ما هي ندرة المياه؟ .. أسبابها والحلول الممكنة

في العام 2050، سيصل عدد سكان كوكب الأرض إلى 10 مليار نسمة، إنه تحدي كبير بالنسبة لعالم يعاني أصلا في الوقت الحالي من (ندرة المياه).

ندرة المياه
تؤدي ندرة المياه إلى فقداننا الأمن المائي والغذائي معا، فبدون الماء لا وجود للغذاء، Mr Gaurav Bhosle، CC BY-SA 4.0، via wikimedia commons.

ندرة المياه والتي يسميها الخبراء أيضا (أزمة المياه) أو water crisis تجعل ما لا يقل عن 4 مليار نسمة وهم عدد سكان الأرض في الوقت الحالي، يعانون من نقص المياه لمدة شهر واحد على الأقل كل عام، فيما يعاني 26% من سكان الأرض "نحو ملياري نسمة" من عدم القدرة على الوصول إلى مياه صالحة للشرب طول السنة.

وبحلول العام 2025، من المرجح أن يواجه ما يصل إلى 1.8 مليار شخص ما تسميه منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) "الندرة المطلقة في المياه"، وستزيد هذه الأعداد وستتفاقم الأزمة في العقود المقبلة.

نحن نتحدث عن ((الماء)) إنه أكثر مورد طبيعي من موارد الأرض يتم استخراجه .. وهو نفسه الذي لا يمكن للحياة أن تستمر بدونه.

ندرة المياه:

بالرغم من الحقيقة القائلة بأن الماء يغطي 70% من سطح كوكب الأرض، ما يجعل الكثيرين يعتقدون أنه متوفر بشكل دائم، إلا أن هذا الاعتقاد غير صحيح.

ذلك لأن المياه العذبة -أي الصالحة للاستخدام في الشرب والاستحمام والطبخ وري الحقول وسقاية الحيوانات والنظافة-، نادرة للغاية، حيث لا تمثل سوى 3% فقط من المياه الموجودة في العالم.

الأكثر من ذلك أن حتى تلك ال3% لا تصفو لنا بشكل كامل، إذ أن ثلثيها موجودة في الأنهار الجليدية المتجمدة في القطبين الشمالي والجنوبي، أو على شكل مياه جوفية.

وهكذا يمكن تعريف ندرة المياه Water scarcity بأنها: ((عدم كفاية موارد المياه العذبة لتلبية الاحتياجات البشرية والبيئية في منطقة ما)).

كما يتم تعريفها أيضا بأنها: ((حالة يتجاوز فيها الطلب على المياه الكميات المتاحة منها بالفعل، ويحدث ذلك إذا قل نصيب الفرد عن 1000 متر مكعب للشخص الواحد في السنة)).

حلول ندرة المياه
فكر في ذلك .. تفتح صنبور الماء فلا تجد الماء، via public domain pictures.

إنها وكما تصفها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو): "واحدة من أعظم التحديات في زماننا".

فالمشكلة في ندرة المياه أنها لا تتوقف تأثيراتها عند حد العطش .. فمع مرور منطقة ما بهذه الحالة، فإن المياه التي ستخصص للإنتاج الزراعي والحيواني ستكون أقل، وبالتالي فإن الأمن الغذائي أيضا سيكون في خطر.

ولنا هنا أن نتذكر العبارة التي تكشف حقيقة علمية لا ينتبه إليها الكثيرون: ((إن الماء الذي نأكله يوميا من خلال الطعام أكثر من الماء الذي نشربه بشكل مباشر)).

نعم يا عزيزي .. فإذا كنت تشرب بضعة لترات من الماء كل يوم، فإنه وحسب نظامك الغذائي، فإن العالم يحتاج ما بين 2000 وحتى 5000 لتر يوميا من الماء لإنتاج الطعام الذي تأكله يوميا.

كيف حدثت ندرة المياه؟:

ندرة المياه ليست وليدة اليوم، بل تطورت بشكل أساسي منذ القرن العشرين.

في ذلك القرن كان 240 مليون نسمة (ما يشكل 14% من سكان العالم) يعانون وقتها من ندرة المياه.

لكن الأرقام قفزت بشكل دراماتيكي لتصل إلى 3,8 مليار نسمة (أي ما يشكل 58% من سكان العالم) فقط خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهي آخذة في الارتفاع.

أسباب ندرة المياه:

بشكل عام، فإن أسباب ندرة المياه واسعة وتتنوع بين أسباب بيئية وسياسية واقتصادية واجتماعية، وتتمثل بشكل رئيسي في:

ندرة المياه في العالم
بخلاف الحيوانات التي نأكلها أو حتى نستخدمها في أغراض متعددة، هناك حيوانات ومخلوقات أخرى عديدة لا يمكنها الحياة بدون الماء، لكن على الأقل فإنهم لا يسرفون في استخدامهم له مثلنا نحن البشر، صورة التقطت في ولاية ماهاراشترا الهندية، حيث يموت كل عام في فصل الصيف الآلاف من الحيوانات والطيور بسبب نقص الماء العذب، Sonali kotme، CC BY-SA 4.0، via wikimedia commons.

