الأحدث

علي شريف العمادي.. من وزير مالية قطر إلي السجن.. القصة الكاملة

 إنه السادس من مايو / آيار عام ٢٠٢١، خبر رسمي يهز قطر، فربما لم تعرف الإمارة الخليجية في تاريخها السابق حدث كهذا، إلقي القبض على وزير المالية "علي شريف العمادي".

علي شريف العمادي يجلس بجانب الأمير تميم بن حمد أمير قطر. 

الرجل المسؤول عن أموال الدولة الشديدة الثراء، أصبح يواجه اتهامات بالفساد، والأمير تميم يصدر الأمر رقم ١ لسنة ٢٠٢١ بإعفاءه من منصبه.

علي شريف العمادي:

هو وزير المالية القطري منذ يونيو / حزيران ٢٠١٣ حتى ٦ مايو / آيار ٢٠٢١.

حصل العمادي على بكالوريوس في العلوم المالية من جامعة أريزونا، في الولايات المتحدة الأمريكية.

والمفارقة أن (علي شريف العمادي) قد بدأ حياته المهنية في موقع من المفترض أن يراقب سلامة أداء البنوك والعاملين فيها، حيث عمل أولا في (إدارة الرقابة المصرفية في مصرف قطر المركزي)، ومن هذا الموقع تدرج في المناصب على مدى أكثر من ٢٥ عاما.

طوال تلك السنوات، وقبل السادس من مايو ٢٠٢١، كان ينظر لعلي شريف العمادي على اعتبار أنه أحد أنشط وزراء المالية العرب، بل وأحد أقوى رجال قطر.

فلا يمكن بأي حال من الأحوال في أي بحث أو تقرير منصف يتناول شخصية علي شريف العمادي ، أن يتوقف عند حد كونه متهما بتهم فساد مالية.

هذه من أكبر الأخطاء التي يقع فيها أي باحث، وللأسف الشديد هي حالة مزاجية وثقافية عربية بإمتياز، حيث يكون الشخص إما فاسدا تماما أو جيدا إلي أبعد مدى، وهذا غير صحيح، ويتجاهل حقيقة أن البشر لديهم في شخصياتهم جميعا الكثير من التفاعلات والعوامل.

لذا فمن المهم هنا، لإنصاف التاريخ والتفكير الصحيح قبل علي شريف العمادي نفسه، أن يشار إلي أن الرجل قد حقق نجاحه ووصل إلي المناصب العليا التي تبوأها بسبب نجاحه الأهم في تحويل بنك قطر الوطني، من مجرد أكبر بنك في قطر، إلي أكبر بنوك المنطقة بأكملها.

إلي جانب هذا، قاد العمادي تنويع محفظة بلاده من الاستثمارات ومصادر الدخل بدلا من الاعتماد الوحيد على الغاز والنفط، ما جنب البلاد مصاعب اقتصادية هائلة في عامي ٢٠١٤ و ٢٠١٥ حين انهارت أسعار النفط، وكذلك مطلع عام ٢٠٢٠ مع أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).

كما حظي العمادي بشعبية لدي القطريين خصوصا مع إجراءاته التي خففت من آثار أزمة مقاطعة عدد من الدول الخليجية ومصر على قطر. 

وزير المالية القطري السابق علي شريف العمادي يفتتح فندق "سانت ريجيس" المملوك لشركة الديار القطرية في العاصمة المصرية القاهرة، برفقة وزير المالية المصري محمد معيط ووزير الخزانة الأميركي ستفين منوشين، يناير ٢٠٢١. 

بل إننا لو عدنا إلي ديسمبر ٢٠٢٠، أي قبل القبض عليه بخمسة شهور فقط، لوجدنا أن على شريف العمادي كان قد تلقي التكريم من مجلة "ذا بانكر" الدولية المتخصصة في شؤون البنوك والاقتصاد، إذ اختارته المجلة في حينها كأفضل وزير في منطقة الشرق الأوسط. 

في يوم واحد، وبصدمة واحدة، فقط العمادي مناصبه كلها، فبجانب حقيبة وزارة المالية، كان علي شريف العمادي يجمع العديد من المناصب الرئيسية في مؤسسات مالية وشركات تملكها الحكومة القطرية.

