الأحدث

بشار الأسد .. قصة رئيس سوريا الذي لا ينتهي أبدا

في الحادي عشر من سبتمبر عام 1965، وفي عاصمة الأمويين دمشق، رزق قائد سلاح الجو السوري حينها (حافظ الأسد)، بمولود ذكر اسماه (بشار).

بشار الأسد، صورة من وكالة مهر نيوز الإيرانية، Attribution: Mehr News Agency، (CC BY 4.0)، via wikimedia commons.

سيصبح بشار حافظ الأسد ذات يوما رئيسا لسوريا، خليفة لوالده برغم النظام الجمهوري الحاكم للدولة.

العائلة:

  • الاب: حافظ الأسد.
  • الام: أنيسة مخلوف.
  • الأشقاء: باسل الأسد، ماهر الأسد، مجد الأسد.
  • الشقيقات: بشري الأسد.
  • الزوجة: أسماء الأسد.
  • الأبناء: زين الأسد، حافظ الأسد، كريم الأسد.

ملاوة من شباب:

في دمشق، مسقط رأسه، عاش بشار الأسد، وتلقي تعليمه حتى تخرج من كلية الطب بجامعة دمشق عام 1988.

سريعا ما بدأ بشار عمله كضابط طبيب في الجيش السوري.

بعد أربع سنوات، التحق بالدراسات العليا في مستشفى العيون الغربية في لندن، ليتخصص في طب العيون.

تشير تلك الخطوات إلي شاب وضع طموحاته في الطب لا السياسة.

لكن كل ذلك تغير في صباح بارد من يناير / كانون الثاني عام 1994، حادث سيارة ينهي حياة شقيقه الأكبر باسل، الأبن الأكبر لحافظ الأسد، والذي كان يعده ليكون وليا لعهده.

سريعا تم استدعاء بشار (وهو ثالث أبناء حافظ، والثاني في الترتيب من الذكور) إلى سوريا ليحل محل أخيه.

سنوات حافظ الأسد الأخيرة:

حافظ الأسد مع عائلته في بداية رئاسته لسوريا مطلع السبعينيات، يظهر فيها من اليسار الرئيس بشار الأسد، وبجواره شقيقه ماهر، ثم والدتهما أنيسة مخلوف، يليها ابنها مجد الأسد، ثم الأبنة الكبرى والوحيدة بشري الأسد، ثم باسل الأسد، وريث أبيه الذي مات قبله، Unknown author، public domain، via wikimedia commons.

وفقا لمؤهلة العلمي كطبيب، بدا بشار الأسد غير جاهز لما هو مقبل عليه من قيادة سوريا، لذا دفع به والده للالتحاق بالكلية الحربية السورية.

وسرعان ما دفع به ليتولي مسؤولية أحد أهم الملفات في قصر الحكم في سوريا حينذاك، وبالتحديد ملف الوجود السوري في لبنان، والذي كان يأخذ وقتها شكل وجود عشرات الآلاف من الجنود السوريين على الأراضي اللبنانية.

كان بشار الأسد يصنع على عين والده، وكطبيب عيون، التقط وبدقة، كيف يسير العمل في أروقة الدولة التي بناها والده لتكون بوليسية شمولية كما هو تعريفها في معاجم العلوم السياسية.

الوريث:

منذ العام 1971، يحكم آل الأسد سوريا.

ففي واقعة غريبة، قام وزير الدفاع المهزوم أمام إسرائيل في حرب الأيام الستة (يونيو / حزيران 1967)، بإنقلاب عسكري، مكنه من الوصول لحكم سوريا حتى وفاته في العاشر من يونيو سنة 2000.

في ذلك العام الذي كان العالم ينتقل فيه نحو قرن جديد، كانت السلطة في سوريا تنتقل من الأب الراحل إلي الابن بسلاسة منقطعة النظير، تم كل شيء بشكل سريع .. ما أوحي أنه كان مدروس ومخطط له بدقة حتى قبل وفاة الأسد الأب.

