بين مصر وقطر الكثير من الاختلافات، المساحة والتعداد والعمق التاريخي، وتجاذب شهدناه في السنوات الأخيرة، نعم هذا صحيح.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، صورة من صفحة الرئاسة المصرية علي موقع فيسبوك. |
لكن بين الدولتين أيضا الكثير من التشابهات التي تغري بقيام تحالف مصري-قطري قوي الأوتاد، بداية من اللغة، وأن الإسلام هو دين القطريين جميعا، ودين الغالبية في مصر، وأن الدولتين يمكنهما التعاون في العديد من المجالات، علي رأسها الاقتصادي والسياسي.
نظرة مشتركة:
في السبت، ٣٠ أكتوبر ٢٠٢١، التقي وزير المالية المصري الدكتور محمد معيط مع السفير القطري في القاهرة، سالم مبارك آل شافي.
في ذلك اللقاء، خرج السفير القطري الذي عاد إلي القاهرة بعد سنوات من الغياب، ليقول إن مصر تُعد أرضًا خصبة للاستثمار فى ضوء ما تشهده من نهضة غير مسبوقة فى كل المجالات، وتطورات إيجابية فى مناخ الاستثمار.
تصريحات السفير القطري بالتأكيد تثير سعادة كبيرة في مصر. التي انفقت الكثير من الأموال خلال السنوات الأخيرة في تحديث بنيتها التحتية في كافة النواحي، وخصوصا في قطاعات مثل الطرق، تكنولوجيا المعلومات، الموانئ البحرية والجوية.
رجال الأعمال القطريين، وجهاز قطر للاستثمار الحكومي، وبقية مؤسسات الدولة القطرية بالتأكيد لديها مشاريع ستنتج في النهاية قيمة مضافة للناتج القومي الإجمالي لمصر، وتخلق المزيد من فرص العمال للشباب المصري.
هذا هو نفس المعني الذي قاله وزير المالية المصري محمد معيط عندما اشار إلي نجاح حكومته فى تهيئة بيئة محفزة للاستثمار المحلى والأجنبى فى مختلف المجالات، وإتاحة العديد من الفرص الاستثمارية الواعدة فى المشروعات القومية والتنموية الكبرى.
عملية المصالحة:
تأتي هذه التصريحات بعد شهور من حالة التغير الديناميكي بين مصر وقطر علي وجه الخصوص، أظهرت حرص البلدين علي بدأ تعاون مثمر للطرفين، وبشكل سريع، بعد سنوات من التوتر والاحتقان الشديد.
كانت مصر والسعودية والإمارات والبحرين في حالة مقاطعة مع قطر استمرت حتى يناير ٢٠٢١.
فبعد فترة وجيزة من زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلي السعودية في مايو ٢٠١٧، أعلنت الدول العربية الأربعة مقاطعتها لقطر، في الخامس من يونيو من نفس العام.
سمحت تلك المقاطعة بشكل ما لتعزيز العلاقات بين قطر وتركيا، لذا سيكون من المهم إعادة توطيد العلاقات المصرية القطرية، كنوع من أنواع التوازن في مقابل أنقرة التي لا تزال تربطها بالقاهرة علاقات متوترة.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مزهوا بقواته في قطر خلال احدي زياراته لها. |
لقد استغلت تركيا فترة المقاطعة ونجحت في إقناع القطريين بإقامة قاعدة عسكرية لهم في قطر، ما وفر لتركيا قدما عسكرية علي شاطيء الخليج العربي.
وفي اتجاه مضاد، قادت مصر والسعودية الاتجاه نحو المصالحة مع قطر وإنهاء حصارها بتوقيع اتفاق العلا في يناير ٢٠٢١.
من الملاحظ أيضا هدوء نبرة قناة (الجزيرة) والتي كانت تعتمد خطا تحريريا واحدا يتخلص فى مهاجمة النظام المصري، اتخذت الجزيرة منذ يناير ٢٠٢١ منهجا أكثر اتزانا حتى في النقد، وأصبحت هادئة النبرة تماما في التعامل مع الملفات المصرية والسعودية علي وجه الخصوص، حتى إذا قارنها بتعامل قناة الجزيرة نفسها مع الإمارات الذي لا يزال عنيفا.
من أجل غزة:
قد يبدر للذهن سؤال آخر مفاده، هل من الممكن أن يلعب البلدين معا لصالح القضايا العربية؟.
