سد النهضة وسدود أخرى.. حلم إثيوبيا ببيع المياه لمصر والسودان أو لمن يدفع أكثر

اذا ما اردت أن تصف إثيوبيا بوصف ما، فهي البلد التي تعوم فوق المياه، فالدولة الأفريقية تتعدد مواردها المائية من أمطار وأنهار وغيرها، وتتجمع معا لتشكل سنويا ٩٣٦ مليار متر مكعب من المياه، ويمكننا تخيل ضخامة الرقم، حينما نعلم أن مصر يصلها سنويا من نهر النيل ٥٥،٥ مليار متر مكعب من المياه فحسب.

شلالات النيل عند منابعه في إثيوبيا. 

وفرة وشح:
في احصائية عام ٢٠٢٠، بلغ عدد مواطني إثيوبيا نحو ١١١ مليون مواطن، يزيد الرقم قليلا عن عدد سكان مصر، أو يكاد يساويه.

هذا يجعلنا أمام شعب لديه وفرة ضخمة للغاية من المياه العذبة، يستطيع استغلالها للزراعة والصيد وتوليد الطاقة الكهرومائية، وهو الشعب الإثيوبي.


شعب آخر هو الشعب المصري الذي دخل مرحلة الفقر المائي، ويتوقف نصيب الفرد من المياه في مصر عند ٦٦٠ متر مكعب، بينما حصة الفرد علي مستوى العالم ١٠٠٠ متر مكعب سنويا. ويبحث المصريين الآن عن تحلية مياه البحر لتعظيم موارده من المياه، وتقليل الفاقد من النهر بعمل تبطين للترع وفروع النيل.


قديما قال المؤرخ الاغريقي الشهير "هيرودوت"، والذي يلقب بأبو التاريخ أن "مصر هبة النيل"، وقال آخرون أن النيل هو هبة ﷲ لمصر لكي تواصل الحياة لسبعة آلاف عام من الحضارة أو يزيدون.


رغم ذلك، تسعي إثيوبيا لوضع العراقيل أمام التدفق الطبيعي لمياه النهر إلي مصر، والتي تستمر في الجريان منذ ملايين السنين بانتظام، ذلك دون مراعاة لهذه الفجوة الشاسعة في الموارد المائية بين البلدين، والأهم إمكانية إثيوبيا الاستعاضة ببقية مواردها المائية والطبيعية الأخرى لتحقيق أهدافها التنموية التي تدعيها، بينما لا يمكن لمصر أن تعوض ماء النيل.


بيع المياه:
إذن فالمسألة أصليا لا تتعلق بحاجة إثيوبيا إلي الماء الذي يصل للسودان ومن بعدها مصر.


فما لديها من ماء يكفي ويفيض.. وهي أيضا لا تحتاج السد لإنتاج الطاقة الكهرومائية، فواقعيا إثيوبيا لديها ١١ نهر آخر بخلاف النيل الأزرق لتقيم عليه السدود، واقامت بعضها فعلا، وتخطط ليكون إجمالي سدودها ١٨ سدا، كما أنها واحدة من أكثر دول العالم من حيث إمكانية انتاج الطاقة المتجددة من الرياح والشمس.

عمليات البناء في سد النهضة، الصورة الأصلية بعدسة إدواردو سوتيراس / وكالة الصحافة الفرنسية / غيتي إيماجز. 


في دراسة أعدها باحثون في جامعات ألمانية وبلجيكية، ونشرت في أبريل الماضي، بدورية "نيتشرز انيجري"، اقترح الباحثون إلحاق منظومة توليد طاقة من الرياح والشمس بسد النهضة، تعمل في أوقات نشاط الرياح وسطوع الشمس، ولا يحجز السد الماء خلال تلك المدة، بل يسمح لها بالجريان، إذ أن الكهرباء سيتم توليدها بالرياح والشمس.


وأكملت الدراسة مقترحها بأن السد بهذه الصورة لن يعمل علي توليد الكهرباء إلا في أوقات محددة كل عام، وهذا سيحقق هدف إثيوبيا الذي تقول انه ينحصر في توليد الطاقة، وهدف كل من مصر والسودان، إذ سيتحول هذا السد العملاق واقعيا لمجرد خزان صغير.


هذا مقترح قد يكون جدير بالمناقشة، وتضمينه في "الاتفاق القانوني الملزم" الذي تريد مصر التوصل إليه، بينما تصر إثيوبيا علي تعنتها طوال عشر سنوات من المفاوضات.


