نشر "معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي دراسة جديدة بعنوان "حرب الجنرالات بعد حرب يوم كيبور" ضمن المجلد ٢٤ من إصداراته، وقد قمنا في المعرفة للدراسات بترجمته ونقله إليكم، وهذا هو الجزء الأول من هذا الجهد.
شارون علي اليمين مصابا في رأسه يتحدث مع موشيه دايان خلال معارك حرب أكتوبر علي الجبهة المصرية، released to Public domain by the Israeli Defence Forces Spokesperson's Unit, Wikimedia. |
حرب يوم كيبور هو اسم حرب أكتوبر ١٩٧٣ في إسرائيل، بسبب اختيار المصريين والسوريين السادس من أكتوبر ١٩٧٣ موعدا للهجوم، والذي كان يوافق عيد يوم الغفران أو يوم كيبور، وهو اسم أهم وأقدس الأعياد الدينية اليهودية، والتي ترتبط دوما بتعطيل العمل في كافة نواحي الحياة في إسرائيل.
مقدمة:
شهد يوم ٢٣ أكتوبر / تشرين الأول ١٩٧٣ نهاية حرب يوم الغفران، وهي حرب وصفها وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك موشيه ديان بأنها عبارة عن مجموعة من الأيام الطويلة المريرة، والمليئة بالدماء.
وتشير الدراسة إلي أنه بمجرد اندلاع الحرب، وافقت جميع الأطراف السياسية في إسرائيل علي وقف الدعايا الانتخابية للانتخابات التي كانت تقترب من الانعقاد، إذ كان موعدها الأصلي في الثلاثين من أكتوبر ١٩٧٣.
بعد وقت قصير من دخول وقف إطلاق النار إلي حيز التنفيذ، اشتعلت حرب جديدة مختلفة من نوعها في تل أبيب، إنها "حرب الجنرالات".
بدأت قذائف الاتهامات المتبادلة، والتصريحات المثيرة لمشاعر العداء بشكل لم تعرفه إسرائيل من قبل.
كانت الأطراف الرئيسية في هذه "الحرب"، والتي دارت في المقام الأول في وسائل الإعلام، ومختلف الهيئات الحكومية في إسرائيل، هم الجنرالات أرييل (أريك) شارون، وشموئيل جونين (غوروديش)، ورئيس الأركان خلال حرب الاستنزاف وصاحب فكرة الخط الدفاعي الشهير علي جبهة قناة السويس حاييم بارليف، وديفيد إلعازر رئيس الأركان الإسرائيلي خلال حرب أكتوبر.
بطبيعة الحال، امتدت حرب الجنرالات تلك إلي الساحة السياسية، وسحبت في أتونها بقية القيادات في إسرائيل.
في خلفية الصورة، كانت الاحتجاجات والمظاهرات العامة تتزايد في إسرائيل بعد الحرب. طالبت تلك الاحتجاجات جميع المسؤولين عن الإخفاق في الحرب بقبول المسؤولية عن أفعالهم وإهمالهم، علاوة علي استخلاص الاستنتاجات والدروس المستفادة من الحرب، مع إخلاء مناصبهم لصالح قادة جدد لم تلوثهم إخفاقات حرب يوم الغفران ((ملاحظة: وجدت المعرفة للدراسات أن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي يستخدم تعبير "الإخفاق" لوصف الحالة الإسرائيلية في حرب أكتوبر ١٩٧٣، وهو تعبير يميع ما أصاب إسرائيل في تلك الحرب والذي لم يكن له أسم سوي "الهزيمة"، لذا سنستخدم تعبير الهزيمة وذلك لأنه التعبير الحقيقي عما حدث)).
كما يمكنكم قراءة موضوعنا كيف غيرت حرب أكتوبر ١٩٧٣ طبيعة إسرائيل.. وجعلتها أكثر ضعفا، لمعرفة التأثير الكارثي للحرب علي إسرائيل والممتد حتى يومنا هذا، وجعلها غير قادرة علي شن حروب توسعية كبرى مجددا كما فعلت طيلة عقدين عقب قيامها في مايو ١٩٤٨.
تم توثيق جزء من المواجهات "العاطفية" في حرب الجنرالات، والتي حدثت في اجتماع الحكومة الإسرائيلية عقب وضع الحرب أوزارها بعدة أشهر، وبالتحديد في ٢٧ يناير ١٩٧٤.
