نشرت صحيفة ((وول ستريت جورنال)) الأمريكية الشهيرة تقريرا جديدا قالت فيه على عهدتها أن الخلافات بين السعودية والإمارات في تصاعد بشأن ملفات اليمن والنفط، والنفوذ السياسي والتنافس الاقتصادي.
يحكم السعودية والإمارات رجلين قويين، لسنوات بدت العلاقة بينهما في أعلى درجات التعاون، لكن يبدو أن أوقاتا صعبة قد جاء موعدها. Credit: MohamedBinZayed / Twitter. |
وأضافت الصحيفة أن البلدين اللذان يملكان أكبر اقتصادين عربيين، كانتا في يوم من الأيام صديقين مقربين، يتنافسان بشكل متزايد على المال والسلطة.
غياب متبادل:
بدأ تقرير وول ستريت جورنال بالإشارة إلي ملحوظة ذكية.
فعندما استضافت أبو ظبي قمة لقادة الشرق الأوسط في قصر ساحلي في كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٣، حضرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الملك الأردني الهاشمي عبد الله الثاني، سلطان عمان هيثم بن طارق، الملك البحريني حمد بن عيسي، أمير قطر تميم بن حمد.
وسط كل هذا الجمع من الحضور، كان هناك غياب صارخ لشخصية بارزة، إنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
لكن إذا عدنا إلي الوراء أكثر قليلا، وبالتحديد قبل شهر من تلك القمة التي بدت ودية أكثر من كونها رسمية، سنجد تغيب لقادة دولة الإمارات العربية المتحدة عن قمة صينية عربية رفيعة المستوى عقدت في الرياض.
وتذهب صحيفة وول ستريت جورنال، إلي القول بأن مسؤولون خليجيون كشفوا لها عن كون الأمير محمد بن سلمان آل سعود، والرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، قد قصد كل منهما أن يبتعد عن الحدث الذي نظمه الآخر.
مضيفة أن الدولتين الجارتين وكلاهما من (الشركاء الأمنيين للولايات المتحدة)، واللتان احتفظتا بالسير على مدى سنوات بخطى متقاربة بشأن السياسة الخارجية للشرق الأوسط، يمران الآن بحالة من الخلاف المتزايد التي تم الكشف عنها من خلال التصريحات.
خلافات متعددة:
السعودية والإمارات لا تزالان حتى وقتنا هذا حلفاء رسميًا، وبرغم ذلك فإن البلدين قد تباعدت العلاقة بينهما على عدة جبهات.
يقود السعودية والإمارات رجلان قويان، ولكل بلد مصالحها الخاصة التي قد تتشابه أحيانا وتختلف في أحيان أخرى، Credit: MohamedBinZayed / Twitter. |
إذ يدور التنافس بين الرياض وأبوظبي على الاستثمار الأجنبي، والنفوذ في أسواق النفط العالمية، والاشتباك الخفي فيما يتعلق بحرب اليمن.
وعلى ما يبدو فإن الخلافات التي كانت قد اندلعت خلف الأبواب المغلقة قد بدأت تتسرب الآن وبشكل متزايد إلي العلن، ما يهدد بإعادة ترتيب التحالفات في الخليج العربي الغنى بالطاقة.
يحدث ذلك في الوقت الذي استعادت السعودية علاقاتها المقطوعة منذ سنوات مع إيران ((يمكنكم مطالعة تقريرنا: "صفقة تدمر جدارنا الدفاعي" ردود الفعل الإسرائيلية على اتفاق عودة العلاقات بين السعودية وإيران)).
كما أدت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار النفط الخام وقلقلة وإرباك عملية صنع القرار في منظمة أوبك.
فشل الصديق المقرب:
وسط كل ذلك، برز اسم مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، وهو في الوقت نفسه شقيق الشيخ محمد بن زايد رئيس الإمارات، وابن مؤسس الدولة (الشيخ زايد بن سلطان).
بحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الشيخ طحنون في الوقت نفسه يعد صديقا مقربا لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
مرارًا وتكرارًا سافر الشيخ طحنون إلى المملكة العربية السعودية لمقابلة زعيمها الفعلي -بحسب تعبير الصحيفة-، والبالغ من العمر ٣٧ عامًا.
لكن أشخاص مطلعون على تلك الرحلات، قالوا إن ذلك الجهد فشل في تخفيف التوترات.
بل ربما يكون قد حدث العكس، ففي إحدي المرات، التي تلت القمة العربية المصغرة التي عقدت في يناير في أبوظبي، لم يتمكن الشيخ طحنون من تأمين لقاء مع ولي العهد السعودي ، كما قال بعض الأشخاص لصحيفة وول ستريت جورنال.
رحلة ليلية في صحراء المملكة:
بدأت علاقة الشيخ محمد بن زايد والأمير محمد بن سلمان سريعا منذ كان الأخير لا يزال ولي ولي العهد السعودي، Credit: MohamedBinZayed / Twitter. |
كان رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، والبالغ من العمر ٦١ عاما، قد بدا في بداية الأمر بمثابة المرشد لولي العهد السعودي الشاب.
