حكم أخذ قرض لشراء منزل .. حلال ام حرام؟

كان قد سبق لنا وأن تناقشنا عن ما هو الأفضل شراء أو استئجار منزل .. وكان من ضمن ما تحدثنا عنه هو إذا قررنا شراء منزل، فكيف تكون طريقة الحصول على التمويل اللازم للشراء في الحالات التي لا يكون فيها مبلغ الشراء متوافر؟.

نبين في هذا التقرير ما حكم أخذ قرض من البنك؟.
نبين في هذا التقرير ما حكم أخذ قرض من البنك؟.

حيث تنتشر العديد من أنظمة القروض من أجل السكن .. وهنا لابد أن نسأل انفسنا هل هذه الأنظمة حلال ام حرام؟.

هذا السؤال مهم للغاية لأنه يتعلق بالمنزل الذي سنعيش فيه حياتنا، ولا أعتقد أن هناك أسوء من أن يعيش شخص في مكان قد اشتراه بمال حرام أو على الأقل بطريقة حرام.

هل يجوز أخذ قرض لشراء منزل أو بيت؟:

دعونا هنا نفرق بين أمرين:

  • الأول: أن يكون القرض تمويل بدون فوائد:

وهذا أمر غير منتشر ولكن قد يحدث في صورة مبادرات حكومية أو من جمعيات تنموية، وهذا جائز بإذن اللَّهُ ولا حرج فيه.

وهذا ما يسمي في الفقه (القرض الحسن)، حيث تقوم الحكومة أو الجمعية التنموية ببناء منازل على نفقتها، ثم تعرضها للمواطنين بنظام التقسيط بدون فوائد وبنفس سعر المنزل الأصلي.

  • الثاني: أن يكون القرض تمويل مع فوائد:

وهذا ما يكثر الحديث عنه، والحقيقة أن هذا الأمر من ((الربا)) مهما قيل عنه أنه ليس لأجل الربح أو البيع والشراء.

من يقول عنه أنه من الضرورة:

وهذا الأمر مردود عليه بأنه ليس كل الناس يعيشون في بيوت يمتلكونها، وهناك الكثير من البشر يعيشون في الإيجار طيلة حياتهم.

بل إنه وفي بعض الحالات قد يجعل الواقع العملي أو ظروف بعض الناس من تأجير منزل أفضل من شراءه ويمكنكم الإطلاع على تقريرنا: ما هو الأفضل شراء أو استئجار منزل؟.

وحتى من كانت ظروفه تجعل أنه من الأفضل شراء منزل بالنسبة له، فإن هذا لا يدخله في دائرة الضرورة، لأنه يستطيع أن يحصل على كل منافع المنزل من البيت المستأجر وهي الراحة والستر.

فلا تجعل الشيطان يوسوس لك، ولا تجعل نفسك تأمرك بسوء الفعل وتبرر لك وتقول لك عما هو غير ضروري بأنه ضروري، وتذكر وعيد الله -عز وجل- لمن يتعاملون بالربا ولا يريدون التوقف عنه:
((فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)) (الآية 279 : سورة البقرة).

فما اصعب هذا التوعد؟.. ومن يقدر على حرب من اللَّهِ وَرَسُولِهِ؟... ويمكنكم أيها السادة أن تتبعوا أحوال من سبقوكم إلى هذا الطريق.

كم من قصة لمن أخذ قرض لشراء منزل فتعقدت أموره، وفقد الكثير، لدرجة أن المجال لا يتسع لذكرها جميعا، فالعاقل من يتعظ بغيره.

وقد يقول قائل هنا أنه يعرف من أخذ قرض من البنك لشراء منزل، فسدد القرض والفوائد الربوية وحصل على المنزل ولم يحدث له شيء.

وهذا نقول له أنك لا تعلم أسرار البيوت، وما قد تخفيه من مشاكل، بل وقد تبدأ المشاكل بعد فترة مما تراه أنت وتعتقد أنه حال حسن.

