الأحدث

صدام حسين .. القصة الكاملة

عندما نتحدث عن (صدام حسين) فإننا نتحدث عن أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في تاريخ العرب.

الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، صورة في العام ١٩٩٨، التقطت له في الذكرى العاشرة لانتهاء الحرب العراقية-الإيرانية، Getty Images، Iraqi News Agency، public domain، via wikimedia commons.

هذا الرجل الذي يعتبره البعض مبعوثا من التاريخ لإحياء أمجاد الأمة، ويراه البعض سفاحا وقاتلا، فيما يصنفه آخرون كرجل لا يقدر عواقب الأمور، ولا يعرف أين يضع خطواته، ليلقي في النهاية مصيرا مأساويا لا لنفسه فحسب، بل لبلده كاملا.

جمعنا في محاولتنا لرصد قصة صدام حسين، العشرات من المصادر بلغات متعددة (العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، والعبرية)، ولا ندعي أننا سنؤرخ لقصة حياة صدام حسين كاملة، فهذا أمر يحتاج لكتاب ضخم.

سنحاول أن نرصد قصة الرجل من منظور جديد، نضعه أمامنا كإنسان، نرصد التفاعلات النفسية بداخله، والتفاعلات الإقليمية والدولية من حوله، إنها قصة رجل حكم العراق لنحو ربع قرن من الزمان، لتنتهي حياته صبيحة يوم عيد الاضحى لدي المسلمين، معلقا على مشنقة صنعت في أمريكا.

وفي محاولتنا تلك، سنكتفي بالتعرض لأهم وأبرز الأحداث في حياة صدام حسين، أو صدام حسين التكريتي، أو صدام حسين المجيد، أو دكتاتور بغداد، أو طاغية العرب أو بطلهم.

من تكريت كانت البداية:

في الثامن والعشرين من شهر أبريل عام ١٩٣٧، شهدت قرية العجوة الهادئة في محافظة تكريت العراقية ميلاد طفلا يتيما مات أبوه قبل أن تضعه أمه، اسمه صدام حسين.

نام أهل العجوة ليلتهم آمنين مطمئنين وهم لا يعرفون أن طفلا ولد بين ظَهْرانِيهم، في أحد أفقر البيوت في القرية التي تقع في أحد أفقر مناطق العراق، سيحيل العراق كلها إلي صخب وحروب، طموحات وآمال، انكسارات كبرى وهزائم مريرة، وانتصارات سيدفع ثمنها غاليا.

حزب البعث:

متأثرا بأفكار القومية العربية، انتسب صدام حسين إلى حزب البعث العربي الإشتراكي، إذ مثلت أفكار الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، القائمة على الثورة والمجتمع الإشتراكي، الأساس الفكري الذي حرك صدام حسين وشكل تكوينه وفلسفته في كثير من الأمور.

لكن لا يمكن إغفال دور خاله (خير الله طلفاح) الضابط في الجيش العراقي، والذي انتقل صدام ليعيش في رعايته وكنفه منذ الثالثة من عمره، في تكوين شخصية صدام وغرز أفكار القومية، التحدي، القوة، وغيرها من الصفات التي اشتهر بها. 

بجانب رئاسة العراق، كان صدام حسين يشغل منصب الأمين العام لحزب البعث العربي الإشتراكي، Dar al-Ma'mun (from the book "Arabische Strategie weist Herausforderungen zurück"، INA (Iraqi News Agency)، public domain، via wikimedia commons.

لكن سيكون من الخطأ الفادح، الإعتقاد بأن صدام حسين كان امتدادا لجمال عبد الناصر.. فبينهما الكثير من الاختلافات في التنفيذ الفعلى على الأرض.

ويكفينا هنا أن نذكر أن عبد الناصر نفسه، هو من أوقف باتصال هاتفي غزوا عراقيا للكويت في عهد الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم، في حين أن صدام هو من غزا الكويت بعد ذلك بعقود.

على ضفاف النيل:

في أعقاب اشتراكه في محاولة فاشلة للإطاحة بنظام الحكم في العراق، واغتيال الرئيس العراقي حينها عبد الكريم قاسم، غادر صدام حسين بلاده إلى مصر، حيث عاش في حي الدقي على ضفاف النيل فترة من أهم فترات حياته.

ففيها تلقي صدام حسين دراسته الجامعية حيث التحق طالبا بكلية الحقوق جامعة القاهرة، كما تزوج من ساجدة، ابنة خاله "خير الله".