  1. إنهيار البنية التحتية الخاصة بنقل المياه وتوزيعها في دولة من الدول.
  2. التلوث والذي يجعل كميات كبيرة من المياه غير صالحة للاستهلاك البشري.
  3. الصراعات المسلحة، وهناك مثال بارز على ذلك في قطاع غزة حيث أقدم الجيش الإسرائيلي على (جريمة ضد الإنسانية) بقطع المياه عن السكان المدنيين في القطاع.
  4. سوء إدارة موارد المياه.
  5. تغير المناخ و ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي تؤدي إلى جفاف المياه في الأنهار والبحيرات وحتى بعض طبقات المياه الجوفية، كما وفي نفس الوقت تؤدي إلي حدوث فيضانات في أماكن أخرى.
  6. العوامل البشرية الأخرى مثل الاسراف في استهلاك الماء، وبحسب أرقام منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) فإن العالم إذا ظل يستهلك المياه بنفس الطريقة، فإن الطلب العالمي على المياه سيزيد بمقدار 50٪ بحلول عام 2023، وتعتبر الزراعة أكبر مستهلك للمياه في العالم، حيث يتم هدر الكثير من الكميات كنتيجة لعدم الكفاءة في استخدامها.
  7. تجاوز الطلب على المياه للكميات المتوافرة منها.
  8. النمو السكاني، وذلك لأن كميات المياه العذبة على الأرض كما كانت دائمًا منذ خلقها الله ، لكن عدد السكان يزيد بشكل مستمر.

إذن أيا كان السبب، فعندما يعجز مجتمع ما عن توفير احتياجاته من الماء، فإنه يصبح أمام حالة (ندرة المياه)... لكن يمكننا هنا أن نقسم ندرة المياه إلى نوعين:

  • ندرة المياه المادية: والتي تحدث عندما تقل كمية الماء الموجودة في منطقة ما عن تلبية احتياجاتها.
  • ندرة المياه الاقتصادية: والتي تحدث بسبب نقص البنية التحتية للمياه بشكل عام أو إلى سوء إدارة الموارد المائية إذا وجدت البنية التحتية.
كما تنقسم ندرة المياه مجددا إلى مصطلحين هما:

- نقص المياه: بمعني نقص الكمية المتوافرة للفرد.
- الاجهاد: بمعني ارتفاع استهلاك الفرد بما يزيد عن الماء المتوافر.

ندره المياه في العالم:

ما هي أسباب قلة الماء؟.
خريطة توضيحية لندرة المياه في العالم:
• يشير اللون المائل للأصفر إلي المناطق التي لا تعاني أو بها معدلات قليلة من ندرة المياه.
• اللون الاحمر القاتم يشير إلى دول تعاني من ندرة المياه المادية.
• اللون الوردي يشير إلي مناطق ستواجه ندرة المياه بشكل سريع في المستقبل.
• اللون البرتقالي يشير إلي الدول التي تعاني من ندرة المياه الاقتصادية.
• اللون الأبيض يشير إلى دول غير مقدر الوضع بها بشكل كبير.
مصدر الخريطة: الطبعة الرابعة من تقرير تنمية المياه في العالم (WWDR4)، Axelsaffran، CC BY-SA 3.0، via wikimedia commons.

بالرغم من أنه هناك دول تمتلك مصادر وفيرة من الماء .. ودول لا تملك ذلك.

بالرغم من هذا فحتى الدول والمدن التي لديها موارد مائية كافية، قد تواجه مشكلة ندرة المياه هي أيضا، لأنه وكما قلنا قد يكون الماء متوفرا لكن شبكات نقله غير موجودة أو حتى قليلة الكفاءة، وقد يمنع صراع مسلح صيانتها أو تشغيلها.

كذلك فإننا إذا نظرنا إلى أسباب ندرة المياه، فإنها لا تتعلق بالثراء، بمعني أن الدول الغنية والفقيرة على حد سواء تعاني من نفس الأمر، وكنا قد أعددنا تقريرا من قبل يشرح حالة دولة غنية تعاني من ندرة المياه هو "تحت حافة الجفاف .. (المياه في الكويت) مصير الأمة".

في نفس السياق .. فقد ورد في تقرير (الاتحاد الأوروبي) عن ندرة المياه بأنه وعلى الرغم من أن معظم أنحاء أوروبا تتمتع بمصادر كافية من المياه، إلا أن حالات الجفاف وندرة المياه أصبحت تنتشر داخل دول الاتحاد وعلى نطاق واسع.

وحذر الاتحاد الأوروبي في تقريره أن الإفراط في استغلال موارد المياه، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة نتيجة لتغير المناخ سيؤديان معا إلى تفاقم أزمة ندرة المياه.

