ارتجاع المريء.. الأسباب والأعراض والعلاج وطرق الوقاية من مرض شديد الإزعاج

مرض ارتجاع المريء والذي يشار إليه اختصارا ب GERD ، هو حالة طويلة الأمد يحدث فيها ارتداد متكرر لحمض المعدة إلي داخل الأنبوب الذي يربطها بالفم واسمه (المريء)، لذا تسمي بارتجاع المرئ.

صورة تشرح ارتجاع المريء، في الأعلى نجد معدة سليمة والأحماض بداخلها، والعضلة العاصرة تغلق عليها، أما في الأسفل نجد أن المعدة مفتوحة والأحماض خرجت منها إلي المريء، BruceBlaus، (CC BY-SA 4.0)، via Wikimedia commons. 


ارتجاع المريء يسمي أيضا باللغة الإنجليزية (chronic acid reflux) وتعني الارتجاع الحمضي المزمن، إنها حالة مزعجة لأي شخص، عندما يجد حامض المعدة يتدفق في المريء، ما قد يجعله يشعر بحرقة في المعدة والصدر، وعسر هضم مع حموضة، وصعوبة في البلع، والشعور بأن الطعام عالق في الحلق، وعدد من المشاكل الأخرى.

عادة لا يسبب ارتجاع المريء قلقا فقد يحدث لجميع الناس بشكل عارض وينتهي الأمر، لكنه يصبح مرضا عندما يحدث بشكل متكرر.


التأثير على العضلة العاصرة السفلية للمريء:


لنفهم ارتجاع المريء بشكل أفضل، علينا أن نعلم أنه اضطراب في الجهاز الهضمي يؤثر على "حلقة العضلات" ما بين المريء والمعدة.

هذه الحلقة من العضلات تسمي بالعضلة العاصرة السفلية للمريء، ويشار إليها اختصارا (LES)، وما يحدث بالضبط أن هذه العضلة تقوم بدور "الصمام" الذي يمنع خروج محتويات المعدة، لكن هذا الصمام "العضلة العاصرة السفلية للمريء" لا تنغلق بشكل صحيح عند وصول الطعام للمعدة.

بالتالي، يسمح عدم الانغلاق الصحيح هذا لأحماض المعدة أن تخرج لأعلى داخل المريء ومنه للفم، مما يسبب في الشعور بالحرقة.

ففي الحالة الطبيعية عندما تأكل، تنفتح العضلة العاصرة السفلية للمريء للسماح للطعام بالدخول إلي معدتك، ثم تغلق نفسها لمنع الطعام وأحماض المعدة من التدفق مرة أخرى نحو المريء، لكنها حينما ترتخي بشدة وتفشل في القيام بوظيفتها سيعود الطعام أو حامض المعدة، ما يسبب الالتهاب والحرقان المؤلم خلف عضلات الصدر، إنه ما نسميه "ارتجاع المريء".

هذه الإصابة بارتجاع المريء ، أي شخص معرض لها وحتى الأطفال من عمر ٣ شهور. 

يعتقد الأطباء أن الناس يعانون من ارتجاع المريء بسبب حالة تسمي "فتق الحجاب الحاجز" أو Hiatal hernia باللغة الإنجليزية، وهي حالة تندفع فيها المعدة لأعلى عبر المريء نحو الحجاب الحاجز والصدر.

بدوره فالحجاب الحاجز هو العضلة التي تفصل البطن عن الصدر، وتظهر الدراسات الحديثة أن الفتحة الموجودة في الحجاب الحاجز تساعد في دعم العضلة العاصرة السفلية للمريء، وبالتالي فالخلل فيها يؤدي لحدوث هذه المشكلة إذ تسبب ضعف العضلة العاصرة السفلية للمريء.

وبرغم أن بعض الحالات التي تعاني من فتق الحجاب الحاجز لا تشعر بارتجاع المريء، إلا أن وجوده يسمح دوما لمحتويات المعدة من طعام أو أحماض بالارتجاع بسهولة أكبر إلى المريء، وبالتالي ستحدث المشكلة حتى لو لم يشعر بها الشخص في هذه الحالة.

صورة مجهرية تبين الإصابة بارتجاع المريء، Nephron، (CC BY-SA 3.0)، via Wikimedia commons. 


الخبر الجيد أنه وفي معظم الحالات، يمكن تخفيف أعراض الارتجاع المريئي من خلال تغييرات في النظام الغذائي ونمط الحياة. وقليلون هم من يضطرون لأخذ أدوية، وأقل منهم يحتاج لإجراء عملية جراحية.

العمليات الجراحية تكون فقط تجنبا لتدهور الحالة إذا تركت دون علاج، لأنه من الممكن أن تسبب أحماض المعدة في حدوث مضاعفات خطيرة في بعض الأحيان مثل حدوث تلف في المريء أو البلعوم أو الجهاز التنفسي، أو أن يكون الفتق في الحجاب الحاجز في وضع يهدد بقطع إمدادات الدم.


