رواية المنافق أو طرطوف ، إحدي ابداعات الكاتب المسرحي الفرنسي الشهير موليير، والصادرة في طبعة عربية بترجمة راقية عن سلسلة روائع المسرح العالمي التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة في جمهورية مصر العربية.
غلاف رواية المنافق أو طرطوف ، من مطبوعات الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية، صورة من المعرفة للدراسات. |
حصلت "المعرفة للدراسات" علي موافقة السيد أمين عام النشر في الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية علي تقديم هذا العرض لرواية المنافق أو طرطوف.
روائع المسرح العالمي:
يعرفنا الكاتب جرجس فوزي في البداية بسلسلة "روائع المسرح العالمي"، والتي كانت سلسلة ترجمات تصدر عن وزارة الثقافة في مصر كل يوم ٤ من الشهر.
صدر العدد الأول من سلسلة ((روائع المسرح العالمي)) عام ١٩٥٩، عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي، واستمرت حتى عام ١٩٦٦، وقبل أن تتوقف هذه السلسلة صدرت سلسلة ((مسرحيات عالمية)) لتكمل نفس الدور.
كانت البداية بنص ((الشقيقات الثلاثة)) لأنطوان تشيكوف، وترجمها عن النسخة الإنجليزية د.علي الراعي.
تقديم الرواية:
((بقلم المترجمان د.فايزة هيكل، ود.محمد عبد الحليم)).
في تقديم الرواية يطرح لنا المترجمان عدة من النقاط الهامة، ومنها:
أ-حياة موليير:
إننا لا نعرف الكثير بشكل مؤكد عن حياة موليير وتفكيره، رغم أنه أحد أشهر كتاب المسرح في العالم منذ قرون.
فالجدل العنيف هو عنوان النقاش حول تاريخه وحقيقة عقائده، بل وذهب البعض إلي حد القول بأن موليير لم يكن هو كاتب ما نشر باسمه من مسرحيات، وإنما كتبها له، مقابل أجر معلوم، صديقه "بيركورني".
ب-المسرح الهزلي الفرنسي قبل موليير:
علي أي حال، أحدث موليير ثورة حقيقية في المسرح الهزلي الفرنسي.
فإذا ما نظرنا إلي مؤلفات أحد أكبر كتاب المسرح الهزلي الفرنسي قبل موليير وهو (روترو) سنجدها مسرحيات غريبة مليئة بالألغاز، ولولا أناقة أسلوب روترو ونفحات من المرح، لما استطاع القارئ أن يكملها.
نقطة أخرى تميزت بها مسرحيات موليير، وهي أنها لم تكن منقولة عن الأدب الإيطالي والأسباني، فقبل موليير كانت معظم أعمال المسرح الهزلي الفرنسي مقتبسة من إيطاليا وأسبانيا، لدرجة أن (دوريمون) وهو كاتب فرنسي، كان يفخر بأن المسرحية الهزلية التي قدمها لم تستوح من أي مسرحية إيطالية أو إسبانية، وكان ذلك تجديدا عظيما.
ج-عناصر الإضحاك في مسرح موليير:
موليير، الكاتب المسرحي الفرنسي الشهير، لوحة بريشة الرسام الفرنسي بيير مينيار، اللوحة معروضة حاليا في متحف كوندي في قلعة شانتيلي بفرنسا، رسمت عام ١٦٦٥، (CC BY-SA 1.0)، Wikimedia commons. |
عناصر الأضحاك في مسرحيات موليير أيضا كانت متميزة وجديدة علي المسرح الهزلي الفرنسي، فقبله كانت المسرحيات تقتصر علي شخصيات الجبان أو الغبي كوسائل أضحاك، ولم تعرف غيرها.
انتقل موليير بالضحك لمرحلة أن الفكاهة هي عنصر موجود في كل البشر، وهكذا حول الضحك في مسرحه إلي البحث عن الحقيقة البشرية، وإبراز للواقع الذي قد يعمي عنه المرء في حياته اليومية الرتيبة الوقورة.
هزأ موليير في مسرحياته من البطل المثالي الذي لا وجود له علي أرض الواقع، ولا تعترف به الحياة، وجعل من بطله الحقيقي هو (الإنسان الوسط)، العاقل الذي يعرف حدود إنسانيته، فلا يتعداها عملا أو خيالا، والذي يعترف بنقائصه فلا يسعي إلي النفاق والمداهنة فيها.