تركز دراسة "معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي، على القضايا الرئيسية التي نوقشت في ذلك الاجتماع.
حرب الجنرالات "المراحل الأولية":
كان الميجر جنرال شموئيل جونين، يشغل منصب قائد المنطقة الجنوبية عند اندلاع الحرب -الجبهة الجنوبية لدي الإسرائيليين في الحرب هي الجبهة المصرية-، قبل أن يستدعي اللفتنانت جنرال "حاييم بارليف" رئيس الأركان الإسرائيلي خلال حرب الاستنزاف، ويعين قائدا للجبهة الجنوبية في ١٠ أكتوبر ١٩٧٣.
اطلق جونين شرارة محاولات كل القادة الميدانيين الإسرائيليين تحميل مسئولية الهزيمة للآخر منذ اليوم الثالث للحرب ،released to Public domain by the Israeli Defence Forces Spokesperson's Unit, Wikimedia. |
في ١٣ نوفمبر ١٩٧٣، ارسل الجنرال جونين رسالة إلي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بعنوان "السلوك في معركة الجنرال شارون"... كان شارون قد قاد فرقة علي الجبهة المصرية في منطقة الثغرة، وتصدي له ولفرقته، قائد الجيش الثاني الميداني المصري "اللواء عبد المنعم خليل" بنجاح ومنعه من دخول مدينة الإسماعيلية.
جاء في رسالة جونين إلي رئيس الأركان الإسرائيلي: "لقد اتصلت بك مرتين خلال الحرب، طالبتك فيهما بإقالة الجنرال شارون، المرة الأولى في ٩ أكتوبر ٧٣، بعد الهجوم الفاشل على القوات المصرية المهاجمة في سيناء".
شدد جونين في رسالته علي أن الهجوم الذي نفذته فرقة شارون، نُفِّذ خلافًا لأمره الصريح.
في هذا الهجوم، خسر الجيش الإسرائيلي حوالى عشرين دبابة "المعرفة: هذا الرقم غير منطقي مطلقا، ويتماشي مع العادة الإسرائيلية في تقليل خسائرها العسكرية، وبالمنطق والعقل، فإن خسارة ٢٠ دبابة لا تبرر أبدا اقالة قائد فرقة من منصبه".
علي أي حال، نتابع مع دراسة معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي والتي أضافت أن بعض هذه الدبابات بقت هي وطواقمها في الأراضي التي كان المصريين قد سيطروا عليها، بالطبع كانت النتيجة أسر المصريين لأطقم الدبابات الإسرائيلية.
يتابع الجنرال جونين رسالته ويقول: ((المرة الثانية التي طلبت فيها بإقالة شارون، كانت بعد المعركة التي دارت عند رأس كوبري مصري علي قناة السويس.
الآن وبعد أن أصبح وقف إطلاق النار [الذي أنهى الحرب] قائمًا وصامدا، أشعر أنه من الصواب أن أطلب منك الأمر بإجراء تحقيق في سلوك الجنرال شارون، لأنه إذا ثبتت اتهاماتي عليه، فإنه سيقدم للمحاكمة)).
تمثلت اتهامات جونين لشارون في أن فشله في تنفيذ المهام التي أُمر بتنفيذها خلال الحرب كان ضارًا بشكل كبير بانضباط الجيش الإسرائيلي وقيمه.
إستراتيجية شارون:
علي الجهة المقابلة، وإدراكًا منه لموجة الهجمات العاصفة التي كان على وشك مواجهتها من قبل منتقديه، اختار شارون الدفاع عن نفسه بطريقة مألوفة له من خلال خبرته العسكرية -سيشن هجوم شديد ضد مهاجميه-.
والحقيقة، لقد اثبتت إستراتيجية شارون، والتي دعمتها موجات من التعاطف الجماهيري الواسع والنقد الحاد لقيادة الجيش الإسرائيلي، فعاليتها العالية، ونجح شارون في تحقيق هدفه. فلقد صور نفسه أمام المواطن الإسرائيلي كجنرال ناقم عما فعله زملائه في الحرب.
لقد تعرض منتقدوه للهجوم، ووجدوا أنفسهم قد أجبروا مرارًا على الدفاع عن أنفسهم، وشرح تحركاتهم وقراراتهم خلال الحرب.
