السلاح النووي التكتيكي .. ما هو هذا السلاح ومدى قدراته التدميرية

السلاح النووي التكتيكي، الذي يشار إليه اختصارا باللغة الإنجليزية (TNW)، ويعرف أيضا بالسلاح النووي الغير إستراتيجي أو (NSNW) اختصارا، إنه أحد أكثر الأسلحة فتكا على وجه الأرض.

صاروخ منطلق من منظومة إسكندر الروسية، من الممكن تزويد هذه الصواريخ برؤوس نووية تكتيكية بدلا من الرؤوس التقليدية، Алексей Иванов، attribute Mil.ru.

ما هو السلاح النووي التكتيكي:

ببساطة وبدون تعقيد، فإن السلاح النووي التكتيكي، هو سلاح نووي، تم تصميمه خصيصا للاستخدام في الحروب والمعارك العسكرية لضرب القوات المعادية، وليس لتدمير مدن كاملة كما هو الحال مع السلاح النووي الإستراتيجي الذي يستطيع محو أهم وأكبر مدن وعواصم العالم.

الفارق بين السلاح النووي التكتيكي والإستراتيجي:

السلاح النووي التكتيكي على العكس من السلاح النووي الاستراتيجي، الهدف منه إفناء تشكيلات معادية كبيرة في أرض المعركة بسرعة وبضربة واحدة ومحدودة، بدلا من استخدام القوات التقليدية لما قد يكلفه ذلك من خسائر كبيرة.

وبخلاف ضرب قوات كبيرة من الجيش المعادي، فإن الأسلحة النووية التكتيكية لها استخداماتها التي لا تستطيع الأسلحة الأخرى القيام بها مثل تدمير الأنفاق والمستودعات الموجودة على أعماق كبيرة تحت الأرض، التحصينات داخل الجبال، وكذلك القناطر الطويلة.

ولذا فإن أول ما نكتشفه من الفوارق بين السلاح النووي التكتيكي ونظيره الاستراتيجي، أن القوة التفجيرية للأسلحة النووية التكتيكية هي أصغر من القوة التفجيرية التي تمتلكها الأسلحة النووية الإستراتيجية.

الفارق الثاني والمهم أيضا، أن السلاح النووي الإستراتيجي غالبا ما يستهدف مدينة أو منطقة بعيدة داخل الدولة العدو، مثلا أن تضرب روسيا أمريكا أو العكس بالسلاح النووي الإستراتيجي فهنا ستحتاج إلي صاروخ عابر للقارات مثلا.

أما بالنسبة للسلاح النووي التكتيكي، فإنه يضرب في ساحة المعركة التي غالبا ما ستكون القوات الصديقة قريبة منها، بل قد تكون القوات المعادية داخل أراضي الدولة التي تمتلك السلاح النووي التكتيكي فتريد الدفاع عنها ومنع القوات الغازية من التقدم بداخلها، لذا فإن الأسلحة النووية التكتيكية تكون ذات أثر إشعاعي أقل حفاظا على سلامة القوات الصديقة ولإمكانية استخدامها في حالة الدفاع عن أرض الدولة.

الفارق الثالث، يظهر عندما نضع السلاحين على "سلم تصعيد الصراع"، فإذا كان الصراع العسكري بين الدول يبدأ أولا بالحرب التقليدية التي تستخدم فيها المعدات العسكرية العادية، فإن المرحلة الثانية منه ستكون استخدام الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية، ثم المرحلة الثالثة التي يستخدم فيها السلاح النووي التكتيكي، وفي النهاية آخر مرحلة هي مرحلة الأسلحة النووية الإستراتيجية التي تمحو مدن كاملة من على وجه الأرض.

الفارق الرابع يظهر في الوسيلة التي يضرب بها السلاح، ففي حالة الأسلحة النووية الإستراتيجية غالبا ما يكون الهدف بعيدا كما ذكرنا، لذا فإن الدولة التي تستخدمها إما ستحتاج إلي صاروخ عابر للقارات أو لغواصة أو قطعة سطح بحرية أو طائرات ذات قدرة على حمل وإطلاق صواريخ ذات رؤوس نووية.

أما الأسلحة النووية التكتيكية فمنصات إطلاقها متعددة وأكثر من نظيرتها الإستراتيجية، وذلك لأن المسافة أقل، فيمكن إطلاقها بواسطة الصواريخ الكروز، والقنابل التي تحملها الطائرات القاذفة أو المقاتلة، بل وحتى قذائف بعض أنواع المدافع، الأكثر من هذا أنه يمكن إطلاق الأسلحة النووية التكتيكية بواسطة طوربيد بحري أو قنبلة من قنابل الأعماق أو حتى الألغام الأرضية، وبجانب كل هذا فإن بعض صواريخ الدفاع الجوي المضادة للطائرات يمكن تزويدها برأس نووي تكتيكي.

