قصة العدوان الثلاثي أو أزمة السويس ١٩٥٦.. عندما حاربت مصر ضد بريطانيا وفرنسا وإسرائيل

إنها قصة ملحمية لشعب وجد نفسه أمام غزو من ثلاث دول في نفس اللحظة، من بينها دولتين من الدول العظمى، وكان عليه الصمود والقتال... إنها قصة العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦، أو (أزمة السويس ١٩٥٦)، أحد أهم أحداث القرن العشرين بإجماع المؤرخين من جميع أرجاء العالم.

صحيفة الأهرام المصرية في عددها الصادر في اليوم التالي لتأميم شركة قناة السويس، كانت مصر على موعد مع صفحة مجد جديدة في تاريخها المديد.

لنفهم ماذا حدث بالضبط في نهاية أكتوبر / تشرين الأول ١٩٥٦، علينا أن نعود إلى ليلة ٢٦ يوليو من نفس العام، حينما ألقي الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر خطابا في مدينة الاسكندرية الساحلية شمالي مصر.

تأميم قناة السويس:

في السادس والعشرين من يوليو سنة ١٩٥٦، كان المصريين بل والعالم بأسره على موعد مع قنبلة فجرها جمال عبد الناصر، الرئيس المصري الشاب حينها.

كان خطابا طويلا وحماسيا حكي فيه عبد الناصر الكثير من تفاصيل سحب البنك الدولي تمويله للسد العالي وهو القرار الذي وقفت خلفه بريطانيا وأمريكا. كما كرر في خطابه اسم فرديناند دي ليسبس، الدبلوماسي الفرنسي السابق، الذي أقنع محمد سعيد باشا، والي مصر، بالموافقة على بناء قناة السويس، كرره كثيرا.

كانت تلك هي الإشارة السرية، ففي نفس الوقت تحركت مجموعات مختلطة من مدنيين وعسكريين مصريين، لتسيطر على مكاتب شركة قناة السويس.

ثم فجر عبد الناصر قنبلته حينما خطب قائلا: ((تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، شركة مساهمة مصرية)).

وبينما انفجرت السعادة في مصر وكل الدول العربية، كادت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل أن ينفجرون غيظا وكمدا.

كانت معظم أسهم الشركة في ذلك الوقت مملوكة لبريطانيا وفرنسا، إرثا من فترة حفر القناة التي مات فيها عشرات الآلاف من العمال المصريين الذين عملوا بنظام السخرة بلا مقابل لعشر سنوات متتالية كانت مدة حفر القناة، مات خلالها ١٢٠ ألفا من العمال المصريين، فكأنها كانت حربا وليست عملا.

كما أدت الديون التي أثقلت كاهل مصر في عهد (إسماعيل باشا) منتصف القرن التاسع عشر، أدت إلى بيعه أسهم مصر في قناة السويس التي كانت تقدر وقتها ب(٤٤٪) من أسهم الشركة، إلى رئيس الوزراء البريطاني حينها "بنيامين دزرائيلي" مقابل ٤ مليون جنيه إسترليني.

ظنا منه أن النصر مضمون، رفض أنطوني إيدن، رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت، كل العروض لحل الأزمة، واندفع بجنون نحو حرب أراد أن يسترد بها مجد الأسد البريطاني، Dutch National Archives, The Hague, Fotocollectie Algemeen Nederlands Persbureau (ANEFO), 1945-1989، Unknown author، Netherlands (CC BY-SA 3.0 NL)، via wikimedia commons.

أرادت مصر تعويض ما فاتها، وأن تجد لنفسها مكانا تحت الشمس، كان السد العالي سيوفر لها الكهرباء لإنارة المدن والقرى، لمشروعات التصنيع الطموحة والمتسارعة، كان رمزا لبناء مصر الحديثة، وكانت القناة ستؤمن لها المال اللازم لتشييده، علاوة على استرداد حقوقها الشرعية فيها.