قبل سنوات، بلغت العلاقة بين الرجلين أن اجتمعا معا في رحلة تخييم ليلية في الصحراء السعودية الشاسعة، برفقة صقور مدربة وحاشية صغيرة.
لكن بمرور الوقت، وخصوصا في الآونة الأخيرة، بدأ الرجلان في التباعد عن بعضهما البعض بسبب الرؤي المتباينة لطريقة القيادة، وتجنب الشيخ محمد للتدقيق الذي يقوم به الأمير.
((حتى سنوات قليلة مضت ، لم يُسمع بهذا النوع من الانقسام والسعي الصريح لتحقيق أهداف تتعارض مع ما يسعى إليه إخوانهم))، تقول دينا اسفندياري.
وتضيف السيدة التي تعمل كمستشارة أولى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية. "الآن أصبح حدوث ذلك من أيا من البلدين أمرًا طبيعيًا بشكل متزايد".
وامتنع مسؤولون إماراتيون عن التعليق. ولم يرد المسؤولون السعوديون على طلبات التعليق التي تقدمت بها وول ستريت جورنال.
حرب اليمن:
في تغريدة في فبراير / شباط، أعاد أنور قرقاش، مستشار السياسة الخارجية الإماراتي للشيخ محمد، التأكيد على وحدة الإمارات العربية المتحدة مع المملكة العربية السعودية.
وقال أنور قرقاش، إن التقارير حول التحولات في التحالفات الخليجية خاطئة وتخلق انقسامات في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى التضامن.
كان الخلاف الأكثر حدة بين السعودية والإمارات يدور حول اليمن، حيث قاد السعوديون والإماراتيون تحالفًا عسكريًا عربيًا تدخل في عام ٢٠١٥ في اليمن التي تعيش مأساة منذ عام ٢٠١١.
تركت الحرب الأهلية البلاد منقسمة بين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران الذين يسيطرون على الشمال، وحكومة معترف بها دوليًا في معظم مناطق الجنوب.
وبالرغم من كون دولة الإمارات العربية المتحدة قد سحبت معظم قواتها البرية من اليمن منذ عام ٢٠١٩.
فلا تزال تخشى أبوظبي من تهميشها من المناقشات حول مستقبلها حيث تواصل السعودية محادثات مباشرة مع المتمردين الحوثيين بشأن إنهاء الحرب التي يبدو أنه قد أصبح أقرب من أي وقت مضى خصوصا مع عودة العلاقات بين السعودية وإيران، وذلك حسب مسؤولون خليجيون تحدثوا إلي وول ستريت جورنال.
الهدف الإماراتي الأساسي حاليا فيما يتعلق باليمن هو الحفاظ على موطئ قدم استراتيجي على الساحل الجنوبي للبلاد، والتخطيط لتوزيع القوة في البحر الأحمر، بهدف تأمين الطرق البحرية من موانئها إلى بقية العالم.
تتحرك الإمارات لتأمين هدفها بالفعل، فبحسب مسؤولين سعوديين وإماراتيين بل وحتى غربيين، فإنه وفي ديسمبر من العام ٢٠٢٢، وقعت الإمارات العربية المتحدة اتفاقية أمنية مع الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، لتدريب القوات اليمنية في الإمارات. وتعميق التعاون الاستخباراتي بين البلدين.
لكن البند الأهم في تلك الاتفاقية كان أنها تسمح للقوات الإماراتية بالتدخل في البلاد في حالة وجود ((تهديد وشيك)).
كما تسعي الإمارات أيضا لبناء قاعدة عسكرية ومدرج للطائرات لها على جزيرة في مضيق باب المندب في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، بحسب مسؤولين خليجيين.
يريد الإماراتيين وضع قوة عسكرية لهم لتأمين طرق التجارة التي يعتمدون عليها كثيرا اقتصاديا، لقطة من فيديو نشرته وزارة الدفاع الإماراتية. |
وقال مسؤولون خليجيون لصحيفة وول ستريت جورنال، إن المسؤولين السعوديين اعترضوا سرا على الاتفاق الأمني والخطط الخاصة بالقاعدة الإماراتية في باب المندب.
الأكثر من هذا، أن السعوديين اعتبروا أن الإماراتيين يعملون ضد أهداف الرياض الرئيسية المتمثلة في تأمين حدودها البالغ طولها ٨٠٠ ميل ووقف هجمات الحوثيين بطائرات مسيرة وصواريخ.
وردا على ذلك، نشر السعوديون قوات سودانية من التحالف العسكري العربي الذي تقوده في مناطق قريبة من مناطق العمليات الإماراتية في اليمن، وهو ما اعتبره المسؤولون الإماراتيون (تكتيكًا للترهيب) على حد قول مسؤولين خليجيين.