في تلك الأثناء أيضا، كون صدام حسين صداقات مع الكثيرين داخل مصر، سواء من زملائه الطلاب أو حتى رواد المقاهي والمطاعم واصحابها، وتتناثر القصص عن اغداقه الهدايا كلما زار مصر عقب توليه الرئاسة في العراق، على كل من وقف بجانبه في تلك الفترة حيث كان يعيش ظروف صعبة.

الحلم النووي:

ربما لا يمكن لأحد الجزم بشكل قاطع عن حدود طموح صدام حسين النووي.

هل كان يريد الطاقة الكهربائية فحسب.. يبدو ذلك احتمالا ضعيفا للغاية بالنظر إلى طبيعة وشخصية الرجل.

على أي حال، فما قد يكون أرجح الأقوال، أن صدام كان لديه خطة لامتلاك القدرات اللازمة لإنتاج القنبلة النووية في أي وقت يقرر فيه ذلك، وهي حالة تكون فيها الدولة غير مالكة للسلاح النووي فعلا، لكن لديها من المفاعلات النووية ما يكفي لتصنيعها إن قررت ذلك، ويبقي الأمر مسألة وقت.

هذا هو العالم النووي المصري يحيى المشد، استشهد المشد وحيدا في غرفة فندق في باريس على يد الموساد الإسرائيلي، كان يحيي المشد هو الرجل الذي وضع فيه صدام حسين ثقته لقيادة البرنامج النووي العراقي، لكنه فشل في حمايته.

وبجانب الطبيعة الشخصية لصدام، فإن التعامل الإسرائيلي مع الطموح النووي له، يكشف عن أن الإسرائيليين كان لديهم من المعلومات ، ما يجعلهم يعتقدون أن صدام قد اختار اختيار امتلاك قدرة التصنيع على الأقل.

ضغطت إسرائيل بشدة على فرنسا التي صنعت المفاعلين (تموز ١) و (تموز ٢) للعراق، بهدف تقليل الإمكانيات الفنية التي اتفقت عليها باريس مع العلماء العراقيين، ورئيسهم المصري الجنسية "يحيى المشد".

يحيى المشد نفسه، سيتم اغتياله في غرفة فندق في باريس على يد عناصر الموساد الإسرائيلي بعد ذلك بفترة قصيرة عقب فشلهم في تضليله من الناحية العملية، أو تجنيده من الناحية الاستخباراتية.

وفي ٧ يونيو ١٩٨١، شنت المقاتلات الحربية الإسرائيلية غارة جوية دمرت فيها المفاعل النووي العراقي، لتضع بذلك كلمة النهاية لطموح صدام حسين النووي، في عملية اسمتها أوبرا أو بابل. ((يمكنكم الإطلاع على بعض أهم تفاصيل العملية أوبرا في تقريرنا: السي-١٣٠ Karnaf.. نظرة علي القصة الحافلة لطائرة النقل التكتيكية في إسرائيل)).

حرب الخليج الأولى:

دائما ما سارت معظم التحليلات والكتب والمقالات عن حرب الخليج الأولى، للقول بأنها حرب اشتعلت نتيجة لجنون العظمة والديكتاتورية التي تصرف بها صدام، ليشعل الحرب مع إيران.

الغريب أننا عثرنا على تقرير نشرته واحدة من أهم الصحف الإسرائيلية (يديعوت أحرنوت) في سبتمبر عام ٢٠٢١، قالت فيه أن الواقع الذي احاط بصدام حسين حينما اتخذ قرار الحرب كان أكثر تعقيدًا مما يعتقده الكثيرون، بل الأغرب أنها اعتبرت أن لدي إسرائيل (شيء تتعلمه من صدام حسين).

لقد هجم صدام حسين على إيران التي تبلغ مساحتها ٤ أضعاف مساحة العراق، ويبلغ عدد سكانها ضعف عدد العراقيين، وكانت في ذلك الوقت تملك جيشا مسلحا ومدربا على أعلى المعايير الغربية، ورثته الثورة الإسلامية فيها من الشاه حليف أمريكا.

لكننا إذا حاولنا القفز لعقل صدام حسين يومها، لوجدنا صدام كان يحاول اغتنام الفرصة، على افتراض أن الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩، لحق بها عمليات اعتقالات كبيرة داخل الجيش للموالين للشاه، مما أضعف إيران بشكل كبير، إذ تم إفراغ الجيش من كثير من القادة المؤهلين، والطيارين المدربين تدريب راقي، وضباط من مختلف الرتب.

الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين يتوسط صدام حسين والشاه محمد رضا بهلوي قبيل التوقيع على اتفاقية الجزائر ١٩٧٥، Unknown author، public domain.

لذا حاول صدام أن ينهي الآثار السلبية لاتفاقية الجزائر، والتي اعتبرها الكثيرون معاهدة استسلام، كان قد وقعها هو نفسه حينما كان لا يزال في منصب نائب الرئيس، مع الشاه محمد رضا بهلوي قبل الثورة عليه، بغرض تقاسم شط العرب بين العراق وإيران عام ١٩٧٥، برعاية الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين.

هذه هي الرواية الأشهر حول الأسباب التي دفعت صدام حسين لبدء الحرب مع إيران .. لكنها تتجاهل حقائق متعددة.

أولا: أن صدام رحب بوصول الخميني إلى السلطة. وأعرب عن أمله في أن يعيش البلدان في سلام.

ثانيا: الخميني هو من بدأ سلسلة اشتباكات مع العراق، فهم صدام منها أن الخميني يسعى إلى مواجهة مع العراق من أجل تعزيز موقعه داخل إيران في مواجهة العناصر المعتدلة والعلمانية والموالية للغرب. 

ثالثا: الدعم الإيراني لجماعة سرية مسلحة تعمل في الجنوب الشيعي. حيث بعض حقول النفط الرئيسية هناك، وموانئ العراق الهامة.

رابعا: محاولة اغتيال طارق عزيز ، القيادي البارز في النظام.

لكل هذه الأسباب، فإننا نطرح رؤية جديدة مفادها أن صدام قرر خوض الحرب لحماية استقرار حكمه، وليس للاستفادة من ضعف إيران.

ستستمر الحرب مريرة طيلة ثمانية سنوات، حتى تضع أوزارها، وكل طرف يري نفسه المنتصر فيها، وإن كان الجيش العراقي قد ختمها بسلسلة انتصارات متتالية، لكن الفاتورة البشرية التي وصلت لما يزيد عن مليون قتيل، تنفي أي مبرر لاستمرار هذه الحرب، إلا العناد الشخصي بين رجلين هما صدام والخميني.

حرب الخليج الثانية "احتلال الكويت":

انتهت الحرب بكارثة كبرى على الجميع، صورة لما يعرف باسم ((ممر الموت))، إنه طريق إنسحاب القوات العراقية من الكويت، هوجمت القوات العراقية غدرا من قبل الطيران الأمريكي خلال انسحابها من الكويت، ٢٦ : ٢٧ فبراير ١٩٩١، (CC BY-ND 2.0)، via Flickr.

في ٢ أغسطس ١٩٩٠، كرر صدام حسين إشعال الحرب من جديد.

هذه المرة اختار الكويت هدفا له، وكانت على النقيض في كل شيء من إيران.

جيشه أكبر وأقوى وأكثر تسليحا بشكل لا يمكن مقارنته بنظيره الكويتي، الكويت نفسها دولة صغيرة للغاية جغرافيا، لكنها ممتلئة بالنفط ((طالع من هنا: قصة النفط في الكويت.. من اكتشافه في بئر برقان إلي ما بعد هجوم صدام)).

كانت سنوات حربه الثمانية مع إيران قد خلفت لصدام جيشا هائلا بدون عمل، وتركت في العراق ندوبا اقتصادية هائلة.

اتهم صدام حسين الكويت بأنها تتلاعب بأسعار النفط تارة، وتارة أخرى بأنها تسرقه من الحقول العراقية، وفي غضون ذلك طلب من الكويتيين إسقاط الديون المستحقة لهم على العراق.

كانت فترة ما قبل الغزو ذات أجواء مشحونة، وخوف من عدوان عسكري على الكويت، في حين قلل الكثيرون من هذا الاحتمال، وتحدثوا بثقة أن من المستحيل بالنسبة لصدام الهجوم على الكويت، وأنه يناور فحسب لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب الاقتصادية.

لكن قبل منتصف ليل ٢ أغسطس ١٩٩٠، بدأ هجوم الجيش العراقي، وعندما أشرقت شمس يوم جديد، كان قد فرغ من احتلال الكويت بأكملها.

للأسف الشديد، دفعت المنطقة بالكامل وليس العراق فحسب، ثمن هذه الحرب.

