معركة الدبابات الروسية ضد الصواريخ الأوكرانية.. لماذا تخسر روسيا الكثير من دباباتها في الحرب

 نشرت صحيفة ذي ايكونوميست البريطانية العريقة تقريرا لفتت فيه الانتباه إلي الأقفاص المركبة التي ظهرت على أبراج الدبابات الروسية المشاركة في الحرب في أوكرانيا.

برغم وضع قفص الحماية فوق سقف الدبابة الروسية لحمايتها من الصواريخ التي تهاجم من الأعلى، لم يفلح السقف في مهمته.

الصحيفة البريطانية اعتبرت تلك الأبراج عديمة الفائدة إلى حد كبير.

تقييم سلبي لأبراج الدبابات الروسية:

وكانت الكثير من الدبابات الروسية المشاركة في الحرب على أوكرانيا قد ظهرت ولديها أقفاص غريبة ملحومة فوق أسطح أبراجها.

لكن وعلى ما يبدو فإن هذه الأقفاص الغريبة لم تكن ذات جدوي كبيرة، إذ ظهرت الكثير من الصور لدبابات مدمرة كانت موضوعة عليها.

بل أنه وأحيانا ظهرت بعض الصور التي تعرضت فيها هذه الأقفاص لأضرار واضحة بسبب الهجوم على الدبابة التي تحمله (لا ننسي هنا صواريخ الجيل التالي المضادة للدبابات NLAW السويدية الصنع والتي ترسلها الدول الغربية إلي أوكرانيا في رحلة محفوفة بالمخاطر، وقد تسببت في خسائر فادحة في صفوف القوات الروسية). هذه الصواريخ تهاجم الدبابات من الأعلى أي أنها تطير ثم تنقض بشكل رأسي على برج الدبابة، حيث أضعف منطقة فيها، وتسمي هذه الطريقة بنظام الهجوم من الأعلى “top attack” mode.

صحيفة ذي ايكونوميست، سألت "شتين ميتزر" وهو محلل عسكري مقيم في أمستردام، أطلع على مئات الصور التي تم التحقق أنها لدبابات روسية تم تدميرها في أوكرانيا.

جاء تقييم السيد ميتزر سلبيا للغاية لتلك الأقفاص، فهي تمثل أكثر من نقطة ضعف بحسب رأيه.

أولا: لم تقدم هذه الأقفاص أي شيء بخلاف زيادة وزن الدبابات.
ثانيا: بسبب وضعها على الأبراج، زاد ارتفاع الدبابات الروسية، ما جعل أمر اكتشافها أكثر سهولة.
ثالثا: ربما منحت هذه الأبراج إحساسًا خاطئًا وخطيرًا بالأمن لأطقم الدبابات، وذلك لأن طواقم تلك الدبابات قد يعتقدون أنها تقدم حماية لدباباتهم.

لتلك الأسباب، وبطريقة ساخرة، أطلق بعض المحللين العسكريين الغربيين لقب "درع الدعم العاطفي"، أو "أقفاص الغفارة" (الغفارة هي رداء الكاهن) على أقفاص الدبابات الروسية.

الدروع المناسبة للميدان:

بشكل ظاهري، تعد الأقفاص الملحومة في أبراج الدبابات الروسية، مثالا على ما يُعرف في الأوساط العسكري باسم (الدروع المناسبة للميدان) field-expedient armour.

دبابة روسية مزودة بالقفص الجديد الملحوم بالرأس وقعت في الأسر.

بعبارة أخرى، هي أشياء تمت إضافتها إلي الدبابات بعد دخولها الخدمة، فهي ليست جزءا أساسيا من تصميم الدبابات الأصلى، وغالبا ما تكون تلك المعدات الميدانية التي تضاف للدبابات أو المركبات، تحديثات معقولة تضيف قدرات معينة للدبابة.

لشرح ذلك، تحدثت ذي أيكونوميست مع جاريث أبليبي توماس، وهو رئيس مركز هندسة الدفاع التابع لجامعة كرانفيلد في بريطانيا، حيث أوضح أنه وعلى مر السنين، تنوعت تلك المعدات بشكل كبير.

