الطفرة "دلتا".. ماذا نعرف عن نسخة فيروس كورونا الجديدة التي تهدد العالم بالاغلاق مجددا

 منذ أن شعرنا بوجود فيروس كورونا المستجد "كوفيد-١٩" علي سطح كوكبنا في ديسمبر ٢٠١٩، ولم يتوقف ذلك الفيروس التاجي عن إيذاء البشرية.

فبجانب ملايين البشر من الموتي والمصابين، يحفر الفيروس ندوبا عميقة، اقتصادية، واجتماعية، وحتى نفسية. ندوبا ستحتاج البشرية الكثير من الوقت لتختفي آثارها.


صورة لفيروس كورونا، النقطة المشار إليها بS Protein هي ما يعرف باسم بروتين سبايك، كلمة السر في تطور الفيروس. 


كما كان ملفتا للنظر، قدرة فيروس كوفيد-١٩ السريعة علي التحور، وظهور أنماط جديدة منه، وإن كان التحور في الأصل صفة في جميع الفيروسات، فإن كوفيد-١٩ (سارس كوف-٢) كان أسرع بعض الشيء.


فخلال أقل من عامين عرفنا نسخته الأصلية، والتحور الانجليزي منها، والتحور الجنوب أفريقي والبرازيلي، ثم التحور الهندي وما صاحبه من العفن الأسود، وها نحن اليوم امام حديث العالم هذه الأيام عن النسخة المتحورة "دلتا" والطفرة التي حدثت لها لتنتج سلالة فرعية سميت باسم "دلتا بلس".


خطر يلوح في الأفق:


في يوم الجمعة ٢٥ يونيو ٢٠٢١، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن المتغير "دلتا" لديه القدرة علي جعل منحني وباء فيروس كورونا المستجد "كوفيد-١٩" يتضاعف أضعافا مضاعفة.


وأضاف مديرها العام "تيدروس أدهانوم غيبريسوس" أن العالم بصدد الطفرة الأكثر قدرة علي الانتشار من بين كل الطفرات التي حدثت للفيروس حتى الآن. وانه قد تم اكتشافها في ٨٥ دولة حول العالم "علي الأقل"، محققة انتشارا سريعا بين السكان الذين لم يحصلون علي اللقاح، خصوصا مع بدء بعض الدول التخفيف من إجراءات التباعد الاجتماعي.


جاء ذلك التحذير ليلقي المزيد من الضوء علي المتحور الجديد بعدما كان قد نجح في تصدر عناوين الصحف عقب اكتشافه لأول مرة في الهند حيث سبب ارتفاعا كبيرا في حالات كوفيد-١٩، ثم حزم حقائبه لينتشر في الكثير من الدول حول العالم، محققا عودة سريعة في ارتفاع أعداد الإصابات داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ومسئولا عن معظم الإصابات في آخر فحص عام أجرته إنجلترا علي مواطنيها، ومهددا حالة الاستقرار النسبي التي اعقبت زيادة أعداد من حصلوا علي اللقاح.


وسط الضجيج، كانت الهند تدعو جميع دول العالم لزيادة اعداد الاختبارات والفحوصات مجددا، لكن وعلي ما يبدو، فإن أحدا لم يسمعها.


دعوة للقلق:


رغم الحقيقة التي تقول أنه وحتى ٢٤ يونيو، فإن السلطات الصحية في الهند لم ترصد سوي ٤٠ حالة فقط مصابة بالمتحور الأكثر حداثة "دلتا بلس"، والذي يكشف العلماء عن وجوده عبر إجراء فحص للتسلسل الجيني للفيروس، وتحديد التغيير الحاصل له الذي يكشف عن المتحور الجديد.


لكن لماذا يشعر العلماء بالقلق من بضع عشرات من حالات الإصابة؟.


الإجابة أن النسخة الأصلية من هذا المتحور "دلتا"، كانت أكثر قدرة في الانتقال والاصابة بالعدوى من شخص لآخر من بقية النسخ السابقة، لذا يعتقد العلماء أن التحور الجديد "دلتا بلس" سيكون أقدر علي الانتشار، مسببا درجة أعلى من درجات الخطورة، ما قد يدفع العالم لإعادة فرض بعض القيود الجديدة بعدما بدأت الدول في تخفيفها تدريجيا والتخلص من حملها علي كاهلها.


ببساطة. تقول المعادلة أن إرتفاع الاصابات بالتأكيد يعني ارتفاع أعداد الوفيات، هذا هو الطبيعي طوال التاريخ مع جميع أنواع الفيروسات والأمراض عموما.


