لماذا لم تفز لقاحات كورونا بجائزة نوبل للعلوم أو الطب هذا العام؟

 نشرت دورية نيتشر Nature  البريطانية الشهيرة والمتخصصة في مجالات العلوم تحقيقا بعنوان Why COVID vaccines didn’t win a science Nobel this year أو "لماذا لم تفز لقاحات كورونا بجائزة نوبل في العلوم لهذا العام؟".

لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، Ali Raza، Creative Commons CC0، pxhere


الدورية البريطانية المرموقة قالت أن مصادر مطلعة من لجان تحديد الفائزين بجوائز نوبل الأكثر شهرة عالميا علي الإطلاق، ومعهم عدد من المراقبين والمختصين، أخبروا المجلة الشهيرة بأن عاملين هما "الوقت والسياسة" جعلا من غير المتوقع أن تفوز التكنولوجيا التي توصلت للقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد covid-19 بجائزة نوبل في العلوم لهذا العام 2021.


لكن الخبراء المطلعين الذين تحدثوا إلي الدورية، قالوا أن الجائزة المرموقة لا ينبغي أن تكون بعيدة عن العلماء الذين توصلوا إلي تلك اللقاحات.


فجوة زمنية:


إننا إذا اطلعنا علي جوائز الأعوام الماضية، سنلاحظ شيئا ما، لقد أصبح هناك "فجوة زمنية" معتادة تفصل بين الاكتشاف العلمي، وبين تكريم أصحابه بجائزة نوبل، لم تعد هناك تكريم سريع كما كان يحدث في الماضي.


وهكذا، فبرغم الآمال العالية التي طالت عنان السماء بفوز لقاحات كورونا COVID-19 vaccines بجائزة نوبل في العلوم لهذا العام، فإن الفائز لم تكن هي ولا العلماء الذين عملوا عليها.


كان الكثيرون قبل الإعلان الرسمي عن الجائزة قد وصلوا إلي حد الرهان والتحدي بأن لجنة جائزة نوبل ستختار واحدة علي الأقل من البحوث التي توصلت إلي اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد، والتي اعطيت لمليارات من البشر حول العالم، ويري الخبراء أنها حتى اللحظة قد أنقذت أرواحًا لا تعد ولا تحصى.


لكن وبدلا من ذلك، ذهبت جوائز نوبل في العلوم لهذا العام إلي انجازات جوهرية، كان من المتوقع لها طيلة سنوات مضت أن تفوز بها، فعلي سبيل المثال حصل العالمين، بنيامين ليزت ودافيد ماكميلان، على جائزة نوبل للكيمياء عن بحث بشأن تطوير التحفيز العضوي غير المتماثل، أما جائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء، فذهبت إلي ديفيد يوليوس وأرديم باتابوتيان، من الولايات المتحدة، عن دراستهما في استشعار الجسم للمس ودرجة الحرارة، مما يساعد في تطوير علاجات تخفف من الألم في المستقبل.


خيبة أمل:


عندما تم الإعلان رسميا عن نتائج جوائز نوبل في العلوم لهذا العام، أعرب بعض العلماء عن دهشتهم وخيبة أملهم من إغفال لقاحات فيروس كوفيد-19 COVID-19، وخاصة نوعيات اللقاحات التي تم تطويرها اعتمادا علي تكنولوجيا الرنا RNA أو الحمض النووي الريبوزي والتي دشنت لعصر جديد وثوري من صنع اللقاحات المضادة للفيروسات عموما، وليس لفيروس كورونا فحسب.

 

((الأشخاص المسؤولون عن جائزة نوبل كان بإمكانهم فعل شيء مع جائزة هذا العام لمساعدة جهود الصحة عالميا، خلال جائحة بدت وكأنها قد استمرت ١٠٠ عام من الزمان، لكنهم اختاروا عدم القيام بذلك ، وهذا الشيء يعتبر "إهمال تام"، بل إنه قرار لا يمكن تبريره وسيكلفنا فقدان أرواح))، بتلك الكلمات وصف أليكسي ميرز، عالم بيولوجيا الخلايا في جامعة واشنطن في سياتل، في تغريده عبر حسابه علي موقع تويتر، نشرها يوم الخامس من أكتوبر، بعد الإعلان عن فوز البحث الخاص بشعور الحواس بجائزة نوبل في الطب، أو علم وظائف الأعضاء.

 

تبريرات:

 

لكن المطلعين علي كواليس اختيار الفائزين بالجائزة والمراقبين يقولون إن عامل الوقت كان له دوره -المعرفة: بدأت عملية التلقيح منذ ديسمبر ٢٠٢٠، أي قبل أكثر من ١٠ شهور من الاعلان عن الجائزة-.

