نشرت صحيفة ديلي إكسبريس البريطانية الشهيرة تقريرا اعتبرته خطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لغزو أوكرانيا.
التقرير وصف خطة بوتين الحربية بالمدمرة، وأنها جاءت استنساخا للعام ١٩٩٩، مدعية أن محركات الدبابات الروسية التي ستقود الغزو قد بدأت بالفعل في الدوران.
غزو روسي وشيك:
يبدأ تقرير الاكسبريس بالإشارة إلي إعلان وزارة الدفاع البيلاروسية أن روسيا ستمدد المناورات العسكرية في بيلاروسيا التي كان من المقرر أن تنتهي يوم الأحد الماضي، في خطوة قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إنها تجعله أكثر قلقًا بشأن غزو روسي وشيك لأوكرانيا.
وبينما يقول حلف الناتو إن روسيا قد تستخدم القوات الموجودة في بيلاروسيا كجزء من قوة غزو لمهاجمة أوكرانيا. فإن موسكو تنفي أن يكون لديها أي نية من هذا القبيل.
خطة بوتين:
لكن فوفقًا لمارك أوربان ، الذي يعمل كمحرر دبلوماسي هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ، يلاحظ المراقبون احتمال أن يستخدم الرئيس الروسي، نفس التكتيكات الخاصة بحلف الناتو، والتي استخدمها الحلف ضد يوغوسلافيا، للاستيلاء على أوكرانيا.
كانت بداية تدخا حلف الناتو ضد الصرب في يوغسلافيا السابقة مع ارتكابهم بقيادة مجرم الحرب وجزار حرب البوسنة رادوفان كاراديتش أبشع الجرائم في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية ضد المسلمين البوشناق ومنها على سبيل المثال لا الحصر مذبحة سريبرينيتشا.
يستند المحلل البريطاني في توقعه أن تأتي خطة روسيا لغزو أوكرانيا مشابهة لعمليات حملة الناتو عام ١٩٩٩ ضد يوغوسلافيا التي كان الصرب فيها في ذات الوقت قد افتتحوا فيها حربا جديدة ضد المسلمين في كوسوفو في ٢٨ فبراير ١٩٩٩، ما دفع الناتو حينها وتحت ضغط المجتمع الدولي وعلى إثر جرائم الصرب لتجديد حملته العسكرية.
بداية التنفيذ:
يبدو أن الخطوات المبكرة تؤكد ذلك: لقد بدأ الرئيس بوتين في الحديث عن تعرض سكان مناطق الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا لـ "الإبادة الجماعية"، بالإضافة إلى خلق "أزمة لاجئين" عن طريق إبعاد مواطني منطقة دونباس.
إذن فإن الروس يريدون إعادة تمثيل ما نفذه حلف الناتو، عبر توجيه ضربات جوية وصاروخية في جميع أنحاء أوكرانيا كأداة للإكراه.
هذا المعني يتماشي مع تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي قال فيها أن روسيا ستضرب كييف ، لكنه لم يشر إلي أن الروس سيمضون قدما حتى إحتلال العاصمة الأوكرانية.
بهذا الشكل، فكما قصف حلف الناتو بلغراد في النهاية التسعينات، ستشن الطائرات الروسية هجماتها ضد كييف، وكذلك كما ضرب الناتو منشآت هامة للصرب مثل جسر نوفي ساد بالقرب من بلغراد، سيوجه الروس ضرباتهم ضد البنية التحتية الهامة في مختلف أنحاء أوكرانيا.
إذا ما نظرنا إلي الحشد العسكري الروسي بالقرب من الحدود الأوكرانية، سنجده يشمل الأدوات اللازمة لتنفيذ تلك العمليات مثل صواريخ إسكندر وهي صواريخ "أرض-أرض" عالية الدقة، وصواريخ كروز دقيقة من نوع (كاليبر)، وأسراب من الطائرات ، وكلها أسلحة يمكن أن تستخدم لضرب أهداف في عمق أوكرانيا في محاولة لكسر حكومة زيلينسكي.
لعب دور الناتو:
هذه الخطة، يكاد ينطبق عليها قول أبو نواس، أحد أبرز الشعراء في العصر العباسي، وبالتحديد بيت الشعر الذي قال فيه:
وَدَاوِنِــي بِــالَّــتِــي كَــانَــتْ هِــيَ الــدَّاءُ
فهذه الخطة كثيرا ما استخدمها حلف الناتو لضرب دول كانت تدين بالولاء لموسكو مثل يوغسلافيا السابقة قبل تفككها، وكذلك دول كان للروس مصالح حيوية معها مثل العراق.