ومع ذلك، تبقي الدول الغنية أكثر قدرة على التعامل مع هذه المشكلة مقارنة بالدول الفقيرة .. لأن الدولة الغنية تستطيع ضخ استثمارات في مشاريع مكلفة مثل تحلية مياه البحر على عكس الدول الفقيرة.

كما إننا لو فحصنا معلومة أنه بشكل يومي يموت أكثر من 800 طفل بسبب المياه القذرة، وما يحدث لهم نتيجة شربها من إسهال بسبب سوء المياه والصرف الصحي والنظافة وندرة مرافق المياه والصرف الصحي أو عدم كفائتها في العديد من المجتمعات حول العالم، سنجدهم من أبناء الدول الفقيرة وليست الغنية.

وهذا ما يجعل أحد التعريفات المستخدمة لندرة المياه أنها "أزمة عالمية ناجمة عن مجموعة متنوعة من الأسباب مثل النمو السكاني السريع والتوسع في المدن والاستهلاك المفرط للمياه بواسطة البشر".

ما هي المخاطر الناجمة عن ندرة مياه الشرب؟.
صنبور ماء .. بدون تدفق الماء من خلاله، أصبح مأوي للعنكبوت ينسج خيوطه من حوله، AnishRoy، via needpix.

هذه الأزمة أصبحت تنتشر وبشكل سريع على صعيد عالمي، حتى أنه قد تم إدراج أزمة الموارد الطبيعية مثل ندرة المياه في تقرير المخاطر العالمية لعام 2024 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، باعتبارها واحدة من أكبر 10 تهديدات تواجه العالم في العقد المقبل.

وإذا ما قفزنا إلى الأمام أكثر، فحسب دراسة Future global urban water scarcity and potential solutions ((ندرة المياه في المناطق الحضرية العالمية في المستقبل والحلول المحتملة)) والتي نشرتها مجلة نيتشر البريطانية، وأعدها مجموعة من العلماء برئاسة ((تشونيانغ هي)) الأستاذ في جامعة بكين الصينية.

حسب هذه الدراسة، فإنه من المتوقع أن ترتفع نسبة سكان المدن حول العالم الذين يواجهون ندرة المياه من "ثلث السكان عام 2016" إلى ما يقارب من نصف سكان المدن عام 2050.

فهل لك أن تتخيل عزيزي القارئ عالم يعاني نصف سكان المدن فيه من مشكلة مع توافر المياه .. كيف سيكون شكله؟.

وتشير الأرقام إلى أن الهند ستكون هي الدولة الأكثر تضررا من حيث أعداد السكان في المناطق الحضرية والمدن، من الذين يعانون من أزمة ندرة المياه.

كما أنه من المتوقع أيضا أن تعاني من نفس المشكلة ما يتراوح عدده من 193 : 284 مدينة حول العالم من بينها 10 : 20 مدينة كبرى.

نفس السيناريو المخيف يتكرر مع نتائج تحليل بيانات صادر عن معهد الموارد العالمي (WRI) والذي أظهر أنه وبحلول عام 2050 سيعيش 4,3 مليار إنسان في مناطق قاحلة أو مناطق تعاني من "إجهاد مائي مرتفع".

هذه الندرة تثير توترات سياسية بين الدول مثلما هو الحال في حوض النيل، حيث بنت إثيوبيا سد النهضة الذي تعترض عليه كل من مصر والسودان ويريان فيه مساسا بحصتهما من مياه نهر النيل.

حلول ندرة المياه:

ندرة المياه
بينما حقق العالم العديد من الابتكارات والتقنيات التي تقلل من هدر المياه خصوصا في الزراعة، فإن عدد قليل من الدول هي التي تعتمدها، ولا تزال معظم المناطق حول العالم تستخدم طرق الري التقليدية، Source: Rawpixel, Creative Commons.

عندما تعلم عزيزي القارئ أن العالم يزيد فيه السكان 81 مليون نسمة جديدة كل عام، فإننا يجب أن نتحد جميعا للبحث عن حلول لندرة المياه، وننظر سويا في اقتراحات مثل:

  • مواجهة التغيرات المناخية عبر الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل أساسي.
  • محاولة تقليل الزيادة السكانية الغير مبررة.
  • تحسين استهلاك الماء والتقليل من هدر مواردنا من أهم موارد الطبيعة.

المصادر:

المعرفة للدراسات
المعرفة للدراسات
المعرفة للدراسات الإستراتيجية والسياسية، هي محاولة عربية جادة لتقديم أهم الأخبار العربية والعالمية مع التركيز علي تحليل مدلولاتها، لكي يقرأ العرب ويفهمون ويدركون. نمتلك في المعرفة للدراسات عددا من أفضل الكتاب العرب في عديد من التخصصات، لنقدم لكم محتوى حصري وفريد من نوعه. facebook twitter
تعليقات