لذا فلا غرابة أن يطلق علي مسرح موليير "مسرح المأساة الإنسانية".
د-القصة في مسرح موليير:
بالتركيز علي الشخصيات، هبطت القصة في مسرح موليير إلي المقام الأدنى من الاهتمام لديه، فلم تكن تعنيه "الحبكة الروائية" ، بقدر ما كان يسعي إلي الانسجام والانسياب والواقعية في العاطفة والمشاعر والانفعالات الخاصة بشخصيات مسرحياته.
ه-الشخصيات في مسرح موليير:
كان لموليير الفضل في إثبات فكرة بالغة البساطة، أو هي تبدو لنا اليوم بالغة البساطة، وإن كانت في حينها كشفا بالغ الاغراب، حيث قال للناس: ((سوف تثير مسرحيتي اهتمامكم، لا بحوادثها ومواقفها وعقد قصصها، ولكن بأخلاق وعواطف وانفعالات شخصيتها.. لن أبحث عما يجب أن يكون، فهذا من شأن الخيال، بل عما هو كائن فعلا)).
أظهر موليير في مسرحياته أن الناس في صراع دائم مع أنفسهم ومع أقرانهم، ومن هذا الصراع تنبع المأساة كما تنبع الكوميديا.
بجانب ذلك، غير موليير من (أنماط الشخصية) التي كان سابقوه متمسكين بها، ففي المسرح الهزلي الفرنسي قبل موليير كان الخادم دائما لا خلاق له، والتاجر جشع، والطفيلي واسع الحيلة، والشرطي جاهل أو غبي، أما عند موليير فتلك الشخصيات نماذج حية تختلف صورها من مسرحية إلي أخرى، ولاجمود فيها أو تعسف.
و-أثر المسرح العملي في الأدب المسرحي:
كان موليير رجل مسرح وممثلا قبل أن يكون كاتبا.
كان إنتاج موليير موجها طوال حياته نحو هدف واحد: ارضاء المتفرج بأي طريقة كانت، ارضاء المتفرج ليعيش موليير ويمثل ولتعيش فرقته وتمثل.
يقول أحد المؤرخين له من أعضاء هذه الفرقة: ((كان مضطرا إلي اخضاع عبقريته لمواضيع تفرض عليه، وكان ملزما بالعمل السريع الملح دائما سواء لتحقيق رغبات ملك فرنسا، أو لسد احتياجات الفرقة)).
ز-أهداف مسرح موليير:
قيل إن موليير كان يهدف من وراء تصويب العيوب والرذائل إلي إصلاحها، وقال هو نفسه بذلك في عدة مناسبات من مسرحياته.
لكن الواقع أن فكرة تقويم الأخلاق عن طريق الأدب، أي الهدف الأخلاقي من الأدب، فكرة سادت كل كتابات القرن السابع عشر، ولم نر كاتبا لقصة أو مأساة أو تاريخ إلا وهو يقدم عمله علي أنه اسهام منه في تقويم الأخلاق بتصويره للشر أو إبرازه للفضيلة، والمرجح أن موليير في قوله بهذه الفكرة لم يكن سوى مقلد ومدافع عن مسرحه أمام هجمات الأعداء الذين اتهموه بالإلحاد تارة وبالفسق تارة أخرى.
مسرحية تارتيف:
في مايو ١٦٦٤، اشترك موليير بمسرحية في مهرجان أقامه ملك فرنسا ((لويس الرابع عشر)).
لويس الرابع عشر، ملك فرنسا، Hyacinthe Rigaud، لوحة زيتية علي قماش، رسمت عام ١٦٩٥، (CC BY-SA 1.0)، Wikimedia commons. |
كانت تلك المسرحية هي "تارتيف"، والتي سرعان ما منعت عقب تمثيلها أمام الملك.
أرسل موليير إلي الملك يلتمس الرجاء الإفراج عن مسرحيته، إلا أنه واجه هجوما لاذعا من رجال الكنيسة الفرنسية.
