بطول التاريخ وعرضه، نادرة هي الأسماء التي كونت إمبراطورية عظيمة، مترامية الأطراف في ثلاثة قارات، عاشت لقرون عديدة متتالية .. ومن بين تلك الأسماء النادرة يبرز اسم ((عثمان الأول بن أرطغرل) مؤسس الدولة العثمانية.
السلطان الغازي أبو الملوك عثمان الأول، public domain، via wikimedia commons. |
وبالرغم من تلك المكانة التاريخية الفريدة، فإن المؤرخين يقولون أنهم عاجزين عن التحقق من كثير من المعلومات بشأن عثمان الأول، إذ لم تكن هناك سجلات مكتوبة خلال حياته، والكثير مما نعرفه عنه اليوم دونه فيما بعد أحفاده من السلاطين الذين خلفوه على عرش الدولة التي أسسها.
من هو عثمان الأول؟:
هو عثمان بن أرطغرل، والذي تتعدد ألقابه، فهو ((عثمان الأول)) أو ((عثمان الغازي)) أو ((أبو الملوك))، الذي ولد سنة 1258م الموافق لسنة 656 ه.
ويشار إلى أسمه بالكامل على أنه هو (أبو الملوك السلطان الغازي فخر الدين قرة عثمان خان الأول بن أرطغرل بن سليمان شاه التركماني).
عاش الرجل 68 عاما، إذ توفي عام 1326، وفي رواية أخرى توفي عن عمر 66 عاما وذلك عام 1324م.
لكن أيا كان التاريخ الدقيق لعام وفاته، فالمهم ما أنجزه في سنوات حياته، والتي نجح خلالها في تأسيس الدولة العثمانية، ليصبح هو أول سلطان عثماني، بل أصبحت الدولة نفسها تنسب إليه فسميت (العثمانية)، وحتى سلالته من الحكام والمحكومين أصبحوا يشار إليهم باسم (العثمانيين).
بمراجعة صفحات التاريخ، نجده قد ولد في نفس العام التي نجحت فيه جيوش المغول في اقتحام عاصمة الخلافة العباسية (بغداد) وإسقاط الخلافة هناك، بل إن بعض المصادر تتحدث عن كونه ولد في ذات اليوم الذي سقطت فيه بغداد.
مثل ذلك كارثة كبرى للمسلمين الذين لم تهان خلافتهم بتلك الطريقة من قبل، لكن وكما يقال ((مصائب قوم عند قوم فوائد))، فقد فتح ذلك الطريق أمام عثمان ليؤسس دولته.
وبالرغم من أنه وأيا من خلفاءه على مدار ست قرون، لم يجرؤ أحدهم -باستثناء السلطان عبد الحميد الثاني- على التلقب بلقب الخليفة لافتقادهم شرط أن يكون الخليفة عربي من قريش، فإنهم مارسوا فعليا كل سلطات الخليفة.
ستواصل الدولة التي أسسها عثمان الأول حياتها بدء من سنة تأسيسها عام 1299م، وحتى سقوطها رسميا عقب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى وإعلان قيام الجمهورية التركية عام 1923.
حاكم الإمارة الذي أسس إمبراطورية:
كان عثمان الأول هو الأبن الأصغر لوالده أرطغرل، والذي تروي بعض المصادر التاريخية أنه كان زعيما لقبيلة قايي (تنطق أيضا: كايي) وهي من قبائل (الأوغوز) التركمانية.
أقطعه السلطان السلجوقي علاء الدين الملقب باسم (كَيقُبَاد الأول) مقاطعة جزاء له على انضمامه لجيشه في إحدي المعارك التي كان يخوضها ضد البيزنطيين.
لكن أرطغرل انشق عن الدولة السلجوقية الرومية عقب مؤامرة نفذها الوزير سعد الدين كوبك بحق السلطان انتهت بإغتيال الأخير بالسم، فلم يرتضي أرطغرل ذلك، فأستقل بإمارة سوغوت الواقعة شمال غرب الأناضول، والواقعة حاليا في بيلجيك شمال غرب تركيا، وهي نفس المكان الذي كان مسقط رأس عثمان الأول.
كما ساعد أرطغرل على القيام بخطوة الانشقاق عن الدولة السلجوقية، أن الدولة كانت قد ضعفت وبدأت أصلا في الانهيار خصوصا مع ضربات المغول المتتالية عليها.
وزاد الأمر بعد وفاته، وصعود عثمان ليحل محله، إذ وقع مقتل السلطان (غياث الدين) ابن (كَيقُبَاد الأول) على أيدي المغول، فلم يعد في سلطنة السلاجقة كلها يقوي على الوقوف أمام عثمان الأول.