إذا ما أطلعنا على قائمة مناصب علي شريف العمادي لن يلزمنا الكثير من الذكاء لإدراك أنه كان وبحق يمسك بخزائن الدولة القطرية كلها تقريبا، لكن بالتأكيد سنحتاج للكثير من الجهد حتى لمحاولة فهم كيف كان يشغل كل هذه المناصب؟ ومن أين كان يأتي بالوقت والجهد لذلك!!.

فقد شغل منصب رئيس مجلس إدارة "قطر للمال" ، وشركة "الديار" القطرية، كما كان ايضا رئيس مجلس إدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة "بنك قطر الوطني" أكبر بنك في الشرق الأوسط وأفريقيا، وأكثرها ربحية.

علاوة على شغله منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية والاستثمار القطري، كما عمل كرئيس المجلس التنفيذي للخطوط الجوية القطرية، ونائب رئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات أوريدو.

علي شريف العمادي شغل أيضا عضوية مجلس إدارة العديد من المؤسسات القطرية الهامة مثل (ليسيه فواتير)، و (مركز السدرة للطب والبحوث)، و (قطر للبترول)، و (صناعات قطر) ، و (اللجنة العليا للمشاريع والإرث)، و (جهاز قطر للإستثمار) ، و (مؤسسة قطر).

بخلاف هذا، كان لعلي شريف العمادي تواجده في مناصب مالية هامة على الصعيد الدولى، مثل عمله كمحافظ في (صندوق النقد الدولي) و (البنك الدولي للإنشاء والتعمير).

كما شغل العمادي منصب محافظ في (صندوق أوبك للتنمية الدولية)، و (صندوق النقد العربي).

التهم الموجهة لعلي شريف العمادي:

بحسب ما صدر عن النائب العام القطري (علي بن فطيس المري)، فإن علي شريف العمادي يواجه تهم الإضرار بالمال العام ، واستغلال الوظيفة، وإساءة استعمال السلطة.

على خلفية ذلك، وفي السادس من مايو ٢٠٢١، أمر النائب العام القطري بإلقاء القبض على "علي شريف العمادي" ، وسؤاله عما جاءت به التقارير من اتهامات موجهة إليه.

علي شريف العمادي، كان أحد أقوى رجال قطر ذات يوم. 

كانت تلك هي المرة الأولى في تاريخ قطر التي يتم فيها توجيه اتهام رسمي لمسؤول رفيع المستوى بالفساد.

في نفس يوم إلقاء القبض عليه، قال مصدر مطلع على التحقيق لإذاعة مونت كارلو الدولية أن "النتائج والتحقيقات تتعلق بمنصبه كوزير للمالية"، نافيا أن تتعلق بأدواره في عضوية مجالس إدارات كيانات قطرية أخرى.

فيما بعد، كشفت وكالة رويترز للأنباء أن الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير الخارجية القطري ورئيس جهاز قطر للاستثمار، هو من كشف عن أن التحقيق يتعلق بمهام العمادي كوزير للمالية وليس له علاقة بباقي مناصبه.

عن ذلك كتب (روبرت بيشيل) و (طارق يوسف)، وهما باحثان في مركز (بروكنجز الدوحة) مقالا جاء فيه: ((كان الإعلان عن إقالة العمادي غير اعتيادي. ففي أرجاء دول مجلس التعاون الخليجي، تُعالج معظم حالات الفساد والمخالفات القانونية الرسمية العالية المستوى بسرّية وبدون رسميّات. وعادة ما يستقيل المسؤولون المعنيّون أو يتركون مناصبهم فجأة، مع تغطية إعلامية محدودة. فتنتشر الإشاعات لكن نادراً ما يتمّ تأكيدها، ومن النادر للغاية أن تفضي التحقيقات إلى محاكمات أو غرامات أو سجن)).

بعض الأراء ذهبت إلي أن إلقاء القبض على وزير المالية القطري السابق ، يعد إشارة هامة ترسلها الدوحة خصوصا للمستثمرين الأجانب وللمجتمع الدولي ككل، أنها جادة في محاربة الفساد مهما كان المستوي الذي يحدث فيه.

"لا أحد فوق القانون"
وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، معلقا على خبر إلقاء القبض على وزير المالية القطري علي شريف العمادي.

ربط هذا الرأي بين إلقاء القبض على "علي شريف العمادي". وبين قرار الأمير تميم قبلها بيوم واحد فقط بإلغاء حصانة المسؤولين العامّين من المقاضاة، وجعلهم معرضين للمحاكمة إذا تم اتهامهم بالفساد.

