لا يزال العالم يتابع تطورات الحرب الروسية الأوكرانية في يومها الثالث والتسعين بعد المائة منذ أن انطلقت بأوامر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الرابع والعشرين من شهر فبراير الماضي.
جنود أوكرانيين حول ما يبدو أنه مستودع أسلحة تعرض لهجوم صاروخي روسي، manhhai، album Ukraine Under Attack: Documenting the Russian Invasion - By The New York Times, (CC BY 2.0), via Flickr. |
فالجميع من أقاصي آسيا وأدغال أفريقيا وشوارع أوروبا والأمريكيتين، قد ناله الأذى من تلك الحرب وإن اختلفت الدرجات.
وقد يكون الحدث الأكثر أهمية اليوم، هو كيف ستنفذ مجموعة السبع الكبرى ما أعلنت عنه من اتفاق فرض سقف لأسعار النفط الروسي.
أما على أرض المعارك، فنشرت صحيفة (جارديان) البريطانية الشهيرة، تقريرا قالت فيه أن المخابرات البريطانية لديها معلومات تفيد بأن الجنود الروس المشاركين في الحرب منزعجين بسبب تأخر رواتبهم.
سقف سعر النفط:
مجموعة السبع الكبرى التي يشار إليها بالإنجليزية (G7)، تضم كل من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان وكندا، إنهم أكبر سبعة اقتصادات متقدمة في العالم، ويتحكمون في الكثير من مفاصل الاقتصاد والسياسة عالميا.
أعلنت المجموعة أنها تريد وضع حد لسعر النفط الروسي، وبشكل عاجل ، في خطوة يعتقد عدد من المحللين أنها قد تأتي بأثار عكسية ذات نتائج سلبية على دول المجموعة.
جاءت هذه الخطوة كأول رد فعل غربي على قرار روسيا بالأمس وقف شحنات الغاز الطبيعي إلى ألمانيا عبر خط نورد ستريم ١، وهو القرار الذي سببته روسيا بوجود أعطال في الخط لا يمكنها تصليحها بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليها منذ بدء الحرب.
الغرب من جانبه، اتهم روسيا باختلاق حجج واهية، واستخدام الغاز الطبيعي كسلاح ضمن الصراع الذي يدور بينها وبين الغرب، وقال المستشار الألماني (أولاف شولتس) أن روسيا تنتهك عقود الطاقة.
الهدف الرئيسي والواضح الذي يستهدف قرار مجموعة السبع الكبرى بفرض سقف لأسعار النفط الروسي تحقيقه، يتمثل في ضرب قدرة الاقتصاد الروسي على مواصلة الحرب وتمويلها.
لكن هذه الدول، ولكي تستطيع أن تجعل قرارها فعالا، سيكون من المتعين عليها إقناع دول مهمة أخرى المشاركة في تنفيذه، ونتحدث هنا عن الصين والهند، وهما من كبار عملاء ومستوردي النفط الروسي، وتجمعهما علاقات جيدة بموسكو، مما قد يثير الشك حول مدى استعداد هاتين الدولتين للانخراط في عمل ضد روسيا.
احتدام القتال على الجبهتين الجنوبية والشرقية:
وتجمع التقارير الواردة حاليا من أرض المعركة على احتدام القتال بين القوات الروسية والأوكرانية على الجبهة الجنوبية، وفي ذات الوقت يواصل الجيش الروسي تعزيز قواته على الجبهة الشرقية.
وأفادت تصريحات رسمية أوكرانية أن الهدف من وراء (الهجوم الأوكراني المضاد) الذي ينفذه الجيش الأوكراني منذ أيام في جنوب أوكرانيا، هو تنفيذ عملية منهجية ومخطط لها لإضعاف القوات الروسية وخطوط مواصلاتها والأمداد والتموين، وليس الإستيلاء على مساحات كبيرة من الأرض واستردادها من قبضة القوات الروسية.
كما نشر الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الأوكرانية صورة لواحدة من منظومات الدفاع الجوي بانتسير-اس1 (بالإنجليزية: Pantsir-S1 SAM) الروسية، وهي في حالة دمار كامل وعلقت عليها قائلة (الغزاة يفقدون منظومة بانتسير-اس1 في منطقة خيرسون).
الصور أظهرت المنظومة الروسية المتطورة وقد تحولت إلى خردة مدمرة على جانبها الأيمن، وقالت وزارة الدفاع الأوكرانية أنه لا يزال من غير المعروف السلاح الذي تم استخدامه في تدميرها، وإن حددت أحد سلاحين لا ثالث لهما.
