منذ فترة كنا قد نشرنا تقريرنا (النوموفوبيا.. ادمان الهواتف الذكية.. كيف تعرف اذا كنت مصابا.. وكيف تتخلص من هذا الإدمان).
طفل يمسك بهاتف بشغف شديد، هكذا يبدأ إدمان الأطفال للهواتف الذكية، Andi Graf، via pixabay, public domain. |
كان هذا التقرير يتحدث عن إدمان الهواتف الذكية لكن بالنسبة للبالغين.
ما نقدمه لكم اليوم هو أكثر خطورة وبكثير، لأنه عن إدمان الهواتف الذكية.. لكن هذه المرة بالنسبة للأطفال.
لقد رصدنا العديد من التحذيرات أطلقها الخبراء بشأن تأثير استخدام الأطفال للهواتف الذكية، ونحن مثلكم نري أطفالنا جميعهم بلا استثناء يمسكون بالهواتف طوال اليوم.
تأثير الهواتف الذكية على أدمغة الأطفال:
بدون تعقيد، جرب أن تأخذ الهاتف الذكي من يد طفلك ولاحظ ماذا سيحدث؟.
بكاء، صريخ، غضب.
تريده أن يهدأ ... جرب أن تعطيه الهاتف من جديد، ماذا تلاحظ عليه في بقية اليوم .. الاسبوع .. العام؟.
تجده دوما غير هادئ، عصبي.
كل هذا لأنه نشأ ورفيقه ذلك الجهاز الساحر (الهاتف الذكي).
بينما تظن أنك تعطي لطفلك شيئا جميلا، فأنت حرفيا تعطيه السم عندما تعطيه الهاتف الذكي، صورة من needpix، 3dman_eu، public domain. |
هل تتخيل يا عزيزي أن أحد أهم خبراء الإدمان في العالم صرح لصحيفة الإندبندنت البريطانية بأنك عندما تعطي طفلك هاتفًا ذكيًا، فإن ذلك يعادل إعطائه جرامًا من الكوكايين.
هذا ما تم إخبار مديري المدارس والمدرسين في مؤتمر تعليمي عقد في العاصمة البريطانية لندن، وتم التنبيه عليهم خلاله على التعامل مع الأمر على هذا النحو.
هل تخيلت ذات يوم أنك وبيدك تعطي الكوكايين لطفلك الذي قد لا يكون قد تجاوز الخامسة من عمره .. بل وقد تشعر وقتها بالسعادة لأنك تراه سعيدا أو مندمجا.
الأكثر من هذا أنه وفي كثير من الحالات، تجد الوالدين يذهبان أبعد من ذلك، فلا يكتفيان بإعطاء الهاتف الذكي للطفل، بل يشترون له هاتف خاص، ببساطة لأنهم يريدون هواتفهم، وطفلهم يريده في يده طوال الوقت، لذا فبدلا من تصحيح الأمر، يزيدون الطين بلة.
هذا ليس رأي خبير واحد، بل دعونا نستمع هنا إلى جان توينج، أستاذ علم النفس في جامعة ولاية سان دييغو بالولايات المتحدة الأمريكية والتي تري أن الأطفال والمراهقين هم أكثر عرضة لإدمان الهواتف الذكية والأجهزة التكنولوجيا بشكل عام أكثر من البالغين.
هذا الأمر وجدنا أن مصادر أخرى تتفق مع البروفيسور جان توينج بشأنه.
فبخلاف ما يراه من أمور مبهرة من ألعاب أو فيديوهات، فإن قدرة الطفل على التحكم في هذه الأمور بتحريك أصبعه على الشاشة هو أمر جذاب للغاية بالنسبة لأي طفل، وهذا كله يجعل الهاتف الذكي بالنسبة له أهم من أي شيء آخر.
كذلك فعندما يكبر الطفل أكثر، ويبلغ السادسة أو السابعة ويبدأ في ممارسة ألعاب قد تعده بمكافأة مالية أو حتى معنوية، فإن هذا يجعله أكثر تمسكا بالهاتف.
ما هي أضرار الهاتف على الأطفال؟:
1. ضعف الصحة العقلية:
بحسب ما نشرته مجلة العلوم الأمريكية Scientific American فإن هناك احصائيات تشير إلى أن الهواتف الذكية تؤدي إلى ضعف الصحة العقلية لمستخدميها من المراهقين، كما تجعلهم غير سعداء.
فإذا كان هذا هو الحال مع المراهقين، فبكل تأكيد سيكون أكثر سوءا مع الأطفال.
ليست العصبية هي الآثر السلبي الوحيد للهواتف الذكية على الأطفال، Andrea Piacquadio، via pexels. |
2. المساس بالأخلاق:
لكن دعونا هنا نشير إلى نقطة يغفل عنها الكثيرون، وهي أن تعويد الطفل منذ سن مبكرة على استخدام الهاتف المحمول يجعلهم عرضة، بل وفريسة سهلة للمواد الإباحية.