بفضل النخبة العلوية التي ينتمي إليها آل الأسد، وهي طائفة شيعية تشكل تقليديًا حوالي 10 في المائة من السكان السوريين ولعبت دورًا مهيمنًا في السياسة السورية منذ الستينيات.

بفضل تلك النخبة المسيطرة على مفاصل الدولة، والمخابرات بأسمائها المختلفة والمتعددة في سوريا، وقبل كل ذلك ومعه (الجيش السوري)، انتهي الأمر أسهل من وضع سيدة سورية لمولدها بشكل طبيعي.

بشار الأسد بعد شهور قليلة من توليه منصب رئيس سوريا، يناير 2001، Attribution: Khamenei.ir، (CC BY 4.0)، via wikimedia commons.

حتى دستور البلاد، قدس الأقداس في البلاد الديمقراطية، تم تعديله ليتناسب مع شخص واحد.

فالدستور السوري وقتها كان ينص على أن يكون رئيس البلاد قد بلغ الأربعين من عمره، في حين كان بشار الأسد يبلغ من العمر 34 عامًا فقط.

كان توريث الحكم في دولة جمهورية، إعلانا عن تحول سوريا إلي دولة يحكمها سلالة ديكتاتورية.

وللمفارقة المضحكة أو المبكية، فإن أبرز من قاد عملية (توريث) رئاسة سوريا، كان عبد الحليم خدام، المسلم السني، وأحد أبرز أركان الحرس القديم لحافظ الأسد.

فالرجل الذي تولي رئاسة سوريا مؤقتا، كان من أول قراراته ترفيع رتبة بشار الأسد من العقيد إلي (فريق ركن) أعلى رتبة عسكرية سورية، وتعيينه قائدا عاما للجيش، حتى قبل دفن والده بمسقط رأسه في قرية القرداحة.

كان خدام نفسه هو مهندس ما تم في المؤتمر القطري التاسع لحزب البعث الحاكم في سوريا في يونيو 2000، عندما تم انتخاب بشار الأسد أمينا عاما للحزب، كخطوة أخيرة قبل توليه الرئاسة.

لم ينقضي شهر يونيو هذا (في 27 منه)، حتى وافق 250 عضوا من أعضاء مجلس الشعب السوري وسط الهتاف والتصفيق على تسمية بشار الأسد رئيسا لسوريا.

سنوات التفاؤل:

ربما كان هناك بعض الأسباب -النفسية على الأقل-، في سريان التفاؤل في السنوات الأولى من حكم بشار الأسد.

لافتة للرئيس السوري بشار الأسد في المدينة القديمة في دمشق، يناير 2006، Photo: Bertil Videt، (CC BY-SA 3.0)، via wikimedia commons.

بدا الشاب، طبيب العيون، رئيسا طموحا، وبدأ السوريين يأملون في حقبة من الإصلاح الديمقراطي والانتعاش الاقتصادي.

في تلك الحقبة، تشكل الثلاثي الذي سيحكم به بشار الأسد سوريا، وسيخوض به معركة الحياة أو الموت بعد 2011، والذي تمثل في عائلته، الأجهزة الأمنية، ونخبة من رجال الأعمال الذين يحظون بامتيازات اقتصادية هائلة.

إذ سعي الشاب للتخلص من (الحرس القديم) الذي عمل مع والده لسنوات طويلة، وما بين الإقالة والاستقالة، انتهي عصر حافظ الأسد تماما، وبدأت سنوات بشار.

في الوقت نفسه، تجادل العديد من الآراء بأن سياسات بشار الأسد الاقتصادية في ذلك الوقت، والتي اتسمت بالتحرير الاقتصادي، والتوجه نحو اعتناق سياسات السوق الحر بدلا من الأفكار الاشتراكية، عمقت من عدم المساواة في المجتمع السوري، وزادت من تركيز السلطة والمال في قبضة النخبة العلوية والدمشقية الموالية لعائلة الأسد.