لكن موليير عاد لتمثيل المسرحية مجددا، معتمدا علي أن لويس الرابع عشر كان قد صرح له بذلك شفاهة قبل أن يرحل علي رأس جيشه من العاصمة في صيف ذلك العام.
لكن رئيس قضاة باريس سرعان ما منع عرض المسرحية في اليوم التالي مباشرة، كما أصدر رئيس أساقفة باريس أمرا بتحريم تمثيلها أو قراءتها أو مجرد الاستماع إليها.
ناضل موليير خمس سنوات مع القضاة ورجال الكنيسة، حتى حصل عام ١٦٦٧ علي إذن بعرضها، لتتحول مسرحية (تارتيف) إلي أهم مسرحية في دور العرض الفرنسية وتدر عليها دخولا خيالية من كثرة التذاكر التي بيعت وقتها.
لقد تمثلت أسباب منعها في تصوير موليير لرجل بائن النفاق يريد أن يغرر برب أسرة باسم الدين، منتقدا في المسرحية مظاهر التدين الكاذبة التي يتخفي ورائها من لا هم لهم إلا اشباع غرائزهم وملء جيوبهم.
وبرغم من أن موليير لم يهاجم إلا المدعين والمنافقين، إلا أن عاصفة هجوم هوجاء وجهت أسهمها ضده من جانب الكنيسة ومعها الكثيرين ممن عرف عنهم التقوى والورع.
وأقام مهاجمي موليير رأيهم علي أمرين:
- أولا: انه لا يصح للمسرح الهزلي أن يتناول مسائل ذات أهمية وقدسية بالغة مثل الدين.
- ثانيا: أن الهجوم علي المنافقين الادعياء كثيرا ما يتعدى نطاقه ويصل إلي الاتقياء الصالحين.
وقد تزعم جبهة المعارضين لعرض مسرحية "تارتيف" جمعية سرية قوية، كانت تضم كثيرا من رجال الدين، ومن ذوى النفوذ المتدينين، وكانت تعمل علي إحياء التقوى، ومراقبة الأخلاق، واعانة المحتاجين.
سميت هذه الجمعية باسم (مؤامرة الأتقياء)، وقد حمل بعض أعضائها علي كاهله مهمة مطاردة عروض فرقة موليير عموما وليس تارتيف فقط، وكان من أهم أنصار تلك الجمعية أم الملك نفسها، رئيس أساقفة باريس، رئيس قضاة العاصمة، إلا أنه ومع حلول عام ١٦٦٨ كان لويس الرابع عشر قد قضي علي الجمعية تماما، فأنفتح الباب أمام موليير ليمثل تارتيف بحرية.
لقد كانت مسرحية تارتيف سببا في إثارة مناقشات لم تنته بعد حول موليير، وهل كان مؤمنا؟.
شخصيات المسرحية:
=السيدة بيرنيل وهي أم أورجون.
=أورجون وهو رب الأسرة الذي يملك تجارة وثروة، وتميز بالتقوى وحب المتدينين.
=المير، زوجة أورجون.
=داميس، ابن أورجون.
=ماريان، ابنة أورجون، والتي تعشق شابا يسمي فالير.
=كليانت، أخو ألمير زوجة أورجون، وهو رجل عاقل ومفكر.
=تارتيف: الزاهد الدجال.
=دورين: خادمة الأسرة ذات الذكاء الحاد، وتتحلى بروح مرحة.
=السيد لويال: محضر المحكمة.
=الشرطي.
الفصل الأول:
المشهد الأول يبدأ مع السيدة بيرنيل أم أورجون ، التي تنتقد أفراد بيت ابنها واحدا واحدا بلا استثناء.
فهي تنتقد زيارات الكثير من الناس إلي البيت، وتحزم حقائبها لتغادره، وتري أن "تارتيف" علي حق في انتقاده لتلك الزيارات.
ثم تهاجم الخادمة دورين بأنها طويلة اللسان، تتدخل بالرأي في كل شيء، ما يعنيها، وما لا يعنيها.
وتنتقل لحفيدها داميس فتصفه بأنه أحمق، قد تنبأت له من قبل أن يسير في طريق الشباب الضال.
أما حفيدتها ماريان فهي تسير في الخفاء بسيرة تكرهها جدتها كل الكراهية.
