((وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)).
![]() |
نحلة من نوع الطنانة الشرقية، صورة لها في سنترال بارك بولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، Rhododendrites، CC BY-SA 4.0 DEED، via wikimedia commons. |
بتلك الآيتين الكريمتين من سورة النحل، قص علينا خالق الكون، قصة النحل، بداية من الأماكن التي يعيش فيها، وطعامه، وما يخرج من بطونه من شراب والذي وصفه بأنه ((فيه شفاء للناس)).
حديثنا اليوم عن النحل .. تلك الآية العظيمة من آيات الله -عز وجل- البديعة في كونه، والتي ذكرها في كتابه الحكيم، بل وسميت سورة كاملة منه باسم ((سورة النحل)).
إننا عندما نتحدث عن النحل، فإننا لا نتحدث فقط عن أحد كنوز الطبيعة الذي لا نقدره تقديره الذي يستحقه، بل نتفكر في خلق الله كما أمرنا في العديد من مواضع القرآن الكريم ومنها ختام الآية الثانية التي تحدث فيها عز وجل عن النحل.
سنصعد الجبال خلفه، وسنتابعه وهو يطير في الصحراء والغابات والمزارع، وبين حقول القري ومباني المدن.
تعرف على النحل:
النحل (باللغة الإنجليزية: A bee)، والمصنف بأنه ضمن ((اللافقاريات)).
وتوصف أي حشرة بأنها "نحلة" إذا كانت تنتمي إلى نوع من أكثر من 20.000 نوع ينتمون جميعا إلى رتبة (غشائيات الأجنحة) والتي يطلق عليها أيضا (رتبة أبو كريتا).
هذه الرتبة تضم أيضا الدبابير والنمل بجانب النحل، وتتميز أساسا بوجود خصر بين منطقتي الصدر والبطن.
ومثل جميع أنواع الحشرات الأخري، ينقسم جسم النحلة إلى ثلاثة أجزاء، رأس به زوج من الهوائيات، وصدر يخرج منه ستة أرجل، وبطن.
![]() |
نحلة من نوع نحل العسل، التقطت هذه الصورة في اكسفورد، المملكة المتحدة، Charles J. Sharp، British wildlife photographer، CC BY-SA 3.0 DEED، via wikimedia commons. |
جميع النحل له شعر يتفرع على جسمه، بخلاف زوجين من الأجنحة يستخدمها في الطيران.
سمح هذا التنوع الهائل للنحل بأن يكون متنوع في أشكاله وأحجامه.
إذ تشمل أنواع النحل، بالطبع نحل العسل المعروف لدي جميع الناس (بالإنجليزية: Apis)، والنحلة الطنانة (Bombus وPsithyrus)، ونحل القرع، بالإضافة إلى الآلاف من أنواع النحل الذي يشبه الدبابير والذباب.
حياة النحل:
يكشف لنا أسلوب حياة النحل أن تنوعه واختلافه لا يتوقف عند حد تعدد أنواعه.
مثلا، داخل خلية نحل العسل نفسها، هناك العديد من الأنواع المختلفة، لكل منها دوره ومهامه الخاصة به، وطريقة حياته داخل مستعمرة النحل.
بداية من ((العامل)) مرورا بذكور النحل، ووصولا إلى ((الملكة)).
طبعا الملكة هي أهم عناصر خلية النحل، وفي العادة يكون في كل خلية ملكة واحدة فقط، إذا ماتت الملكة، تقوم الإناث من "الشغالات" بإختيار واحدة منهن، ويتم إطعامها طعامًا خاصًا يسمى "الهلام الملكي" وهو نفسه غذاء ملكات النحل، لتصبح هي الملكة الجديدة.
يغادر النحل خليته باحثا عن الزهور والنباتات.
