رحلة في (الاسقاط النجمي) .. ما هي حقيقته وما موقف الإسلام منه؟

حديثنا اليوم عن واحدة من أخطر وأغرب التجارب التي قد يفكر أي إنسان في المرور بها .. حديثنا اليوم عن "الاسقاط النجمي" عندما يغادر الإنسان جسده .. أو هكذا يقولون.

الاسقاط النجمي، في هذا المفهوم يستطيع الإنسان أن يجعل روحه تغادر الجسد إلي عوالم أخرى ثم يعود بها إلي الجسد مرة أخرى، Deviant Art، Rembr andt Reload.

نتناول هذه الظاهرة والتي أصبحت منتشرة في العديد من الدول والمجتمعات العربية والإسلامية وحتى الغربية.

ما هو الاسقاط النجمي بالضبط؟:

الاسقاط النجمي والذي يسمي كذلك (السفر النجمي) أو (رحلة الروح) أو (تجول الروح) أو (رحلة روحية) أو (السفر الروحي).

كلها مصطلحات متعددة لشيء واحد، تستخدم لوصف تجربة الخروج المتعمد للروح من الجسد والتي يشار إليها اختصارا باللغة الإنجليزية (OBE).

ووصف خروج الروح من الجسد هنا بأنه متعمد، لأن الروح لا تخرج في العادة إلا عند موت الإنسان على يد ملك الموت، لكن في هذه التجربة يقوم الإنسان نفسه وبشكل متعمد بإخراج روحه من جسده.

أصحاب هذا المعتقد يقولون يقولون أن هناك جسم خفي يسمي (الجسم النجمي) أو (الجسم الضوئي)، ويمكن من خلال هذا الجسم الانفصال عن جسم الإنسان المادي والسفر بالروح خارجه.

لنبسط الأمر .. هم بذلك يفترضون أن هناك جسم مادي (جسمك العادي المكون من وجهك وقدميك ويديك وغير ذلك من الأعضاء) وجسم روحي، وأنه بواسطة بعض الممارسات يمكن أن يخرج الجسم الروحي من الجسم المادي ويسافر في عوالم مختلفة ويري أشياء مختلفة، ثم يعود في نهاية الرحلة ويدخل الجسم المادي من جديد.

ويمكن أن يقوم الشخص وفقا لمعتقدهم بهذه التجربة وهو نائم أو حتى وهو مستيقظ ثم يقوم بتجربة التأمل وينتقل منها إلي الاسقاط النجمي، ويكون في الحالة الثانية متصل مع جسمه في نفس الوقت بما يشبه الخيط الرفيع.

وتربط العديد من الدراسات التي تناولت الاسقاط النجمي سرعة انتشاره خلال السنوات الأخيرة بظهوره في بعض الأفلام التي حققت نجاحات كبيرة مثل فيلم "Doctor Strange" الذي عرض عام 2016، والجزء الثاني منه الذي حمل اسم "Doctor Strange in the Multiverse of Madness".

صورة تعبيرية عن الاسقاط النجمي أثناء الاستيقاظ، تخرج الروح من الجسد، وفي ذات الوقت الذي تظل مرتبطة به بشكل طفيف للغاية، تتجول الروح في عوالم أخرى وربما في نفس المكان، صورة من Alvin Bueno، CC BY 2.0 DEED، via Flickr.

في هذين الفيلمين كان البطل يتمتع بالقدرة على فصل جسده الروحي عن جسده المادي والانخراط في المعارك والصراعات.

كما تم الترويج لنفس الفكرة في بعض الاعمال التي تعرضها شبكة Netflix الأمريكية الشهيرة، ما يجعل هناك حالة من الشك حول السبب وراء هذا الإصرار على نشر عمل وراء عمل يعرض لنفس الفكرة؟ .. ألا يتضح أن كل هذا هدفه الوحيد هو الترويج لها؟.

بهذا المفهوم تبدو فكرة (الاسقاط النجمي) فكرة لطيفة .. يستطيع من خلالها الشخص القيام بتجربة مثيرة، رؤية أشياء غريبة وعوالم جديدة، وربما امتلاك قدرة خارقة، ولعل من يدعون الناس للقيام بها يستخدمون عبارات مثل (انضم إلينا) .. (دعنا نري من الأشجع؟) .. وغيرها من الكلمات التي قد تحفز البعض للتجربة.

