دافعت أكبر شركتين لتصنيع الطائرات في العالم (بوينغ الأمريكية وإيرباص الأوروبية) عن نفسيهما يوم الثلاثاء بعد انتقادات بشأن تأخير التسليم لطلبيات الطائرات الجديدة.
ووصف مسؤول تنفيذي كبير في شركة بوينغ الأمريكية إن زيادة معدلات الإنتاج من جديد بعد إغلاق المصانع بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-١٩" لم يكن أمر سهلا، قائلا: ((الأمر لا يشبه تحريك مفتاح الإيقاف والتشغيل)).
كل تلك الأشياء وغيرها من الملفات، كانت محورا لنقاشا صاخبا دار بين ممثلي شركتي إيرباص وبوينغ من جانب، وممثلي العديد من شركات وخطوط الطيران المدني في مؤتمر دولي متخصص في صناعة الطيران، استضافته دبلن عاصمة إيرلندا.
تأخير بوينغ وإيرباص في تسليم الطائرات الجديدة:
في المتوسط، بلغ معدل تأخير شركتي بوينغ وإيرباص في تسليم الطائرات الجديدة ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر.
وتقول شركة إيرباص الأوروبية أنها تواجه (مشاكل في سلاسل التوريد بسبب نقص في المواد الخام والأيدي العاملة) ومع ذلك فإنها حريصة على أن تلتزم بمواعيد التسليم.
وجاء على لسان (مارك بيرمان رايت) رئيس قسم التأجير والتسويق الاستثماري في شركة إيرباص، إن زيادة الإنتاج كانت أصعب مما كان متوقعًا، وأن هناك مجموعة من المشكلات غير المتوقعة واجهت شركته.
لكنه أضاف مؤكداً أن كل هذا لن يدفع إيرباص لتغيير خطتها لإنتاج ٦٥ طائرة ضيقة البدن (يقصد بالطائرة ضيقة البدن أنها ذات ممر واحد) من عائلتها الشهيرة A320 شهريًا في عام ٢٠٢٤، ورفع الرقم إلى ٧٥ طائرة في عام ٢٠٢٥.
كما تقوم شركة إيرباص أيضًا بتقييم جدوى الوصول إلى معدلات إنتاج أعلى لطائراتها الكبيرة ذات الجسم العريض، وذلك لتلبية الطلب المتزايد مع تعافي السفر الجوي الدولي من الضربة الهائلة التي لحقت به أثناء وباء فيروس كورونا المستجد.
ورد المسؤول الكبير في إيرباص على الإتهامات الموجهة لشركته قائلا: ((لقد خرجنا للتو من ركود غير مسبوق، تبعه حالة انتعاش غير مسبوقة أيضا، وعودة قوية ومفاجئة في طلبات السفر جوا، أعقبها حرب، بالإضافة إلى ما تسبب به إغلاق الصين للكثير من مصانعها ومناطقها، والذي كان له أيضا تأثيره على سلاسل التوريد)).
طائرة بوينغ ٧٣٧ ماكس، Jeff Hitchcock، via big by matt stoller. |
وأكد بيرمان رايت أنه وللمساعدة في التغلب على مشكلة التأخر في تسليم الطائرات الجديدة، فإن شركة إيرباص عينت أكثر من ١٠٠ من المتخصصين في المشتريات لمساعدتها على تحقيق المعدلات المطلوبة في سلسلة التوريد التي يتطلبها زيادة الإنتاج.
نفس الأمر تقريبا فعلته بوينغ.
إذ أرسلت بوينغ بعض موظفيها للعمل مع الموردين للمساعدة في استقرار سلسلة التوريد، كما قال نائب الرئيس للتسويق التجاري لبوينغ "دارين هولست" ، مضيفًا أن هذا كان المفتاح لزيادة الإنتاج في نهاية المطاف وتحقيق أهداف الشركة العملاقة في عالم صناعة الطائرات.
السيد هولست ذكر الحاضرين في مؤتمر دبلن بالوضع عام ٢٠٢٠ قائلا: ((تذكروا معي سنة ٢٠٢٠، في ذلك الوقت لم يكن هناك أحد داخل هذه الغرفة يرغب في شراء ولو طائرة جديدة واحدة، والآن تريدون أن نسلمكم في الوقت المحدد تماما وطوال الوقت)).
المشكلة أننا عندما نتحدث عن تأخير شركتي بوينغ وإيرباص في تسليم طلبيات الطائرات الجديدة، فإننا نتحدث عن شركتان تسيطران على سوق تصنيع طائرات نقل الركاب التجارية بشكل يشبه الاحتكار، ما يعني أن السوق سيعاني وبشدة.
وهذا ما حدث بالفعل..