 

بقية المبررات تتمثل في "تفاصيل فنية وسياسية"!!!، وأن هذه الأسباب اجتمعت لتبعد جائزة هذا العام عن طريق لقاحات فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19".

 

الاجتماع الاحتفالي للأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، المالكة لجائزة نوبل، Prolineserver، (cc-by-sa-3.0)، wikimedia commons. 

ومع ذلك ، فإن تأثير لقاحات COVID-19 - والتطورات الأساسية التي لحقت علي استخدامه علي نطاق عالمي- تشير إلى أنه لا ينبغي أن يمر وقت طويل قبل أن يتلقى الباحثون المسؤولون عن تطوير تلك اللقاحات مكالمة من العاصمة السويدية ستوكهولم حيث الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، والتي تتولى عملية الاختيار وتملك جائزة نوبل بشكل عام.

 

الطبيب السويدي الشهير غوران ك. هانسون، وهو أيضا الأمين العام للأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، تحدث عن ذلك الأمر بالفعل وقال: ((يعد تطوير لقاحات الرنا mRNA قصة نجاح رائعة كان لها عواقب إيجابية هائلة للبشرية. ونحن جميعًا ممتنون جدًا للعلماء، وهذا نوع من الاكتشافات التي ستتلقى ترشيحات. لكن علينا أن نأخذ الوقت لكي يحدث ذلك)).

 

ليست سنة Mrna:

 

بينما تعتمد عدة لقاحات من مضادات فيروس كورونا المستجد الطريقة التقليدية في إنتاج اللقاح وهو استخلاص الفيروس بشكل ضعيف أو ميت تمام وحقن الجسد به، لتنتقل شفرته الفيروسية إلي الخلية البشرية التي تكتشفها وتكون أجساما مناعية ضدها، فإن لقاحات mRNA أو الرنا هي لقاحات استخدمت تكنولوجيا جديدة تماما لإنتاج اللقاح.

 

هذه التكنولوجيا التي اعتمدت عليها شركتي "موديرنا" و "فايزر" الأمريكيتين في تصنيع لقاحاتها، درست فيروس كورونا بشكل جيد، ووجدت انه وعلي سطح الفيروس توجد مجموعة من "البروتينات" من أهمها "البروتين الشوكي" المسؤول عن قيام الفيروس بالعدوى، وغزو الجسم البشري، لذا فإن إبطال هذا البروتين أو تدميره، يعني قتل الفيروس، هذه المنطقة بالذات التي حدثت فيها الطفرة دلتا عندما أصبح البروتين أكثر خطورة، بل أصبح بمفرده مسببا لأمراض خطيرة بجانب فيروس كورونا نفسه.

  

لقد قام العلماء بتحديد الشيفرة الوراثية الخاصة بإنتاج هذا البروتين، ومن ثم وضعوها داخل غلاف دهني مكون من طبقتين، وفكرة اللقاح أن يتم حقن هذه الشيفرة في الجسم البشري، لتطلق الحمض النووي الفيروسي في الخلايا البشرية، لتبدأ عملية إنتاج الأجسام المضادة.

 

وبعيدا عن آلية عمل هذا النوع الجديد من اللقاحات، فإن الوقت لم يلعب لصالح لقاحات فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" أو سارس كوف-٢ SARS-CoV-2، إذ كان يتعين تقديم الترشيحات لجوائز هذا العام بحلول ١ فبراير الماضي.

 

لقد كان ذلك التاريخ بعد أكثر من شهرين لأول استخدام للقاح الرنا الأول عالميا، بعدما أثبتت تلك النوعيات من اللقاحات قوتها في الاختبارات السريرية، لكن تأثيرها الواضح علي الجائحة لم يكن قد اتضح بعد، ويشير هنا الطبيب السويدي غوران ك. هانسون، الأمين العام للأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، إلي أن متابعة تأثير اللقاح لا يزال قيد المتابعة والفحص عالميا.

 

حكم التاريخ:

 

سانتو فورتوناتو ، وهو عالم فيزياء ومدير معهد علوم شبكة جامعة إنديانا في بلومنجتون، يري أن "التاريخ" كان له أحكامه التي منعت من حصول أي لقاح من لقاحات كورونا علي جائزة نوبل في العلوم أو الطب لهذا العام.

 

السيد فورتوناتو أضاف إلي الحقيقة التاريخية التي تقول أنه وبمرور السنوات، نمت الفجوة الزمنية بين الاكتشاف والاعتراف بأهميته للبشرية من جائزة نوبل العلمية، ومنح العلماء الذين توصلوا إليه الجائزة، لذا فإن حكم التاريخ سرى علي لقاحات كورونا أيضا.