![]() |
نحلة من نوع نحل العسل تمتص رحيق واحدة من نبات الهندباء، مقاطعة بيدفوردشير البريطانية، Orangeaurochs، CC BY 2.0 DEED، via Flickr. |
برحيقها وحبوب اللقاح فيها، تمثل له مصدر الغذاء وكذلك لليرقات الصغيرة قبل أن تتحول إلى نحل مكتمل النمو، ومن خلال حركتها من زهرة إلى زهرة ومن نبات إلى آخر، تنقل معها "حبوب اللقاح" لتساهم بشكل لا يمكن الاستغناء عنه في نمو الزراعة العالمية.
عجائب النحل:
- أعجوبة العقل والنفس الواعية:
لعل الأعجوبة التي تثير أقصى مراحل الدهشة من بين الأعاجيب المتعددة للنحل، والتي تجعلنا ندرك لماذا اختصها الله -عز وجل- بالذكر في القرآن الكريم من بين عدد ليس بالكثير من مخلوقاته، بل وذكرها بشكل طيب، هي تلك الإعجوبة التي باتت الأبحاث العلمية تتسابق لإثباتها.
لدي النحل عقل معقد ونفس واعية، إنه يري الأحلام في منامه مثل البشر، وخلال النوم أيضا يمكنه تخزين المعلومات بنفس الطريقة التي تحدث في دماغ الإنسان،
لدي النحل مشاعر مثلنا، يحب ويخاف، بل قد يصاب بأزمات نفسية معقدة مثل "اضطراب ما بعد الصدمة".
هذا وقد أظهر عقل النحل قدرة هائلة، حيث يستطيع أن يتلقي من أقرانه الأكبر منه طرق حل المعضلات والأحاجي.
- أعجوبة تحديد الموقع:
لعلنا جميعا نعرف نظام تحديد المواقع العالمي والمعروف اختصارا باسم GPS.
بدون هذا النظام، يستطيع النحل أن يخرج من خليته كل صباح، ليطير كيلومترات عديدة بعيدا عنها بحثا عن الغذاء، وفي نهاية مهمته، وبدقة شديدة يستطيع العودة إلى خليته التي خرج منها.
يحدث ذلك حتى لو كانت خلايا النحل المتشابهة بشكل نعجز نحن البشر عن التمييز بينها، متقاربة أو حتى متلاصقة، لن تخطئ نحلة واحدة في العودة إلي خليتها.
- أعجوبة اللون الأحمر:
من عجائب النحل قدرته البصرية الهائلة، النحل يستطيع رؤية الألوان والتمييز بينها، لكن الغريب أن هناك لون هو اللون الأحمر وبالرغم من وضوحه، فإن النحل لا يستطيع رؤيته وتمييزه.
فوائد النحل:
هذا المخلوق الرائع بكل هذه التفاصيل العجيبة، له العديد من الفوائد، بجانب العسل، منتجه المحبب للغالبية الكاسحة من البشر.
لا حياة بدون نحل:
إذا خلت حياتنا من النحل، فبالتبعية ستكون خالية من الفواكة، لأنه وببساطة لا فواكة بدون نحل.
الحقيقة العلمية تقول أن ثلاثة أرباع المحاصيل الغذائية من الفاكهة حول العالم تعتمد في عملية التلقيح على النحل وغيرها من الملقحات مثل "الدبابير، والفراشات، وحتى الذباب والخفافيش والطائر الطنان" وهي مهمة جدا كذلك في تلقيح الزهور والخضروات.
حيث يقوم النحل والذي يلقب بلقب (أعظم الملقحات على الإطلاق) بنقل حبوب اللقاح بين الأجزاء الذكورية والأنثوية في النباتات.
وقد يرد هنا أحد القراء .. تقصد أننا سنفقد الفواكة أو بعض أنواع الخضروات، لكن الحياة ستستمر بشكل أو بآخر.
لا هذا ليس هو المقصود .. فهذه النسبة ترتفع إلي 90% بالنسبة للنباتات البرية.
إذا فقدنا هذه النباتات سيدخل العالم في مرحلة كارثية من (الاحتباس الحراري) والذي ستنهار معه الحياة وسيموت البشر، لأن هذه النباتات تقوم بدور حيوي بامتصاص الغازات الدفيئة من كوكبنا.