لكن الأمر خطير .. خطير للغاية.

هناك أبحاث طبية إجريت عن الاسقاط النجمي، وبعض الدراسات اعتبرته (هلوسة).

وبينما رصدت دراسات أخرى (تغيير) في وظائف الدماغ ونشاطا في (المخيخ) حينما يقوم الشخص بالاسقاط النجمي، لكن وفي النهاية تم اعتبار الاسقاط النجمي أنه "علم زائف" كما جاء في كتاب البروفيسور الأمريكي (تيرينس هاينز) الذي حمل عنوان العلوم الزائفة والخوارق Pseudoscience and the Paranormal والصادر عام 2003.

لكن المسألة لا تقتصر عند حد الخطورة الطبية، بل إن الاسقاط النجمي مسألة ترتبط بعقيدة المسلم وصحة إيمانه نفسها.

الاسقاط النجمي في الإسلام:

دعونا نقول في البداية أن الإسلام لم يدعو أتباعه أبدا للقيام بأيا من تلك الممارسات التي تشبه الاسقاط النجمي.

يفترض الاسقاط النجمي أن الروح تغادر الجسم لبعض الوقت، صورة من Rad el Baluvar، CC BY-SA 3.0 DEED، via wikimedia commons.

فلو افترضنا أنه هلوسة كما ذهبت بعض الدراسات الطبية، فإن الإسلام يدعو أتباعه لليقظة وأن يكونوا مدركين لما يحيط بهم، وكان هذا السبب في تحريم الخمر على سبيل المثال.

ولو افترضنا صحة ما ذهب إليه بعض العلماء المعاصرين مثل الدكتور المصري (هيثم طلعت) والذي يري أن الاسقاط النجمي هو عبارة عن لقاء مع شياطين وجن، وأن لهم دورا كبيرا في حدوثه، فهذا الأمر قد يؤدي بصاحبه للخروج من ملة الإسلام ونزول منزلة الكفر.

ودعونا نقول لكم أن من قاموا باستدعاء فكرة (الاسقاط النجمي) من قلب حضارات آسيا وثقافاتها القديمة وكان ذلك في القرن التاسع عشر هي مجموعة تطلق على نفسها اسم (الثيوصوفيين) وهم اتباع ما يسمي (الثيوصوفيا) وهي فكرة شركية، تجعل الله عز وجل مجموعة من الإلهة وتنفي عنه الوحدانية، تعالى سبحانه عما يصفون.

قام الثيوصوفيين باستخراج هذه الممارسات من معتقدات وثنية قديمة وحديثة، ذلك لأن الأسقاط النجمي هو أحد أقدم الممارسات التي أضل بها الشيطان أتباعه.

نجد مفهوم مشابه له عند المصريين القدماء، ونجده كذلك عند شعب (إنويت) الذين يسكنون شمال الكرة الأرضية الذين يعتقدون أن بعض الأشخاص يمكنهم السفر خارج أجسادهم إلى عوالم أسطورية.

لدينا كذلك الهندوس الذين لا يؤمنون فقط بالاسقاط النجمي في كتبهم المقدسة القديمة، بل بإن من يقوم به يمكنه خلاله القيام ببعض المعجزات، وكذلك لتلك الظاهرة وجود في الأساطير اليابانية القديمة.

كذلك ممارسات الطاوية تحتوي بشكل صريح على ممارسة (التأمل) من أجل الاسقاط النجمي.

إذن هي فكرة جاءت من رحم أفكار مليئة بالكفر والشرك .. فكرة تبناها أناس لا يؤمنون بالله وأخرجوها من كتب القدماء، وهذا مهم للغاية في كل أمور حياتنا، أن نعرف أصل ما يطرح علينا، فعندما نعرف أصله، نفهمه جيدا ونستطيع التعامل معه بإذن اللَّهُ.

الدكتور هيثم طلعت هو طبيب مصري وباحث في العقائد، ننصح من أراد الاستزادة عن الاسقاط النجمي بمتابعة قناته على اليوتيوب، وقد بنينا المادة العلمية من الناحية العقائدية في هذا التقرير على واحدة من حلقاته.