الرئيس المصري الراحل حسني مبارك يخطب مباشرة بعد الغزو: (الحقيقة أنا شايف بصراحة الصورة سوداء .. قد تخرج تحليلات تقول غير ذلك، لكن أنا أقول وأنا رجل عنده سابق خبرة في هذا المجال، الصورة مخيفة، وإن لم نتدارك هذا الموضوع ونتحرك بسرعة رهيبة، لن يكون لنا كيان، وهنبقي جثث هامدة، وهنتبهدل).

فقد العرب العراق، جناحهم وبوابتهم الشرقية القوية، وضاع جيشها ذو المجد التليد، الذي هب ذات يوم ليحمي دمشق حينما انقلبت الأمور على رأس السوريين في حرب أكتوبر/ تشرين الأول ١٩٧٣، ورد الإسرائيليين على أعقابهم.

الملك فهد، الرئيس المصري حسني مبارك، والتونسي زين العابدين بن علي، وعدد آخر من زعماء العرب، حاولوا إقناع صدام حسين بالانسحاب من العراق، في حين حاول الرئيس العراقي المناورة وكسب الوقت وتمريره على أمل إقرار الأمر الواقع، ستثبت الأحداث لصدام نفسه أن رهاناته كلها كانت خاطئة في ذلك الوقت.

تحالف دولي من عشرات الدول قادته الولايات المتحدة الأمريكية، طرد الجيش العراقي من الكويت بعد احتلالها لسبعة شهور، وبدأت حقبة الحصار والعقوبات، والنفط مقابل الغذاء.

خلال تلك الحقبة (١٩٩٠ : ٢٠٠٣) عاش العراق أسوء فتراته تحت حكم صدام حسين، تشير بعض التقديرات أن المجاعة فتكت بحياة مئات الآلاف من العراقيين، كما شهدت كردستان قتالا عنيفا.

الهجوم على إسرائيل:

في غضون الحشد الدولي استعدادا للهجوم على القوات العراقية في الكويت، حاول صدام حسين أن يقلب الطاولة على الجميع.

قرر صدام شن هجمات صاروخية على إسرائيل، محاولا حك أنف الإسرائيليين ليندفعوا بتوجيه ضربات انتقامية ضد العراق، وحينها ستبدو إسرائيل جزء من التحالف، ما يمثل ضغطا سياسيا على كل الدول العربية في التحالف الدولي أمام شعوبها، ما قد يفكك التحالف نفسه من أصوله.

إذا بحثت اليوم عن اسم (صدام حسين) اليوم في وسائل الإعلام الإسرائيلية ستجده أنه مصنف على سبيل المثال في خانة الأعداء، لَدَى قناة مكان، القناة الإسرائيلية الرسمية الموجهة للناطقين باللغة العربية.

وتضيف مكان عن صدام "إنه الرجل الذي أراد أن يحكم العالم ويدمر إسرائيل".

الغزو الأمريكي للعراق:

في ديسمبر عام ٢٠٠٢، وجه صدام حسين اعتذارا رسميا للشعب الكويتي "إننا نعتذر إلى الله عن أي فعل يغضبه سبحانه إن كان قد وقع في الماضي مما لا نعرف به ويحسب على مسؤوليتنا، ونعتذر لكم على هذا الأساس أيضا".

في أعقاب هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، أعلنت أمريكا الحرب على الإرهاب علنا، وأخرجت كل أسلحتها وذهبت للقتال.

تحت الطاولة، كانت مصالح شركات النفط الكبري تتحرك.

وقتها، قيل أن أقوى أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، لديها أدلة على أن العراق المحاصر منذ ١٣ سنة، يطور أسلحة للدمار الشامل.

وقتها أيضا، وافق صدام حسين على كل الطلبات، كان يعلم أنه لا يستطيع إشعال حرب هذه المرة، بل إن الحرب على العراق تطبخ الآن.

بحث المفتشين الدوليين في كل مكان ولم يعثروا على شيء، ومع ذلك وافق صدام على تدمير مخزون العراق من صواريخ سكود (أرض-أرض) الباليستية، لكن كل هذه التنازلات لم توقف المؤامرة.

والحقيقة أن نظام صدام حسين في ذلك الوقت لم يبكي عليه أحد تقريبا -باستثناء خطابات معمر القذافي بالطبع-، ومن أراضي جيرانه الذين حاربهم طويلا، بدأت العمليات العسكرية.

