ميناء مبارك الكبير

هو أكثر المشاريع إثارة للجدل والأحاديث حوله ربما في تاريخ الكويت بالكامل، إنه مشروع ميناء مبارك الكبير.

صورة ملتقطة بالأقمار الصناعية لجزيرة بوبيان، هنا موقع بناء ميناء مبارك الكبير، NASA Johnson، CC BY-NC 2.0 DEED، via Flickr.

فالميناء الذي يريد الكويتيين بناءه في ((جزيرة بوبيان)) الواقعة في أقصى شمال الخليج العربي، يرتبط بالعديد من الملفات، ملف التأخر الكويتي، ملف العلاقات مع العراق وكافة دول المنطقة، بل وملف مستقبل الكويت كأمة كاملة تستطيع أن تعمل بمعطيات القرن الحادي والعشرين.

أهمية ميناء مبارك الكبير:

تعد مبادرة الحكومة الكويتية لإنشاء وتطوير ميناء مبارك في جزيرة بوبيان قبالة السواحل العراقية، بمثابة المحاولة لإستعادة مكانة الكويت التاريخية كمركز شحن وتجارة بحرية شهير، تلك المكانة التي فقدتها البلاد بمرور السنين.

فعلى الرغم من أن الكويت تمتلك فعليا في الوقت الحالي خمسة موانئ، أهمهم "ميناء الشويخ"، إلا أن التخطيط لميناء مبارك الكبير أن يكون ميناء عالميا بكل معني الكلمة.

أيضا، فإن الهدف الأكبر أن يكون الميناء هو الخطوة الأولى في حلم الكويت بإنشاء (مدينة الحرير) وهي منطقة تجارية حرة عالمية تكون خاضعة في الوقت نفسه للسيادة الكويتية.

تم إسناد المهمة إلى وزارة الأشغال العامة الكويتية بالتعاون مع (مؤسسة الموانئ الكويتية)، وقد اختاروا شركة AECOM العالمية ومقرها في الولايات المتحدة الأمريكية وهي بالفعل واحدة من أفضل الشركات في العالم فيما يخص تصميم ودراسات المشاريع الكبرى.

قامت الشركة بإجراء دراسة جدوى للمشروع، كما قدمت للحكومة الكويتية تصميم القناة الملاحية للمياه العميقة الخاصة بالميناء، وهي واحدة من أهم عناصر الموانئ الحديثة، وذلك بالتعاون مع شركة كويتية هي (دار صالح القلاف للاستشارات الهندسية SQC).

تضمن هذه القناة إمكانية دخول السفن والناقلات مهما كان حجمها وحمولتها إلى ميناء مبارك الكبير، وذلك لأن كل سفينة لها غاطس معين (غاطس السفينة هي المسافة من سطح المياه إلى أسفل نقطة في بدن السفينة المغمور بالماء).

لا تستطيع السفن الإبحار في أي مياه يقل عمقها عن طول الغاطس الخاص بها بقدر آمن، مثلا إذا كان غاطس السفينة 10 متر، فإن البحارة يبتعدون عن أي مكان يقل عمق الماء فيه عن 15 متر.

الاتفاق مع الصين:

الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت هو من أبرم اتفاق ميناء مبارك مع الصينيين.

في سبتمبر عام 2023، وقعت الكويت 7 اتفاقيات مع الصين، كان أبرزها تلك المتعلقة بالاتفاق على استكمال تنفيذ مشروع ميناء مبارك الكبير.

كان ذلك أثناء زيارة قام بها الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح إلي بكين وقتما كان لا يزال وليا للعهد.

لكن وفي فبراير عام 2024، كشفت صحيفة ((الرأي)) الكويتية في تقرير لها أن المشروع لا يزال متوقف بسبب أن المناقشات لا تزال تدور حول ((النموذج الذي ستتشارك فيه الكويت مع الصين)) في الميناء.

المناقشات تدور حول ما إذا طريقة رقابة حكومة الكويت على الميناء، ونسب اشتراكها في تمويل عمليات البناء والتشغيل، وهل ستشارك في إدارة الميناء ام لا .. والكثير من الأمور الفنية التي يجب الاتفاق عليها قبل الشروع في العمل.

مبارك الكبير وطريق الحرير:

هنا لابد من الإشارة إلى نقطة مهمة تتعلق بكون ميناء مبارك الكبير مهم بالنسبة للصين، كما هو مهم بالنسبة للكويت.