ففي البداية كان يتم وضع أكياس من الرمال على أمل أن يغوص الصاروخ فيها فلا ينفجر أو يتم تشتيت الموجة الانفجارية، ثم وصلنا إلي وضع صفائح مدرعة على الجوانب الخارجية للدبابات والمدرعات، لاحقًا بدأ وضع معدات وأجهزة لتشتيت الصواريخ أو حتى ضربها بصاروخ دفاعي من الدبابة، تلك الأجهزة يتم تصنيعها بواسطة شركات متخصصة.

غابة الصواريخ المضادة للدروع:

على ما يبدو، فإن الأقفاص الجديدة ، التي يبدو أن تركيبها قد بدأ في أواخر عام ٢٠٢١ ، هي نوع من الدروع المفترض لها توفير حماية إضافية للدبابات.

هذه النوعية من الدروع من المفترض أن توفر للدبابة حماية فعالة (وخفيفة الوزن أيضا) في حالة إذا ما تم استخدامها بشكل صحيح، (كما هو الحال ، على سبيل المثال ، في ناقلات الجنود المدرعة الأمريكية Stryker).

لكن في حالة الأقفاص الروسية تلك، يبدو أن هذا لم يحدث.

هذا قد يقودنا من جديد إلي ما يقال عن عدم الاستعداد الروسي المناسب للحملة العسكرية التي شنتها على أوكرانيا، نفس هذا الرأي قيل مع الإخفاق الروسي في تحييد قدرات الدفاع الجوي الأوكراني بشكل كامل، وكذلك مع الطائرات بدون طيار الأوكرانية التي لاتزال تعمل وتوقع الخسائر في صفوف الروس.

اتضح ذلك على سبيل المثال في حالة الطائرات التركية بدون طيار من طراز بيرقدار تي بي ٢ والتي استخدمها الأوكرانيين بكفاءة حفزتهم على طلب واحدة من أحدث وأقوي الطائرات الأمريكية بدون طيار وهي جنرال أتوميكس MQ-1C.

كما ظهر ما يقال عن عدم الاستعداد الروسي، فيما اعتبر ضعف سلاح الجو الروسي خلال الحرب. خصوصا في توافر الذخيرة الذكية وخبرة الطيارين وكفاءة الاتصالات مع القوات الصديقة.

أنواع دروع الدبابات:

اكتسب قاذف ار بي جي-٧ شهرته أساسا من الاستخدام الناجح له على يد القوات المصرية في حرب أكتوبر ١٩٧٣، صورة لجندي مصري يحمل قاذف ار بي جي-٧ ويسير داخل أحد حصون خط بارليف.

إن أحد التهديدات الرئيسية للمركبات المدرعة في ساحة المعركة، هي الأسلحة الحرارية (شديدة الانفجار المضادة للدبابات) ، مثل الار بي جي-٧، rpg-7 الروسية الصنع والمستخدمة على نطاق واسع.

تعتمد هذه المقذوفات الصاروخية على رؤوس حربية، عبارة عن مخاريط مجوفة من المتفجرات المبطنة بالمعدن، لذا فعندما تصطدم بهدفها، وتنفجر المادة المتفجرة في الرأس الحربي، فإن ذلك يؤدي لانفجار البطانة المعدنية وإنطلاقها بشكل عالى السرعة فتكون قادرة على اختراق الفولاذ السميك من دروع الدبابات.

بحسب جاريث أبليبي، رئيس مركز هندسة الدفاع بجامعة كرانفيلد البريطانية، فإن الار بي جي-٧، rpg-7 قادر على إختراق ٣٠ سم من الدروع الفولاذية.

هذه المقذوفات يمتلكها الجيش الأوكراني، لكننا إذا نظرنا لترسانته من الأسلحة المضادة للدروع، فإن الار بي جي-٧، rpg-7 يعد أقدمها، وهو طفل مقارنة بإمكانيات منظومات متطورة وحديثة يمتلكها الأوكرانيين.

فلديهم على سبيل المثال، صواريخ جافلين التي أمدتهم أمريكا بها، هناك كذلك صواريخ الجيل التالي المضادة للدبابات NLAW السويدية الصنع، وصواريخ mam-l التي تحملها الطائرات التركية بدون طيار من نوع بيرقدار تي بي ٢.