الحقيقة تقول أن حرب غزة الأخيرة التي تسمي في إسرائيل بعملية حارس الجدران أو Operation Guardian of the Walls، والتي استمرت في الأيام الأخيرة خلال شهر رمضان الماضي وأيام عيد الفطر، انتهت بتدخل مصري لوقف إطلاق النار وهدنة غير مشروطة بين الفلسطينين والإسرائيليين.
القطريين أيضا لديهم علاقات وطيدة مع حركات المقاومة في قطاع غزة.
تستطيع الدوحة بالتعاون مع القاهرة أن يبذلا الجهد لإعادة إعمار قطاع غزة الذي دمرته الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة منذ سنوات.
ويبدو أن هذا الاتجاه يأخذ زخما لدي المصريين والقطريين علي حد سواء، شريطة أن لا تتخذ قطر أي خطوات سلبية كانت مصر تسجلها عليها فيما سبق.
لقد اتضح ذلك خلال القتال الفعلي بين الفلسطينين والإسرائيليين، ففي ذلك الوقت كانت قطر مدركة بشكل كامل أن مصر هي القائد التاريخي للوساطة بين الطرفين، نسقت الدوحة مواقفها مع القاهرة، ما كان دليلا علي أن الطرفين قد توصلا لإطار عمل مشترك بينهما للتعاون في غزة.
وعندما وضعت الحرب أوزارها، تعهدت مصر بمبلغ ٥٠٠ مليون دولار لإعادة إعمار القطاع (ربما ليس بشكل مباشر ، ولكن من خلال شركات المقاولات المصرية والأدوات الهندسية والمواد الخام) ، وسارعت قطر في مضاهاة التبرع بهذا المبلغ ، بالإضافة إلى المبلغ الذي تقدمه سنويا ويبلغ ٣٦٠ مليون دولار والذي يشكل دعم مستمر للقطاع.
لا تجد إسرائيل غضاضة في تحويل الأموال القطرية طالما إنها لا تستخدم في البنية التحتية لحماس، ولقد أفادت الأنباء فيما سبق أن رئيس الموساد السابق (يوسي كوهين) زار الدوحة لضمان استمرار المساعدة المالية التي تقدمها الإمارة الخليجية لغزة -بلغت أكثر من مليار دولار منذ عام ٢٠١٢-.
جدول أعمال مزدحم:
من الملفت للانتباه أن البلدين مصر وقطر ، ومنذ المصالحة، تزدحم جدول أعمال تحسين العلاقات بينهما، يعني ذلك أن البلدين لديهما رغبة حقيقية في تعويض سنوات المقاطعة، وبدء علاقة ربح مشترك حقيقية.
الرئيس المصري يتسلم أوراق اعتماد سفير دولة قطر في مصر، صورة من السفارة القطرية في مصر |
لم يكن لقاء السفير القطري في مصر سالم مبارك آل شافي مع وزير المالية المصري محمد معيط هو اللقاء الأول له مع مسؤول مصري بارز.
فمنذ أن تسلم الرئيس المصري أوراق اعتماد السفير القطري في مصر بتاريخ ١٥ سبتمبر، ويتحرك السيد مبارك آل شافي بنشاط.
في ٢٩ من نفس الشهر، أكد السفير القطري أن مصر دولة لها ثقلها ووزنها الاستراتيجي، ولا يمكن إغفال دورها المحوري في المنطقة، قائلا : "إنني هنا جزء من منظومة متكاملة تعمل على تحقيق أقصى قدر ممكن من التقارب في العلاقات الثنائية القطرية - المصرية وتقويتها".
وبتاريخ ١٨ أكتوبر التقي السفير القطري في مصر مع وزير القوى العاملة المصري محمد سعفان، وعقب ذلك بيومين فقط التقي الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولى المصرية، وفي صباح اليوم التالي اجتمع مع السيدة نيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة.
اجتماعات متتالية تعكس بوضوح أن البلدين لهما تطلعات مشتركة في التعاون معا بالعديد من المجالات.
قبل كل ذلك، وفي شهر مايو التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بوزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
يومها، افادت الانباء ان الجانبين اتفقا على "تكثيف التشاور والتنسيق المشترك" من اجل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
وفي تصريحاته في ختام الزيارة، أقر عبد الرحمن آل ثاني بدور مصر الريادي في الاتفاقية التي تتبلور في قطاع غزة بعد عملية حارس الأسوار، مشيرًا إلى أن لمصر "دورًا استراتيجيًا ومحوريًا ... في حماية الأمن القومي العربي والدفاع عنه".
