الزبور، هو اسم الكتاب المنزل على نبي اللَّهَ دَاوُدَ -عليه السلام-.
نقش يعتقد أنه لجزء من آيات الزبور، Ryckmans, Jacques 1993 : 41-47, fig. I. public domain via wikimedia commons. |
ونبي اللَّهَ دَاوُدَ هو أحد أنبياء بني إسرائيل، ووالد نبي اللَّهَ سليمان -عليهما السلام-، وقد أعطاه اللَّهَ -عز وجل- النبوة والعلم والقوة وتسخير الجبال وإلانة الحديد والصوت الحسن والحكم بين الناس بالعدل، وقبل ذلك فقد كان مقاتلا قويا من ضمن جيش طالوت، وقتل بنفسه الملك (جالوت) عدو بني إسرائيل.
لهذا السبب بالتحديد، تسمي إسرائيل اليوم أحد أكثر منظومات دفاعها الجوي تطورا منظومة مقلاع داود.
وأيضا كان (كتاب الزبور) مما أعطاه اللَّهَ له.
آيات القرآن الكريم عن الزبور:
جاء ذكر ذلك الكتاب (الزبور) في أكثر من موضع في القرآن الكريم.
ومنها قوله تعالى:
((وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)). {الآية 55 : سورة الإسراء}.
وقوله تعالى:
((۞ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)). {الآية 163 : سورة النساء}.
ما هو كتاب الزبور؟:
من هذه الآية الكريمة، يمكننا أن نقول أن الزبور هو كتاب أنزله اللَّهَ عز وجل على عبده ونبيه دَاوُدَ -عليه السلام-.
ومعني الزبور (الكتاب المزبور) أي (المكتوب)، مثلما تقول (الدرهم المضروب).
ألواح مكتوب عليها في عصر مملكة سبأ، Università di Pisa, Dipartimento di scienzs storiche del mondo antico، استعمال عادل، via wikimedia commons |
وأصل كلمة (الزبر) هو الكتاب أو الكتابة والتوثيق، ولذا سمي بالزبر لقوة التوثيق فيه.
أيضا استخدمت نفس الكلمة لوصف الكتابة العربية في اليمن القديمة على سعف النخيل.
ويمكن فهم هذا المعني بصورة أوضح عندما نقرأ قوله تعالى:
((وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ)) {الاية 52 : سورة القمر}.
فبينما يظن الكثيرون أن عدد الكتب السماوية هو ثلاث كتب، فإن الصحيح أنها ست كتب هي: (القرآن الكريم، الإنجيل، التوراة، الزبور، صحف إبراهيم، صحف موسي).
وذلك بالأخذ بقول من اعتبر أن الصحف هي من الكتب، لأن بعض العلماء ذهبوا إلى أن الصحف لا تعد من الكتب، فجعلوا الكتب أربعة هي (القرآن الكريم، الإنجيل، التوراة، الزبور).
وهناك رأي ثالث يقول أن الكتب التي أنزلها اللَّهَ هي خمسة كتب، وأصحابه يحتسبون الصحف ضمن الكتب، لكنهم يقولون بأن صحف موسي هي ذاتها التوراة.
متي نزل الزبور؟:
كما القرآن الكريم، ومن قبله (صحف إبراهيم)، والتوراة والإنجيل، نزلت كتب اللَّهَ المقدسة إلى أنبياءه في (شهر رمضان).
فمما روي عن ابن الضريس في "فضائل القرآن" (127) ، والطبري في "التفسير" (24/ 377) من طريق يَزِيد بن زريع، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا صَاحِبٌ لَنَا عَنْ أَبِي الْجَلْدِ، قَالَ: " أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الزَّبُورُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيلُ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ".
وهكذا كان نزول الزبور على نبي اللَّهَ دَاوُدَ -عليه السلام- لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان في العام الذي نزل فيه، وهو عام غير معروف.
ما هي الديانة التي كتابها الزبور؟:
ببساطة شديدة، كان نبي اللَّهَ دَاوُدَ -عليه السلام- من الأنبياء المرسلين إلي بني إسرائيل.
وهكذا، فإن الديانة التي كتابها الزبور هي اليهودية، لأنه كتاب نزل على نبي من الأنبياء المرسلين إلي اليهود.
لكن الزبور لم ينزل ليكون كتابا للعبادة أو للتشريع أو لبيان ما هو حلال وما هو حرام، فذلك كان مذكورا في (التوراة)، ولكنه وكما ذكر الإمام القرطبي -رحمة اللَّهَ- كان فقط يضم مجموعة من المواعظ والحكم.