ولم يسلم من هجومها الحاد ألمير زوجة ابنها، ولا حتى شقيقها كليانت، أما "تارتيف" فهو رجل الخير الوحيد، الذي يريد ان يهدي الناس إلي سبيل الجنة، ينتهي الفصل بصفعها لخادمتها فليبوت وأمرها لها بالاستيقاظ ومغادرة البيت فورا.
المشهد الثاني، يشهد نقاشا بين كليانت ودورين عن مدى تعلق السيدة بيرنيل، وأبنها أورجون بالرجل الذي يسمي تارتيف، حتى أن أورجون يأتمنه علي كل أسراره، ويدلله ويحتضنه إلي درجة أنه لو كان له عشيقة لما استطاع أن يبذل لها أكثر مما يبذله لتارتيف.
المشهد الثالث يشهد عودة ألمير من توديع ام زوجها السيدة بيرنيل، وطلب من داميس إلي كليانت أن يحدث والده في زواج شقيقته، إذ بدأ يتسرب له الشك أن "تارتيف" يحرض والده علي عدم اتمام زواجها من فالير.
في المشهد الرابع يظهر أورجون للمرة الأولى، حيث يدور بينه وبين الخادمة دورين يسألها عن أحوال المنزل خلال يومين غاب خلالهما.
تخبره دورين بأن سيدتها المير أصيبت بحمى وصداع، فوجدته يسألها عن تارتيف فأخبرته بأن صحته علي أحسن ما يمكن أن يكون، يطفح دهنا وسمنا، متورد البشرة، مزدهر الفم. فيجيبها أورجون بأن تارتيف مسكين.
فحاولت دورين ان تجذب انتباه سيدها أورجون إلي زوجته فأخبرته أنها لم تأكل شيئا في العشاء لشدة الصداع الذي عانت منه، إلا أن أورجون عاد ليسأل عن تارتيف مجددا، فأجابته أنه تناول بتقوى عظيمة حجلتين ونصف فخذ مقطع. فيعيد أورجون القول بأن تارتيف مسكين.
فلم تجد دورين بد من أن تصف معاناة سيدتها المير أكثر، فقالت أنها لم تنم الليل كله بسبب ما عانت من ألم.
لكن أورجون سأل مجددا عن تارتيف، فأخبرته دورين أنه استلقي في فراشه فنام فيه دون قلق حتى اليوم التالى.
أما المشهد الخامس فدار فيه الحوار بين كليانت أخو ألمير، وأورجون.
حاول كليانت تنبيه أورجون أنه في نزوة اسمها "تارتيف"، لكن أورجون صده تماما، ووصفه بأنه قد حوله إلي إنسان جديد تماما، عرف الزهد في كل شيء، وأن ﷲ هو من هداه لاستضافته في بيته بعدما كان بائس الحال في الكنائس.
فلما عارضه كليانت، اتهمه أورجون بأنه يتحدث بأحاديث الملحدين، لكن كليانت يرد عليه بأنه يستطيع التفرقة جيدا بين الزاهد الحقيقي وبين المنافقين والأدعياء.
ثم ينتقل كليانت بالحديث إلي زواج ماريان ابنه أورجون من فالير، والذي قد اتفق معه أورجون من قبل فعلا، لكن أورجون يتنصل من الرد عليه.
الفصل الثاني:
في المشهد الأول منه، يتأكد أورجون من أن أحدا لا يختبيء في الحجرة لينصت لحديثه مع ابنته ماريان، ثم يلقي عليها قنبلة بأن يعرض عليها تارتيف زوجا لها.
المشهد الثاني، نري فيه تدخل دورين في الحديث إلي سيدها أورجون الذي يتهمها بالتجسس، لكنها تتجاهل التهمة وتصف عرض أورجون لابنته بالزواج من تارتيف بأنه خيال محض، وتتعجب بأنه كيف لسيدها أن يكون مجنونا!!.
أما أورجون فيرد عليها بعنف ويصفها بأن لها نفوذا في بيته لا يرتاح له.
المشهدين الثالث والرابع، يجمع بين دورين وماريان وفالير، ويشهد الكثير من الأخذ والجذب بين الثلاثة، إلي ان تنجح دورين في تصفية الأجواء بين العاشقين.
