في كتابه (المستدرك على الصحيحين)، ذكر الحاكم النيسابوري فإن أبو عبيدة بن الجراح توفي متأثرا بداء الطاعون.
الطاعون، ذلك المرض الملقب بالموت الأسود والطاعون الأسود والموت العظيم، ولا غرابة في ذلك، فهو أحد أبشع الأمراض التي عرفها البشر، وهو أكثرهم حصدا للأرواح.
فلك أن تعلم يا عزيزي القارئ أن الطاعون حصد نصف سكان أوروبا حينما أصابها لسبع سنوات متتالية خلال القرن الرابع عشر
من هو أبو عبيدة بن الجراح؟:
هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، القرشي الفهري المكي.
وهو بذلك قرشي عربي أصيل، يلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى اللّه عليه وسلم عند (فهر بن مالك).
هو أيضا أحد السابقين الأولين في الإسلام، فقد أسلم في بداية البعثة، حتى قبل أن يبدأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لقاءاته بمن آمنوا به في دار الأرقم بن الأرقم.
وقد سماه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأمين الأمة، وشهد له بالجنة.
كما كان مرشحا للخلافة يوم السقيفة بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
طاعون دبلي:
يعتقد أيضا على وجه التحديد أن وفاة أبو عبيدة بن الجراح -رضي اللَّه عنه- كانت بالتحديد بطاعون يسمي (طاعون دبلي).
![]() |
مسح ضوئي لصورة إلكترونية دقيقة يظهر فيها اليرسنية الطاعونية Yersinia pestis المسببة للطاعون، Credit: Rocky Mountain Laboratories, NIAID, NIH، public domain، via wikimedia commons. |
وطاعون دبلي هذا هو أحد ثلاثة أنواع من الطاعون الذي تسببه بكتيريا تسمي (يرسينيا بيستيس)، والتي توجد عادة في صغار الثدييات والبراغيث المعتمدة عليها.
وينتقل المرض إلى الإنسان إما عن طريق لدغة البراغيث المصابة بهذه البكتيريا أو عن طريق تعامله مباشرة مع حيوان مصاب بالبكتيريا.
حين يصاب الشخص بطاعون دبلي تظهر عليه أعراض تشبه أعراض الأنفلونزا، ويكون ذلك خلال مدة أقلها يوم وأكثرها سبعة أيام من التعرض للبكتيريا المسببة له (يرسينيا بيستيس).
تشمل هذه الأعراض الحمى والصداع والقيء، بالإضافة إلى تضخم الغدد الليمفاوية المؤلمة في المنطقة الأقرب إلى المكان الذي دخلت منه البكتيريا إلى الجلد.
أيضا قد يظهر على المريض ما يعرف باسم (نخر الأطراف) وهو تغير لون الجلد إلى اللون الداكن، وفي بعض الأحيان قد تنفجر الغدد الليمفاوية المتورمة، المعروفة باسم "الدبلات" والتي تتواجد إما في فخذ أو ابط المريض.
في الوقت الحالي، يعالج مرضى طاعون دبلي بالمضادات الحيوية، وننصح في هذا الصدد بالاطلاع على تقريرنا: ((ما هي المضادات الحيوية: وهل تسيئ استخدامها؟)).
وفاة أبو عبيدة بن الجراح:
أما رواية وفاة أبو عبيدة بن الجراح، فتكشف لنا مدى قوة وإخلاص هذا الرجل -رضي الله عنه-، إذ بعث له الفاروق عمر بن الخطاب يطلب عودته إلى المدينة المنورة، وكان حينها قائدا لجيوش المسلمين الفاتحة للشام.
إلا أنه أبى ذلك وكتب إلى الخليفة كتابا قال فيه: ((إني في جيش من جيوش المسلمين لست أرغب بنفسي عن الذي أصابهم)).
لكن الفاروق -رضي الله عنه- أمره بأن يتحرك بالجيش من أرض الأردن إلى (الجابية) في سوريا، على اعتبار أن جو الأخيرة أفضل وأبعد عن الوباء، فلما جاء يركب دابته ليتحرك بالناس أحس بمرضه وقال لهم: ((ما أرى داءكم إلا قد أصابني)).
وقد توفي أبو عبيدة بعد ذلك، وعقب وفاته بمدة ليست بالكبيرة تراجع الطاعون حتى اختفي.
ولعل طريقة وفاة أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه-، وهو الذي شهد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بدر، وكان من المدافعين عنه يوم غزوة أحد، ثم ما تلي ذلك من فتوحات قادها، تذكرنا بما قاله خالد بن الوليد يوم مات بنفس المرض: ((لقد شهدت مئة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر، إلا وفي ضربة بسيف، أو رمية بسهم، أو طعنة برمح، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء)).