هكذا حول شارون سهام النقد التي كانت تتجه نحوه إلي محنة لمن قرروا انتقاده، ووجد هؤلاء أنفسهم مضطرين للتمسك بقشة أخيرة لتنجيهم من الغرق، إنه الشق القانوني والتأديبي في الجيش الإسرائيلي.
كانوا يأملون في تقويض هيبة شارون ومكانته، لكن يبدو أن هذا المسار أيضا لم يخدم أغراضهم.
في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٧٣، أجرى شارون مقابلات مع بعض الصحف العالمية الرائدة مثل: نيويورك تايمز، لوس أنجلوس تايمز، والجارديان.
كانت هذه المقابلات مشحونة بانتقاد شارون الصارخ لقيادة الجيش تحت قيادة رئيس الأركان دافيد العازار وسلفه حاييم بارليف، وأدائهم قبل وأثناء الحرب. كما اتهمهم بأنهم فشلوا في تجهيز الجيش الإسرائيلي للحرب، ثم أخطأ في قراءة الموقف في بداية الحرب، وأساء فهم نوايا المصريين. علاوة علي أنهم لم يكونوا مدركين لأهمية البعد الزمني في الحرب.
رسالته المهيمنة علي كل تصريحاته، والتي نُقلت في عناوين الصحف الكبرى، كانت واضحة: (بسبب هذه الإخفاقات أضاعت إسرائيل فرصة تحقيق نصر مطلق في حرب يوم الغفران). "بالطبع يكرر شارون الادعاءات الإسرائيلية المفضوحة إستراتيجيا وعسكريا عن نتيجة حرب أكتوبر".
إليعازر يرد:
في أعقاب هذه المقابلات، أصدر رئيس الأركان دافيد إليعازر بيانًا حاول فيه تقويض مصداقية شارون وتقديمه على أنه شخص لا يتصرف وفقًا لقيم الجيش الإسرائيلي المتمثلة في الرفقة والأخوة في السلاح.
لكن في وقت تصاعدت فيه الاحتجاجات الشعبية ضد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، كان ما يتحدث عنه أليعازر من قيم أقل إلحاحًا بكثير مما حدث في الحرب.
بالتالي، بدت أقوال رئيس الأركان على الأرجح وكأنها محاولة لمنع الكشف عن الإخفاقات والمسؤولية الشخصية التي يتحملها هو وباقي كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي.
كان من المشكوك فيه ما إذا كانت هذه الخطوة يمكن أن تعزز وضع رئيس الأركان في ذلك الوقت الصعب،
صرح إلعازر حينها قائلاً: "من الطبيعي أن تناقش القضايا المتعلقة بالحرب وسيرها علناً.. لكن لسوء الحظ، تم مؤخرًا نشر تصريحات ومقابلات متحيزة [من قبل شارون]، وهذه التصريحات والمقابلات لم تحقق أي هدف إيجابي باستثناء المجد الشخصي، حتى ولو كان على حساب الهجمات المستمرة على رفاق السلاح".
في تلك الفترة، وفي محاولة لوقف حرب الجنرالات، أصدر وزير الدفاع ورئيس الأركان الإسرائيليان تعليمات لكافة الجنرالات في الجيش الإسرائيلي بالامتناع عن إجراء مقابلات إعلامية تخرج عن الإجراءات التي يحددها الجيش.
في ٢٠ يناير / كانون الثاني ١٩٧٤، نشر الجنرال (بالاحتياط) أرييل شارون، أمرا يتعلق بانتهاء خدمته كقائد فرقة في حرب يوم الغفران.
بهذا الأمر أشاد شارون بالدور الذي لعبه هو وفرقته في جهود عرقلة الجيش المصري ومنعه من عبور قناة السويس (المعرفة: لم يحدث أن تمكن أي قطاع من قطاعات الجيش الإسرائيلي من صد عبور القوات المسلحة المصرية لقناة السويس). وفي نفس منشور شارون، قام بتشويه سمعة بقية القيادات العليا للجيش الإسرائيلي.
قال شارون في منشوره الذي وجهه أساسا لجنود وضباط فرقته: ((فرقتنا، كانت تتمركز في منطقة تواجه مركز جهود العدو، وبالقتال البطولي، والجهود الجبارة من كل واحد منكم، صددنا القوات المصرية، وكانت فرقتنا هي من بدأت ونفذت عبور القناة، وهي الخطوة التي أدت لانعطاف في الحرب، وعلي الرغم من السهو والأخطاء، علي الرغم من الاخفاقات والعثرات، علي الرغم من فقدان الحس السليم، علي الرغم من فقدان السيطرة [من قبل القادة الآخرين في هيئة الأركان العامة] ، تمكنا من تحقيق النصر)).