هل لنا تخيل مثلا باريس وواشنطن، طوكيو وموسكو وكوبنهاجن وريو دي جنيرو، يعيدون فرض عمليات الإغلاق، ومختلف القيود الأخرى التي فرضت من أجل الصحة العامة، هل لنا تخيل شكلا جديدا من الفيروس يعيق الجهود العالمية لاحتواء الوباء.


سبايك:


لنفهم مالجديد بشأن "دلتا بلس" بالتحديد، علينا أولا أن نحدد معني البروتين "سبايك" وهو البروتين الذي حدثت له الطفرة.


يتواجد بروتين سبايك علي سطح فيروس كورونا، ويتخذ شكل نتوءات شوكية تمنح فيروس كورونا شكله التاجي المعروف عنه.


مهمة هذا البروتين هو غزو الجسم البشري، اذ يستخدمه الفيروس للالتصاق بالخلايا البشرية، فبدونه لن يستطيع الفيروس دخول الجسم. هذه هي مهمته الأساسية التي يجب أن نفهمها.


لكن خطورة هذا البروتين لا تتوقف عند هذا الحد، ففي دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية هذا العام ٢٠٢١، قام الباحثون بإجراء تجارب علي الحيوانات باستخدام بروتين سبايك فقط فصلوه عن فيروس كورونا، كانت النتيجة أن اصيبت الحيوانات بتلف في الرئتين والشرايين، كان ذلك اثباتا أن بروتين سبايك كفيل بمفرده أن يصيب الجسم بأمراض خطيرة بدون حتى أن ينقل فيروس كورونا للجسم.


ما حدث في التحول الجديد "دلتا بلس"، هو ظهور طفرة سماها العلماء K417N، لقد عرفوها من قبل في التحول "بيتا"، الذي ظهر من قبل في جنوب أفريقيا.


هذه الطفرة K417N، معروفة بقدرتها علي تقليل فعالية عدد من أنواع الاجسام المضادة العلاجية وحيدة النسيلة التي تتصدي لمرض السرطان بشكل أساسي.


والاجسام المضادة العلاجية الوحيدة النسيلة، هي جزيئات مصنعة في المختبرات العلاجية، لتكون أجسام مضادة جديدة تفيد الإنسان الذي تضرر جهازه المناعي الطبيعي في الحرب ضد السرطان علي وجه الخصوص، فيستطيع جهازه المناعي إعادة أو تعزيز هجماته ضد المرض.


وزارة الصحة الهندية، قالت أن ائتلافا مكون من ٢٨ مختبر قام بفحص تسلسل الجينوم الخاص بالمتحور دلتا، ووجدوا أن لديه ثلاث خصائص مثيرة للقلق.


الأولى: زيادة قابليته علي الانتقال بين البشر.
الثانية: أن بروتين سبايك أصبح أكثر قدرة وقوة علي الالتصاق بالرئة.
الثالثة: أن الاستخدام الناجح للأجسام المضادة الوحيدة النسيلة والذي أنقذ حياة مرضي كوفيد-١٩ في المستشفيات، أصبح أمرا محل شك.


ليس مهما:


علي الجانب الآخر، يعتقد بعض أهم الخبراء المتخصصين أن هذا التحور لن يشكل تغييرا في قواعد لعبة القط والفأر بين الإنسان وكوفيد-١٩.



رجل يرتدي قناعًا وقائيًا للوجه يمر بجوار صورة توضيحية للفيروس، في فترة تفشي مرض فيروس كورونا (COVID-19)، في أولدهام، بريطانيا، ٣ أغسطس ٢٠٢٠، صورة بعدسة فيل نوبل/ رويترز.


صحيفة "التايم" البريطانية الشهيرة نشرت تصريحا عن "رافيندرا جوبتا"، أستاذ علم الأحياء الدقيقة الإكلينيكي في معهد كامبردج للمناعة العلاجية والأمراض المعدية


قام البروفيسور جوبتا بدراسة التسلسل الجيني لفيروس كوفيد-١٩ "السارس- CoV-2"، كما يستمر حاليا في دراسته للتطورات الجينية التي تحدث له، ووفقا له فإن التحور K417N الذي يشير للدلتا بلس، ليس طفرة مهمة لتجعلنا نقلق، وأن الطفرة الأصلية "دلتا" سيئة بما يكفي من الأساس، ولن يغير منها التحول الجديد بقدر كبير، ولن يستطيع السيطرة علي العالم.