كما أدت هذه السياسات أيضا إلي إبعاد سكان الريف السوري والطبقات العاملة في المناطق الحضرية ورجال الأعمال والصناعيين عن معاقل ومناصب حزب البعث التي كانت ذات يوم متاحة لهؤلاء الفئات في عهد والده.

الرئيس القائد:

في دولة مثل سوريا، فإن رئيس الدولة ليس موظفا عاديا يمكن أن يأتي بالانتخابات ويرحل بها، لكنه الزعيم الأوحد، القائد، المعلم، وهو الخالد أبدا -حتى وفاته على الأقل-.

بخلاف رئاسة الدولة، فإن بشار الأسد هو ((الأمين العام للقيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي))، يبدو اسما به الكثير من الفخامة، وربما الجدية، ومعبق برائحة أفكار البعث العربي القادمة رياحها من القرن الماضي حتى ولو لم يؤمن بها (الرفيق) بشار الأسد.

في النهاية، وبرغم ما لا ينكر من الإصلاحات التي تمت في مطلع عهده، حافظ بشار على هذه التقاليد التي ورثها عن والده.

وبالرغم أيضا من أن هذا المنصب، وهذا التوجه الفكري يتصف بكونه (علماني) إلا أن حكومة بشار الأسد دائما ما كانت تتصرف كحكومة طائفية بإمتياز.

واشتعل كل شيء:

واحدة من أوائل المظاهرات ضد بشار الأسد في واحدة من أولى المناطق التي تحركت فيها الاحتجاجات، دوما، ريف دمشق، 8 أبريل 2011، shamsnn، (CC BY 2.0), via wikimedia commons.

ثار التونسيين، وتبعهم المصريين، طار زين العابدين بن علي إلي السعودية، وتنحي مبارك عن حكم مصر.

إنه العام 2011، ذلك الذي تغير بعده كل شيء في بلاد العرب أوطاني، عندما هبت رياح الربيع العربي، أو الربيع العبري، أو الثورات، أو المؤامرات، امنحها الاسم الذي تريده.

وعلى عكس بن علي وحسني مبارك، ومع اندلاع الاحتجاجات ضده في مارس / آذار من نفس السنة 2011، أمر بشار الأسد بسحق كل من يعارضه، بدون ذرة من رحمة.

وهكذا .. اشتعل كل شيء في سوريا تقريبا، فالناس حملوا السلاح في مواجهة العنف الذي تصرفت به أجهزة الأمن والجيش في سوريا، والذي وصل حد قصف المدن والقرى بالطيران، الدبابات، المدفعية، وبكل الأسلحة المصممة والمصنعة خصيصا لقتال الجيوش ضد الجيوش.

بل إثير الكثير والكثير عن استخدام الاسد للأسلحة الكيميائية ضد شعبه، ما حرك طائرات البحرية الأمريكية لضرب سوريا في 2018 في عملية مشتركة مع طائرات بريطانية وفرنسية ردا على ما تردد وقتها من هجمات كيماوية شنتها القوات الموالية لبشار الأسد.

شكلت تلك الحرب بيئة خصبة لظهور ما يعرف باسم (الدولة الإسلامية) والتي توسعت لمناطق في العراق لتصبح (الدولة الإسلامية في العراق والشام) أو (داعش)، إنها المشروع الدموي الذي تحالف العالم كله تقريبا ضده، وكما قام بجنون متعطش للدماء، انهار بسرعة كبيرة.

دمرت مدن وقري بشكل كامل أو تكاد، وقتل مئات الآلاف من الناس، تختلف التقديرات حولهم، وإن كان معظمها يتخطي النصف مليون نفس، من التي حرم الله قتلها إلا بالحق.

حرب مثل تلك الحرب، دفعت الملايين من السوريين لمغادرة بلادهم، لنصبح أمام تغريبة جديدة، سورية بعد الفلسطينية، وانتشر السوريين في الشتات في أقصاع الدنيا شرقا وغربا، بين دول استقبلتهم بين أبنائها بترحاب، وأخرى أبقتهم في مخيمات اللاجئين، وآخرون ماتوا غرقي على شواطئ أوروبا أو في قاع البحر.