الأول هو الصاروخ إيه جي إم-88 هارم (بالإنجليزية: AGM-88 HARM)، وهو صاروخ شهير أمريكي الصنع، يعمل على ركوب أشعة أجهزة الرادار الصادرة من منظومات الدفاع الجوي حيث يتخذها وسيلة لضرب هذه المنظومة بنجاح ودقة عالية.
الاحتمال أو السلاح الثاني هو أن تكون قذيفة صاروخية من القواذف الصاروخية المتطورة طراز إم 142 هيمارس (بالإنجليزية: M142 Himras). والتي سلمتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى أوكرانيا.
لكن الجيش الروسي من جانبه أعلن عن مواصلة تصديه للقوات الأوكرانية التي تحاول التقدم على محور (نيكولاييف-كريفي وروج) الهام.
الدفاع الروسية تحدثت عن خسائر أوكرانية ضخمة، تمثلت في مقتل ١٥٠ جندي أوكراني، وتدمير عشرات الآليات العسكرية الأوكرانية.
ضابط شرطة أوكراني عند أحد الجسور المهدمةIvor Prickett ، manhhai، album Ukraine Under Attack: Documenting the Russian Invasion - By The New York Times, (CC BY 2.0), via Flickr. |
في الأثناء، قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الشهيرة أن هناك العديد من المؤشرات التي تكشف عن نية روسيا إرسال الآلاف من الجنود الجدد إلى أقليم دونباس جنوب شرق أوكرانيا والذي يسيطر الانفصاليين التابعين لروسيا على مساحات كبيرة منه، وفيه تدور بعضا من أشرس المعارك منذ بداية الحرب.
استفتاء في خيرسون:
ومع تواصل محاولات الضغط العسكرية الأوكرانية، بدأت بعض التصريحات تخرج عن سلطات منطقة خيرسون الواقعة تحت السيطرة الروسية، عن رغبة سكان المنطقة في إجراء استفتاء للإنضمام إلى الاتحاد الروسي، وأنه لا يوجد ما يمنع ذلك، بل تتزايد رغبة السكان في تنظيمه مع استمرار قصف من تصفهم روسيا (النازيين الجدد) لمنطقة خيرسون.
الاستفتاء كان على الدوام الوسيلة الروسية لمحاولة وضع (إطار شرعي) لقضمها المزيد من الأراضي الأوكرانية، وقد بدأت هذه الوسيلة في استفتاء شبه جزيرة القرم التي سيطرت عليها روسيا عقب احتجاجات شعبية اتهمت الغرب بالوقوف ورائها وانتهت بالاطاحة بالرئيس الأوكراني المنتخب (فيكتور يانوكوفيتش)، الذي كان معروفا بالولاء لموسكو.
الاستفتاء الذي تم في ١٦ مارس ٢٠١٤، انتهي بتأييد نسبة بلغت نحو ٩٧٪ من السكان الانضمام للاتحاد الروسي، وبرغم ذلك فهو غير معترف به من أوكرانيا والمجتمع الدولي.
استفتاء آخر في خيرسون يعني محاولة روسية لشرعنة سيطرتها على هذه المنطقة، وقد يكون فاتحة لبدء المزيد من الاستفتاءات في مناطق أخرى، وهو ما قد يكون مؤشرا ولو صغير الدلالة في وقتنا هذا أن الروس قد يكتفوا بما سيطروا عليه من أراضي حتى الآن ويبدأون في طرح مبادرة لوقف إطلاق النار وإحلال السلام.
لكن هل يكفي هذا لتضع الحرب أوزارها؟.. وهل ستقبل به أوكرانيا؟.. والأهم هل سيقبل به حلفائها الغربيين الذين إذا رفعوا دعمهم عنها فقد لا تستطيع الصمود لأسبوع واحد؟... مجرد احتمالات وأسئلة ستجيب عنها الأيام والأسابيع المقبلة.
استمرار القتال عند محطة زابوريزهزهيا النووية:
في ملف آخر يثير قلق دولي خوفا من كارثة نووية محتملة، لا يزال القصف مستمرا عند محطة زابوريزهزهيا النووية الأوكرانية والتي تضم بداخلها ست مفاعلات نووية بنيت في عهد الاتحاد السوفيتي السابق.