وتشير (وزارة الخارجية الأمريكية) في تأريخها للعدوان الثلاثي لنقطة غاية في الأهمية يغفل عنها الكثير من المؤرخين، وهي أنه وبرغم أن مبادئ العدل والحق، كانت تعطي القناة لمصر، فإن الرئيس عبد الناصر، عرض تعويضا ماليا عن كامل أسهم المساهمين الأجانب في الشركة، على أن يحدد سعر السهم بأسعار الإغلاق في بورصة باريس يوم ٢٦ يوليو ١٩٥٦.

رفضت فرنسا وبريطانيا هذا العرض، بل بادرتا بتجميد أرصدة مصر في بنوكهما، وهو نفس الأمر الذي فعلته الولايات المتحدة.

كان تأميم القناة في حد ذاته تحديا خطيرا من الرئيس المصري، وحمل في طياته تحديا آخر، بالرد على سحب تمويل السد العالي، إذ ستحصل مصر لو نجحت في تسيير القناة على عائداتها السنوية المقدرة وقتها بمائة مليون دولار أمريكي سنويا.

بخلاف البعد الاقتصادي، كان قرار التأميم يسحب السيطرة الاستراتيجية لبريطانيا وفرنسا على قناة السويس أهم معبر بحري تجاري في العالم، والذي تمر من خلاله البضائع بين الشرق والغرب، وعلى رأسها الذهب الأسود "النفط".

لكن التحدي الأخطر كان قابعا كالذئب في انتظار مصر، كان الغزو العسكري، ومن ثلاث دول وفي نفس الوقت.

المؤامرة في سيفر:

التاريخ ٢٢ أكتوبر/ تشرين الأول ١٩٥٦، المكان بلدية سيفر الفرنسية الواقعة في الضاحية الجنوبية الغربية من العاصمة الفرنسية باريس، الحدث اجتماع سري بين ممثلي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، الهدف وضع خطة العدوان الثلاثي على مصر بهدف الإطاحة بحكم جمال عبد الناصر، واسترداد القناة.

أوجدت الخطة لنفسها المبرر الذي ستبدأ به الحرب، وذلك لأن أي تدخل عسكري في التاريخ مهما كان عدوانيا أو ظالما، كان لابد له من حجة حتى وإن كانت باطلة تماما.

جندي من المظليين الإسرائيليين الذين تم إبرارهم في ممر متلا وسط سيناء على أمل أن يصلوا سريعا إلى مسافة قريبة من قناة السويس حتى تستطيع بريطانيا وفرنسا تقديم إنذار كان من المؤكد أن ترفضه مصر، لم تنجح القوات الإسرائيلية في تحقيق هدفها العسكري، Uri Dan، public domain.

ستقوم إسرائيل بشن هجوم على صحراء سيناء المصرية، كتطوير لأسلوب حرب العصابات الدائر بين البلدين وقتها منذ سنوات، وبحجة فتح حرية الملاحة عبر مضيق تيران الذي كانت مصر تغلقه في وجه السفن الإسرائيلية أو القادمة منها / الذاهبة إليها.

من ثم ستوجه بريطانيا وفرنسا إنذارا للطرفين (بطبيعة الحال هو لمصر) بأن يسحبا قواتهما بعيدا عن قناة السويس، لتدخل القوات البريطانية والفرنسية بحجة تأمين حركة الملاحة في قناة السويس.

كانت إسرائيل مختنقة من فرض مصر حظرا بحريا عليها من مضيق تيران، منعت به أي سفينة من الخروج أو الوصول لإسرائيل عبر البحر الأحمر.

وبحسب الوثائق الإسرائيلية تراجعت إسرائيل عن عملية منفردة في أكتوبر ١٩٥٥ للهجوم على مصر، إذ وجدت أن الوضع العسكري والسياسي لم يكن يسمح لها بذلك.

وهكذا نسجت خيوط المؤامرة، وتم الاتفاق على تسمية خطة الهجوم على مصر باسم خطة ((الفرسان)).