أعراض ارتجاع المريء:


الأعراض الشائعة المرتبطة بمرض ارتجاع المريء هي ما يلي (لا يشترط حدوثها كاملة):


  • إحساس بحرقة في الصدر (خصوصا في منتصف الصدر.. يصفه البعض بقول أن هناك نار في صدرهم) أو المعدة، وذلك بعد تناول الطعام، ويزيد هذا الإحساس غالبا في الليل، ما قد يمنع أيضًا من النوم المريح.
  • الإحساس بحموضة في الفم.
  • آلام في الصدر.
  • الغثيان.
  • القلس، وهو اندفاع الطعام من المريء أو المعدة دون شعور بغثيان أو تقلصات.
  • الشعور بوجود سائل حمضي في الفم أو الحلق.
  • صعوبة البلع.
  • رائحة الفم الكريهة.


كما قد تعاني أيضا من بعض الأعراض غير النمطية مثل:


  • الفواق، وهي انقباضات تحدث للحجاب الحاجز.
  • يصبح صوتك أجش، خاصة في الصباح.
  • قد تشعر أن لديك طعامًا عالقًا في حلقك، أو أنك تختنق أو أن حلقك ضيق.
  • زيادة في إفراز اللعاب.
  • اضطرابات في النوم.


هذا ومن المحتمل أن تسوء أعراضك بعد الأكل وعند الاستلقاء والانحناء، وقد تستمر لساعات متتالية.

وفي معظم الحالات فإذا كان المريض يعاني من حرقة المعدة ومن القلس معا في ذات الوقت، فإن كثيرا من الأطباء يشخصونه بأنه يعاني من ارتجاع المريء حتى دون أن يطلبوا منه إجراء أي تحاليل أو اختبارات.

هذه أشياء يشعر بها البالغين وحتى الأطفال الذين يستطيعون الكلام ويمكنهم الشكوى والتعبير عنها وبالتالي يمكن بدأ العلاج أو تعديل نمط الحياة. 

لكن السؤال الهام متي نشك أو نقلق أن هناك طفل رضيع يعاني من ارتجاع في المريء.. هناك علامات تخبرنا بذلك وفقا لمستشفي جون هوبكينز الأمريكية، أحد أرقي مستشفيات العالم، وهي:


  • امتناع الطفل عن الرضاعة، ويكون ذلك مصاحبا للقيء والسعال وصعوبة التنفس.
  • حدوث الحالة أكثر من مرتين في الأسبوع.


وهنا تجدر الإشارة إلي أن أي شخص في أي عمر معرض للشعور بإرتجاع المريء ، لكنه لا يكون مصابا بهذا المرض فعليا إلا إذا تكرر الأمر مرتين أو أكثر في الأسبوع.

كما انك إذا كنت تتناول أدوية الحموضة ومضادات الحموضة باستمرار، ومع ذلك تلاحظ أن الأعراض تستمر في العودة، فربما تكون مصاب بمرض ارتجاع المريء.


زيادة خطر الإصابة بارتجاع المريء:

تعتبر الشوكولاتة من الأطعمة التي قد تساعد على زيادة فرص التعرض لارتجاع المريء ، John Loo، (CC BY 2.0)، via Wikimedia commons. 


يبدو أن بعض أنواع الأطعمة تؤثر على عضلة العضلة العاصرة المريئية السفلى. وتجعلها تظل مفتوحًة لفترة أطول من المعتاد، ما يسبب ارتجاع المريء، تشمل هذه الأطعمة:


  • الشوكولاتة.
  • النعناع.
  • الأطعمة الغنية بالدهون.
  • كثرة تناول القهوة.
  • تناول الكحوليات، وهي أصلا محرمة شرعا.


هناك أطعمة أخرى تتسبب في زيادة إفراز المعدة للأحماض، تشمل هذه الأطعمة:


  • الأطعمة الحمضية.
  • الطماطم وصلصات الطماطم.
  • الأطعمة المقلية أو ذات نسبة عالية من الدهون.


بخلاف هذا، فهناك أشياء أخرى قد تؤدي إلى الإصابة بالارتجاع المريئي، وهي ما يلي:


  • السمنة
  • الأدوية التي قد تسبب ارتجاع المريء، بما في ذلك بعض مضادات الهيستامين ومضادات الاكتئاب وأدوية الألم، والأسبرين.
  • التدخين أو التواجد حول المدخنين كثيرا، ما يعرف باسم (التدخين السلبي).
  • الحمل.


علاج ارتجاع المريء:


هناك العديد من أنواع الأدوية المتوفرة بالفعل لعلاج ارتجاع المريء كما تعمل أيضا على علاج بطانة المريء التي قد تضررت أو تآكلت.

لكن وقبل اللجوء إلى الأدوية، فإن تغيير نمط الحياة باتباع بعض العادات الصحية الجيدة قد يحل المشكلة، ولا يضطر الإنسان لتناول الأدوية في كثير من الحالات، إذ تساعد أشياء مثل:


  • النوم الجيد.
  • التوقف عن تناول كميات كبيرة من الطعام.
  • الاقلاع عن التدخين.
  • التوقف عن تناول الطعام ليلا، وبالتحديد امتنع عن الأكل قبل النوم بنحو خمس ساعات.
  • كما ينصح بعض الأطباء برفع الرأس عند النوم بوضع مخدة اسفلها.