الفصل الثالث:
في المشهد الأول منه، تحاول الخادمة دورين تهدئة ثورة داميس ابن أورجون، وتخبره بأن والده لم يتحدث الإ عن تفكير، وأن الإنسان لا يحقق كل ما يفكر فيه، وأن المسافة طويلة بين المشروع وبين العمل.
المشهد الثاني يظهر فيه تارتيف أخيرا، عندما تدعوه الخادمة دورين للقاء سيدتها المير في الحجرة السفلى لحديث قصير.
في المشهد الثالث، يبدأ تارتيف في محاولة لاغواء المير، مستغلا وجودهما بمفردهما فيخبرها بأنه سعيد لكونه منفردا بها، وانها فرصة سأل ﷲ أن يتحيها له.
ويبدأ تارتيف في دغدغة المير بضم أطراف اناملها، ووضع يده علي ركبتها ليتحسس ردائها، لكن المير تتهرب بذكاء ثم تحدثه في زواجه من ابنتها الذي يريد زوجها اتمامه.
لكن تارتيف يدير الدفة، ويصارحها بأنه يحبها هي وليس ابنتها، معتبرا أنه من الجرأة العظيمة أن يتجاسر علي تقديم قلبه هدية لها، لكن المير تصده، وتساومه علي أن يقنع زوجها باتمام زواج ابنتها ماريان من فالير، وإلا ستخبر زوجها بما دار بينهما.
المشهد الرابع يبدأ بظهور داميس ابن اورجون والذي استمع متلصصا للحوار، ويتوعد تارتيف، بأنه سيخبر والده بما دار، ليتمكن من الانتقام من الخائن تارتيف.
في المشهد الخامس والسادس، يخبر داميس ابيه بما حدث، وتحاول زوجته المير أن تقلل مما حدث وتخبره بأن المرأة تستطيع الدفاع عن نفسها ضد تلك المحاولات... وعندما يتوجه أورجون ليسأل تارتيف عما حدث، ينطلق تارتيف بأداء تمثيلي مبهر يقول فيه أنه أفاق ومجرم.
ينطلي خداع تارتيف علي أورجون ويتهم ابنه داميس بأنه كاذب، وهنا يضغط تارتيف علي أورجون بمزيد من التمثيل، فيزيد من غضب أورجون علي ابنه حتى يأمره بالركوع لتارتيف، فيرفض داميس بل ويسب تارتيف، فيطرده أورجون من المنزل، ويخبره بأنه سيحرمه من تركته وأن عليه لعنة أبيه.
في المشهد السابع يتملك تارتيف تماما من أورجون، ويمثل اكثر فيطلب منه ان يغادر بيته، لكن أورجون يرد برد كالصاعقة، بانه يسمح له من هذه اللحظة أن يكون له صلة دائمة بزوجته، وأنه سيهب له كل ثروته، بأن لا يكون له أي وريث غيره.
وهنا يرد تارتيف: ليكن ما تريد له السماء أن يكون في كل أمر.
الفصل الرابع:
تبدأ أحداث المشهد الأول بمحاولة من كليانت شقيق المير مع تارتيف من أجل أن يقنع أورجون بالصفح عن ابنه داميس، لكن تارتيف يتعلل بأن أسباب ﷲ تأبي ذلك، وأن داميس لو عاد للمنزل، لكان يجب عليه هو أن يغادره.
أما المشهد الثالث فتحاول فيه ماريان ان تثني والدها عن نيته تزويجها من تارتيف، وتتدخل المير زوجته في صف ابنته، وتذكر أورجون بأن تارتيف هذا راودها عن نفسها.
لكن أورجون يكذبها ويقول لها إنها لم تكن متأثرة حتى عندما حكت له ما حدث، فتخبره زوجته بأنها تحب أن تكون المرأة عفيفة في رقة، وأنها لا تناصر أبدا المتصنعات بالتعفف الشديد ، اللائي يدعمن شرفهن بالأظافر والأنياب، ويذهبن إلي حد الشجار العنيف مع الناس لأي كلمة بسيطة تقال لهن، بل إنها تدعو ﷲ أن يحفظها من مثل تلك العفة، وأنها ترغب فضيلة غير شيطانية، إذ تعتقد أن البرود المتحشم في الرفض، لا يقل قوة عن كل هذا في صد القلوب.