رئيس الوزراء البريطاني حينها "أنطوني إيدن"، كان هو نفسه وزير خارجية بلاده خلال الحرب العالمية الثانية، كان مدركا أن الولايات المتحدة أصبحت هي أقوى دول العالم، لذا حرص قبل العدوان على ضمان عدم تدخلها.

بعث إيدن برسالة للرئيس الأمريكي "أيزنهاور" تحدث فيها عن مصالح "الدول الغربية" في إبعاد ناصر عن الحكم، وكتب نصا يقول: ((إرغامه على استفراغ القناة التي حاول بلعها)).

كان إيدن يبحث عن انتصار يعيد للإمبراطورية البريطانية مجدها بعدما أخذت في التناقص منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وخصوصا عندما استقلت أهم مستعمراتها "الهند" عام ١٩٤٧، وانسحبت قواتها من قاعدتها في قناة السويس قبل قرار التأميم ببضع شهور فقط، لذا لم يجد مانعا أن يصف عبد الناصر بأنه (مثل هتلر)، وأنه لن يتبع معه سياسة الاسترضاء التي أدت في النهاية لاشعاله حربا عالمية.

يقول ميرفي، مساعد وزير الخارجية الأمريكي في تقرير رفعه إلى الرئيس أيزنهاور، عن لقاءه برئيس الوزراء البريطاني في لندن: ((إن إيدن مصمم على تحطيم ناصر بالقوة العسكرية)).

ومن المهم أن لا ننسي أن الاقتصاد البريطاني كان يعاني أيضا من متاعب جمة في تلك الفترة، لذا كان قرار الحرب بمثابة ربح كل شيء أو أن يكتب المصريين كلمة النهاية للإمبراطورية التي احتلتهم سبعين عاما.

رينيه كوتي، رئيس الجمهورية الفرنسية، قاد حملة الانتقام الفرنسية من جمال عبد الناصر ومصر بسبب دعم الثورة الجزائرية، فإنضمت باريس إلى العدوان الثلاثي، SyntaxTerror، No Copyright، via wikimedia commons.

فرنسا، كان لها سببا آخر للمشاركة في الحلف الثلاثي بجانب تأميم القناة، فعبد الناصر كان داعما قويا بكل شيء لحركة التحرير الوطنية في الجزائر. الجزائر التي كانت تشتعل نيرانا على الفرنسيين بثورة المليون شهيد.

وبخلاف المشاركة الفعلية بالجيش الفرنسي، دعمت الحكومة الفرنسية إسرائيل بصفقات أسلحة هائلة خلال الشهور القليلة السابقة للعدوان، بل وزادت عليها بإرسال طيارين فرنسيين لإسرائيل، ببساطة كانت الطائرات التي قدمتها فرنسا لإسرائيل، أكثر عددا من الطيارين الإسرائيليين أنفسهم.

شكل العدوان الثلاثي على مصر، ورفض تعويض حملة الأسهم بقيمتها، برغم أن امتياز الشركة كان من المقرر أن ينتهي أصلا خلال ١٣ سنة (أي في سنة ١٩٦٩) دليلا قاطعا على شيئين.

أولهما أن التأميم كان مجرد حجة واهية لدول العدوان التي كانت ترغب في الإطاحة بنظام الحكم في مصر، والثاني أن هذه الدول لم تكن ستترك القناة بعد نهاية الإمتياز.

وبرغم محاولة الولايات المتحدة الأمريكية التدخل لحل الأزمة دبلوماسيا، تم رفض اقتراح وزير الخارجية الأمريكي "جون فوستر دالاس" الذي طرحه في ٩ سبتمبر ١٩٥٦، والمتمثل في إنشاء اتحاد مستخدمي قناة السويس (SCUA)، وهو اتحاد دولي يضم ١٨ دولة بحرية رائدة في العالم ، لتشغيل القناة. مع منح بريطانيا وفرنسا ومصر حصص متساوية في ملكية القناة.

العدوان الإسرائيلي:

تحت اسم ((العملية قادش)) وهي اسم معركة تتنازع الروايات التاريخية حول المنتصر فيها، والتي دارت بين "رمسيس الثاني" ملك مصر وبين الحثيين بقيادة الملك مواتللي الثاني.

