نحن نعيش في عالم ترتفع فيه درجات الحرارة بشكل مستمر.
وسط ارتفاع درجات الحرارة التي نعيشها، فإن زراعة الأشجار في المدن بل في كل مكان نعيش فيه أصبح ضرورة وليس رفاهية، public domain via pxhere. |
أشياء مثل تغير المناخ، والغازات الدفيئة، والاحتباس الحراري، تجتمع كلها معا لتجعل حياتنا أصعب، مع معانتنا بسبب ارتفاع حرارة الجو.
هذا يدفعنا جميعا للتفكير، ما الذي يمكننا فعله لمواجهة ذلك؟ .. هل هناك طرق تساعدنا في كبح ارتفاع درجات الحرارة أو حتى تقليلها.
الإجابة هي (نعم) .. لقد منحنا اللَّهُ حلا سهلا يمكننا جميعا فعله، إنه "زراعة الأشجار".
أشجار التبريد Cooling trees:
في الوقت الحالي، أصبح لدينا مصطلح يسمي (أشجار التبريد) أو Cooling trees وهي أنواع من الأشجار التي يزيد تأثيرها أكثر من غيرها فيما يتعلق بتقليل درجات الحرارة وتبريد الجو.
هذه الأشجار تزيد أهميتها في المناطق التي تسمي (الجزر الحرارية) أو Heat Islands.
المقصود بالجزر الحرارية ليست الأرض التي تحيط بها المياه من كل جانب، ولكن أي منطقة تزيد درجة حرارتها عن المناطق المحيطة بها بسبب تدخل الإنسان ونشاطاته.
من أشهر الأمثلة على ذلك:
- المدن الكبرى: وخصوصا المدن التي تنتشر فيها البنايات والطرق وتسير فيها أرقام ضخمة من السيارات ووسائل النقل الأخرى، وتخلو في نفس الوقت من الأشجار والنباتات والمسطحات الخضراء، حيث تخزن تلك المدن الحرارة وتحبسها بداخلها، ما يرفع درجات الحرارة أكثر فأكثر.
- المناطق الصناعية: وهذا طبيعي لأن المصانع ينتج عنها غازات الدفيئة التي تزيد من الاحتباس الحراري.
هل الشجر يخفف الحرارة؟:
ربما يجيبك هذا المشهد بمفرده، تخيل نفسك تسير في هذا الشارع وشارع آخر يخلو من الأشجار وستدرك الفارق في درجة الحرارة بينهما، صورة من Allen Boguslavsky via pexels. |
إذن قد عرفنا مصطلح أشجار التبريد Cooling trees .. وعرفنا أهميتها، خصوصا في المدن والمناطق الصناعية لكن هل تخفف الأشجار درجة الحرارة بالفعل.
سنجيب على هذا السؤال بالعلم وليس بالرأي.
فحسب جامعة دلفت للتكنولوجيا، وهي أكبر وأقدم جامعة تكنولوجية في هولندا، فإن الأحياء السكنية التي تتمتع بكمية كبيرة من الأشجار ستكون درجة الحرارة فيها أقل من بقية المناطق الغير مزروع بها أشجار، بمعدلات تتراوح بين 10 : 15 درجة كاملة.
هذا فارق مذهل، تخيل ان تمضي يومك في درجة حرارة 40 درجة مئوية أو أن تكون في نفس اليوم قادر على أن تعيش في درجة حرارة 30 أو 25 درجة مئوية، والفارق الوحيد هو الشجر.
لدينا أيضا دراسة نشرتها صحيفة (الجارديان البريطانية) في فبراير عام 2024، توصلت إلى أنه وبفضل التشجير في شرق الولايات المتحدة الأمريكية، فقد انخفضت درجات الحرارة هناك مقارنة بباقي الولايات الأمريكية الأخرى.
ومع ذلك، فهناك مصادر أخرى تقلل من هذا الرقم وتجعله يقف عند حد التقليل من درجئتين إلى 8 درجات مئوية، مثل الأرقام التي تقدمها مؤسسة (الأشجار من أجل المدن) وهي مؤسسة خيرية تعمل في المملكة المتحدة بهدف تشجير المدن.
كما توجد مصادر أخرى تقول أن المناطق التي توجد بها الأشجار قد تكون أقل بما يصل إلى ست درجات مئوية عن المناطق المجاورة الخالية من الأشجار، فيما تحدد شبكة (أصدقاء الأرض العالمية) تأثير الأشجار بخفض درجات الحرارة لخمس درجات.
ومع ذلك، فإذا حاولنا أن نقف موقفا وسطا ونفترض أن الأشجار ستقلل من درجة الحرارة بثمانية درجات فقط، فسيبقي الفارق ضخم جدا بين يوم درجة الحرارة فيه 45 درجة مئوية ويوم آخر درجة الحرارة فيه 37 درجة فقط.
أحد الشوارع الذي كسته الأشجار .. public domain via pxhere. |
وبالمناسبة، قد تكون كل هذه الأرقام صحيحة، بمعني أن تأثير الأشجار في بعض المناطق قد يؤدي إلى خفض درجات الحرارة حتى 15 درجة مئوية، وقد يقف في مناطق أخرى عند خمس درجات.
لدينا هنا دراسة Traits of trees for cooling urban heat islands: A meta-analysis ((سمات الأشجار لتبريد الجزر الحرارية الحضرية)) والتي نشرتها (المجلة الدولية لعلوم البناء وتطبيقاتها) في مارس عام 2020.