منظومة بلوتون الفرنسية، هذه المنظومة تحمل صواريخ ذات رأس نووي تكتيكي، Antoine Misner، (CC BY-SA 2.0 FR)، via wikimedia commons.

وبرغم هذه الفوارق، فإن هناك وجهة نظر عسكرية لا تعترف بوجود شيء يسمي بالسلاح النووي التكتيكي.

من أنصار وجهة النظر تلك، وزير الدفاع الأمريكي السابق "جيمس ماتيس"، والذي قال في عام ٢٠١٨ أمام الكونجرس الأمريكي: "لا أعتقد أن هناك شيئًا يسمي سلاح نووي تكتيكي. إن أي سلاح نووي يستخدم في أي وقت هو عامل إستراتيجي لتغيير قواعد اللعبة".

تاريخ الأسلحة النووية التكتيكية:

بحسب الموسوعة البريطانية Brittanica، كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي أول دولة في العالم تطور سلاح نووي برأس نووية خفيفة.

كان ذلك في خمسينيات القرن العشرين، وحينها ظهر أحد أول الأسلحة النووية التكتيكية وحمل اسم W-54.

هذا السلاح النووي التكتيكي يعد مثالا عمليا للفارق في القوة التدميرية بين الأسلحة النووية التكتيكية، والأسلحة النووية الاستراتيجية، إذ تنتج قوته الانفجارية ما يتراوح بين ٠،١ : ١ كيلو طن (١ كيلو طن يساوي تفجير ١٠٠٠ طن من مادة التي ان تي).

هذه قوة هائلة بل ومرعبة فعليا، لكنها ستبدو صغيرة إذا ما قارناها مع القنابل النووية التي ألقتها أمريكا على اليابان في الحرب العالمية الثانية، إذ بلغت قوتها ما يتراوح بين ١٥ : ٢١ كيلو طن (بمعني أنها أقوي بما يصل إلى ١٥ : ٢١ ضعف من القنبلة النووية التكتيكية).

حتى القنبلة النووية التي إلقيت على هيروشيما، ظهرت أسلحة نووية إستراتيجية أقوى منها بمراحل، ووصلت إلي نحو ٢٠٠ كيلو طن.

هذه الأرقام هي التوضيح العملي للفارق بين السلاح النووي التكتيكي والسلاح النووي الاستراتيجي.

إننا إذا نظرنا حتى للوسيلة التي صنعت من أجل إطلاق W-54، سنجدها مجرد آلة بسيطة للغاية تشبه إلي حد بعيد منظومات الصواريخ المضادة للدروع، هذه الآلة تسمي ديفي كروكيت Davy Crockett، توضع القنبلة فيها، ومن ثم يتم إطلاقها لتضرب مواقع العدو لمسافة تصل إلي ٢،٥ ميل فقط (الميل يساوي ١،٦٠ كم)، وكان يكفي جندي واحد فحسب لتشغيلها.

حملت منظومة ديفي كروكيت اسمها من اسم بطل شعبي أمريكي، كان عضوا في مجلس النواب الأمريكي، ومات وهو يقاتل ضد القوات المكسيكية في معركة إل آلامو عام ١٨٣٦.

في الستينيات، طورت البحرية الأمريكية نوعا جديدا من الأسلحة النووية التكتيكية، أطلقت عليها "ذخيرة التدمير الذري الخاصة" (SADM)، وذلك لعمليات تدمير كامل للموانئ البحرية للعدو.

هذا السلاح كان يحتاج لتشغيله فردين من أفراد القوات البحرية الخاصة أو من مشاة البحرية "المارينز"، يقومان بالقفز بالمظلات من طائرة ومعهما حقيبة بداخلها الرأس النووية.

يقوم الطاقم بوضع هذه الحقيبة التي تحتوي على السلاح النووي التكتيكي في الميناء الهدف، ثم يعودون سباحة إلى مركب صغير ينتظرهم في الخارج لاصطحابهم. كانت القنبلة النووية التكتيكية الموضوعة داخل الحقيبة تضبط بمؤقت تفجير، لكي يحدث الانفجار بعد فترة يضمن خلالها أن يكون الطاقم قد خرج بأمان من منطقة الانفجار.

تأثير الأسلحة النووية التكتيكية:

لكن سيكون من الخطأ الشنيع أن نعتبر أن الأسلحة النووية التكتيكية ذات آثار قليلة، هذا غير صحيح مطلقا.