ثم تذهب المير لفكرة أن يكون زوجها شاهدا علي عرض تارتيف لها هذه المرة، ويسمع بنفسه كيف سيراودها عن نفسها، ورغم عدم تصديق أورجون أن ذلك قد يحدث إلا أنه وجد نفسه مضطرا لمجاراة زوجته التي دفعت بخادمتها دورين لتجلب لها تارتيف الذي صنعت له الفخ.
في المشهد الرابع، يختبيء أورجون تحت المائدة، وبالفعل يأتي تارتيف، ويبدأ في سماع المير التي تقول انها حاولت منع داميس من اخبار أورجون بما حدث، وذلك لأنها تريد أن تتمتع بحبه لها.
ويبدأ تارتيف في الانزلاق نحو الفخ، لكنه يقول لألمير أنه يشك قليلا في ان يكون حديثها من أجل منع زواجه من ماريان، لذا فهو لن يصدقه إلا اذا صحب هذا الحديث بعض مظاهر الوصال.
فتسأله المير عن كيفية فعل ذلك دون اغضاب السماء التي يذكرها دوما، لكن تارتيف يجيبها بأنه إذا كان المانع فقط هو السماء، فإنه يصحح سوء العمل بنيته "الطاهرة"، وأن الإثم في الخطيئة بين الرجل والمرأة هو اللغط والفضيحة الاجتماعية التي تصحبها، لكن ليس من الأثم أن يكون الأثم في الخفاء.
ترد المير باصطناع الموافقة، وتطلب من تارتيف أن يتأكد من ان زوجها ليس خارج الغرفة.
في المشهد السادس، يخرج أورجون من تحت المائدة ويهم بالهجوم علي تارتيف بعدما انكشفت له حقيقته، إلا أن المير تطلب منه العودة أسفل المائدة، والانتظار ليصبح الأمر واضحا لا شك فيه.
المشهد السابع يخرج فيه أورجون ثائرا علي تارتيف ويطرده من بيته، ويخبره بأنه قد كشفه علي حقيقته، وتكشف المير أنها مثلت كل ما فعلته، لكن المفاجأة أن تارتيف يرد بصفاقة أنه هو صاحب البيت وعلي أورجون أن يخرج منه، متوعدا أورجون بأنه سينتقم منه.
أورجون يخرج من تحت المنضدة ليفاجي تارتيف بأنه سمع كل محاولاته للتغرير بزوجته، Mcleclat، ١٦٨٢، (CC BY-SA 1.0)، Wikimedia commons. |
المشهد الثامن يكشف فيه أورجون لزوجته المير انه وهب تارتيف كل املاكه، وأن إجراءات الهبة قد تمت، لكنه يملك صندوقا قد استودعه عنده، وأن تارتيف لو أخذ هذا الصندوق لأصابتهم كارثة.
الفصل الخامس:
في اول مشهد بالفصل الخامس، يلتقي كليانت بأورجون، ويخبره الأخير بأن الصندوق الذي كان قد اعطاه لتارتيف كأمانة، هو صندوق صاحبه "أرجاس"، وأن ما فيه يتعلق بحياة وثروة صديقه.
وهنا يلومه كليانت لأن تصرفاته جعلت تارتيف يتفوق عليه، بهبته ثروته، وبالصندوق الذي به بعض الأوراق التي كانت تتعلق بمؤامرة ضد الملك شخصيا.
في المشهد الثاني، يعود داميس لمنزل ابيه بعد طرد الخائن تارتيف منه.
المشهد الثالث تعود فيه السيدة بيرنيل لمنزل ابنها أورجون وهي لا تصدق ما قيل عن تارتيف، لكن ابنها أورجون يخبرها أنه شاهد كل شيء بنفسه. ورغم تأكيده لها مرارا وتكرارا أن ما حدث وقع أمامه ولم ينقله إليها أحد، إلا أنها ظلت تتهم أهل بيته بأنهم هم من اتهموا تارتيف لديه.
يتدخل كليانت هنا ليحاول فتح التفكير في كيف سيواجهون تارتيف اذا بدأ يستولي علي ثروة أورجون أو يفشي بسر الصندوق لدي الملك، حتى لو كان الحل حلا وسطا يخرج به تارتيف فائزا ببعض المال.