الدراسة اشترك في أعدادها عدد كبير من العلماء برئاسة محمد عبد الرحمن البروفيسور في التخطيط الاستراتيجي للمناظر الطبيعية وإدارتها، كلية علوم الحياة، فاينشتيفان، الجامعة التقنية في ميونيخ.
وكان من النتائج التي توصلت إليها أن اختلاف تأثير الأشجار على انخفاض درجات الحرارة يرجع إلى عدة عوامل من بينها:
- طبيعة المكان: حيث تمت ملاحظة أن الانخفاض يكون أكبر على سطح الأسفلت مقارنة مع انخفاض درجة حرارة سطح المباني.
- حتى مساحة ورقة الشجر نفسها تلعب دور في درجة الحرارة التي سيتم الوصول إلي خفضها.
كيف تلطف الأشجار الجو؟:
طبعا، لديك سؤال ..
كيف يمكن للأشجار أن تلطف الجو وتقلل من درجات الحرارة؟.
تتمتع الأشجار بثلاث مميزات تقدمهما في نفس الوقت:
حقيقة علمية مثبتة: يمكن للأشجار أن تخفض درجات حرارة المدن، صورة من Chris Gold NY، CC BY-NC 2.0، via Flickr. |
- الأولى: تقلل من أشعة الشمس، وذلك بالطبع يكون أكبر مع استمرار نمو الشجرة وكبر غصونها وفروعها وأوراقها، ما يوفر الظل للمباني والشوارع، وبجانب أهمية الظل نفسه، فإن منع أشعة الشمس من الوصول للمبني أو الطريق يقلل من درجة حرارته.
- الثانية: أنها تسحب غازات الدفيئة التي تزيد من الاحتباس الحراري، وأهمها ثاني أكسيد الكربون وتخرج بدلا منها الأكسجين.
- الثالثة: عملية النتح: والنتح هو تبخر المياه التي تحتوي عليها أنسجة النبات وينتقل البخار إلى الجو، وبحسب كلية (TUM لعلوم الحياة) التابعة لجامعة ميونخ الألمانية فإن هذه العملية من أهم طرق تقليل درجات الحرارة التي تحدث بفضل الأشجار.
هذه المميزات الثلاثة تعتبر (مميزات مباشرة)، لكن هناك ميزة رابعة مهمة جدا وإن كانت لا تبدو واضحة.
مع انخفاض درجة الحرارة سيقل استخدام الكهرباء في المنازل لتبريد الجو، فحتى لو استخدم من يمتلكون اجهزة التكييف أجهزتهم، فاستخدامها وهي مضبوطة على 25 مثلا أفضل كثيرا من ضبطها على 18 أو حتى 21 درجة.
حتى من يستخدمون المراوح، فسيستخدمونها على سرعة أقل، ببساطة لأن الهواء ألطف.
أصلا، ستقل المدة والأيام التي سيحتاجون تشغيل تلك الأجهزة فيها، لأن موجات ارتفاع درجات الحرارة ستصبح أقل سواء من حيث عدد الأيام وكذلك من حيث درجات الحرارة نفسها.
ماذا يعني كل هذا؟..
ببساطة.. استهلاك أقل للكهرباء، ما يعني استهلاك أقل وحرق أقل للوقود الأحفوري، وتقليل انبعاث الغازات الدفيئة، ما يعني بالضرورة انخفاض درجات الحرارة لأن الاحتباس الحراري سيقل.
وهكذا .. وفي النهاية تستحق الأشجار أن تلقب بأنها مكيفات هواء طبيعية، وتستحق مننا جميعا أن نزرعها وفورا وبأكبر أعداد ممكنة.
بخلاف كل ذلك، ستتنفس الطبيعة بشكل أفضل، ستجد الطيور الغذاء والمأوى، وسنجد الجمال في أعيننا بالمساحات الخضراء، بل وقد نجد فاكهه متوفرة هنا وهناك في كل شارع وطريق نسير به.
حتى الحكومات ستحصل على فوائد، فهي في البداية يمكنها تقليل الميزانيات التي تعتمدها بشكل سنوي للطاقة، بل قد تحقق أرباحا من زراعة الشجر.
إننا في ((المعرفة للدراسات)) نقترح على حكومات جميع الدول العربية مشروع (شجرة لكل مولود).
ويتمثل هذا الاقتراح في أنه ومع ميلاد كل طفل جديد، وتوجه والده لاستخراج شهادة الميلاد الخاصة به، يقوم بشراء شتلة شجر لزراعتها أمام منزله.
مع الوقت، سيكبر الطفل سيعرف أن هذه الشجرة ولدت معه في نفس يوم مولده، يرعاها ويحبها، سنجد كل شوارع مدننا قد ملئت بالأشجار، حتى نصل إلى مرحلة امتلائها تماما فنبدأ تشجير الطرق السريعة والطرق الداخلية بين المدن والقرى وحتى الصحارى.
هذا اقتراحنا .. فهل من ينفذه؟.
--- المصادر:
- وكالة حماية البيئة الأمريكية EPA.
- جامعة دلفت الهولندية.
- مؤسسة الأشجار من أجل المدن - المملكة المتحدة.
- مزارع Ebben الهولندية العريقة للأشجار.
- شبكة أصدقاء الأرض.
- الجامعة التقنية في ميونيخ - ألمانيا.
- دراسة Traits of trees for cooling urban heat islands: A meta-analysis ((سمات الأشجار لتبريد الجزر الحرارية الحضرية)) - (المجلة الدولية لعلوم البناء وتطبيقاتها).
- نيتشر البريطانية، تبريد المدينة من الأشجار، دراسة من إعداد جراهام سيمبكينز، 1 أغسطس 2023.
- صحيفة الجارديان البريطانية.