هذه التغييرات تساعد في علاج ارتجاع المريء أو تهدئة أعراضه ووقف تدهور الحالة.

كالعادة دوما، يفوز النوم الصحي في الليل، ويعد من الأسباب الهامة للصحة الجيدة، HaticeEROL / 230 Bilder، via pixaby. 


لابد من إدراك أن علاج ارتجاع المريء يكون مهم للغاية خصوصا إذا استمر لمدة زمنية طويلة، وأنه قد يحتاج لوقت طويل أيضًا، وذلك لمنع تدهور الحالة وحدوث مضاعفات سيئة مثل، أن يصبح المريء ضيقا، بسبب أن الأنسجة يحدث بها بعض الندوب التي تؤدي إلى تضيّق مسار الطعام، مما يسبب مشاكل في البلع.

كما قد يتسبب ارتجاع المريء في حدوث قرحة مفتوحة في المريء، إذ يمكن لحمض المعدة أن يسبب تآكل الأنسجة في المريء، مما يؤدي إلى تكوين قرحة مفتوحة من الممكن أن يحدث لها نزيف.

كذلك قد يؤدي ارتجاع المريء لحدوث تغييرات غير محتملة بشكل كبير، مثل التسرطن في المريء (مريء باريت). لأنه من الممكن أن يتسبب التلف الناتج عن الحمض في حدوث تغيرات في الأنسجة المبطنة للمريء السفلي، وترتبط هذه التغييرات بزيادة خطر الإصابة بسرطان المريء.

لذا فإن الطبيب قد يلجأ للقيام بعملية جراحية مضادة لارتجاع المريء إذا خشي من حدوث هذه المضاعفات، أو وجد أن الحالة لا تستجيب للعلاج، أو بدأ حدوث نزيف في المريء بشكل خطير.


الوقاية من ارتجاع المريء:


في هذا الصدد، لا نجد أفضل من الحديث الذي رواه عنه المقداد بن معد يكرب عن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم أنه قال: (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) رواه الترمذي وحسنه.

فلو التزم الإنسان بهذا الحديث لم يتعرض أبدا لمشاكل المعدة على اختلافها ومن أبرزها ارتجاع المريء والحموضة وغيرها، لذا تجنب دوما أكل وجبات كبيرة، وإذا ما داهمك الجوع، فيكفي وجبة صغيرة. 

أيضًا لا تأكل بشكل سريع، لأن الإجهاد يزيد من إنتاج حمض المعدة، لذا اجلس، وكل ببطء، وامضغ الطعام جيدا. 

الشيء الثاني في تقليل مخاطر الإصابة بإرتجاع المريء هو تقليل الوزن.

الإقلاع عن التدخين مفيد بشكل لا يصدق في الوقاية من ارتجاع المريء.. ((يمكنكم من هنا قراءة موضوعنا: ماذا يحدث للجسم بعد الاقلاع عن التدخين؟)).

إننا نعيش اليوم في حياة سريعة قد تفرض على الكثيرين تناول طعام سريع مطهي بطريقة غير صحية، إن التوقف عن تناول مثل هذه النوعيات من الأطعمة، ضروري جدا للوقاية من ارتجاع المريء وغيرها من أمراض الجهاز الهضمي المتعددة.

كما أن الابتعاد كذلك عن مسببات التوتر مفيد للغاية في الوقاية من ارتجاع المريء.

بحسب المعهد الوطني الأمريكي للسكري وأمراض الجهاز الهضمي والكلى (NIDDK)، يؤثر ارتجاع المريء على حوالي ٢٠ بالمائة من الأشخاص في الولايات المتحدة، وهي دولة متأثرة تماما بنمط الحياة السريع.

بينما تقول الكلية الأمريكية لأمراض الجهاز الهضمي أن ١ من كل ٥ أشخاص يعيشون في الولايات المتحدة يعاني من حرقة المعدة كل يوم، وأن معدل انتشار مرض الارتجاع المريئي يقدر بـ ١٨،١ : ٢٨،٧ ٪ ، وبرغم أن هذه الأرقام من الولايات المتحدة فحسب، إلا إنها تعتبر نموذجا صالحا للاسترشاد به في بقية الدول، خصوصا أن سرعة الحياة وانتشار الطعام الغير صحي أصبحت سمة عالمية وليست أمريكية فقط. 

المعرفة للدراسات
بواسطة : المعرفة للدراسات
المعرفة للدراسات الإستراتيجية والسياسية، هي محاولة عربية جادة لتقديم أهم الأخبار العربية والعالمية مع التركيز علي تحليل مدلولاتها، لكي يقرأ العرب ويفهمون ويدركون. نمتلك في المعرفة للدراسات عددا من أفضل الكتاب العرب في عديد من التخصصات، لنقدم لكم محتوى حصري وفريد من نوعه. facebook twitter
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-