 

لكن الغريب أنه وبالحساب التاريخي، فإن تكنولوجيا لقاحات الرنا mRNA، ستبلغ هذا العام حوالى ٣٠ سنة.

 

لقد تم اختبار لقاحات استخدمت تكنولوجيا الرنا mRNA لأول مرة في منتصف التسعينات، ومع ذلك فإن التطورات الكبيرة في هذه التكنولوجيا لم تظهر إلا مع العقد الأول في القرن الحادي والعشرين، عندما  مولت أبحاثها شركات موديرنا في كامبريدج ، ماساتشوستس ، وفايزر في مدينة نيويورك، وكلاهما من أمريكا، و BioNTech في ماينز ، وهي شركة من ألمانيا، ويمكن للعلماء المجادلة بأنه حتى هذا العام، فإن تأثير تكنولوجيا اللقاحات هذه لم يكن واضحا.

 

مدير معهد علوم شبكة جامعة إنديانا في بلومنجتون يري أن "الاكتشافات الرئيسية" تميل إلي التعرف عليها بسرعة أكبر، ومع ذلك فإذا أردنا تذكر اكتشاف كبير مثل اللقاحات المضادة لفيروس كورونا ، لم يحصل علي جائزة نوبل بشكل سريع، فلدينا اكتشاف موجات الجاذبية.

 

ألبرت إينشتاين، عالم الفيزياء الألماني الأشهر في القرن العشرين، لاسباب سياسية تخلي عن الجنسية الألمانية وأصبح يحمل الجنسيتين السويدية والأمريكية، pixabay.

لقد تنبأ ألبرت أينشتاين بوجود موجات الجاذبية في عام ١٩١٥، لكن الأمر استغرق قرنًا من الزمان للباحثين والعلماء حتى استطاعوا تطوير أدوات تكتشفها بشكل مباشر، إذ اعلنوا عن اكتشافهم في فبراير عام ٢٠١٦، أي بعد ١٠١ عام بالتمام والكمال.

 

في العام التالي مباشرة ٢٠١٧، منحت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم الجائزة في الفيزياء إلي رينر فايس Rainer Weiss من مؤسسة لايغو/ فيرغو، حيث ذهب له النصف الأول من الجائزة. وأما النصف الثاني فكان مناصفة بين: باري باريش Barry C. Barish من مؤسسة لايغو/ فيرغو، وكيب ثورن Kip S. Thorne من مؤسسة لايغو/ فيرغو أيضاً، لدورهم في اكتشاف الموجات الثقيلة.

 

من ذلك يستنتج سانتو فورتوناتو أنه بالنسبة إلى لقاحات COVID-19 ، "لست مندهشًا أن ذلك لم يحدث هذا العام. لكن ليس لدي أدنى شك في أنها ستمنح حقًا في القريب العاجل".

 

لدينا أيضا بريان عوزي ، عالم الرياضيات في جامعة نورث وسترن في إيفانستون ، إلينوي، الولايات المتحدة، والذي يري أن المهتمين والدارسين لكيفية اختيار لجان الجوائز العلمية للفائزين، سيتوقع أن لجان نوبل تنظر بصورة أعم وأوسع من مسألة تطوير اللقاحات.

 

يقول بريان عوزي : ((من المرجح أن تُمنح جوائز نوبل للعلماء الذين يعلمون الناس كيفية الصيد ، بدلاً من منحهم سمكة)).. مضيفا: ((إنهم يحبون منح جوائز للأشخاص الذين يجرون أبحاثًا أساسية يمكنها المضي قدمًا وحل الكثير من المشكلات المختلفة ، وليس مشكلة واحدة فقط)).

 

ويتكهن عوزي بأن لجنة جائزة نوبل قد تكون قررت انتظار معرفة نتائج وتأثير تقنية لقاح الرنا المرسال على الإصابات الأخرى - مثل تلك التي تسببها السلالات الجديدة من فيروس كورونا والتي أظهربعضها مقاومة أكثر لعدد من اللقاحات.

 

نذير نوبل:

 

علي ما يبدو، فهناك بعض النذر التي تشير إلي أن الأبحاث التي مكنت البشرية من التوصل للقاحات كورونا في طريقها بالفعل نحو حصد جائزة نوبل.

 

فمن المعتاد، أنه وقبل الفوز بنوبل، يحصد العلماء عددا من الجوائز الهامة أيضا، وهذا ما بدأت أبحاث اللقاحات المضادة لكورونا في تحقيقه بالفعل.

