلى مرحلة استقبال وزير دفاع إسرائيل وتسليح جيشها بأسلحة من صنع إسرائيل.
وببجاحة منقطعة النظير يضع بنيامين نتنياهو كأحد أسباب قيام دولته الغاصبة على أرض فلسطين، أن أهل هذه البلاد كانوا مجموعة من الكسالى الذين لا فائدة لهم وأنهم لم يستغلوا وفرة المياه والأراضي الصالحة للزراعة لتحقيق النهضة.
وهذا بالضبط يشبه اللص الذي يسرق أرضا أو منزلا ثم يتحجج بأن صاحبه لا يستغله .. فحتى لو كان هذا صحيحا، فهذه ليست حجة ولا سببا قانونيا أو عرفا تعارف عليه البشر في أي مكان أو زمان .. بل هو التعريف الحقيقي لقانون الغاب.
وبعيدا عن هذه الحقيقة المسلم بها .. فحتى لو قرر الفلسطينيين أن يحرقوا أرضهم أو يحولوها إلى مستنقع للنفايات والقمامة .. فإنها تظل أرضهم ولا يحق لأحد إخراجهم منها.
زد فوق ذلك أن حركة التاريخ تجعل بعض الأمم تتقدم أحيانا وتتراجع أحيانا، وقد كانت فلسطين محتلة بواسطة العثمانيين لقرون أخرتها أن ركب الحضارة والتقدم ومع ذلك، فقبل هذا الاحتلال كانت هذه الأرض أرضا زاخرة بالخير.
ونسأل نتنياهو .. لماذا لا تذهب إلي أي دولة متخلفة أخرى وتقيم عليها دولتك .. ونسأله أيضا هل كان من الممكن لليهود في القرون الوسطى السيطرة على أرض في أوروبا والإدعاء بأن أهلها متخلفين -وقد كانوا كذلك بالفعل- لذا تصبح أرضهم حقا لغيرهم .. ام أنهم لم يكونوا ليستطيعوا ذلك لأن الأوروبيين حتى في ظل تخلفهم وقتها امتلكوا العدد والقوة العسكرية اللازمة لردع أي محاولة منهم؟.
في كتاب (مكان تحت الشمس) ستجد وبكل وضوح هذا الخوف الدائم والمستمر من إيران، وخصوصا من احتمال امتلاكها لسلاح نووي... إنه الاحتمال الذي قد يغير موازين القوة لصالح الإيرانيين ويقود المنطقة كلها نحو الحرب، وهو لمنع ذلك يحاول إبراز أهمية مقاطعة إيران بل وحتى توجيه الضربات العسكرية لها.
عمليا وخلال حكمه:
- وجهت إسرائيل ضربة عسكرية لإيران مطلع يناير 2023 (التفاصيل من هنا).
- إجراء الجيش الإسرائيلي مناورات ضخمة وهائلة في مايو 2022 تحاكي الحرب مع إيران وحلفائها على ست جبهات (التفاصيل: من هنا).
- في سبتمبر 2021 أعلن وزير دفاعه وقتها عن استعداد إسرائيل لضرب إيران (التفاصيل: من هنا).
- في عام 2021 اغتالوا محسن فخري زادة أحد أهم علماء البرنامج النووي الإيراني وسرقوا الأرشيف النووي لها من قلب طهران (التفاصيل: من هنا).
كل ذلك وأكثر من الأعمال التي يصعب حصرها ضد إيران أجراها نتنياهو في محاولاته الدائمة لمنعها من امتلاك السلاح النووي حسب ما يقول.
وفي النهاية .. اترك لنا رأيك في كتاب (مكان تحت الشمس) ونظريات صاحبه بنيامين نتنياهو.