في الثامن عشر من يونيو عام 2021 نشرنا في (المعرفة للدراسات) تقريرنا الذي حمل عنوان (سد النهضة وسدود أخرى.. حلم إثيوبيا ببيع المياه لمصر والسودان أو لمن يدفع أكثر).
![]() |
| صورة لسد النهضة الإثيوبي الكبير، الصورة من Prime Minister Office Ethiopia، للاستخدام العام. |
وفي التاسع من سبتمبر عام 2025، افتتحت إثيوبيا رسميا سد النهضة بعد 14 عام من بدء العمل به.
في هذا التقرير سنتحدث عن هذا السد بصورة واقعية وعلمية وبعيدة عن العواطف، فقد حذرنا منه قبل أكثر من أربع سنوات من يوم افتتاحه.
الخصائص الرئيسية لسد النهضة:
يعد سد النهضة الإثيوبي الكبير المعروف اختصارا باللغة الإنجليزية باسم (GERD) أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، مع قدرة على إنتاج الطاقة تصل إلى 6,450 ميجاوات.
وبالرغم من أن مصادر أخرى تخفض قدرة سد النهضة على توليد الطاقة إلى 5150 ميجاوات، فإن هذا الرقم هائل جدا، ويعادل ما تنتجه ثلاث محطات طاقة نووية متوسطة الحجم.
هذه الكمية الكبيرة من الكهرباء هي ما تجعل سد النهضة الإثيوبي الكبير مشروعا ذو أهمية وطنية بالنسبة للإثيوبيين إذ يعتبرونه مصدر مستدام للطاقة، وسيمنحهم فوائد طويلة الأجل على مستويات متعددة.
هذه الكمية من الكهرباء أيضا -وعلى فرض أقل الرقمين- ستجعل إثيوبيا لا تلبي احتياجاتها فحسب، بل تخطط لتصدير الفائض إلي الدول المجاورة، بما في ذلك السودان وكينيا وتنزانيا وجيبوتي.
السد يقع على (النيل الازرق) على بعد حوالي 30 كيلومترًا من الحدود مع السودان.
بني سد النهضة أساسا بالخرسانات فهو (سد خرساني)، ويصل ارتفاعه إلى 145 متراً، وهو مملوك وتتم إدارته بواسطة شركة الكهرباء الإثيوبية (EEP)، وسيخزن كميات من المياه كافية لغمر 1874 كيلومتراً مربعاً.
عيوب سد النهضة:
بالرغم من كثرة الأحاديث عن أشياء مثل تشققات سد النهضة، أو حتى انهياره، فإننا وكما قلنا نتحدث علميا وبعيدا عن العواطف.
العيب الهندسي المثبت في هذا السد هو أنه قد يواجه مشكلة في استدامة تشغيله، بمعني أنه قد يعمل لفترة ثم يتوقف.
السبب وراء ذلك هو (الترسبات في خزان السد).
![]() |
| يجب تصريف المياه من خزان السد بكثافة كبيرة، الصورة من Prime Minister Office Ethiopia، للاستخدام العام. |
ببساطة، المياه التي تدخل إلى خزان سد النهضة يكون معها (رواسب) بأحجام كبيرة، هذه الرواسب يجب التخلص منها وهذا لا يحدث إلا عن طريق إطلاق المياه بقوة وكثافة، وهو ما يفسر الصور الكثيرة القادمة من سد النهضة لخروج المياه عكره.
وفقا لمعيار التصميم الخاص بالسد، فإن سعة التخزين الميتة (سعة التخزين الميتة تعني كمية المياه التي سيخزنها السد خلفه ولن تتجاوزه بسبب ارتفاعه) وهي ظاهرة تحدث في كل سدود العالم.
المهم أن هذه السعة كافية لاحتجاز الرواسب المتدفقة لمدة 100 عام، بمعني أنه وبعد قرن من الزمان، فلن يصبح هناك ماء خلف السد بل رواسب.
هذه ليست مسألة حسابية مضمونة، لذا فإن هناك انتقادات هندسية تقوم فكرتها على أساس أن (معيار التصميم) مقبول نظريا، لكنه وفي الواقع العملي قد لا يضمن استدامة طويلة الأمد.
ففي خزانات السدود الكبيرة، مثل سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) كل ما لدي المهندسين من طرق لإدارة الرواسب تقتصر كما قلنا على إطلاق تيارات كثيفة من المياه العكرة.
لنعود خطوة إلى الوراء.
إذ تأتي مياه النيل الأزرق من الإمطار، حيث أظهرت قياسات الرواسب أنها تزيد بمعدلات كبيرة.
فبينما كانت الرواسب السنوية 91 طن خلال الفترة من 1980 - 1992، فإنها زادت لتصبح 147 مليون طن سنويًا خلال الفترة بين عامي 1993-2009، أي أنها تزيد.
هذا يعني ببساطة أن كميات الرواسب تزيد بمعدلات كبيرة بمرور الوقت وقد تقلل مدة المائة عام.
سؤال التقرير وننتظر إجابتكم في التعليقات: هل تعتقدون أن الرواسب قد تجعل سد النهضة بعد بضعة عقود مجرد خرسانة لا قيمة لها تمر من فوقها مياه نهر النيل كما اعتادت منذ فجر التاريخ؟.