والحقيقة أننا نري أن الاسقاط النجمي ليس وهما كاملا، لكن أتباعه ومن يدعون له يقومون بتزييف ما يحدث بالفعل.

فالاسقاط النجمي لا يحدث فيه خروج للروح من الجسم، بل هي على أغلب الظن حالة يخرج فيها الإنسان عن الوعي، ويتحكم فيه الشيطان بالكامل، يسيطر على عقله ويعرض لها صورا يريدها هو، وقد يكون بعضها واقعية -كمن يشاهد ما يدور حول منزله- ليشعره بأن ما يراه حقيقي.

هل الاسقاط النجمي مذكور في القرآن الكريم؟:

سبحان من علمنا ما لم نكن نعلم .. وهو العزيز العليم.

الحقيقة عزيزي القارئ أن القرآن الكريم قد أمرنا بتدبر الآيات فيه، ومن فعل ذلك من أهل العلم، وجد أن هناك إشارات واضحة للاسقاط النجمي في القرآن الكريم.

ذلك أن العديد من الأشخاص الذين مروا بهذه التجربة تحدثوا عن رؤيتهم ما وصفوها بأنها مخلوقات نورانية، ومنهم من قال أنه رأي ملائكة، وأن هؤلاء الملائكة قدموا لهم نصائح، وقدموا لهم تفسيرات معينة للكون وللدين مفادها أن الأديان كلها مقبولة وأن المهم هو خلق الإنسان وتصرفاته مع الآخرين.

هذا القول يتنافي مع قاعدة أنه من يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهي قاعدة أقرها القرآن الكريم أيضا، لكنه يذكرنا بقوله تعالى: (( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَٰؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ 41 قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم ۖ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ۖ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ 42)) .. الآيات من سورة سبأ.

فهاتين الآيتين الكريمتين توضح أن الجن ومنهم الشياطين يقومون في الحياة الدنيا بخدع بني آدم وأخذ صور الملائكة وكائنات ذات شكل طيب، ثم يأمرونهم بأشياء تخالف العقيدة وأشياء تخالف التوحيد، ثم وفي مرحلة ما قد ينقلوهم إلي مرحلة عبادتهم هم أنفسهم كما حدث مع شاب هندي في عام 2017 سنذكر قصته.

هذه المشاهدات لتلك المخلوقات من المتكرر ذكرها على ألسنة الكثيرين ممن قالوا أنهم مروا بالاسقاط النجمي، فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم .. ويا ليت الناس يعلمون.

أضرار الاسقاط النجمي:

لوحة تم رسمها عن الاسقاط النجمي خلال بحث أجراه الباحثين المتخصصان في الظواهر النفسية الغريبة (هيريوارد كارينجتون، سيلفان مولدون) في عام 1929، public domain.

لقد وجدنا العديد من المصادر التي تتحدث عن أضرار الاسقاط النجمي التي قد تصل إلي حد الموت.

• في العام 2017، قتل رجل هندي وبشكل وحشي للغاية كل من والديه وأخته وخالته، عقب القبض عليه اعترف الجاني ويدعي (كاديل جينزون رجا) أنه من عبدة الشيطان وأنه كان ممارسا للاسقاط النجمي .. فلك عزيزي القاريء أن تتخيل نهاية الطريق الذي أوصله له الاسقاط النجمي.
• ذهبت دراسة نشرتها مجلة العلوم الطبية الشهيرة عالميا (cureus) في أغسطس 2021 للقول بأن الاسقاط النجمي يرتبط بالعديد من (الاضطرابات النفسية) واختلال في وظائف المخ.
• في مومباي، في الهند أيضا حيث تنتشر ممارسات الاسقاط النجمي، انتحرت مراهقة اثناء ممارستها للاسقاط النجمي.

وفي النهاية أيها الأخوة الأعزاء الكرام .. لقد أنزل الله عز وجل لنا الدين صافيا خاليا من تلك الممارسات، وقد أدى رسوله صلي الله عليه وسلم الأمانة كاملة، فلا تخلطوا الحق بالباطل، ولا تكونوا ضعفاء النفوس تسلمون أنفسكم لما يوردها المهالك في الدنيا والآخرة.