في المشهد الرابع.. يظهر السيد لوايال والذي يعرف نفسه بأنه رسول من السيد تارتيف، ويلتقي بأورجون ويحدثه بأنه كان خادما لأبيه، ثم يقول أنه محضر أول بالمحكمة، وأنه بفضل ﷲ حمل أعباء الوظيفة لأربعين عاما، وجاء إليه اليوم لينذره بحكم محكمة يقضي بأن يخلي هو وأهل بيته المنزل للسيد تارتيف، ويصفه بأنه رجل خير.
وبرغم تهديدات داميس له بالضرب، ظل السيد لوايال هادئا، وإن هدده بعمل محضر له، وطلب من أورجون أن لا يثير المشاكل، وأخبره أنه سيبيت بصحبة عشرة من الرجال في غير ضجيج أو فضيحة، وأن عليهم من صباح غدا، أن يبادروا في إبداء مهاراتهم في إخلاء المنزل من أقل حاجاتهم شأنا، حتى أدوات المطبخ الصغيرة.
المشهد الخامس، هنا تفيق السيدة بيرنيل من غشاوة تارتيف علي عينيها، وتعترف بأنها ولكأنها وقعت من فوق سحب السماء علي الأرض.
في المشهد السادس، وصل فالير ليخبر أورجون أن تارتيف قد وصل إلي الملك بالصندوق منذ ساعة، وأن الملك قد كلف تارتيف نفسه بأن يصحب شرطي من رجال الملك ويقبضوا علي أورجون بتهمة خيانة الملك، وأنه هنا الآن ومعه ألف قطعة من الذهب، لأنه لايجب أن يضيع الوقت فضربة تارتيف ضربة قاتلة، بل هي من الضربات التي لا تواجه إلا بالفرار والهروب.
المشهد السابع والأخير، يأتي تارتيف ومعه الشرطي، ويمنع أورجون من الهرب، ويخبره بأنه جاء باسم الملك للقبض عليه.
أورجون يتهمه بالخيانة، فيرد تارتيف بأنه يصبر علي كل شئ من أجل ﷲ، وأنه لا ينكر أن أورجون عاونه، لكن خدمة الملك هي واجبه الأول، وأن (العنف العادل) في الواجب المقدس تجاه الملك، يقتل في نفسه كل عرفان للجميل.
وبعد ضجيج من المير، والخادمة دورين، وكليانت، يطلب تارتيف من الشرطي أن ينفذ الأمر الذي تلقاه.
وهنا تحدث المفاجأة بل الصاعقة، إذ يرد الشرطي بأنه يكفي تأجيل، وأن علي تارتيف نفسه أن يتبعه من أجل تنفيذ أمر الملك إلي السجن الذي سوف يقيم هو فيه.
وعندما تسائل تارتيف في هلع عن السبب، أخبره الشرطي بأنه ليس بالذي يستحق أن تشرح له الاسباب.
ويواصل الشرطي حديثه هذه المرة إلي أورجون ليخبره بأن الملك لا يحب الغش، وأن سائر فنون المنافقين لا تخدعه، وأنه يغمر أهل الخير فقط بالتشريف الخالد.
ويكشف الشرطي لأورجون بأن الملك نفذ بنوره الساطع إلي كل ما تحتوى عليه خبايا قلب الخائن تارتيف من خيانة، وأنه كان يعلم حقيقته منذ مدة حيث كان ينتحل أسم آخر، ارتكب به جرائم شنيعة مظلمة تؤلف منها مجلدات في الروايات.
ويضيف أن الملك أمره أن يصطحب تارتيف إلي هنا حتى يري كيف تسير الصفاقة إلي نهاية الشوط، ولينتقم لك منه بواسطتي، ولانتزع أمامك من بين يدي الخائن كل وثائقك التي يدعى السيطرة عليها، وقد غفر لك الملك الجريمة التي أوقعك فيها هروب صاحبك، للاخلاص السابق الذي شهد لك به في تأييد الملك خلال عهد الفتنة.
وتنتهي المسرحية بأن يذهب أورجون إلي الملك ليشكره، ثم يعود ليتمم زواج ماريان من فالير.