تخطط الصين لما يعرف باسم طريق الحرير الجديد أو (مبادرة الحزام والطريق)، وهو مشروع القرن الحادي والعشرين بالنسبة للصين والذي يستهدف بناء شبكة طرق تجارية تربط بين 60 دولة حول العالم.

في المنظور الصيني، يعد (ميناء مبارك الكبير) محطة هامة وميناء رئيسي على طريق الحرير، ولدي الصين حتى الاستعداد في دفع الأموال لإقامة المنشآت الهامة على هذا الطريق، حسبما أعلن عنه الرئيس الصيني شي جين بينغ نفسه، ما يعني أن الكويت في مقدورها أن تطلب من الصين المشاركة في تحمل تكاليف فواتير إنشاء الميناء.

المنافسة مع ميناء الفاو:

في ذات الوقت -في الواقع بدأت العراق مشروعها عام 2010 ولحقت بها الكويت عام 2011-، تسعي العراق لبناء ميناء الفاو الكبير، تقريبا في نفس المكان ونفس الأهداف التي تبني الكويت من أجلها ميناء مبارك الكبير.

الخريطة تشرح كل شيء.. الكويت تمثل مانع جغرافي أمام العراق من الوصول إلى مياه الخليج، ولا مجال للعراقيين إلا مسافة 50 كم شمال شرق جزيرة بوبيان .. هناك في الفاو، Hans Erren، public domain via wikimedia commons.

الطبيعة الجغرافية منحت للكويت ميزة، لكن العراقيين لا ينوون التنازل، وتزيد قضية خور عبدالله من احتقان الأمر، فيما يخوض الطرفين سباقا لمن سيسبق ويبدأ في تشغيل ميناءه أولا ثم امتلاك الميناء الأكثر كفاءة وجذبا لشركات الشحن. 

نحن نتحدث عن فاصل لا يزيد عن 1950 متر (أي أقل من 2 كم) بين موقع الميناء الكويتي والحدود العراقية، هذا الاقتراب حد الالتصاق يفتح الباب إما أمام التوترات أو يمنح الجانبين فرصة للتعاون.

ويمكنكم الإطلاع على كافة التفاصيل في تقريرنا: ((ميناء الفاو الكبير وميناء مبارك الكبير .. من سيربح المواجهة؟)).

إعادة العمل (نسبة إنجاز ميناء مبارك):

نعم هناك تأخر في خطوات الكويت، لكن هناك في الوقت نفسه إشارات إلي إعادة الاهتمام من جديد بملف ميناء مبارك الكبير.

بحسب تصريحات (سعد البراك) وزير النفط نائب رئيس الوزراء الكويتي في سبتمبر 2023، أنجزت بلاده 50% من المرحلة الأولى للميناء.

وفي تقرير قالت صحيفة ((القبس الكويتية)) أنها استندت فيها إلى معلومات وردتها من مصادر وصفتها بالمطلعة بأن مكتب رئيس الوزراء الكويتي قد وافق بالفعل على اعتماد تمويل بقيمة 186 مليون دينار كويتي (ما يعادل 614 مليون دولار أمريكي) لدعم تطوير ميناء مبارك الكبير.

وذلك على أن يتم الانتهاء من المشروع في العام المالي 2024-2025.

بتلك الأرقام سترتفع فاتورة إنشاء ميناء مبارك MKP لحوالي 990 مليون دينار كويتي (ما يعادل 3,2 مليار دولار أمريكي)، ليحتوي على 24 رصيفًا.

وهنا نقطة نظام لابد من الإشارة إليها، إذ كانت التقارير والمصادر التي تحدثت عن ميناء مبارك الكبير في بدايته تشير إلى 60 رصيفًا، وهذا ما قد يعني إما أن هذه التقارير لم تكن دقيقة، أو أن المشروع الكويتي الطموح قد تقلص إلى ما يقل عن نصف هدفه المبدئي.

على أي حال، فحتى هذا الرقم جيد جداً، إذ سيجعل الطاقة الاستيعابية لميناء مبارك تصل إلى 8.1 مليون حاوية سنويًا.

في رأيك أنت .. ما هي الأشياء التي تحتاجها الكويت لإتمام مشروع ميناء مبارك الكبير؟ .. وهل من الممكن أن يتكامل هذا المشروع مع ميناء الفاو في العراق .. ام أن المنافسة واقعة حتما بينهما؟.

تعديل المقال