استقبال جثامين القتلى من المقاتلين الإيرانيين الذين قتلوا في الحرب في سوريا دعما لبشار الاسد عند إعادتها إلى مدينة كرمانشاه في إيران، Farzad Menati، Attribution: Tasnim News Agency، (CC BY 4.0)، via wikimedia commons.

وبرغم ما بدا لبعض الوقت أن بشار الأسد قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.

إلا أنه وبشكل يثير الإرباك، استطاع الأسد الابن أن يحتفظ بالسلطة، رغم أن معظم شعبه قد ثار ضده، وسالت بحور من الدماء جعلت النزاع في سوريا أحد أكثر الصراعات دموية في العالم خلال القرن الحالي.

لتحقيق ذلك، جاء الإيراني والروسي لدعمه، بالسلاح، بالمال، وحتى بالمقاتلين، وإذا نظرنا للمقاتلين تحديدا، لوجدنا أيضا جنسيات أخرى لمقاتلين من الطائفة الشيعية، هبوا لنجدة بشار الأسد، ومن أبرزهم من جاءوا من العراق.

في النهاية، وفي مفاهيم العلوم السياسية والعسكرية معا، دخلت سوريا حربا أهلية لم تضع أوزارها حتى الآن، حتى ولو هدأت المدافع وانخفض صوت الرصاص.

وبينما يعتبره البعض زعيما دافع عن بلاده ضد ما يوصف بمؤامرة كونية، فإن الفريق الآخر يراه مجرم حرب وحتى مجرم ضد الإنسانية.

تطبيع العلاقات:

مرت أكثر من 12 سنة تعد الأسوء، الأصعب، الأكثر دموية في سوريا منذ قرون، سنوات أسوء حتى من سنوات الاحتلال.

لكن وبحكم أرض الواقع، والحسابات السياسية، نجح بشار الأسد في النجاة حتى ولو كان ذلك على أكوام وركام.

وتشير التصريحات، الزيارات المتبادلة، في الفترة الأخيرة، إلي أن نظام بشار الأسد يعاد تأهيله لعودته إلي مربع القبول الدولي من جديد.

بطريقة أو بأخرى، نجح بشار الأسد وهو في أحضان علي خامنئي والإيرانيين، أن يعود إلي أحضان الكثير من الدول التي قطعت علاقاتها معه في 2011، Attribution: Fars Media Corporation، Khamenei.ir، (CC BY 4.0)، via wikimedia commons.

إذا عدنا بالزمن إلي الوراء، وبالتحديد بعد وقت قصير من بداية الثورة في سوريا في عام 2011 والقمع الوحشي من قبل حكومة الأسد للاحتجاجات المناهضة للحكومة، قطعت معظم الدول العربية العلاقات مع الأسد. 

نترك تلك الفترة ونعود إلي ما نحن فيه اليوم بعد أكثر من عقد بقليل، يبدو أن المد يتغير مع إعادة نظر القادة الإقليميين في العلاقات مع دمشق.

فمنذ أواخر ديسمبر 2018، وبعدما أعادت الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما في دمشق بعد إغلاقهما في عام 2011، منذ ذلك التاريخ، بدأ تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد يأخذ اتجاه الصعود.

كما مثلت كارثة زلزال شرق المتوسط في فبراير 2023، فرصة غير متوقعة ليتواصل نظام الأسد مع العديد من الدول والمنظمات التي أعادت فتح قنوات الاتصال معه لتقديم المساعدات الإنسانية لضحايا تلك الفاجعة.

ستكون عودة اللاجئين السوريين إلي بلادهم، العلاقات الأمنية والاقتصادية مع سوريا هي أبرز الملفات، وأيسر الطرق التي تعود بها سوريا بشار الأسد إلي علاقاتها الطبيعية مع محيطها الإقليمي.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-