سنستخدم هنا ذات التعبير الذي استخدمته واحدة من أشهر المجلات العلمية في العالم، وهي مجلة "ساينتفك أمريكان".. والتي وصفت تأثير مجرد "الاستخدام المحدود" للأسلحة النووية التكتيكية بأنه Catastrophic، وتعني "كارثي" باللغة العربية.

 من المحزن أن نستخدم مثالا وقع في دولة عربية لبيان مدى تأثير الأسلحة النووية التكتيكية.

إن سلاح نووي تكتيكي واحد بقوة ١ كيلو طن، سيحدث إنفجارا كالذي شهدته العاصمة اللبنانية بيروت في الرابع من أغسطس ٢٠٢٠، حينما انفجر مخزون ضخم من مادة "نترات الأمونيوم" كان متروكا في مرفأ بيروت ((يمكنكم الإطلاع على تقريرنا: بين بيروت وحيفا .. كيف يحمي القاضي أمته ؟)).

القوة التدميرية هنا ستنتج كرة نارية نصف قطرها حوالي ٥٠ مترا ، وستخلف أضرار جسيمة لنحو ٤٠٠ متر من مركز الانفجار.

لكن، لا ينبغي هنا إغفال أن مما يدعم من وجهة النظر التي تقول أنه لا يوجد ما يسمي بسلاح نووي تكتيكي، والتي أشرنا أن وزير الدفاع الأمريكي السابق من أنصارها.

يري جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي السابق، أن السلاح النووي يظل دوما سلاحا نوويا، ولا يعترف بالتفرقة بين التكتيكي منه و الاستراتيجي، The U.S. National Archives، No known copyright restrictions. 

ما يدعم وجهة النظر تلك، أن الأسلحة النووية التكتيكية لم تعد تقتصر على هذه القدرة المحدودة فحسب، بل إن بعضها قد وصلت قوته إلي ١٠٠ كيلو طن (نتذكر معا أن قنبلة هيروشيما كانت ١٥ كيلو طن فحسب).

لذا يري أنصار هذا الرأي، أنه لا يمكن أن نعتبر أنه ولمجرد أن السلاح النووي قد تم إطلاقه بواسطة سلاح تكتيكي، أنه يتحول لسلاح نووي تكتيكي، وإنما العبرة بالنتيجة وليس بوسيلة الإطلاق.

منظومات روسية تستطيع إطلاق أسلحة نووية تكتيكية:

هناك العديد من المنظومات الروسية التي تستطيع إطلاق أسلحة نووية تكتيكية، لكننا سنكتفي بذكر نبذة عن ثلاثة من أهم تلك المنظومات.

  1. صواريخ كاليبر Kalibr، هي صواريخ كروز متطورة يمكن أن يتم إطلاقها من الغواصات أو السفن الحربية، الصواريخ التي يصل طولها إلي ٦،٢ متر، تستطيع ضرب أهدافها في البر وفي البحر، بمدى يتراوح بين ١٥٠٠ : ٢٥٠٠ كم.
  2. منظومات صواريخ إسكندر-إم Iskander-M، وهي منظومات برية متحركة تحمل صواريخ أرض-أرض دقيقة على متنها، تستطيع ضرب أهداف بمدى بين ٤٠٠ : ٥٠٠ كم، ويصل طول الصاروخ إلي ٧،٣ متر.
  3. الطوربيد بوسيدون، وهذا الطوربيد قد تصل قوة إنفجاره إلي ٢ كيلو طن، وليس ١ كيلو طن فحسب.

خطر استخدام روسيا للسلاح النووي التكتيكي في أوكرانيا:

في ٢٧ فبراير ٢٠٢٢، وعقب ثلاثة أيام فقط من بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه قد أصدر أمر بوضع قوة الردع النووية الروسية في حالة تأهب قصوى.

منذ ذلك الإعلان وبدأ الحديث عن احتمالات استخدام روسيا للسلاح النووي التكتيكي في الحرب ضد أوكرانيا، خصوصا مع المقاومة المستميتة التي أبدتها القوات الأوكرانية في العديد من المناطق، لدرجة إجبار الجيش الروسي على تغيير خططه القتالية والانسحاب من حول العاصمة الأوكرانية كييف التي صمدت أمام حصارها لها.

بخلاف وضع قوة الردع النووية الروسية في حالة التأهب القصوى، فإن بوتين قد ألمح لإمكانية استخدامه السلاح النووي التكتيكي في خطاب ألقاه في مدينة سانت بطرسبرغ، قال فيه: "إذا قرر أي شخص التدخل في الأحداث الجارية وخلق تهديدات استراتيجية غير مقبولة لروسيا ، فيجب أن يعرفوا أن ردنا سيكون سريعًا للغاية. لدينا كل الأدوات اللازمة لذلك ، أدوات لا يمكن لأي شخص آخر التباهي بأنه يملك مثلها. وسنستخدمها ، إذا كان علينا فعل ذلك".