المعرفة للدراسات: أبلغ رد علي هذا المنشور من شارون ليس أنه فقط تم رده مدحورا من الإسماعيلية، وظل لواء مصري مظلات فحسب يكبد فرقته المدرعة "الفرقة عادة ما تتكون من ثلاثة إلي أربعة ألوية" خسائر فادحة ويمنعه من تحقيق أي تقدم لعدة أيام متتالية.
إن أبلغ رد علي شارون هو تقييم المعهد الملكي البريطاني للدراسات الإستراتيجية The International Institute for Strategic Studies أو IISS اختصارا، وهو أحد أهم وأعرق معاهد الدراسات الإستراتيجية والعسكرية عالميا، لهجومه الذي يصفه بالنصر، وذلك في مناظرة جمعت بينه وبين المقدم المصري سمير فرج "اللواء فيما بعد.. وتولي منصب رئيس هيئة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية".
قيم معهد الدراسات الإستراتيجية هجوم شارون كالتالي: هذه العملية تستحق نقطتين فقط، لأن شارون طبق نظرية الاقتراب غير المباشر، وهي نظرية عسكرية علمية سليمة.
أما طريقة شارون في تطبيقها، فلم يتماشي مع أسس ومبادئ القتال، ذلك لأن شارون لم يؤمن منطقة العبور بأى قوات، وأنه نفذ بطريقة تشبه عملية خاصة يطلق عليها إغارة بالقوة، أو إغارة عسكرية، وهذه عملية بسيطة يمكن أن تنفذها وحدات خاصة، لكنها ابدا ليست عملية عسكرية رئيسية لها هدف هو الاستيلاء على مدينة ذات أهمية استراتيجية مثل الإسماعيلية.
وأكد خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية أن قرار القيادة العامة المصرية بدفع اللواء ٢٥ مدرع كان سليماً، يستحق عليه نقطتين أيضاً، لكن دخول بطاريات الصواريخ تاو، وهي صواريخ عالية التطور أرسلتها أمريكا إلي إسرائيل غير من ميزان القتال.
كان تعليق خبراء مركز الدراسات الاستراتيجية، لو كان اللواء ٢٥ مدرع قد نجح في معركته شرق القناة، ولو كانت سرعة اللواء منذ خروجه من رأس كوبرى الجيش الثالث أفضل لكان شارون وقواته قد تدميرهم أو أسرهم غرب القناة، ولتغير الموقف العسكري والسياسي في الشرق الأوسط لعدة أعوام.
كما قال خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن، أننا لا نوصى لأى قائد أن ينفذ فكر ليدل هارت بهذه المغامرة غير المحسوبة وغير المؤمنة، وأن شارون يجب أن يشكر الملازم جوفى -قائد وحدة الصواريخ تاو- وأمريكا على صواريخ تاو التي لولا تدخلهم لفشلت العملية بالكامل.
وكان السؤال الأهم من خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية إلي الجنرال شارون إن خسائر إسرائيل في معركة الدفرسوار فقط تساوى خسائر إسرائيل كلها في حرب ١٩٥٦ و ١٩٦٧ ولذلك فإن من أطلق عليك الجنرال الدموى لم يكن مخطئاً.
ولقد ثار شارون وتحدث بعصبية وصوت عال في المناظرة بعدما سمع خبراء هم الافضل عالميا ينسفون روايته تماما.
شارون النرجسي:
ردا علي منشور شارون، أرسل رئيس الأركان الإسرائيلي إفادة إلي وزير الدفاع، قال فيها: (بالأمس، طلب مني أرييل شارون إعفاؤه من الخدمة الاحتياطية، ولقد أخبرته أنه يمكنه مغادرة الجيش، واعتزم إبلاغ الجنرال شارون بأن تعيينه قائدًا للفرقة ١٤٣ قد تم إلغاؤه". وقد وافق وزير الدفاع الإسرائيلي علي هذا القرار.
رد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لم يردع شارون عن مواصلة هجومه على أداء هيئة الأركان في الحرب.
ففي ٢٥ يناير / كانون الثاني ١٩٧٤، أجرى شارون مقابلات مع أبرز صحيفتين في إسرائيل "معاريف" و "يديعوت أحرونوت".