اليوم أصبح هناك أطفال في الحادية عشر والثانية عشر، وربما أقل من ذلك يتبادلون الرسائل الجنسية وأهلهم لا يعرفون عنهم شيئا.
ومن ضمن المساس بالأخلاق أننا قد شاهدنا تورط أطفال لم يتجاوزوا العاشرة في بعض تطبيقات المراهنة، وقد وصل الأمر إلى حد أن منهم من سرق والديه أو غيرهما ليستطيع استكمال اللعب.
3. ضعف النظر وأضرار صحية أخرى:
بالرغم من أن معظم الهواتف الذكية حاليا مزودة بتقنيات تقلل من ضرر تعرض العينين لضوء الشاشة لفترات طويلة، فإن الطفل الذي يستخدم الهاتف الذكي وخصوصا لمدة كبيرة، يكون أكثر عرضة لضعف نظره مقارنة مع أقرانه الذين لا يستخدمونه.
هذا بخلاف أن هذه الهواتف تؤثر بالسلب على نوم الأطفال، وهو الأمر المهم للغاية في هذه المراحل العمرية الذي تنمو خلالها عقولهم، وقد يأخذ هذا التأثير شكل السهر وقلة ساعات النوم، أو حدوث اضطرابات في النوم نفسه مثل ((النوم المتقطع)).
هذا بجانب المشاعر السلبية مثل الشعور بالوحدة والقلق والاكتئاب.
4. فقدان المشاعر البشرية:
في كتابها الشهير "استعادة المحادثة: قوة الحديث في العصر الرقمي"، أشارت عالمة النفس الإكلينيكي شيري توركل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية إلى نقطة في غاية الخطورة.
إن استمرار استخدام الأطفال للهواتف الذكية يجعلهم بمرور الوقت لا يشعرون إلا بأنفسهم فقط، إنهم يفقدون قدرتهم على فهم الآخرين أو الاهتمام بهم، وبالتالي لن يكونوا كائنات اجتماعية، إنهم بهذا الشكل يفقدون واحدة من أهم الصفات التي تجعل منا بشرًا.
هل الهاتف يسبب العصبية للأطفال؟:
بحسب مستشفى نايت انجيل الشهيرة في العاصمة البريطانية لندن، فقد وصلنا بالفعل إلى نقطة أن الأطفال على استعداد لاستخدام العنف -ومنه العنف اللفظي ومن أشهر صوره العصبية- ضد والديهم فقط من أجل أن يستمروا ممسكين بهواتفهم.
الدكتور ريتشارد جراهام، الطبيب النفسي لإدمان التكنولوجيا في المستشفى يقول أن الأطفال والمراهقين يشعرون وكأن حياتهم بالكامل تدور حول الهاتف الذكي.
كم ساعة يجب استخدام الهاتف للأطفال؟:
لعبة ببجي أحد أشهر الألعاب المنتجة التي انتجتها شركة تين سينت الصينية، والتي لاقت رواجا عالميا واسعا، صورة من Pxfuel. |
دعونا نجيبكم عن هذا السؤال بالمثال العملي الوحيد المطبق في دولة من الدول .. بالتحديد في الصين.
هناك فرضت الحكومة نفسها عدد ساعات معين أسبوعيا للعب الأطفال باستخدام الهواتف الذكية، ويمكن لمن أراد المزيد من التفاصيل الاطلاع على تقريرنا: ((الصين تقلل وقت لعب الأطفال بالهواتف المحمولة وألعاب الفيديو لثلاث ساعات فقط اسبوعيا)).
هذا القرار -اللعب لمدة ثلاث ساعات في الأسبوع- يطبق في الصين على كل من هو أقل من الثامنة عشر من العمر، ويهدف للدفع بالأطفال الصينيين للعب وممارسة الانشطة والرياضة.
القرار وزع الثلاث ساعات بمعدل ساعة يوميا من الثامنة وحتى التاسعة مساء بين يومي الجمعة والاحد من كل أسبوع.
هناك أيضا مبادرات شعبية، مثلما قامت به أعداد كبيرة من الأسر في فيتنام، بإرسال أبنائهم لمدارس تعلم الرياضات القتالية بدلا من استخدام الهواتف الذكية.
هناك وبدلا من الهواتف الذكية، يمارس الأطفال رياضة (فوفينام فيات فوداو) وهي رياضة قتالية شهيرة في فيتنام، وبالتحديد داخل معهد أبحاث الفوفينام وتطوير الرياضة (IVS) في مدينة هوشي منه، والذي صدر قرار بحظر الهواتف بداخله.
رياضة فوفينام هي رياضة ظهرت منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ويقول لاعبوها أنهم تنظم لهم عقولهم وأجسادهم.