في الأساليب الدفاعية عن الدبابات ضد تلك الصواريخ، يوجد ما يسمي (الدرع التفاعلي المتفجر) explosive reactive armour, or era، والذي يتكون من طبقة أو عدة طبقات من المواد المتفجرة داخل لوحات معدنية تركب حول الدبابة.

عندما يتم ضرب هذا الدرع التفاعلي المتفجر بصاروخ أو مقذوفة مضادة للدروع، فإن هذه المواد تنفجر، وبمبدأ (رد الفعل) يتجه هذا الانفجار ومعه اللوحات المعدنية المحيطة به، في الاتجاه المعاكس لاتجاه الصاروخ الذي يهاجم الدبابة أو المدرعة، مما يضعف تأثيره على الدبابة تماما، إذ يفقد قوته واندفاعه.

وبرغم أنه تم تجهيز العديد من الدبابات الروسية بالفعل (بالدرع التفاعلي المتفجر) era. مع ذلك ، يمكن هزيمة هذا النوع من الدروع ، بما يسمى (بالصواريخ ذات الرأس الحربي الترادفي) ، حيث تؤدي شحنة صغيرة تسبق الرأس الحربي الرئيسي إلى تفجير الدرع التفاعلي المتفجر قبل أن ينفجر الرأس الحربي الرئيسي، والذي سيجد الطريق أمامه ممهدا لاختراق الهدف بكل سهولة.

هناك كذلك للدفاع عن الدبابات، نوع من الدروع يسمي بالإنجليزية Slat and Bar وتعني درع العارضة أو درع القفص كما تسمي كذلك بالدرع الشرائحي، وهو عبارة عن أقفاص تحيط بالدبابة أو المدرعة لحمايتها من الهجمات بالصواريخ.

مدرعة أمريكية طراز Stryker M1134، ويظهر الدرع القفصي محيط بها لحمايتها، Dfutrell at English Wikipedia.

تتميز هذه النوعية بميزتين رئيسيتين هما خفة الوزن والسعر الأقل مقارنة بباقي أنواع الدروع.

لكن طريقة عمل هذه الدروع ليست أمرا بسيطا، فلا يكفي أن يصطدم بها الصاروخ، ربما تقل الأضرار التي ستلحق بها، لكن الصاروخ سينفجر على أي حال، لذا فإن شكل التصميم والتباعد بين القضبان أو الشرائح فيه، هو بيت القصيد الذي يهتم به المهندسين حين تصميم هذه الدروع وصناعتها، إذ أن المطلوب أن يقوم الدرع القفصي أو الشرائحي أن يحشر الصاروخ بين قضبانه بحيث يتضرر الصاروخ وأجزائه الداخليه قبل أن ينفجر، بحيث لا يقوم مفجر الرأس الحربي الموجود في رأس الصاروخ بإرسال إشارة التفجير، وهنا يتم إعطاب الصاروخ ولا تصاب الدبابة.

طريقة العمل تلك، جعل هذا النوع من الدروع يسمي (الدرع الإحصائي)، لأن هذا الدرع إما سيقدم حماية كاملة للدبابة أو المدرعة، وإما لن يقدم أي شيء على الإطلاق، وسيمر الصاروخ من خلاله أو ينفجر به هو والدبابة، عادة ما يوفر هذا الدرع الحماية في ٥٠٪ من الحالات، لذا فهو درع يشبه لعبة المراهنات.

لكن إذا ما وضعنا هذا الدرع في الدبابات الروسية التي تقاتل حاليا في أوكرانيا، فببساطة لن يكون مفيدا، وذلك لأن فكرة عمله التي تعتمد على تهشيم مقدمة الصاروخ وتعطيل المفجر فيه، لن تصلح مع الصواريخ التي يمتلكها الأوكرانيين مثل الجافلين الأمريكي، وصواريخ الجيل التالي المضادة للدبابات NLAW السويدية الصنع، وصواريخ mam-l التركية.

