في السادس والعشرين من مارس عام 1979، وقع الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات اتفاقية السلام بين بلاده وبين إسرائيل لإنهاء حالة حرب بين البلدين استمرت لواحد وثلاثين عاما.
![]() |
| المصافحة الثلاثية الشهيرة بين الرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن والرئيس الأمريكي جيمي كارتر، صورة بعدسة: Shabtai Tal، CC BY-SA 3.0. |
قوبلت هذه الاتفاقية بمقاطعة عربية لمصر، وتم إتهام رئيسها بالخيانة، وبيع القضية الفلسطينية، ولازالت هذه الاتهامات تطارد الرجل في قبره بعد أكثر من أربعين عاما من مقتله الذي حدث في يوم نصره (السادس من أكتوبر) في حدث تم اعتبار إتفاقية السلام ذاتها أهم الأسباب التي أدت إليه.
في هذا التقرير نعيد قراءة التاريخ مرة أخرى، ونحاول القفز إلي أعماق عقل أنور السادات، ونطرح السؤال هل خطط الفلاح المصري القادم من أعماق ريفها في المنوفية، للقضاء على إسرائيل عن طريق تلك المعاهدة؟.
كيف كان السادات ينظر إلى إسرائيل؟:
في مذكراته التي حملت عنوان ((حروب مصر المعاصرة)) يحكي لنا الفريق عبد المنعم خليل -قائد الجيش الثاني الميداني المصري في الجزء الأخير من حرب أكتوبر- عن اجتماع دار بين السادات وبين قادة الجيش المصري قبيل حرب أكتوبر.
في هذا الاجتماع أستخدم أنور السادات تعبير قال فيه: ((إن إسرائيل هي حملة صليبية جديدة)).
هذا التعبير يكشف وبوضوح أن السادات كان مدركا أنه لا يواجه إسرائيل فقط، بل من خلفها الصهيونية المسيحية التي تسعي لإقامة هذا الكيان وسط العرب.
ويضيف خليل أن السادات قال أيضا: ((إنني لن أنام مطمئنا إلا وفي مصر 1000 طيار مدرب)).
هذه القراءة تكشف أيضا أن أنور السادات كان مدركا إلى أن الخطر الأكبر في هذه الحملة الصليبية كما وصفها هو ((سلاح الطيران)).
في يوليو من العام 2017، وخلال كلمة له على متن أكبر حاملة طائرات في العالم التي تحمل اسم (يو اس اس جورج بوش) قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن بلاده أيضا تعد حاملة طائرات.
الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن وصف نفسه بالصهيوني وأنه لو لم تكن هناك إسرائيل لكان قد سعي لوجودها.
هذا كله يوضح لنا النقطة الأولى وهي أن السادات كان مدركا لطبيعة التهديد الذي يواجهه وحجمه الحقيقي.
استشهاد أخيه:
في أول أيام حرب أكتوبر عام 1973، وخلال الضربة الجوية المصرية في افتتاحية الحرب، استشهد الطيار المقاتل (محمد عاطف السادات) أخو الرئيس السادات الأصغر.
![]() |
| الشهيد رائد طيار عاطف السادات -يمين الصورة- ويتوسط أحد المسؤولين الجلسة بينه وبين أخوه الرئيس السادات، الصورة من أداء الصلاة في مسجد قريتهما بميت أبو الكوم في محافظة المنوفية، مصر. |
سيشكل هذا الحدث جرحا عميقا في نفسية الرئيس المصري، ومع ذلك فلن يبديه لأحد إلا لأقرب المقربين له.
في لقاء تلفزيوني لها قالت أبنته (رقية السادات) أن والدها كان دوما ما يذهب لزيارة قبر أخيه، وأنه قد دعاها قبل العرض العسكري الذي إغتيل فيه بيوم واحد للقدوم معه وزيارة عمها لكنها اعتذرت.
لماذا نقول ذلك؟.. ببساطة لنبين النقطة الثانية، وهي الثأر الشخصي، وهكذا نكون الجزء الثاني من الصورة (كان السادات مدركا لحجم عدوه، ولديه ثأر شخصي معه).
صلح الرملة:
إذا استبعدنا أدبيات الشيعة لأنهم يرونه مدمر الخلافة الفاطمية، فإن جميع المسلمين يعتبرون صلاح الدين بطلا.. وحقا هو كذلك، فلقد حرر القدس من الصليبيين بعد انتصاره التاريخي في حطين.
واجه صلاح الدين في أعقاب ذلك (الحملة الصليبية الثالثة) بقيادة الإمبراطور الألماني (فردريك بربروسه) وملك الإنجليز (ريتشارد قلب الأسد)، وملك فرنسا (فليب أغسطس).
بعد سلسلة من المعارك العنيفة، أدرك صلاح الدين أنه لن يستطيع إيقاف هذا الهجوم الكاسح.
هذا ربما يكون متطابقا بشكل كبير مع (الجسر الجوي الأمريكي) الذي فتحته أمريكا لدعم إسرائيل في حرب أكتوبر بالعشرات من أحدث المقاتلات ومئات من الدبابات.
وبينما وقع صلاح الدين الأيوبي صلح الرملة وأعطي بموجبه لريتشارد قلب الأسد نصف فلسطين، وما فتحه ريتشارد من مدن الساحل على الامتداد من عكا إلي يافا.
على العكس أسترد السادات سيناء كاملة، وحسب مخططه لو كان حافظ الأسد والملك حسين وياسر عرفات قد أتفقوا معه، فإن حدود إسرائيل الحالية كانت ستتقلص على الاقل مرتفعات الجولان والضفة الغربية والقدس الشرقية.
الزمن والآفات والحرب ستقضي على إسرائيل:
وسط كل هذا، أدرك السادات أن إعادة إسرائيل إلي حدودها عام 1948، واسترداد العرب لأراضيهم المحتلة في نكسة يونيو 1967، يعني تقليص القوة الاستراتيجية لهذا الكيان.
بمعني آخر، لقد رحل صلاح الدين لكن جاء من بعده دولة المماليك التي وجهت ضربات عسكرية متلاحقة للصليبيين حتى أنهوا وجودهم تماما من الشرق.
كان رهان السادات وفقا لذلك أن الزمن والآفات قادرين على الإطاحة بإسرائيل.
سؤال التقرير: هل تتفق مع ما ورد بهذا التقرير؟، وهل تعتقد حقا أن السادات كان يخطط لهدنة تتغير فيها الأوضاع حتى تكون مواتية لتحقيق النصر النهائي والحاسم على إسرائيل؟.
_-_The_Triple_Handshake.jpg)
~2.jpeg)