كان ذلك عقب تسليم وزير الخارجية القطري دعوة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لزيارة السيسي للدوحة. مثل هذا الاجتماع ، إذا تم عقده سيكون الأول بين الزعيمين في قطر ، بعدما سبق للأمير تميم زيارة مصر منذ عدة سنوات.
سد النهضة:
تم تسجيل قفزة أخرى في العلاقات منتصف يونيو حزيران، عندما استضافت قطر قمة جامعة الدول العربية الاستثنائية لوزراء الخارجية التي ناقشت بناء على طلب مصر والسودان أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، والتي انتهت لاستعداد الجامعة العربية إتخاذ إجراءات تصاعدية لدعم كل من مصر والسودان.
وزير الخارجية المصري سامح شكري يسلم رسالة من الرئيس المصري يدعو فيها أمير قطر لزيارة مصر. |
وخلال زيارته للدوحة لحضور الاجتماع، التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري بأمير قطر، وبحث معه تعزيز العلاقات الثنائية، ودعاه لزيارة القاهرة.
وفي مقابلته غير التقليدية مع قناة الجزيرة ، أشار وزير الخارجية المصري إلى أن رحلته إلى الدوحة لم تكن مخصصة فقط لغرض حضور مؤتمر حول السد الإثيوبي -الذي يُنظر إلى ملئه من جانب واحد في القاهرة على أنه تهديد خطير للأمن المائي المصري-، ولكن أيضًا لترك الصعوبات في العلاقات المصرية القطرية وراء ظهر البلدين وبدأ صفحات جديدة.
توجت تلك التحركات في يونيو ، فلأول مرة منذ أربع سنوات ، تم تعيين سفيرين من مصر والمملكة العربية السعودية في قطر.
مجموعة مصالح:
بشكل عام، يخدم التقارب مع قطر مجموعة من المصالح المصرية المتعلقة بالعديد من القضايا الإقليمية والثنائية.
- في البداية، سيتم توحيد الموقف العربي الذي يعتبر مصر القائد الإقليمي، لاسيما في ملفات مثل ملف التسوية في قطاع غزة.
- تعزيز العلاقات الاقتصادية من خلال الاستثمارات القطرية في مختلف الصناعات المصرية ، بما في ذلك العقارات والسياحة والتمويل.
- وقف حالة التراشق الإعلامي.
- إبعاد الوجود التركي من الساحة الخليجية.
فوق كل ذلك، سيكون مهما بالنسبة لمصر، أن تقف قطر كدولة عربية في صفها في قضية سد النهضة الإثيوبي التي تحتل حاليًا صدارة اهتمامات القاهرة، وتسير مفاوضاتها في طريق مسدود منذ عدة أشهر.
تتمتع الدوحة بعلاقات وثيقة مع إثيوبيا ونفوذ اقتصادي عليها (أديس أبابا وجهة جذابة للاستثمارات القطرية) ، وقد تجد مصر فرصة في أن يتم توجيههم إلى الوساطة والضغط الدبلوماسي الفعال علي الإثيوبيين.
تجدر الإشارة هنا إلي أن مجموعة سهيل القطرية والتي يوجد في إثيوبيا واحد من أربع مقرات رئيسية لها حول العالم في إثيوبيا، قد قدمت تبرعا بمبلغ 10.000 دولار أمريكي، مخصص بالتحديد لدعم إثيوبيا في بناء سد النهضة، وبرغم أن المبلغ ليس جدير بالاهتمام، إلا أنه مثل خبرا غير إيجابي في مسيرة تحسين العلاقات بين مصر وقطر.
في تصريح لوزير الخارجية القطري قال "الأمن المائي مسألة حياة للشعبين المصري والسوداني ، وهناك اتفاق عربي حول هذا الهدف ".
بشكل عام، قد يكون ثقل هذه العلاقات والمصلحة المشتركة كافيا لتنحية أي توترات قد تكون ظلت عالقة منذ سنوات الأزمة.
من الملاحظ أيضا، أن المصالحة المصرية القطرية تتقدم بوتيرة أسرع بكثير من الجهود الموازية المسجلة في الأشهر الأخيرة للمصالحة المصرية التركية والتي تتقدم خطوة ثم تقف أسابيع وشهور.
يبدو أن مصر تفضل تسريع تقاربها مع قطر في ضوء القوة الاقتصادية الهائلة التي تمتلكها، وامكانية تفاهم قادة البلدين معا بشكل سهل مقارنة بالمواقف التركية الاستعلائية المتجمدة.