وتحتل قطر المرتبة ٣٠ في تقرير مؤشّرات الفساد الصادر عن (منظّمة الشفافية الدولية)، وهو ما يجعلها أفضل في مكافحة الفساد من دول متقدمة مثل كوريا الجنوبية وإسبانيا وكذلك البرتغال.

وبرغم التوقعات بأن القبض على "علي شريف العمادي" سيتلوه إلقاء القبض على عدد آخر من المتورطين في الفساد، إلا أن هذا لم يحدث حتى تاريخ إعدادنا لهذا التقرير في ١٨ مارس ٢٠٢٢.

ردود الفعل:

إذا ما كانت حديقة (الهايد بارك) في العاصمة البريطانية لندن هي محط الناس لتبادل الأفكار والمناقشة في كل شيء، فإن وسائل التواصل الاجتماعي، وبالأخص (تويتر) قد يكون هو البديل القطري للهايد بارك.

كان إلقاء القبض على "علي شريف العمادي" ملفا هاما تناقش حوله الكثير من القطريين. 

ولم تكن واقعة إلقاء القبض على "علي شريف العمادي" حدثا ليمر دون الكثير من المتابعة بل وحتى الجلبة والضوضاء.

انتشر استخدام القطريين لوسم (#احم_احم) لمناقشة الحدث الجلل الذي لم تألفه بلادهم من قبل.

الكثيرون عبروا عن فرحتهم بخبر إلقاء القبض على العمادي، في حين كان هناك حضور قوي لوجهة نظر ذهبت إلي أن علي شريف العمادي كان له دور كبير في مساعدة الكثير من القطريين بتطوير وتسهيل إجراءات الحصول على قروض تنمية وصرف علاوات، وعودة مستحقات وبدلات لمستحقيها.

وبين هؤلاء وهؤلاء.. أكد رأي ثالث بأن الأمر سواء انتهي بإدانة (علي شريف العمادي) أو براءته، فلا ينبغي أبدا الإساءة لقبيلته أو عائلته. 

الإفراج عن علي شريف العمادي:

في منتصف ديسمبر ٢٠٢١، أعلن عدد من المحامين والمغردين القطريين عن الإفراج عن علي شريف العمادي.

وجاء الإفراج عن علي شريف العمادي تطبيقا للمادة (٣٣) المعدلة من الفصل الخامس من قانون رقم (١٥) لسنة ١٩٧١ "قانون الإجراءات الجنائية القطري" ، التي تنص على:

((وفي جميع الأحوال، لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي على ستة أشهر، ما لم يكن المتهم قد أعلن بإحالته إلى المحكمة الجنائية المختصة قبل انتهاء هذه المدة. فإذا كانت التهمة المنسوبة إليه جناية، فلا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي على ستة أشهر، إلا بعد الحصول قبل انقضائها على أمر من المحكمة الجنائية المختصة بمد الحبس مدة لا تزيد على خمسة وأربعين يوماً قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة وإلا وجب الإفراج عن المتهم)).

بتطبيق هذا النص على واقعة الإفراج عن وزير المالية القطري السابق على شريف العمادي، نجد أنها قد وافقت صحيح القانون، إذ قضي أكثر من ستة أشهر كمحبوس احتياطي، وهو ما يجعل الإفراج عنه صحيحا.

في ١٩ مارس ٢٠٢٣، أحال النائب العام القطري، كل من علي شريف العمادي وآخرين إلي محكمة الجنايات، Office of U.S. Treasury Secretary، public domain.

بل إن الإفراج لابد وأن يكون قد حدث بعد أمر من المحكمة الجنائية المختصة بمد الحبس مدة لا تزيد على خمسة وأربعين يوما، وذلك على اعتبار أن فترة الست شهور كانت قد انتهت في السادس من نوفمبر الماضي، وانتهت الخمسة وأربعين يوما الإضافية في الخامس عشر من ديسمبر ٢٠٢١. 

حتى اليوم (١٨ مارس ٢٠٢٢) لم يصدر حكم قضائي بإدانة علي شريف العمادي. 

الإحالة إلى محكمة الجنايات:

بتاريخ الاحد ١٩ مارس ٢٠٢٣، أعلنت النيابة العامة القطرية عن انتهاء التحقيقات اللازمة في القضية، وصدور أمر النائب العام القطري بإحالة وزير المالية القطري السابق علي شريف العمادي وآخرين إلي محكمة الجنايات، لمعاقبتهم عن التهم المسندة إليهم.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-