وفي ديسمبر ٢٠٢٢، وعندما لم يحضر الشيخ محمد بن زايد (القمة الصينية العربية في الرياض)، ولم يمثل الإمارات سوى حاكم إمارة الفجيرة، قال مسؤولين سعوديين أن ذلك يعد (علامة على استياء الإماراتيين من المنافسة بين البلدين في اليمن).
الخلاف حول النفط:
وتابعت وول ستريت جورنال تقريرها عن الخلافات السعودية الإماراتية، مشيرة إلي ملف آخر هو ما يحدث داخل أروقة منظمة أوبك وغرفها المغلقة، بين اثنين من أكبر منتجي النفط في العالم.
المنظمة التي تقودها السعودية بشكل كبير، ضغطت على الإمارات من أجل ضخ كميات قليلة من النفط، ما يؤثر على العائدات الإماراتية من النفط، وهي كمية أقل مما ترغب الإمارات في إنتاجها لجلب أموال أكثر لخزائنهم.
مندوبين في الأوبك كشفوا للصحيفة أن الإمارات تواصل منذ فترة طلبها بضخ كمية أكبر من نفطها، الطلب الذي يواجه برفض سعودي.
دفع هذا الموقف المسؤولين الإماراتيين في بدء التفكير في مغادرة المنظمة الدولية التي تحكم سوق النفط العالمي، إنها فكرة إماراتية قديمة، لكن الخلافات مع السعودية يبدو أنها قد أحيتها من جديد.
منصة للنفط في ميناء خالد (الشارقة ، الإمارات العربية المتحدة)، Basil D Soufi، (CC BY-SA 3.0)، via wikimedia commons. |
ووفقا لخبيرة في (مجموعة الأزمات الدولية) تحدثت إليها وول ستريت جورنال، فإن الإماراتيين يشعرون بالقلق من تحرك السعودية ضد ما يعتبرونه مصالح إماراتية، وكذلك فإن نفس هذا الشعور لدي السعوديين تجاه التحركات الإماراتية.
ماذا يحدث بين السعودية والإمارات:
وأضافت الصحيفة أن الخلاف بين السعودية والإمارات لم يصل إلي الدرجة التي حدثت مع قطر قبل عدة سنوات عندما قاطعت عدة دول خليجية ومصر دولة قطر، لكن حتى هذه اللحظة فلا يزال الجيشين السعودي والإماراتي يجمع بينهما تدريبات عسكرية مشتركة.
وتعيدنا الصحيفة إلي ما تعتبره بداية الخلاف السعودي الإماراتي، وبالتحديد ما يتعلق بقضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول التركية حيث قتل في العام ٢٠١٨.
أثارت تلك الواقعة قلق المسؤولين الإماراتيين الذين حاولوا أن يبتعدوا قليلا عن السياسات السعودية.
وفي العام ٢٠١٩، كان لدي السعوديين هذه المرة سببا آخر للغضب عندما قررت الإمارات سحب قواتها من اليمن.
أيضا، كانت خطوة ما يعرف باسم (الاتفاقيات الإبراهيمية) التي أبرمت بموجبها الإمارات والبحرين اتفاقيات للسلام مع إسرائيل، سببا إضافيا لزيادة الخلافات السعودية مع الإمارات.
كما كشف مسؤولون ودبلوماسيون سابقون كشفوا أن ملف عودة العلاقات بين السعودية وقطر والذي تم بشكل سريع سنة ٢٠٢١، كان أيضا سببا لتعميق الخلاف.
إذ ثار استياء الإماراتيين الذين كانوا هم الدافع الأساسي -بحسب وول ستريت جورنال- نحو خطوة مقاطعة قطر، وأرادوا إستمرارها.
لكن الأمور لا تقف عند هذا الحد، فهناك سعي سعودي حثيث حاليا من أجل جذب الشركات الأجنبية والدولية الكبرى وتشجيعهم على نقل مقاراتهم الإقليمية في الشرق الأوسط إلي الرياض خصيصا والسعودية عموما.
مثلت هذه الخطوة بالتحديد (تحدي لمكانة دبي) التي تعتبر مركز المقرات الإقليمية لتلك الشركات في الشرق الأوسط.
كما كان افتتاح كأس العالم فيفا قطر ٢٠٢٢، مكانا ليظهر فيه الخلاف مجددا، فمع وجود ولي العهد السعودي في الدوحة بين العديد من زعماء العالم الذين حضروا، كان ملك البحرين في الإمارات لافتتاح سباق فورمولا 1.
وفي شهر فبراير ٢٠٢٣، وبترتيب من الإمارات، جرت مكالمة هاتفية بين ملك البحرين وأمير قطر، وهذا ما اعتبرته الرياض تحديا لدورها كوسيط إقليمي.
وأنتم،، هل تعتقدون أن هناك خلافات بين السعودية والإمارات حقا؟.. وإذا ما كان هناك خلاف بين الرياض وأبوظبي فإلي أي مدى وصل هذا الخلاف؟ .. وهل هو خلاف طبيعي بين الدول ام أنها أزمة كبيرة ستخيم على شواطئ خليج العرب؟.