تحت هذا الاسم، بدأت إسرائيل تنفيذ الشق الخاص بها من المؤامرة.

مقاتلة إسرائيلية طراز ميتيور ام كيه ٨ ، حمت تلك الطائرات إبرار المظليين في ممر متلا، National Photo Collection of Israel, Photography dept. Goverment Press Office، Fritz Cohn، public domain.

بدأ الهجوم الإسرائيلي بتقطيع عدد من الطائرات لسلوك التلغراف بهدف قطع الاتصال بين القوات المصرية في سيناء والقيادة في القاهرة، كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية ظهرا من يوم ٢٩ أكتوبر ١٩٥٦.

الهجوم الحقيقي لم يتأخر طويلا، فعند الثالثة من بعد الظهر، أقلعت ١٦ طائرة نقل من نوع Douglas C-47/Dakota وايضا من نوع نور اطلس من مطاراتها حاملة قوات المظليين من اللواء ٢٠٢ مظليين، وذلك في ظل حماية قدمتها مقاتلات Meteor F.Mk.8.

في الخامسة مساء وصلت الطائرات الاسرائيلية الي شرق ممر متلا وقامت بابرار اللواء ٢٠٢ مظليين، وتبع ذلك في وقت لاحق من نفس اليوم ابرار آخر تم فيه ابرار عربات جيب وقطع مدفعية وذخيرة.

سيستمر القتال بين القوات المصرية المدافعة عن سيناء وقوات الغزو الإسرائيلية التي تم تدعيمها بهجمات من خط الحدود، بضعة أيام فقط، إذ صدرت الأوامر للجيش المصري بالانسحاب من سيناء.

خلال تلك الفترة، اثبت المصريين أنهم قادرين على الدفاع عن أنفسهم، كما سببت دفاعاتهم الجوية خسائر كبيرة للقوات الجوية الإسرائيلية، كما استخدموا طائرات ميج-١٥ التي حصلوا عليها حديثا من الاتحاد السوفيتي في تنفيذ هجمات أرضية قوية ضد القوات الإسرائيلية، والدخول في اشتباكات جوية عنيفة ضد الطائرات الإسرائيلية.

المصريين لم يكتفوا في تلك المدة بالدفاع، بل قامت قاذفاتهم إيل-٢٨ بقصف مطارات إسرائيل في " تل نوف ، ايلات ، رامات راشيل".

التمركز غرب قناة السويس:

في اليوم التالي للهجوم الإسرائيلي على سيناء، اكتمل تنفيذ خيوط مؤامرة خطة ((الفرسان))، مع توجيه بريطانيا وفرنسا إنذارا لمصر وإسرائيل بوقف إطلاق النار والابتعاد عن قناة السويس لمسافة ٢٠ كم من الجانبين.

لم تكن القوات الإسرائيلية قد اقتربت من قناة السويس أصلا (كان أقرب جندي إسرائيلي من القناة على بعد ٨٠ كم، وكانت عبارة عن قوة من لواء مظلي تعرض لحفلة تعذيب وضربات مصرية، علاوة على كونه معزولا ومحاطا بالقوات المصرية، ولا تصل إليه الإمدادات إلا عن طريق الجو)، وكانت القوات المصرية متمسكة بمواقعها بشكل جيد وتخوض قتال عنيف ومشرف ضد الهجوم الإسرائيلي.

دبابة وجنود بريطانيين في أحد شوارع مدينة بورسعيد، وتبدو آثار الدمار على بعض المباني.

سريعا، أدرك جمال عبد الناصر أن الهدف هو حصار الجيش المصري في سيناء، ومن ثم إبادته.

وسريعا أيضا اتخذ القرار، أن تنسحب القوات المدافعة عن سيناء وتتمركز غرب قناة السويس.