أظهر العراقيين في البداية شجاعة وصمود في عدد من المناطق، ولكن كل شيء إنهار سريعا.

وما بين الخيانة وضعف الاستعداد العراقي، انهار كل شيء سريعا.

بهذا المشهد السينمائي، سقط تمثال صدام حسين من ساحة الفردوس في قلب بغداد، وسقطت معه دولته، ٩ أبريل ٢٠٠٣، للمفارقة أن كثير من العراقيين الذين شاركوا في إسقاط التمثال مع الجنود الأمريكيين، يعربون حتى اليوم عن ندمهم، Unknown U.S. military or Department of Defense employee، public domain. 

عسكريا، ركز العراقيين على الدفاع عن المدن، ووضعوا في كل مدينة قوات كبيرة، مزودين مدنهم باحتياطات كبيرة من المؤن والأموال، على أمل خوض حرب مدن طويلة الأمد، لكن القوات الأمريكية تجاهلت هذه الدفاعات واندفعت في الصحراء ومن الفراغات بين المدن العراقية.

وبرغم من أن هذه الخطة (الدفاع عن المدن) كانت جيدة كفكرة وتستطيع الدفاع عن نفسها، إلا أن انهيار الروح المعنوية الغير مبرر أحيانا، والخيانة كثيرا، جعلت المدن العراقية لا تدافع عن نفسها بشكل جيد.

كما ارتكب صدام حسين خطأ فادحا في هذه الحرب بإسناد القيادة العسكرية لشخص غير مؤهل بل وغير دارس للعلوم العسكرية أصلا، وهو ابنه (قصي) الذي ارتكب خطأ عسكريا فادحا بتثبيت قوات كبيرة للدفاع عن بعض المدن وترك مناطق أخرى تقاتل بشكل منفرد دون دعم.

عسكريا، لم يكن ذلك سيغير بشكل مؤكد في النتيجة النهائية للحرب، لكن كان على الأقل سيطيل من مدتها، ويلقي بذور الشك في نفوس الأمريكيين، بل وقد يعطي الفرصة لوقف المعركة كلها.

بجانب هذا، كان اعتماد صدام حسين على قادة الفرق العسكرية بناء على الثقة وليس الكفاءة، وبموجب شهادة الفريق الركن رعد مجيد الحمداني، الذي كان قائد فيلق الحرس الجمهوري العراقي الثاني في كتابه (قبل أن يغادرنا التاريخ)، أن قادة الجيش والحرس الجمهوري كانوا يتسابقون إلى استعراض القوة لطمأنة الرئيس السابق صدام حسين.

بمضي السنوات، سيكتشف العالم كله، كذب الرواية التي بررت بها حكومة أكبر دولة في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية) والإمبراطورية القديمة (المملكة المتحدة) غزو العراق، وسيتضح أنه لم يكن هناك أي برنامج نووي عراقي.

الأكثر من هذا، ترعرعت في أمريكا نفسها وجهات نظر، مثل ما عبر عنها السناتور راند بول، أن الصقور من الحزب الجمهوري "أنشأوا" تنظيم داعش، بسبب الفوضى التي أعقبت تدخلهم في الشرق الأوسط وغزو العراق.

اعتقال صدام حسين:

فجر ١٣ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٠٣، كان الجو باردا ليلتها، لكن قوة المارينز الأمريكي التي صدرت لها أوامر بالقبض على صدام حسين، كانوا يشعرون بالحرارة الشديدة، إنهم على بعد خطوات من العدو رقم واحد لبلادهم.

صدام حسين عقب وقت قصير من إلقاء القبض عليه في العملية التي أطلق عليها الأمريكيين اسم "الفجر الأحمر". the Department of Defense: Suggested credit: DOD. Public domain.

تسعة شهور من البحث والمطاردات منذ سقوط بغداد في يوم تبخر فيه صدام حسين، بعدما تبخر الجيش العراقي كله.

على ما يبدو توقع الأمريكيين أن صدام سيكون محاطا بالعديد من الحراس والرجال.

وربما هذا ما يفسر أنهم ووفقا لبيانهم الرسمي، حشدوا لهذه العملية التي أسموها (عملية الفجر الأحمر) مئات من جنود الفرقة الأولى، وفرقة الفرسان، وعناصر القوات الخاصة.

لكن ما حدث أن القبض على صدام حسين كان سهلا لدرجة أنه لم تطلق رصاصة واحدة طيلة العملية.