زعم شارون في المقابلات أن الجيش الإسرائيلي كان في حالة ركود شديدة لعدة سنوات قبل الحرب، وأنه يحتاج إلي تغيير جدي.
كما زعم أن الجيش الإسرائيلي قد فقد سلاحه الأساسي أو ما وصفه هو "التفكير الإبداعي"، والذي جعله ذات يوم واحدا من أكثر الجيوش تبجيلًا في العالم -المعرفة: يقصد فترة ما بعد حرب يونيو ١٩٦٧-.
وبنرجسية واضحة، اعتبر شارون أنه فقط الذي عرف كيف يعالج هذا الوضع.
لكن ورغم كل ما فعله شارون، ففي ظل الوضع السياسي حينها في إسرائيل، لم يكن هناك أي فرصة للاتفاق على تعيينه رئيسا للاركان.
رغم ذلك، واصل شارون ادعاءاته بقوله: لقد مررنا بحرب صعبة، وبينما كنا نحقق النصر، أصابونا بأضرار بالغة. ومع ذلك، لم يتعلم قادتنا شيئًا من هذه التجربة، وظلوا يعملون على أساس اعتبارات ومصالح ذاتية.
في شهادة شارون أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست الإسرائيلي قال أن قادة الجيش الإسرائيلي على أعلى المستويات فشلوا في فهم الوضع عند اندلاع الحرب، فلقد حاولنا إيقاف القوة المصرية الهائلة التي عبرت قناة السويس، وحينها طالب هو "أي شارون" بتركيز قوة فرقة مدرعة لمنع توطيد الجسر المصري في الأيام الأولى من الحرب.
وتابع شارون بأن الخطة الإسرائيلية كانت تقضي بتوجيه ضربة مضادة فورية "بقوة كبيرة كما كان مخطط".. وأن هذه الخطة [لم تكن تعني] أن المصريين لن يصلوا إلى القناة أو أنه لن يكون لهم موطئ قدم [علي الضفة الشرقية للقناة]. لكنهم لن يحققوا اختراقًا عميقًا. ((المعرفة: تتناقض هذه الأقوال مع كل تصريحات القادة الإسرائيليين قبل الحرب بأن المصريين سيشون بالنابلم إن حاولوا عبور القناة، وأنهم يحتاجون سلاحي المهندسين الأمريكي والسوفيتي معا لعبور القناة، وأن خط بارليف هو أقوي خط دفاعي في التاريخ ولن يستطيعوا السيطرة عليه)).
ويضيف شارون من وجهه نظري، حقيقة أنه في غضون يوم أو يومين تمكن المصريون من تحريك مجموعة كاملة شرق القناة والاستيلاء على شريط بعرض يتراوح بين ٨-١٢ كم، كان هذا شيئًا لم يحلم المصريون أبدًا بتحقيقه. ((المعرفة: بني المصريين خطتهم علي تحقيق ذلك الهدف بالضبط، كان هدفا ولم يكن حلما)).
ديان يتحدث:
من جانبه، كتب موشيه دايان وزير الدفاع الإسرائيلي خلال الحرب، وأبرز شخصية عسكرية في تاريخ إسرائيل: "بناءً على خطط رئيس الأركان، تم تكليف سلاح الجو بالمهمة الرئيسية في مرحلة السيطرة علي الهجوم المصري وإيقافه، لكن في وقت لاحق من بدأ الحرب، ثبت لنا أن توقعاتنا عن ما يمكن لقواتنا الجوية فعله أمام المصريين كانت (غير واقعية)".
شباب ضباط الدفاع الجوي المصري صنعوا بحائط الصواريخ مجزرة لطائرات إسرائيل في الجو، ووفقا لبعض التقديرات خسرت إسرائيل ما يزيد عن ثلث سلاحها الجوي بصواريخهم، صورة لمحطة دفاع جوي مصرية خلال الحرب. |
بحسب شارون، فإن قيادة الجيش الإسرائيلي لم تفهم أن هدف الجيش المصري لم يكن الوصول إلى تل أبيب، لكن إنشاء جسور قوية عند قناة السويس والسيطرة علي أجزاء داخل سيناء.
لذلك، فبرأي شارون، كان يجب على جميع القوات الإسرائيلية أن تركز على مهمة تدمير رأس الجسر المصري في المراحل الأولى بعد عبور المصريين الناجح للقناة.