حتى في مسألة الغذاء نفسه، إننا نعتمد على الملقحات مثل النحل في توفير ثلث كمية الطعام الذي ننتجه على سطح كوكبنا، هذا من ناحية الكمية.
أما من ناحية ((القيمة الغذائية)) فإن المحاصيل التي تعتمد على الملقحات مثل النحل هي أكثر قيمة بخمسة أضعاف من تلك التي لا تحتاج إليه.
وهكذا فإن النحل وبدون مبالغة هو أحد أهم أركان ((التنوع البيولوجي)) في الأرض، وبدونه لن تستمر حياة البشر.
قيمته لا تقدر بثمن:
وبنظرة اقتصادية للمسألة سنكتشف ببساطة أن النحل هو السبب في الحفاظ على عشرات وربما مئات المليارات من الدولارات قيمة تلك المحاصيل كل عام.
تشير التقديرات الرسمية الصادرة عن ((الاتحاد الأوروبي)) إلى أن الملقحات وعلى رأسها "نحل العسل، والنحل الطنان، والنحل البري" تساهم بما لا يقل عن 22 مليار يورو سنويًا في الزراعة الأوروبية، لأنها بمفردها تقوم بتلقيح أكثر من 80% من المحاصيل والنباتات البرية في أوروبا.
هذا داخل أوروبا فقط يا عزيزي القارئ، وهذا أيضا لا يتعلق إلا بالقيمة التي يقدمها النحل فيما يتعلق بالتلقيح، لكننا لو قمنا بتوسيع العدسة أكبر، لوجدنا أن هناك منتجات أخرى ينتجها النحل، النحل وفقط.
الكثير من المنتجات:
بجانب أهم منتجاته ((العسل))، يواصل النحل عطاءه للإنسان بإنتاج العديد من المنتجات المفيدة، وتشمل: ((غذاء ملكات النحل الذي يستخدم أساسا كمكمل غذائي - حبوب اللقاح التي يمكن تناولها كذلك بواسطة البشر - شمع العسل - العكبر والذي أصبح له العديد من الاستخدامات المتعلقة بإدخال التكنولوجيا في صناعة الغذاء - سم نحل العسل والذي يسمي "أبيتوكسين" وله بعض الاستخدامات الطبية)).
لسعات النحل:
في الغالب الأعم من الحالات لن يهاجمك النحل من تلقاء نفسه.
لكنه وبكل تأكيد إذا أحس بالخطر، سواء كان بمفرده أو كانت الخلية بالكامل، فإنهم لن يترددوا أبدا في لدغ من يقترب منهم، إنه أمر أشبه بما يسمي في القانون بحق الدفاع عن النفس.
خطر انقراض النحل:
هناك العديد من العلماء الذين يدقون ناقوس الخطر معلنين أن النحل في ورطة.
تنخفض أعداد النحل حول العالم، وتنهار مستعمراته، بسبب الممارسات الجائرة للإنسان، بل وحتى أحيانا بسبب تنافس انواع النحل فيما بينها على مصادر الغذاء.
ونقدم لكم في ((المعرفة للدراسات)) بعض النصائح التي من شأنها أن تجعلكم تساعدون في رفع معدلات بقاء النحل على قيد الحياة، وذلك من خلال:
- البحث عن بعض أنواع النباتات التي يستخدمها النحل في الحصول على تغذيته، والتي يمكنكم زراعتها في حديقة المنزل، أو سطحه، بل وحتى في شرفه النافذة.
- قد يمثل مشروع تربية النحل مغريا للكثيرين، فكر به إذا كان لديك الوقت الكافي والمكان المناسب لذلك.
وأنتم، لدينا سؤال لكم في نهاية التقرير .. بعد كل هذه الحقائق الرائعة عن النحل، هل لديكم أفكارا أخرى لزيادة أعداده على كوكب الأرض؟.