بصورة إستراتيجية كان ذلك القرار سليم تماما، ذلك لأن الهدف الأساسي من العدوان الثلاثي كان السيطرة على القناة، والوصول إلى القاهرة، والإمساك به هو شخصيا حيا أو ميتا.

لذا، فإن الحفاظ على الجيش للمعركة الأساسية كان قرارا سليما تماما، وإن عابه بعض الأمور خصوصا في تنفيذ قرار الإنسحاب، والذي اتسم في كثير من الأحيان بالتخبط الشديد.

بحلول ٥ نوفمبر / تشرين الثاني ١٩٥٦، كانت إسرائيل قد احتلت شبه جزيرة سيناء بشكل كامل، واتمت معظم قوات الجيش المصري إنسحابها، وقام المهندسين العسكريين بنسف المعابر مع سيناء قطعا للطريق أمام الإسرائيليين للأنضمام لغزو مدن القناة، أو حتى استخدامها من قبل الإنجليز والفرنسيين، كما تم إغراق العديد من السفن لسد القناة أمام السفن الحربية البريطانية والفرنسية.

العدوان الثلاثي:

تقول هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن برامجها خلال الحرب العالمية الثانية كانت تعكس كفاح الأمة البريطانية ضد التهديد النازي، لكنها وجدت نفسها خلال (أزمة السويس) في تحدي، لأن الشعب البريطاني نفسه كان منقسما بشأن قرار الحرب.

ما قد نستفيده من هذا الكلام، أن الشارع البريطاني نفسه كان منقسما حول قرار العدوان على مصر -قطاعات العمال في بريطانيا على وجه الخصوص كانت ضد الحرب-، لكن وبموضوعية شديدة، فقد انجرفت بي بي سي لتأييد قرار العدوان بل والتبرير لأنتوني إيدن ومن معه من قادة العدوان، والهجوم على مصر ورئيسها.

اثبتت أزمة السويس ١٩٥٦، أن حتى أعرق حكومة ديمقراطية في العالم، وأن أكثر وسائل الإعلام مهنية على المستوي الدولي، قد تتنازل عن كل شعاراتها ومبادئها إذا ما تعارضت مع مصلحة دولتها حتى وإن كانت غير شرعية.

الملازم أول انتونى مورهاوس، ابن عمة الملكة إليزابيث الثانية، أعاده المصريين جثة هامدة.

عموما، لقد أعاد المصريين لبريطانيا وفرنسا الكثير من جنودهما قتلى أو مصابين كفاتورة واجبة السداد لهذا العدوان، ولعل أبرزهم على الاطلاق هو "انتونى مورهاوس" ابن عمة ملكة إنجلترا، والذي لقي حتفه في بورسعيد.

ومع ذلك، فقد تسببت الغارات الجوية لسلاح الطيران البريطاني والفرنسي في تدمير شبه كامل لسلاح الطيران المصري، ومعظم المطارات المصرية، كما تم تدمير الكثير من الأحياء السكنية في بورسعيد، دون مراعاة لأي قانون دولي يحمي المدنيين خلال الحروب.

بمرور أسبوع من دخول بريطانيا وفرنسا الحرب رسميا، ومع حلول ٦ نوفمبر ١٩٥٦، وجدت دول العدوان الثلاثي نفسها مضطرة لوقف عدوانها على مصر بضغط أمريكي وبتهديد سوفيتي.

الانتصار المصري:

في النهاية، وعند وضع تقييم مجمل لأحداث العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦، يتضح وبلا شك أنه انتهي بانتصار مصري هائل.

بالطبع، منيت القوات المصرية بخسائر فادحة عسكريا، لكن هذا كان ثمنا متوقعا، خاصة أن عملية تحديث الجيش المصري لم تكن قد بدأت في ذلك الوقت إلا قبل أقل من عامين مع صفقة الأسلحة التشيكية.

لكن، لولا المقاومة الشعبية المصرية، وتوحد الشعب خلف قيادته، وصموده في بورسعيد، فلم يكن هناك أي فرصة للتدخل السوفيتي والأمريكي الذي أجبر دول العدوان الثلاثي على وقف الهجوم.