علاوة على ذلك، ادعى شارون أن قيادات الأركان العامة لم يضعوا في اعتباراتهم أهمية البعد الزمني في الحرب، مما أدى إلى خسائر متزايدة في الافراد والمعدات.
في الوقت نفسه، بدأت صبر القوى العالمية ينفذ تجاه استمرار الحرب، وعملت علي الحد من حرية إسرائيل في العمل ((المعرفة: يتناقض ذلك مع حقيقة أن أمريكا في ذلك التوقيت كانت تقدم لإسرائيل أحدث المعدات والتقنيات العسكرية في العالم في أكبر جسر جوي في التاريخ)).
قال شارون كذلك للجنة الخارجية والدفاع أنه "قبل يوم واحد من دخول اتفاق وقف اطلاق النار حيز التنفيذ، زار نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيغال ألون فرقة شارون، وحينها تحدثت معه عن عنصر الوقت، وقلت له إننا نتجاهل البعد الزمني.
قال لي: يمكنك الاعتماد علي. هذه المرة ليس هناك قيود زمنية، لكن في اليوم التالي كان هناك وقف لإطلاق النار". ((المعرفة: تشير شهادة شارون لواحدة من خصائص إسرائيل الأساسية في حروبها من عدم اكتراث بمواعيد وقف إطلاق النار، أو علي الأقل تحاول شن هجمات قوية وسريعة قبلها لتحقيق أكبر مكاسب سياسية ممكنة)).
زعم شارون كذلك أن رئيس الأركان دافيد إليعازر يتحمل معظم المسؤولية عن إخفاقات الحرب، وليس وزير الدفاع موشيه دايان، وأنه كان يجب عليه أن يتقدم باستقالته بمجرد اندلاع الحرب، أو على الأقل عند بدأ سريان وقف إطلاق النار.
شارون، الذي كان على دراية بالمعرفة والخبرة العسكرية الواسعة لديان، لم يذكر أسباباً تبرر تمييزه بين المستويين السياسي الذي يمثله وزير الدفاع ديان، والعسكري الذي يمثله رئيس الأركان فيما يتعلق بالمسؤولية عن إخفاقات الحرب.
فبينما تحدث عن إقالة فورا لرئيس الأركان، صرح ببساطة أن وزير الدفاع دايان "يجب أن يستمر في الخدمة في هذا المنصب في الحكومة المقبلة"، ووصفه بأنه رجل شجاع للغاية، ذو تفكير أصلي، وأنه يستحق هذا المنصب عشر أضعاف ما قد يستحقه أي مرشح آخر".
شارون السياسي:
من المستحيل تجنب الانطباع بأن هذا التمييز بين الرجلين، كان مرتبطًا أيضًا بحقيقة أن شارون في ذلك الوقت كان منخرطًا بشكل كامل في النشاط السياسي، وربما رأي في دايان وأنصاره حلفاء سياسيين يستطيعون معا إسقاط الحكومة في الانتخابات القادمة.
يقول الكاتب الصحفي أوري دان، وهو صديق مقرب لشارون ربما كان الصراع بين الجنرالات في إسرائيل عقب حرب أكتوبر، يعكس في جوهره الصراع بين مدرستين فكريتين في فن الحرب، الأولى التي تضع المفهوم التخطيطي للحرب الضخمة التي تدور بين الدبابات ضد الدبابات، ويمثلها الجنرال بارليف وعدد من الجنرالات الآخرين. بينما تمثلت المدرسة الثانية في الجنرال شارون وتنهج منهج العمليات الجريئة الخاصة التي تقوم بها وحدات صغيرة بهدف ضرب العدو بضربة قاتلة.
ونتذكر نحن هنا تقييم خبراء معهد الدراسات الإستراتيجية في لندن، من أن شارون استخدم قوة كبيرة "فرقة مدرعة" في مهمة تقوم بها قوة خاصة، ما يعني أن شارون عسكريا قد أخطأ خطأ عسكري فادح تمثل في استخدام قدر كبير من القوة في شكل عملياتي لا يناسبها.
جنرالات متنافرون:
نعود للدراسة، فنجد أن شارون تابع أقواله بأنه لم تصل العلاقات بين قادة الجيش الإسرائيلي إلي هذا القدر من البشاعة كما كانت خلال تلك الحرب. وكالعادة وجه سهام النقد نحو نفس الشخص، ففي رأيه، كان الشخص المسؤول عن إدخال السياسة في الحرب هو رئيس الأركان السابق بارليف.