ويضيف أن السبب الذي يدفعه للاطمئنان هو أن التحور K417N ليس بالجديد، وظهر في المتغير "ألفا" في بريطانيا، والمتغير "بيتا" في جنوب أفريقيا، وبالتالي فلا داعي للقلق حينما تظهر في المتغير "دلتا" هذه المرة.


يتشارك معه الرأي، الدكتور "أنتوني فوسي"، إنه مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في الولايات المتحدة، والعضو في فريق البيت الأبيض لمكافحة فيروس كورونا.


يري الدكتور فوسي أن علي مسؤولي الصحة أن لا يشتتوا انتباهم في محاولة متابعة المتحور دلتا بلس، ما يفقدهم التركيز علي المتحور "دلتا" الأصلي، وخصوصا أن المتحور دلتا الأصلي قد اثبت للجميع أنه خطير بما فيه الكفاية، خصوصا ونحن في مرحلة لم يتم تلقيح فيها سوي ٢٢٪ من سكان الكوكب، بخلاف أن الغالبية الكاسحة ممن تم تلقيحهم حصلوا علي جرعة واحدة من اللقاحات الشائعة، والمكونة من جرعتين.


وفي احاطته الإعلامية في البيت الأبيض في ٢٢ يونيو الجاري، وصف المتحور دلتا الأصلي بأنه "التهديد الأكبر" لجهود العالم في مكافحة فيروس كورونا المستجد، ولكن المسئولين عن الصحة لديهم بالفعل أقوي الادوات "اللقاح".


علي أرض الواقع:


وبرغم تطمينات الدكتور فوسي ومن قبله البروفيسور رافيندرا جوبتا فيما يتعلق بالدلتا بلس، إلا أن ما قالوه عن خطورة المتحور دلتا الأصلي يبدو أنه حقيقي بالفعل، حقيقي للدرجة الكافية لدفع السلطات في بعض الدول وعلي أرض الواقع لتعيد فرض عددا من القيود مجددا.



موظفة من وحدة متنقلة، تقوم بجمع اختبارات PCR لمرض فيروس كورونا (COVID-19) من أفراد الجمهور، الذين أجروا اختبارًا في سيارتهم الخاصة، بالقرب من حمام سباحة في بيدفورد، بريطانيا، ٢٥ مايو ٢٠٢١. رويترز/بول تشايلدز. 


في جنوب أفريقيا علي سبيل المثال، قال الرئيس "سيريل رامافوزا" إن بلاده مددت يوم الأحد حظر التجول الليلي، وفرضت حظرا على التجمعات ومبيعات المشروبات الكحولية وتناول الطعام في الأماكن المغلقة، وبعض رحلات السفر المحلي لمدة ١٤ يوما، لوقف الزيادة المقلقة في الحالات التي يقودها المتحور "دلتا".


أما في بنغلاديش، وهي دولة آسيوية بعيدة عن جنوب أفريقيا، ما يشير للانتشار العالمي للمتحور دلتا، نجد الحكومة تشير إلى ارتفاع "خطير ومثير للقلق" في الإصابات المرتبطة بالمتحور دلتا، وأوقفت جميع وسائل النقل العام اعتبارًا من يوم الاثنين، ما دفع آلاف العمال القادمين من مختلف مناطق البلاد إلى الفرار من العاصمة دكا قبل فرض القيود.


كما أعلنت السلطات التايلاندية إغلاقًا محدودًا لمدة شهر في العاصمة بانكوك وبعض المقاطعات المجاورة، وسط ارتفاع في الحالات الجديدة المنسوبة إلى المتغير دلتا.


في النهاية، فإن الحقيقة التي يجب أن يفهمها العالم أن هذا المتغير دلتا، أو دلتا بلس، لن يكونا الأخيرين، بل من المتوقع أن تحدث تغيرات أخرى، هذا ما تفعله الفيروسات بشكل طبيعي، إنها تتطور بشكل دائم، لذا فإن سلاح البشرية الحالي هو محاربة انتقال العدوى بين البشر بمختلف أنواع التدابير وعلي رأسها اللقاحات، لوقف ظهور تلك المتغيرات الجديدة التي قد تكون أشرس كثيرا من السابقين.

المعرفة للدراسات
بواسطة : المعرفة للدراسات
المعرفة للدراسات الإستراتيجية والسياسية، هي محاولة عربية جادة لتقديم أهم الأخبار العربية والعالمية مع التركيز علي تحليل مدلولاتها، لكي يقرأ العرب ويفهمون ويدركون. نمتلك في المعرفة للدراسات عددا من أفضل الكتاب العرب في عديد من التخصصات، لنقدم لكم محتوى حصري وفريد من نوعه. facebook twitter
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-