عثر الجنود الأمريكيين على صدام داخل حفرة في مزرعة على ضفاف نهر دجلة، المدهش أنهم كانوا قد فشلوا في العثور على أي شيء في البداية، وكاد صدام أن يفلت من بين أيديهم.

تم التشكيك في الرواية الأمريكية من قبل العديد من المصادر العراقية التي أكدت أن صدام حسين تم إلقاء القبض عليه من داخل ملجأ محصن وليس من حفرة، وأن ما تم عرضه كان (شو أمريكي)، لاستعراض القوة فحسب.

محاكمة القرن:

سميت محاكمة صدام حسين باسم (محاكمة القرن)، ولا يعتقد أحد أن هناك محاكمة ما في أي مكان في العالم نالت اهتماما ومتابعة مثلما حدث في محاكمة صدام حسين.

طوال جلسات محاكمته، نجح صدام حسين في أن يجذب لنفسه المزيد مما يمكن وصفه بالتعاطف، لَدَى رجل الشارع العربي العادي.

نحن أهلها .. بصمود وقوة وتحدي، وقف صدام حسين يستمع للحكم الصادر عليه بالاعدام.

فمنذ البداية كانت هناك حالة من الحنق تسود المنطقة من فكرة غزو بلد عربي والقبض على رئيسه ومحاكمته.

أظهر صدام حسين خلال محاكمته مزيجا من الكبرياء والاعتزاز بالنفس، كما كانت محاوراته مع القضاة تتسم بالقوة والثبات، فنراه يذكر أحدهم بأن قرار تعيينه كقاضي صدر منه هو شخصيا، ويذكر الآخر بأنه قد عفا عنه ومنع تنفيذ عقوبة بحقه منذ سنوات.

وبصورة عامة، كان صدام يعتبر محاكمته غير شرعية، وأنه هو رئيس العراق الشرعي، ولولا الغزو الأمريكي للعراق لما استطاع أحد أن يحاكمه.

إعدام صدام حسين:

سواء اتفقت ام اختلفت مع صدام حسين، فقد كان مشهد إعدام رئيس عربي صبيحة عيد الاضحى المبارك، إهانة لكل المسلمين ولكل العرب.

ما كان مهينا بصورة أكبر، هو تصوير واقعة الإعدام ذاتها وبثها على شاشات التلفزيون.

غادر صدام حسين الحياة في ٣٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٠٦ وهو في عمر التاسعة والستين، وهو يردد الشهادتين، وبدا ثابتا كما كان طيلة حياته.

الإرث المعقد:

لم يكن صدام حسين من نوعية الحكام الذين تنتهي آثارهم بمجرد الرحيل، ليس هذا حال ابن تكريت.

كتعقيد سنوات حكمه، ترك صدام حسين إرثا معقدا، نعتقد أن العراق ستظل تدفع فاتورته لسنوات مقبلة.

تم نقل جثمان صدام حسين من قبره بسبب الإعتداء عليه، قالت رغد ابنته في تصريحات عام ٢٠٢١، أن جثمان والدها في أرض الله وسيظل في مكان آمن جدا.

اليوم أصبحت إيران التي حاربها عراق صدام حسين، أصبحت تتحكم في العراق بل وتحكمه عمليا بميليشيات مسلحة وسياسيين تابعين للمرشد الأعلى في طهران لا لبلادهم ومصلحتها العليا.

الأكراد، الذين ثاروا على حكمه، بل وساهموا في سقوطه وسقوط العراق كله في ٢٠٠٣، تتزايد نزعتهم الانفصالية بشكل ملحوظ، وإن كان يحسب لأفضل من حكم العراق منذ عام ٢٠٠٣ (حيدر العبادي) تقليم أظافرهم بعض الشيء حينما حاولوا إجراء استفتاء على الإنفصال عن العراق في العام ٢٠١٧.

أما السنة، الذين كان صدام ينتمي إليهم، فقد ترعرعت مشاكلهم وكثرت، وكان أبرزها ذلك الصعود الوحشي لتنظيم داعش الإرهابي في عام ٢٠١٤.

في الولايات المتحدة، وعلى نطاق واسع، أصبحت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش بمثابة المتهم بارتكاب جريمة ضد العراق، عندما شرعت في حرب غير قانونية وغير شرعية بشكل واضح. لقد كان العراق فرصتها للتنفيس عن غضبها من هجمات ١١ سبتمبر التي لا دخل للعراق بها بأي شكل، ولربح شركات البترول الأمريكية.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-