ونعود ونؤكد أن الضرورات التي تبيح المحظورات ليس من ضمنها القرض من البنك لشراء المنزل، لأنه لن يحدث ضرر لنفسك إذا عشت في منزل بالإيجار، ولن يحدث ضرر لا لعقلك ولا لمالك ولا لعرضك.

من يقول عنه أنه ليس بربا:

من البلاء المنتشر هذه الأيام أنك تسمع من بعض الناس، ومنهم شيوخ للأسف الشديد ينفون عن القرض لشراء المنزل صفة الربا.

يقول هؤلاء أن هذا الأمر يعد (تمويل)، وينسون أو يتناسون أن كل قرض يشترط فيه من يقرض المال على من يقترضه أنه يزيد في قيمته (مثلا يعطيك نصف مليون ريال سعودي، ويشترط أن ترده على أقساط لكن ستمائة ألف ريال)، فهذا هو الربا الصريح، مهما كان الغرض منه.

وهذا رأي علماء الأمة، مثل ابن قدامة، وابن المنذر، وما جاء في روايات عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود، أصحاب رسول اللّه صلى اللَّه عليه وسلم، وهذا ما جاء في رأي ((اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)) بالمملكة العربية السعودية.

من يقول أن الفائدة قليلة:

تري البعض يقول أن الفائدة الربوية 2 أو 3٪ فقط وهكذا فهي فائدة قليلة.

والحقيقة أن هذا من أضعف الحجج التي تقال، فأصحابها يعترفون بأن أخذ قرض لشراء شقة هو ربا، ولكنهم يحتجون بأنها قليلة.

ونحن جميعا كمسلمين نعرف أن الحرام حرام في ذاته وأصله، ولا عبرة بقدره، فالخمر مثلا حرام كثيره وحرام قليله، وكذلك السرقة حرام سواء كان المسروق غالي أو بخس الثمن.

وكذلك فإن الربا حرام مهما كانت الفائدة قليلة، فلا يشترط في الربا نسبة معينة أو أن تكون شروطه صارمة يفرضها البنك على من يحتاج إلى المال.

في النهاية، فنحن نعلم جيدا حاجة الناس للحصول على منزل يعيشون فيه، ويكون هذا المنزل ملكا لهم، ولولا هذا ما سألوا هذا السؤال.

وهذا السؤال في حد ذاته يكشف عن نفس طيبة -بإذن الله- تتحري الحلال والحرام، لذا فإننا نذكرهم بتحذير رب العالمين لعباده ممن يتعاملون بالربا بأنه سيحاربهم.

ونذكرهم بقوله تعالى:

((الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) {الآية 275 : سورة البقرة}.

ونذكرهم كذلك بما قاله ابن مسعود أن (لعن رسول اللّه صلى اللَّه عليه وسلم آكل الربا وموكله) رواه مسلم، وجاءت زيادة في رواية الترمذي: (وشاهديه، وكاتبه).

كما ورد الربا كواحد من ((السبع الموبقات)) في الحديث الذي رواه أبي هريرة -رضي اللّه عنه- عن رسول اللّه صلى اللَّه عليه وسلم.

ونذكركم بأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه -ولعل هذا التعويض يكون في الدنيا والآخرة-، ولا تغتروا بفتاوى تخالف الواقع وتجعل من الحرام حلالا.

المعرفة للدراسات
المعرفة للدراسات
المعرفة للدراسات الإستراتيجية والسياسية، هي محاولة عربية جادة لتقديم أهم الأخبار العربية والعالمية مع التركيز علي تحليل مدلولاتها، لكي يقرأ العرب ويفهمون ويدركون. نمتلك في المعرفة للدراسات عددا من أفضل الكتاب العرب في عديد من التخصصات، لنقدم لكم محتوى حصري وفريد من نوعه. facebook twitter
تعليقات