هناك في الأناضول، كان للرجل ثلاثة أبناء، وبالرغم من أن عثمان الأول كان اصغرهم، فقد اختاره والده ليصبح خليفته من بعده، بل إنه سلمه صلاحياته بالفعل في آخر عشر سنوات من عمره لكبر سنه ((مات أرطغرل وقد تجاوز التسعين سنة)).
اختياره أصغر ابناءه كان له قصة عجيبة، إذ رزق به وهو في السابعة والستين من عمره، وكانت زوجته قد بلغت هي الأخرى عمرا كبيرا لا تلد فيه النساء، فأعتبره أرطغرل بمثابة هدية من السماء، وقرر أن يكون خليفته من بعده.
رسم لعثمان الأول وهو يجمع مقاتليه Culver Pictures، public domain via wikimedia commons. |
ومن قبل وفاة والده، مرس عثمان الأول فن الحرب والقتال، إذ بعثه أرطغرل لسبع أو ثماني معارك كقائد للجيش، وعمل كسفير وممثل لوالده عند سلاطين دولة سلاجقة الروم في قونية.
هناك كان لعثمان الأول لقاءاته مع شيوخ (الطريقة المولوية) وهي طريقة سنية صوفية، يعتقد أنه كان أحد أتباعها.
المؤسس عثمان ((تأسيس الدولة العثمانية)):
مع خلافته والده عام 1281 تقريبا، بدأ عثمان الأول في خوض سلسلة من المعارك الظافرة ضد الإمبراطورية البيزنطية.
كما تورط أيضا في القتال ضد منافسيه من القبائل والأمراء الأتراك المحيطين به، قبل أن يخضعهم لسلطانه.
بعض الروايات تشير إلى أن عثمان الأول واجه حتى في بداية حكمه نزاعا داخليا في قبيلته نفسها، إذ تزعم عمه دوندار تحركا ضده، لكن عثمان الأول استطاع هزيمته ومن ثم قتله.
لكن معاركه الأهم كانت بالقطع تلك التي خاضها ضد البيزنطيين، حيث مكنته من السيطرة على العديد من المدن الرئيسية في الأناضول، ومهدت له الطريق أمام إعلان دولته.
ولعل ذلك ما منحه لقب ((عثمان الغازي)) على غرار والده ((أرطغرل الغازي)) والتي تعني المقاتل أو المجاهد في سبيل الله.
أهم معارك تأسيس الدولة العثمانية:
بدأ عثمان الأول تحركاته العسكرية عام 1299م، وهو نفس العام الذي أسس فيه دولته المستقلة، وكان أول من لقب فيها بالسلطان، وكذلك بلقب (باديشاه) وهو لقب فارسي يعني (السيد الملك).
لوحة للسلطان عثمان الأول مرسومة بريشة الفنان الإيطالي الشهير باولو فرونزه، هذه اللوحة موجودة حاليا ضمن مجموعات لوحات ولاية بافاريا، public domain via wikimedia commons. |
لكنه لم يلبث أن يستقر على كرسي الحكم حتى قام بحصار مدينة نيقية وإن لم تسقط في يده.
لكن ومن بين كافة المعارك التي خاضها عثمان الأول، تظهر معركة السيطرة على قلعة قره حصا (تعني: القلعة السوداء)، كواحدة من أهم معاركه التي انتهت بانتصاره، وكان ذلك عام 688 ه.
كما وسع عثمان الأول دولته بالاستيلاء على مدينة (إزميت).
وبالرغم من أن التوسع العسكري لجيوش عثمان الأول كان بطيئًا، إلا أنه كان عنيدًا أيضا، فلا يتوقف ولا يتراجع ولا يكتفي.
فبسط نفوذه على القلعة البيزنطية الشهيرة (يني شهير) وكان ذلك عام 1300م، جاعلا منها العاصمة الأولى لدولته.
وكان فتح قوات عثمان الأول لقلعة يني شهير مهما، إذ مهد له ذلك الطريق للاستيلاء على مدينتي (إزنيق) و (بورصة).
بخلاف معاركه الحربية، تشير ما بين أيدينا من المصادر التركية لاتصاف عثمان الأول بصفة العدل.
النهاية:
عقب موت عثمان الأول خلفه ابنه (أورهان) وينطق كذلك أورخان، ليصبح ثاني سلاطين الدولة العثمانية.
وبينما تشير المصادر العثمانية التقليدية إلى أن عثمان الأول توفي مباشرة عقب الإستيلاء على مدينة بورصة عام 1326م، فإن عدد من المؤرخين يرون أنه قد توفي عام 1324م، لأنه ببساطة العام الذي أعتلى فيه أورهان ابنه العرش.