هل تتحدي السعودية أمريكا؟ لماذا رفضت الرياض منح بايدن المزيد من النفط

يبدو أن هناك تباينات في أولويات الأمن والاقتصاد بالنسبة للسعودية والولايات المتحدة الأمريكية، أو هكذا على الأقل يري التقرير الذي نشرته وكالة (بلومبرغ) الأمريكية الشهيرة.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يصافح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، Пресс-служба Президента России Kremlin.ru، (CC BY 4.0)، via wikimedia commons.

وتضيف بلومبرغ أنه يبدو أن هناك نظاما جديدا للتعامل بين السعودية والولايات المتحدة يقوم على المصالح المتبادلة، وتوازن القوى يبدو أن الرياض تسعي للوصول إليه.

إنه تغيير كبير في العلاقة بين البلدين التي تأسست بشكل حقيقي على ظهر المدمرة كوينسي بين الملك المؤسس عبد العزيز والرئيس الأمريكي الراحل فرانكلين روزفلت، والقائمة على توفير الحماية للسعودية في مقابل إعطاء أمريكا حق التنقيب عن البترول السعودي واستخراجه.

قرار خفض إنتاج النفط الخام:

لقد اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية حليفتها السعودية بأنها تقف بجانب روسيا، بعد أن قاد السعوديين منظمة (أوبك +) لإصدار قرار وصف بالصادم لخفض إنتاج النفط الخام.

بشكل تلقائي سيؤدي هذا القرار إلى الإبقاء على أسعار النفط مرتفعة في وقت يسوده القلق العالمي بشأن ارتفاع مستويات التضخم.

السعودية وهي أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، تصر من جانبها على أن قرار خفض إنتاج النفط الخام يتعلق بالاقتصاد لا بالسياسة.

تقرير بلومبرغ أعتبر أن هذه الخطوة تمثل لحظة مهمة في تحالف استمر لأكثر من ٧٠ عامًا بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.

لقد جاء خفض الإنتاج بعد أقل من ثلاثة أشهر فقط من زيارة الرئيس جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية بحثًا عن مزيد من الإنتاج الخليجي بشكل عام والسعودي بشكل خاص للمساعدة في خفض أسعار النفط.

فيا تري ما هي الأسباب التي جعلت السعودية ترفض طلب الولايات المتحدة الأمريكية بزيادة إنتاج النفط، ما سبب حالة من الغضب الشديد في دوائر صنع القرار الأمريكية للدرجة التي دفعت صحيفة أمريكية شهيرة مثل ((وول ستريت جورنال)) تصف ما حدث بأنه "إذلال دبلوماسي".

النفط مقابل الأمن:

مقر إدارة شركة أرامكو السعودية العملاقة للنفط، مدينة الظهران، السعودية، Eagleamn، public domain via wikimedia commons.

على الدوام، ظل من أسس العلاقات بين النظام الملكي السعودي، وهو أهم نظام ملكي في الشرق الأوسط وبين القوة الغربية العظمى، أن الولايات المتحدة تزود المملكة بالحماية العسكرية مقابل إمداد موثوق من النفط.

لكن حتى قبل سفر بايدن إلى جدة في يوليو، كان المسؤولون السعوديون يقولون إن طبيعة الشراكة بين واشنطن والرياض قد تغيرت بشكل جذري.

قال السعوديين وقتها إن التحالف بين البلدين أصبح غير متوازن، وأن الأمريكيين لا يقومون بما عليهم فعله.

بداية من محاولات الولايات المتحدة الأمريكية إعادة إحياء الإدارة الأمريكية الحالية الاتفاق النووي مع إيران الخصم الإقليمي للسعودية، والذي كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد انسحب منه.

ومما ساعد أيضا على زيادة التوترات وتباعد وجهات النظر بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، ما اعتبرته السعودية أنه نقص في الحماية من واشنطن ضد الهجمات التي كان الحوثيين ذراع إيران في اليمن ينفذونها ضد دول الخليج.

كان من أبرز الهجمات والتي هدأت وتيرتها مؤخرا مع التهدئة في اليمن منذ شهور، هو الهجوم على مطار أبها في فبراير عام ٢٠٢٢ حيث إصيب ١٢ شخص في هجوم نفذته طائرة بدون طيار.

سبق ذلك وصول الحوثيين للعمق الإماراتي منتصف شهر يناير عندما ضربوا صهاريج لنقل المحروقات البترولية بمصفح آيكاد ٣، علاوة على منطقة الإنشاءات الجديدة في مطار (أبوظبي) الدولي، أيضا باستخدام الطائرات بدون طيار.

وأضافت وكالة بلومبرغ أنه وفي السر، وخلف الأبواب المغلقة، لطالما اشتكى المسؤولون في الخليج من محاولات الولايات المتحدة ترهيبهم في مواقف سياسية معينة.

اللقاء التاريخي بين الرئيس روزفلت (يجلس يمينا) والملك عبد العزيز آل سعود، على متن السفينة كوينسي حيث الاتفاق التاريخي بين السعودية وأمريكا، ونشاهد العقيد ويليام إدي، يقف على ركبته احتراما للملك، سيعين إدي بعد ذلك بدرجة وزير مختص بشؤون السعودية، ويظهر واقفا خلفه مباشرة الأدميرال ويليام هارينجتون ليهي، أحد أبطال البحرية الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، مات الرئيس روزفلت بعد شهرين من هذا اللقاء، FDR Presidential Library & Museum.
License: CC BY 2.0. 