هل الزبور هو التوراة؟:
هذا السؤال من أكثر الأسئلة التي يتم طرحها عن الزبور.
والإجابة عليه أن الزبور كتاب مختلف عن التوراة، فالزبور هو ما نزل على نبي اللَّهَ دَاوُدَ -عليه السلام-، أما التوراة هي ما نزلت على نبي اللَّهَ موسي -عليه السلام-.
ومع ذلك فإن اليهود يعتبرون الزبور هو الجزء الأول من أجزاء التوراة.
وفي الرأي الراجح أيضا أن كتاب الزبور يختلف عن مزامير داود.
فبرغم أن الزبور والمزامير، كلاهما يتعلقان بنبي اللَّهَ دَاوُدَ -عليه السلام-، إلا أن الزبور هو كتاب نزل يحمل أحكاما ومواعظ وتحميد وتهليل، ودعوة لعبادة اللَّهَ وحده لا شريك له.
أما المزامير فكانت أدعية يدعوها نبي اللَّهَ دَاوُدَ -عليه السلام- بصوته العذب الشديد الروعة، والذي كان يجذب الإنسان والطيور والجبال والوحوش والجن للتسبيح معه.
ومع ذلك يصح لنفس السبب -حسن صوت نبي اللَّهَ دَاوُدَ- أن يكون الناس والطيور والحيوانات والجن تجتمع لتسمعه وهو يقرأ من الزبر.
آيات من كتاب الزبور:
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ. |
مما ذكره الإمام القرطبي -رحمة اللَّهَ- أن عدد آيات الزبور كانت 150 آية.
ومع ذلك، فلا يوجد مصدر من الكتاب والسنة يذكر لنا آيات من الزبور.
الاستثناء على ذلك، الآية الكريمة:
((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)) {الآية 105 : سورة الأنبياء}.
فالنص هنا واضح، وقال بعض المفسرين أن (الزبور) في هذه الآية الكريمة المقصود به بالتحديد زبور نبي الله داود، وأن (الذكر) في نفس الآية المقصود به التوراة، وهذا التفسير منضبط تاريخيا لأن نبي الله موسى -عليه السلام- أسبق من نبي الله داود.
ومع ذلك، فهناك رأي فقهي يذهب إلى أن (الزبور) هنا المقصود به كتب الأنبياء جميعا التي أنزلها اللَّهَ عليهم.
لكن حتى لو افترضنا صحة هذا القول، فإنه سيشمل الزبور أيضا، باعتباره واحدا من تلك الكتب.
وعلى أي حال، فينبغي على المسلم أن يكون زاهدا في البحث عن كتاب الزبور، ويكتفي بالمعلومات المؤكدة عنه وفقط، خصوصا أنه يكفيه إيمانه به فقط، وخصوصا أيضا أن هناك حالة من الغموض تكتنف الزبور بالتحديد.
هل يجوز قراءة الزبور؟:
هناك سؤال يطرحه البعض وهو (هل يجوز قراءة الزبور؟).
ولعل الإجابة عن هذا السؤال بدقة تحتاج إلى تحديد أولا ما هو موقف المسلم من هذا الكتاب؟.
كتاب زبور داود النبي والملك، مطبوع في لندن سنة 1826، هذه النسخة يعتقد بشكل كبير أنها محرفة. |
الاجابة أن كل مسلم عليه الإيمان به، والتصديق بأنه كان موجودا، وأنه نزل على نبي اللَّهَ دَاوُدَ -عليه السلام-.
وذلك لما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى:
((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) {الاية 285 : سورة البقرة}.
وذلك قوله صلى اللَّهَ عليه وسلم ، في الحديث المتفق على صحته، من حديث جبريل وسؤاله للنبي صلى اللَّهَ عليه وسلم عن الإيمان ، فقال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره".
لكن المسلم غير مكلف بالبحث عن آيات الزبور أو قرائتها أو أي شيء من هذا القبيل، وذلك للأسباب التالية:
- لأنه كتاب خاص بأمة سابقة.
- كذلك فإننا لا نعرف هل ما يطرح اليوم هل هو من الزبور بالفعل ام أنه محرف أو مدلس بشكل كامل؟.
- أن الإسلام قد جاء بأحكام كاملة، يقول تعالى: ((وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)) {الآية 38 : سورة الأنعام}.
- أن النسخ الحالية فيها أجزاء تناقض العقيدة الإسلامية بشكل كامل.