تتعنت إثيوبيا لأن الحقيقة تتمثل في مقولة ((المرء مخبوء تحت لسانه، فإذا تكلم ظهر)).. والحقيقة هي ما نطق بها "دينا مفتي" المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية، في تصريح له مطلع شهر أبريل الماضي من أن بلاده ""ستبيع"" الفائض من المياه لمصر والسودان. 


هذا هو حقيقة الحلم الإثيوبي، مهما حاولوا اخفاءه، التعدي علي حقوق الآخرين مهما كان هذا التعدي مؤذيا ومخالفا للقوانين الدولية. 



ماذا بعد:
والحقيقة أن الحديث عن هدف بيع المياه للسودان علي مصر، ورغم أنه كارثة في حد ذاته، إذ يلغي جميع الحقوق التاريخية للبلدين في مياه النهر، ويجعل من النيل كما صرح المسئولين الإثيوبيين بالفعل يتحول من نهر دولي إلي بحيرة إثيوبية، بخلاف أنه وفي أبسط أضراره يمثل عبء اقتصادي علي كليهما.


هذا كله سيقل خطره عندما نقارنه مع حقيقة أن قفل محبس المياه عن كل من مصر والسودان، يجعلهما في قبضة إثيوبيا، تتحكم فيهما كما تشاء، وتخنقهما كما تشاء.


وطالما أن المبدأ هو شراء الماء بالمال، فليبيعه الإثيوبيين لمن يدفع أكثر، للمصريين والسودانيين، أو لأي شخص أو دولة أخرى اذا ما عرضوا مالا أكثر.

مزارع إثيوبي، صورة للاستخدام العام. 


فليس شرطا أن يعبء من يريد الماء في براميل، بل يمكن أن تأتي دولة أو شركة أو مستثمر وتشتري أراضي في إثيوبيا وتشتري الماء المصري-السوداني منها، وتزرع به تلك الأراضي، ولا مشكلة لدي الإثيوبيين من حجم الضرر الذي قد يصيب شعبين من المفترض أنهما صديقان كما تقول علي ألسنة مسئوليها.


تجدر الإشارة إلي أن هناك بالفعل حاليا عدد من الدول تشتري وتستثمر في مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية أو الصالحة للزراعة في إثيوبيا.


سد جديد:
أما كل ما قيل سابقا، فيتعلق بسد النهضة فقط، فماذا لو أضفنا إليه سدا آخر. تكون فيه أكثر وضوحا وتبجحا فيما تقوله عن هدفه منه.


فهذا الأسبوع، وبالتحديد في ١٥ يونيو، اعلنت إثيوبيا رسميا البدء في بناء سد اسمته "ري الغضب"، وهو اسم يظهر منه ما يخفي تحته من نوايا وأغراض.


هذا السد موقعه علي نهر ديدسا الذي يغدي النيل الأزرق الذي تحصل منه مصر والسودان علي معظم مياههما.


وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي "سيليشي بيكيلي"، كان واضحا تماما هذه المرة حينما تحدث عن أن نصف مساحة بلاده صالحة للزراعة، لكن المساحة المزروعة منها لا تشكل إلا ٢٠٪ فقط، وأن السد الجديد سيساعد في ري وتطوير أكثر من ١٤٥٠٠ هكتار "الهكتار يساوي ٢،٤٧ فدان" من الأراضي الزراعية، أي ما يزيد عن ٣٥ ألف فدان.


بشكل عام، تخطط إثيوبيا لبناء أربعة سدود علي النيل الأزرق، ستكون قادره علي تخزين ٢٠٠ مليار متر مكعب من المياه، وهو الخزان الضخم الذي تحلم به إثيوبيا لتبيع المياه من خلاله.


أصبح جليا، ومن المؤكد أن إثيوبيا لا تريد أن يظل ماء النيل يصل إلى السودان ومصر كما خلقه ﷲ، وكما استمر في القدوم منذ ملايين وليس آلاف السنين، كما كشفت الدراسات التي اجريت علي مجري النهر.


فكل حججها مدحوضة، وتصريحات مسئوليها تتحول بالتدريج نحو كشف حقيقة هدفهم الدفين.

المعرفة للدراسات
بواسطة : المعرفة للدراسات
المعرفة للدراسات الإستراتيجية والسياسية، هي محاولة عربية جادة لتقديم أهم الأخبار العربية والعالمية مع التركيز علي تحليل مدلولاتها، لكي يقرأ العرب ويفهمون ويدركون. نمتلك في المعرفة للدراسات عددا من أفضل الكتاب العرب في عديد من التخصصات، لنقدم لكم محتوى حصري وفريد من نوعه. facebook twitter
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-