وبحسب مسؤول سعودي أطلع على المفاوضات داخل منظمة أوبك + والتي قادت للاتفاق على تقليل إنتاج النفط، فإن المسؤولون الأمريكيون قد تأخروا في فهم أن التخويف لا يجدى نفعا مع السعودية، وأن واشنطن بحاجة إلى التعايش مع نظام جديد قائم على المصالح المشتركة وليس إعلاء مصلحة طرف على حساب الآخر.

زيادة النفوذ السعودي:

في يونيو ٢٠٢٢، نشرت صحيفة (فاينانشال تايمز) البريطانية، التي تعد على نطاق واسع أهم صحيفة اقتصادية في العالم، تقريرا قالت فيه أن ارتفاع أسعار النفط زاد من نفوذ السعودية ودول الخليج .. طالع ترجمتنا لهذا التقرير ((من هنا)).

على نفس وجهة النظر تلك، سار تقرير وكالة بلومبرغ الأمريكية، والتي قالت أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر ٣٧ عاما، يسعي لجعل السعودية لاعبا رئيسيا، ولتحقيق ذلك الهدف فهو يسعي لكسب مليارات الدولارات التي تجنيها السعودية من بيع النفط حاليا بأسعار جيدة للغاية.

هكذا يستطيع الأمير محمد بن سلمان أن ينجز حلمه بجعل بلاده قوة رئيسية في القرن الحادي والعشرين.

لقد مرت أربع سنوات الآن على مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، تلك القضية التي قال الكثير من المحللين والخبراء أنها ستحد من نفوذ السعودية.

لكن النفوذ السعودي لم يتضائل، بل إن النفوذ السعودي حسم القضية تماما، فقرر القضاء التركي إحالة القضية برمتها إلى القضاء السعودي، وبعد خطابات حماسية ورعد وبرق كلامي، جاء الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لزيارة المملكة ولقاء الملك سلمان في أبريل ٢٠٢٢، حيث أدي مناسك العمرة أيضا حيث تزامن موعد الزيارة مع الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك.

أردوغان يسعي الآن ولو بسرعة متوسطة لتحسين العلاقات مع الأمير محمد بن سلمان، فهو يدرك جيدا أن السعودية يمكنها ضخ استثمارات تعيد الحيوية إلى الاقتصاد التركي المنهك، ليكون واحدًا من أسرع الاقتصادات نموًا في مجموعة الدول العشرين الكبرى.

بايدن نفسه الذي كان يتحدث عن جعل السعودية دولة معزولة على حد وصفه، وجد نفسه مضطرا للقدوم للمملكة وطلب يد العون من السعوديين.

لعبت السعودية الدور الحاسم في قرار أوبك بلس خفض إنتاج النفط الخام على عكس المطالبات الأمريكية المتكررة، Marco Verch Professional Photographer، (CC BY 2.0)، via Flickr.

كل هذا جيد كنفوذ سعودي دفاعا عن المصالح والسياسة السعودية، لكن الشهر الماضي كان هناك حدثا فريدا قدم الأمير محمد بن سلمان باعتباره وسيطا دوليا قد يحتاجه العالم المحتقن بالصراعات.

ففي سبتمبر ٢٠٢٢، أعلنت السعودية أن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، قد ساعد في التوسط في تبادل الأسرى الذي تم بين روسيا وأوكرانيا.

داخليا أيضا، زادت صلاحيات الأمير محمد بن سلمان بتوليه أيضًا منصب رئيس الوزراء الذي كان يتولاه والده الملك سلمان، ما يجعل ولي العهد رسميًا رئيسًا لحكومة المملكة.

أيضا هناك العديد من القادة الدوليين الذين يريدون توطيد علاقاتهم بولي العهد السعودي خصوصا مع ازدياد المشاكل المتعلقة بالطاقة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.

فبجانب الرئيس الأمريكي جو بايدن، استضاف ولي العهد قادة فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا في المملكة هذا العام.

بخلاف كل ما سبق، فقد فازت السعودية وهي بلد صحراوية في المقام الأول، بتنظيم دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام ٢٠٢٩ في تروجينا ، وهي جزء من مدينة نيوم الضخمة لم يتم بناؤها بعد، والتي تعد أحد أهم مشاريع أجندة عمل الأمير محمد بن سلمان.

رد الفعل الأمريكي:

من جانبها، ردت الولايات المتحدة الأمريكية على قرار أوبك بلس، وذلك يوم الثلاثاء ١١ أكتوبر على لسان جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، بأنها "ستعيد تقييم علاقتها مع السعودية".

كيربي قال للصحفيين في مؤتمر صحفي: ((بالتأكيد في ضوء التطورات الأخيرة وقرار أوبك بلس بشأن إنتاج النفط ، يعتقد الرئيس بايدن أنه يجب علينا مراجعة العلاقة الثنائية مع المملكة العربية السعودية وإلقاء نظرة لمعرفة ما إذا كانت تلك العلاقة في المكان الذي يجب أن تكون فيه وأنها تخدم مواطنينا)).

وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن الرئيس الأمريكي قد يتخذ ما وصفته (إجراءات انتقامية) قد تشمل وقف مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية.

المعرفة للدراسات
بواسطة : المعرفة للدراسات
المعرفة للدراسات الإستراتيجية والسياسية، هي محاولة عربية جادة لتقديم أهم الأخبار العربية والعالمية مع التركيز علي تحليل مدلولاتها، لكي يقرأ العرب ويفهمون ويدركون. نمتلك في المعرفة للدراسات عددا من أفضل الكتاب العرب في عديد من التخصصات، لنقدم لكم محتوى حصري وفريد من نوعه. facebook twitter
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-