هذه الصواريخ لا تمتلك أصلا مفجر في مقدمة الصاروخ، ناهيك أنها تستخدم تقنية الهجوم من الأعلى “top attack” mode، إذ تطير حتى تصل فوق هدفها ثم تنزل لتنقض عليه عند البرج، أي أنها لن تواجه درع القفص أصلا، ولا حتى الدرع التفاعلي المتفجر.

الأكثر سوء من كل ذلك بالنسبة للدبابات الروسية، مقارنة بأي دبابة من صنع أي دولة أخرى، أن الروس استغنوا في تصاميم دباباتهم عن الفرد الذي يلقم مدفع الدبابة بالذخيرة (المدفعجي)، ووضعوا بدلا منه ملقم آلي.

هذا الملقم مكانه كارثي إذا واجه هجوما من صاروخ يطير ثم ينقض ليضرب البرج. نعم كما خطر في بالك الآن، لقد وضعه الروس في برج الدبابة، ولنتخيل معا إنفجار الصاروخ المهاجم ليصل للملقم وبداخله عدد من دانات الدبابة نفسها، فينفجر ويفجرها معه.

هذا التصميم يعتبره الجيش الأمريكي والمحللين العسكريين في الغرب عيبا قاتلا للدبابات الروسية، ويسمونه تأثير "جاك إن ذا بوكس"... إن هذا العيب هو السبب الذي يجعل أبراج الدبابات الروسية تطير بعد إصابتها، حتى اطلق عليها لقب ساخر هو لقب "الأبراج الطائرة" .. وجعل الغرب -وإن كان في الأمر دواعي الحرب النفسية كذلك- يسمي الدبابات الروسية بالنعوش المتحركة.

أمر محير:

منذ العام ٢٠١٦، يعمل الجيش الروسي على تزويد دباباته ومختلف مركباته، بأنواع متعددة من الدروع، لكن تصميم الأقفاص الجديدة هذه والتي ظهرت في أوكرانيا هو أمر مثير للحيرة.

دبابة روسية مدمرة في ماريوبول، ويبدو أنها كانت مزودة بدرع البرج وإن كان لايزال سليما ما يدل على أن الأصابة حدثت للبدن، Ministry of Internal Affairs of Ukraine and is licensed under the Creative Commons Attribution 4.0 International License.

يبدو تصميم الدرع القفصي الروسي الجديد والملحوم في البرج نفسه، مرتجلًا من المواد المتوفرة محليًا في روسيا.

يبدو هذا الدرع قد تم تصميمه خصيصا لمواجهة ما يعتبره الغرب عيبا في تصميم الدبابات الروسية والذي يسمونه "جاك إن ذا بوكس"، والذي أشرنا إليه. إذ يبدو أنه قادم لمواجهة الصواريخ التي تهاجم من الأعلى “top attack” mode.

لكن السيد نيك رينولدز، وهو محلل أبحاث الحرب البرية في Rusi ، وهي مؤسسة فكرية بريطانية للدفاع، يري أن صواريخ جافلين ستظل قادرة على اختراق هذا القفص وعلى اختراق درع الدبابة الرقيق عند منطقة البرج.

يستند السيد رينولدز في رأيه على تجربة أجراها الجيش الأوكراني نفسه قبل الحرب، وبالتحديد في ديسمبر ٢٠٢١، حيث تم إطلاق صاروخ جافلين ضد دبابة كانت مزودة بدرع يشبه الدرع الروسي الملحوم في البرج، وقتها اخترقه الصاروخ بنجاح ودمر الدبابة.

الأهم من تجربة الأوكرانيين ما قبل الحرب، أن أرض المعركة الفعلية ترد منها الصور الخاصة بالدبابات الروسية ذات القفص الفوقي والتي انتهي بها الحال للتدمير.

المعرفة للدراسات
المعرفة للدراسات
المعرفة للدراسات الإستراتيجية والسياسية، هي محاولة عربية جادة لتقديم أهم الأخبار العربية والعالمية مع التركيز علي تحليل مدلولاتها، لكي يقرأ العرب ويفهمون ويدركون. نمتلك في المعرفة للدراسات عددا من أفضل الكتاب العرب في عديد من التخصصات، لنقدم لكم محتوى حصري وفريد من نوعه. facebook twitter
تعليقات