وقد زعم شارون أنه في السنوات التي سبقت الحرب، تم تعيين كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي في مناصب رفيعة، على أساس اعتبارات سياسية وليس على أساس مؤهلاتهم الشخصية.
نعود للنرجسية في الحديث، إذ قال شارون إن كبار القادة عاملوه بعدائية مصحوبة بالحسد والغيرة بمجرد توليه منصبه، مضيفا إنه عندما بدأ القتال طلب منهم ألا يعرقلوه في المعركة، وأن يسمحوا له بإجراء هجماته على أساس معرفته المهنية وخبرته القتالية، لكنهم، بحسب شارون أيضا، تصرفوا بشكل ممنهج لإحباطه.
وفقا للكاتب "عوزي بنزمان"، وهو أحد من كتبوا السيرة الذاتية لشارون فإن شارون كان يعتقد أن القيادة العليا للجيش الإسرائيلي، أرادت أن تبعد عنه أي مجد شخصي، ومنح الفضل إلي الجنرال "إبراهام أدان". ((المعرفة: في الحقيقة أن كلاهما فشل في تحقيق الهدف من عبور القناة نحو الضفة الغربية، فكما فشل شارون في الإسماعيلية فشل أدان في مواجهة السويس، كما تكبد أدان خسائر فادحة في معارك شرق القناة حينما حاول وقف الهجوم المصري وبالتحديد في الفترة بين ٦ : ٨ أكتوبر ١٩٧٣)).
كما زعم شارون أنه في السنوات التي سبقت الحرب، ذهبت معظم جهود الجيش الإسرائيلي نحو تقوية سلاح المدرعات علي وجه الخصوص، وتم ذلك علي حساب وحدات المظليين، وهو ما كان خطأ فادحًا بالنسبة له.
كان المظليين هم من جلبوا للجيش الإسرائيلي القدرة علي التفكيرً بشكل إبداعيً وبجراءة، مليئا بالخيال والاقدام، وفقا لوجهه نظر شارون، بينما كان يري أنه وفي سلاح المدرعات، يتم التركيز على "المعادن" علي الدبابات والمدافع بدلا من التفكير الإبداعي والجريء.
من الواضح أن شارون كان يهدف من وراء هذه الأقوال إلى التقليل من هيبة منافسيه، الجنرالات دافيد إلعازار، وحاييم بارليف، وشموئيل جونين، والذين قادوا جميعًا أفواج فيالق مدرعة خلال الحرب.
الصحفي أوري دان، الصديق المقرب لشارون اعتبر الصراع بين الجنرالات في إسرائيل يعكس في جوهره الصراع بين مدرستين فكريتين، الأولى تضع المفهوم الخططي للحرب الضخمة التي تدور بين الدبابات ضد الدبابات، ويمثلها الجنرال بارليف وعدد من الجنرالات الآخرين. بينما تمثلت المدرسة الثانية في الجنرال شارون وتنهج منهج العمليات الجريئة الخاصة التي تقوم بها وحدات صغيرة بهدف ضرب العدو بضربة قاتلة.
عصيان الأوامر:
في رده علي الاتهامات التي واجهته بأنه رفض إتباع الأوامر، قال شارون إن هناك حالات يتعين على القائد فيها عصيان الأوامر.
وفقا لشارون، فعلي القائد أن يفحص "استعداده" لتنفيذ الأوامر وفق ثلاثة معايير:
- أ-إلي أي مدى تخدم الأوامر مصالح الدولة.
- ب-التزامه تجاه الجنود الذين يخدمون تحت إمرته.
- ج-واجبه تجاه رؤسائه.
مضيفا، لأنني عندما أتلقى أثناء الحرب، أوامر غير منطقية تمامًا، أعرف أن هذا ناتج عن نقص وعي القادة بظروف المعركة الفعلية... ففي ظل هذه الظروف، قد تؤدي هذه الأوامر إلى إزهاق أرواح جنودنا، ولا يمكنني قبول ذلك، وأعتقد أن واجبي تجاه رجالي له الأسبقية علي واجبي تجاه رؤسائي.
تم الجزء الأول بحمد ﷲ ...
ويمكنكم متابعة قراءة الجزء الثاني من الدراسة عبر هذا الرابط.