اليوم يلعب الروس دور حلف الناتو، ويواجهونه بنفس الخطة التي كثيرا ما استخدمها الحلف.
بخلاف الضربات الجوية والصاروخية، ستتحرك القوات البرية الروسية إلي دونباس لطرد القوات الأوكرانية.
الحجة التي سترفعها روسيا لتبرير هذا التحرك العسكري على الأرض، ستتمثل في (تجنب خطر الإبادة الجماعية)، وربما سيستخدم الروس شعارات مثل قوات حفظ السلام، إنها ذات الشعارات التي استخدمها الناتو في تدخلاته في شرق أوروبا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
وهكذا، فمن خلال استخدام نفس التكتيكات التي وظفها حلف شمال الأطلسي (الناتو) وخصوصا في العام ١٩٩٩، يهدف الكرملين لتحقيق هدفين.
الأول هو أن يكون هناك بعد تاريخي للمسألة، يقول أن حلف الناتو فعل نفس الأمور من قبل ذات يوم، لذا فهناك سابقة يمكن تكرارها والقياس عليها.
الأمر الثاني هو أنه إذا وصف الغرب هذه الأفعال بالعدوان، فإن وصف (العدوان) سيكون منطبق أيضا على حلف الناتو.
وفي وقت سابق قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين إن التحذيرات المتكررة من الغرب بأن روسيا على وشك الغزو كانت استفزازية وقد تكون لها عواقب وخيمة، لكنه لم يصرح بها.
أيا كان سيناريو الغزو، فلدي الروس من القوة العسكرية ما يكفي لسحق الجيش الأوكراني، صورة لرتل دبابات روسي طراز تي-٩٠، Vitaliy Ragulin، Репетиция парада.، (CC BY-SA 3.0)، via Wikimedia commons. |
بذلك تختلف هذه الخطة في أجزاء وتتفق في أجزاء أخرى مع بعض السيناريوهات الأخرى التي طرحت خطة روسيا لغزو أوكرانيا، والتي وضعت ستة خيارات أمام الروس إذا ما قرروا شن حربا ضد أوكرانيا.
تأكيد عملي:
على ما يبدو فإن بعض الأخبار الواردة من موسكو تؤكد ذلك السيناريو.
ففي اجتماع تم عقده اليوم الاثنين ٢١ فبراير، دعا أعضاء مجلس الأمن الروسي الرئيس بوتين للاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك.
أعضاء مجلس الأمن الروسي اتهموا السلطات في أوكرانيا بأنها هي من تحاول حل الأزمة عسكريا، وفي ذات الاجتماع قال بوتين نفسه أن بعض سكان أوكرانيا لم يقبلوا ما وصفه (الانقلاب على السلطة) في البلاد الذي حصل عام ٢٠١٤ وكان مناهضا للدستور ودمويا، بحسب وصفه، بينهم مواطنو شبه جزيرة القرم ومقاطعتي دونيتسك ولوغانسك.
هذا يتفق مع ما ذهبت إليه هذه الخطة من أن الروس قد يستغلوا وجود مؤيدين لهم بالفعل داخل أوكرانيا ويقومون بالتدخل بحجة حمايتهم.
بل إن الرئيس بوتين كان صريحا في ذلك الإتجاه عندما اعتبر أن السلطات في كييف بدأت الآن عملية عقابية ثالثة ضد سكان دونباس.
وزير دفاعه، سيرغي شويغو، عزف أيضًا على هذا الوتر حينما قال أن السلطات الأوكرانية تستعد لإطلاق هجوم واسع شرق البلاد، وأفاد بأن كييف حشدت في المنطقة ٥٣ ألف عسكري.
أما رجل بوتين المخلص، والذي تولي رئاسة روسيا لدورة واحدة فقط، حتى يستطيع بوتين العودة للرئاسة مجددا، دميتري مدفيديف، والذي يشغل نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، فقد عبر عن اعتقاده أن أغلب مواطني روسيا سيدعمون الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك.
كما جدد رئيس مجلس الدوما الروسي، فياتشيسلاف فولودين، طلبه لبوتين الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، بينما اعتبرت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي، فالينتينا ماتفيينكو، أنه لا بد من اتخاذ هذا الإجراء إن كان ذلك سيحل المشاكل الحالية لسكان دونباس.
كل هذه العوامل تفتح الباب للاعتقاد بشكل كبير أن الروس سيستخدمون مسمار جحا لدخول أوكرانيا، نفس المسمار الذي استخدمه الناتو ذات يوم.