بات لدينا العديد من شركات الطيران تعتبر أنها تواجه -منذ شهور- مشاكل تشغيلية بسبب نقص طائرات بوينغ وإيرباص الجديدة التي طلبتها وكانت تخطط للاعتماد عليها في تسيير رحلاتها.
على سبيل المثال، لدينا شركة Air Lease المتخصصة في تأجير الطائرات لخطوط وشركات الطيران، وتمتلك في أسطولها مئات الطائرات.
طائرة إيرباص ايه-٣٣٠ مملوكة لشركة إيركاب، هذه الطائرات تسلم بيضاء تماما للمستأجر، بحيث يضع عليها الألوان والشعارات الخاصة به، jounigripen، (CC BY 2.0)، via Flickr. |
الرئيس التنفيذي للشركة "ستيفن أودفار-هازي" هاجم شركتي إيرباص وبوينغ في مؤتمر اقتصاديات الخطوط الجوية والذي عقد الأسبوع الماضي، معتبرا أن المصنعين قد "أساءوا التقدير بشكل جسيم لمعدلات إنتاجهم".
وعلى ذات الخط، هاجمت شركة إيركاب، وهي أكبر شركة تأجير طائرات في العالم -وفي ذات الوقت أحد أكبر وأهم عملاء إيرباص-، هاجمت الشركة الأوروبية، ووصفتها بأنها وضعت أهداف إنتاج (طموحة للغاية) لم تفلح في تنفيذها.
ما يزيد من جراح شركات وخطوط الطيران أنها تواجه أصلا مشاكل أخرى تتعلق بحاجتها لطيارين جدد غير متوفرين، علاوة على مشاكل نقص قطع الغيار.
خسائر فلكية:
وعلى ما يبدو أن الجميع يخسر نتيجة هذه الحالة، والمستمرة معنا منذ ما يزيد عن سنة كاملة.
فبحسب تقرير نشرته صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية الشهيرة في نهاية شهر يناير من العام الماضي ٢٠٢٢، كانت شركة بوينغ تتكبد بالفعل وقتها خسائر فصلية قدرها ٤،٢ مليار دولار مع استمرار التأخير في إنتاج طائراتها الشهيرة بوينغ-٧٨٧.
هذه الخسائر أعلنت شركة بوينغ بنفسها أنها تكبدتها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام ٢٠٢١، بسبب التأخير المطول في صنع وتسليم طائرتها ٧٨٧ دريملاينر.
هذه الطائرة بالتحديد التي بنت بوينغ عليها الكثير من الطموحات والامال في السيطرة والسيادة على سوق بيع الطائرات كبيرة الحجم، وبعيدا عن مشكلات سلاسل التوريد، واجهت مشكلة أخرى تعلقت باحتياج الشركة لإجراء العديد من التعديلات عليها للفوز بموافقة إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية على اعتمادها ودخولها الخدمة.
ووفقا لحسابات بوينغ، فإن تأخير إنتاج هذه الطائرة فقط (٧٨٧ دريملاينر)، قد تصل تكاليف خسائره على الشركة إلى ٥،٥ مليار دولار.
طائرة إيرباص طراز A321XLR، ٢٤ سبتمبر ٢٠٢٢، Gaillac، (CC BY-SA 4.0)، via wikimedia commons. |
إيرباص أيضا لديها خسائرها التي طالتها بسبب هذه الأزمة، والتي امتدت حتى لتأجيل طرح طرازاتها الجديدة من الطائرات إلى السوق، ما يعني ببساطة تأجيل بيعها، وتأخير الأرباح.
فبحسب وكالة (رويترز) الأشهر عالميا، أجلت الشركة طرح طائرة إيرباص طويلة المدى من طراز A321XLR. حتى الربع الثاني من عام ٢٠٢٤.
لكن قد يبدو أن المشكلة الكبرى لم تظهر بعد.
نتحدث هنا عن تحليلات ذهبت إلى أن مؤتمر العاصمة الايرلندية دبلن، والذي كان الساحة التي اشتبك فيها ممثلي بوينغ وإيرباص وممثلي شركات وخطوط الطيران بشكل كان يشبه تمزيق كل طرف لملابس الطرف الآخر، ما كان إلا اختمار وتجهيز لمعركة قانونية، حيث تريد شركات وخطوط الطيران من وراء هذا الهجوم الضاري على بوينغ وإيرباص الحصول على تعويضات مما أصابها جراء أسوأ اضطراب صناعي منذ سنوات.
فيا تري .. هل تفلح بوينغ وإيرباص في الوفاء بالتزاماتها ؟ .. ام ان شبح ركود جديد سيطارد الجميع.. فلا تحتاج شركات الخطوط الجوية لمزيد من الطائرات، ولا تضطر الشركات المصنعة لضغط نفسها أكثر فأكثر لاهثة وراء معدلات إنتاج مرتفعة... ام أننا سنشهد معركة قانونية للمطالبة بالتعويضات؟.