 

الشهر الماضي ذهبت واحدة من جوائز "الاختراق" Breakthrough prizes، وهي الجائزة الأعلى قيمة ماليا في الرياضيات والفيزياء، وتمنح في وادي السيليكون حيث توجد معظم شركات التكنولوجيا والكمبيوتر الكبرى، ويدعمها ماليا عددا من أقطاب التكنولوجيا، مثل مؤسس موقع فيسبوك، مارك زوكربرغ، وسيرغي برين، أحد مؤسسي جوجل.

 

إذ حصل العالمان كاتالين كاريكو، و درو وايزمان، اللذان أدى عملهما خلال العقود القليلة الماضية إلى تطوير التكنولوجيا اللازمة لإيصال الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) إلى الخلايا، وتعطيل بعض ردود أفعال جهاز المناعة غير المرغوب بها.

 

هذا العمل هو ما مهد الطريق للقاحات "كوفيد-19" اليوم، خاصة تلك التي تنتجها شركتي "فايزر-بيونتيك" (Pfizer-BioNTech)، و "موديرنا (Moderna).


كما فاز نفس الباحثين بإحدى الجوائز السنوية لمؤسسة Lasker (التي يعتبرها البعض من الجوائز الممهدة للفوز بجوائز نوبل).


يبدو أن اللجان المسؤولة عن الاختيار في نوبل تميل إلى الاهتمام بمكافأة الأبحاث التي صمدت أمام اختبار الزمن، علي حساب الأبحاث التي حققت أحدث التطورات، لذلك يتوقع عالم الرياضيات عوزي أنه سيكون هناك المزيد من الجوائز التي ستحصل عليها اللقاحات المضادة لفيروس كورونا COVID-19 قبل أن تطرق أبواب ستوكهولم في اليوم الكبير الذي ستحصل فيه علي أهم وأرقي جوائز العالم.


من هو الأحق:


ديفيد نايلور ، وهو طبيب وعالم في جامعة تورنتو ، كندا، يلفت أنظارنا إلي سؤال هام أيضا، وهو أنه إذا ما قررت اللجنة مُنح اللقاحات جائزة نوبل ، فإنها ستحتاج إلي اتخاذ عددا من القرارات الصعبة وأهمها "أي لقاح يجب أن يمنح الجائزة ؟ .. وما هي الأسباب التي سيفضلون بها أحدهم علي حساب الآخر؟".


لذا والكلام هنا لديفيد نايلور، فإنه لم يكن مفاجأة بالنسبة له أنهم قاموا باستبعادهم جميعا هذا العام. ويتوقع عالم جامعة تورنتو الكندية أن لجنة نوبل ستنظر إلي ما هو أبعد من الفرق الأكاديمية والشركات التي طورت هذه اللقاحات، إذ ستركز أكثر علي أي نوع من أنواع اللقاحات مثل أساسا يمكن العمل عليه في المستقبل، ومن هنا سيتم استبعاد اللقاحات التقليدية، ويتم التركيز علي لقاحات الرنا mRNA، ولكن حتى إذا تم تطبيق هذه القاعدة، فقد يبقي الأمر محيرا وهل ستكفي بمفردها لتحديد أيا من اللقاحات يستحق القائمين عليه الفوز بالجائزة؟.


عالم الأحياء الدقيقة في كلية جون هوبكنز بلومبرج للصحة العامة في بالتيمور ، ماريلاند ، الولايات المتحدة. أرتورو كاساديفال، يعتقد أن المرشح الأوفر حظا هي لقاحات الرنا mRNA، ويضيف أن تطوير اللقاحات له جذور عميقة في العديد من التخصصات العلمية والطبية، لذا فمن المتخيل أن تأخذ لجنة نوبل وقتها في لفرز اللقاحات، وتحديد المساهمات العلمية التي أدت لتطوير كل لقاح علي حدة.

 

الطبيب السويدي الشهير غوران ك. هانسون، الأمين العام للأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، يري أن العمل علي كل هذا يستغرق منهم وقتا، لأنهم يريدون ان ينسبوا الفضل ويكرموا الأشخاص المستحقين، ومن أجل الاكتشاف الصحيح لمن كان له الفضل.

المعرفة للدراسات
بواسطة : المعرفة للدراسات
المعرفة للدراسات الإستراتيجية والسياسية، هي محاولة عربية جادة لتقديم أهم الأخبار العربية والعالمية مع التركيز علي تحليل مدلولاتها، لكي يقرأ العرب ويفهمون ويدركون. نمتلك في المعرفة للدراسات عددا من أفضل الكتاب العرب في عديد من التخصصات، لنقدم لكم محتوى حصري وفريد من نوعه. facebook twitter
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-