وقد تسبب القصف الذي تتبادل روسيا وأوكرانيا الاتهامات حول من يقف وراءه، تسبب في قطع خط الطاقة الرئيسي الخاص بالمحطة النووية المحاصرة.
وقالت وكالة (أسوشيتد برس AP) الأمريكية الشهيرة أن هذا القطع تسبب في خروج المحطة النووية عن العمل بشكل جزئي.
بينما قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، التي يوجد مراقبوها حاليا في محطة زابوريزهزهيا للطاقة النووية، إن المحطة في أوكرانيا تعتمد حاليا في عملها على خط احتياطي واحد، تستطيع من خلاله توصيل الكهرباء للشبكة الكهربائية الأوكرانية.
وكان الجنرال (إيغور كوناشينكوف)، وهو المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية قد قال في وقت سابق أن قوات الجيش الروسي عند محطة زابوريزهزهيا النووية قد منعت محاولة نفذتها القوات الأوكرانية للسيطرة عليها.
إيغور كوناشينكوف أضاف أن الأوكرانيين حاولوا ليلًا شن هجوم برمائي، لكن القوات الروسية تصدت له.
من جانبها، تواصل وزارة الدفاع البريطانية نشر تقاريرها عن الحرب، وورد في تقريرها الأخير إن القوات الروسية تعاني حاليا من "مشاكل في المعنويات والانضباط"، بالإضافة إلى التعب القتالي مع طول مدة الحرب، وارتفاع عدد الضحايا.
مواصلة تصدير القمح الأوكراني:
فيما نقلت وكالة (الأناضول) التركية الرسمية للأنباء، تصريحات مسؤول تركي أفاد فيها عن مغادرة ١٢ سفينة شحن إضافية لأوكرانيا.
السفن على متنها شحنات من القمح والحبوب الغذائية، ويأتي ذلك تنفيذا لاتفاق أسطنبول الذي توسطت فيه تركيا بين روسيا وأوكرانيا لتصدير القمح الأوكراني إلى الخارج، ما أسهم بصورة مباشرة في تقليل سعر القمح في السوق العالمي، كما هدأ بصورة كبيرة من القلق الدولي بشأن سيناريوهات سوداء عن مجاعات وأزمات غذائية كبرى كانت ستضرب العديد من الدول.
فبحسب وزارة الدفاع الوطني التركية، تستمر حاليا صادرات الحبوب من موانئ البحر الأسود الأوكرانية تحت مراقبة مركز التنسيق المشترك في اسطنبول والذي تقع على عاتقه مهمة مراقبة هذه السفن بحسب الاتفاق.
اللاجئين الأوكرانيين في روسيا:
هذا ويتواصل توافد الملايين من اللاجئين الأوكرانيين إلى روسيا هذه المرة وليس إلى الغرب حيث الدول الأوروبية التي فتحت أبوابها على مصراعيها للاجئين الأوكرانيين.
الصحافة الغربية بدأت في إلقاء الضوء على هذا الملف، للأوكرانيين خصوصا من سكان شرق أوكرانيا الذين وجدوا السبل قد سدت أمامهم باستثناء اختيار وحيد هو اللجوء إلى داخل روسيا.
وقالت قناة (سي بي سي) الكندية في تقرير لها أن هؤلاء وجدوا أنفسهم داخل أراضي العدو.
في حين يري عدد من المراقبين أن الشعب الأوكراني نفسه بداخله نسبة لا يستهان بها من الموالين لروسيا، وهؤلاء لديهم أسباب إما تتعلق بالحنين لعصر الاتحاد السوفيتي، والبعض الآخر يعتقد أن روسيا وأوكرانيا دولتين مترابطتين تاريخيا، وأن الغرب يستغل الحكومة في كييف، في حين يعتمد بعضا من هؤلاء فكرة وحدة المذهب المسيحي الأرثوذكسي الواحد الرابط بين الروس والأوكرانيين.
هذا وتختلف التقديرات حول عدد الأوكرانيين الذين انتهى بهم المطاف في روسيا منذ بدأ الغزو. تزعم روسيا أن أكثر من ٢،٤ مليون شخص قد تم الترحيب بهم كجزء من مهمة إنسانية.
بينما يقول المسؤولون الأوكرانيون إن ١،٢ مليون من مواطنيها تم ترحيلهم قسراً إلى روسيا أو الأراضي التي تحتلها روسيا من وجهة النظر الأوكرانية، مثل شبه جزيرة القرم ، منذ نهاية فبراير الماضي.