إننا لو نظرنا إلى خرائط توزيع القوات يوم وقف إطلاق النار (٦ نوفمبر)، لوجدنا أن قوات العدوان فشلت حتى في السيطرة ولو على شريط ضيق من الأرض بطول قناة السويس، ناهيك عن التقدم تجاه العاصمة المصرية القاهرة.

هذا الصمود هو نفسه الذي وفر الوقت ليتحرك السوفييت والأمريكيين خلاله للضغط على دول العدوان الثلاثي، خصوصا أن الموقف الأمريكي في البداية لم ينحاز لمصر بشكل كامل.

الدخان يتصاعد من مدينة بورسعيد المصرية نتيجة الهجمات الجوية لطيران العدوان، Av Fleet Air Arm official photographer، Lisens: Falt det fri (Public domain). 

لولا هذا الصمود، ما كانت المرة الوحيدة التي اتفقت فيها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي معا ضد قوة غربية متحالفة مع إسرائيل ضد مصر أو أي دولة عربية.

وتزيد أهمية هذا الحدث أنه وقع خلال ((الحرب الباردة)). وبرغم ذلك، انحازت أمريكا للجانب الذي يدعمه السوفييت، ضد حلفائها.

حولت الحرب مصر إلي أيقونة دولية في فترة التحرر الوطني التي سعت فيها دول العالم للتخلص من نيران الاحتلال، وتحول جمال عبد الناصر إلى رمز عالمي، واكتسب شعبية هائلة في الدول العربية والأسيوية والإفريقية.

استعادت مصر ملكية قناة السويس، ونفذ قرار رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر بتأميمها، واعيد افتتاحها في أبريل عام ١٩٥٧.

خرجت إسرائيل من الحرب ببعض الفوائد كان أهمها على الإطلاق فتح خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية مقابل الإنسحاب من سيناء، كما درست طيلة عام كامل طبيعة أرض سيناء ومدقاتها وجبالها، ستعيد إسرائيل الكرة منفردة بعد ١١ عام في حرب الأيام الستة (٥ يونيو ١٩٦٧).

واقعيا، ظل العدوان الثلاثي هي الحرب الوحيدة التي خاضتها إسرائيل بتحالف علني مع دول أخرى، في مختلف حروبها حصلت إسرائيل على دعم عسكري لا متناهي من الغرب، وصل لأكبر جسر جوي في تاريخ الحروب، قدمته لها الولايات المتحدة في أكتوبر ١٩٧٣، لكنه لم يصعد لدرجة التحالف الكامل والعلني إلا عام ١٩٥٦.

انهارت الإمبراطورية البريطانية إلى الأبد، وتوقفت لعقود تالية عن استخدام القوة العسكرية، واستقال رئيس وزرائها أنتوني إيدن، وحتى يومنا هذا تعتبر الصحافة والكتاب في بريطانيا أن العدوان الثلاثي كان كلمة النهاية للإمبراطورية البريطانية، والتي اضطرت بعد الحرب للانسحاب للكثير من مستعمراتها في أفريقيا التي ثارت بعد انتصار زعيم عربي لكنه أفريقي في الوقت نفسه، اسمه جمال عبد الناصر.

كما فقدت فرنسا هيبتها، وستضطر للانسحاب من الجزائر بعد ذلك بعدة أعوام، لتنتصر الثورة الجزائرية التي كان دعم جمال عبد الناصر لها، سببا مباشرا في اشتراك فرنسا في العدوان الثلاثي.

المعرفة للدراسات
بواسطة : المعرفة للدراسات
المعرفة للدراسات الإستراتيجية والسياسية، هي محاولة عربية جادة لتقديم أهم الأخبار العربية والعالمية مع التركيز علي تحليل مدلولاتها، لكي يقرأ العرب ويفهمون ويدركون. نمتلك في المعرفة للدراسات عددا من أفضل الكتاب العرب في عديد من التخصصات، لنقدم لكم محتوى حصري وفريد من نوعه. facebook twitter
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-