لذا فقد تصاعدت المخاوف في الغرب من أن يعتبر الروس أسلحتهم النووية التكتيكية بمثابة جزء من قوتهم التقليدية، وأن استخدامها لا يشكل استخداما للسلاح النووي بمفهومه المعروف.

صاروخ كليبر يشق سطح البحر منطلقا من الغواصة الروسية فولكوف، من الممكن تزويد هذا الصاروخ برأس نووية تكتيكية، attribute Mil.ru.

من الناحية الرقمية، لا يوجد تحديد دقيق لعدد الأسلحة النووية التكتيكية الروسية، لكن الخبراء الغربيين يقدرون أن روسيا لديها الآلاف من الرؤوس النووية التكتيكية، بل إنها صاحبة أكبر مخزون من الأسلحة النووية التكتيكية على مستوى العالم، متفوقة على الولايات المتحدة الأمريكية.

بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" ، فإن روسيا تمتلك ٢٠٠٠ رأس نووي تكتيكي، وتتفق مجلة "ساينتفك أمريكان" مع هذا التقدير للرؤوس النووية التكتيكية الروسية، لكن هناك مصادر أخرى تجعل الرقم يتوقف عند ١٠٠٠ رأس نووي تكتيكي، وهو فارق كبير بين الرقمين، لكن وعلى أي حال، فإن كلا الرقمين كفيل بإحداث كارثة لم يعرفها العالم من قبل.

بخلاف تحذير بوتين المبطن، لدينا تصريح من أهم رجل مخابرات في أمريكا، إنه وليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA.

السيد وليام بيرنز حذر من أنه "بالنظر إلى اليأس المحتمل للرئيس بوتين والقيادة الروسية، بسبب الانتكاسات التي واجهوها عسكريًا حتى الآن، لا يمكن لأي منا أن يتعامل باستخفاف مع التهديد الذي يمثله اللجوء المحتمل إلى الأسلحة النووية التكتيكية".

وفي ٢٤ مارس ٢٠٢٢، أعلن البيت الأبيض أن لديه فريقًا من الخبراء أطلع حلف الناتو على خطط الطوارئ في حالة استخدام روسيا أي سلاح من ترسانة الأسلحة النووية التكتيكية لديها.

ومع ذلك فقد هدأ رتم الأحداث مع تصريح المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف في نهاية مارس الماضي، والذي قال فيه أنه لأ أحد في روسيا يفكر في استخدام أو حتى يطرح نقاش حول فكرة استخدام سلاح نووي.

إن المخيف في احتمالية استخدام روسيا للسلاح النووي التكتيكي ليس قوته التدميرية فحسب، بل في ما سيتبع استخدام هذا السلاح.

لقد اعتبرت الأسلحة النووية منذ استخدامها ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية بمثابة أسلحة ردع، وظهر مصطلح "الردع النووي"، وتحولت بموجبه هذه الأسلحة الفتاكة إلي أسلحة تحمي الدول التي تمتلكها من خطر الهجوم عليها من أعدائها.

لذا فإن أي استخدام للسلاح النووي التكتيكي، سيعيد الأسلحة النووية بصفة عامة إلي مربعها الأول، وتعود كأسلحة هجومية كما استخدمت ضد اليابان في هيروشيما و ناجازاكي.

لكن الفارق الجوهري اليوم، أن هناك دولا أخرى تمتلك أسلحة نووية وليس كما كان الوضع في عام ١٩٤٥ حينما كانت أمريكا فقط من تتفرد بامتلاك هذا السلاح، وحينها قد تقوم هذه الدول بالرد الانتقامي بالسلاح النووي ضد روسيا، هذا سيعني وببساطة إندلاع الحرب العالمية الثالثة، لكنها ستكون حربا نووية، ستقضي على معظم الحضارة على هذا الكوكب الذي أصبح وأمسي يصرخ من إفساد الناس فيه.

المعرفة للدراسات
بواسطة : المعرفة للدراسات
المعرفة للدراسات الإستراتيجية والسياسية، هي محاولة عربية جادة لتقديم أهم الأخبار العربية والعالمية مع التركيز علي تحليل مدلولاتها، لكي يقرأ العرب ويفهمون ويدركون. نمتلك في المعرفة للدراسات عددا من أفضل الكتاب العرب في عديد من التخصصات، لنقدم لكم محتوى حصري وفريد من نوعه. facebook twitter
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-