كانت الأجواء عادية للغاية، النائب المنتمي لحزب المحافظين البريطاني السير ديفيد أميس، يعقد اجتماعا مفتوحا اعتاد أن يعقده دوما في الجمعة الأولى والثالثة من كل شهر مع عدد من مواطني دائرته الانتخابية في ساوثيند ويست، داخل (كنيسة بلفيرس الميثودية) والتي تنطق أيضا (بلفيرز المعمودية)، والواقعة في منطقة إسيكس، جنوب شرقي إنجلترا.
النائب البريطاني السير ديفيد أميس الذي فقد حياته طعنا بالسكين، Richard Townshend، (CC BY 3.0)، Via Wikimedia commons. |
عند الساعة ١٢،٠٥ بالتوقيت الصيفي البريطاني، والذي يسبق توقيت غرينيتش بساعة واحدة، يتقدم أحد الحضور مقتربا من السير ديفيد أميس، يخفي تحت ملابسه سكينا، وفَجْأةً ينقض عليه طعنا بالسكين عدة طعنات متتالية، ليعم الصريخ والاضطراب المكان، ويسقط النائب مضرجا بدمائه.
سرعان ما تصل الشرطة التي اتصل بها الحضور فورا، ومع حضور المسعفين ورجال الطوارئ أيضا بدأت محاولات إنقاذ السير ديفيد أميس الساقط علي أرض الكنيسة بلا حراك، لكن النائب ذو التسعة وستين عاما توفي في مكان الحادث بسبب الطعنات القاتلة التي سددت إليه.
وقال بن جوليان هارينغتون قائد شرطة إسيكس للصحفيين "لقد توفي بشكل مأساوي في مكان الحادث".
حادث إرهابي:
الشرطة البريطانية اعتبرت مقتل النائب ديفيد أميس "حدثا إرهابيا"، في بيان صدر عن دين هايدون نائب مفوض دائرة شرطة لندن والمنسق الوطني لمكافحة الإرهاب، وفي ذات الوقت أطلقت شرطة مكافحة الإرهاب تحقيقات أولية حول الحوادث.
وكانت الشرطة قد اعتقلت بشكل سريع رجلاً يبلغ من العمر ٢٥ عامًا في مكان الحادث، كما عثرت علي السكين الذي نفذت به الجريمة، لكن لا تزال الدوافع التي أرتكب بها القاتل الذي قيل أنه (يحمل الجنسية البريطانية ، ومن أصل صومالي بحسب صحيفة ديلي تجراف، وقناة سكاي نيوز) جريمته غير واضحة.
وكالة الاستخبارات البريطانية الشهيرة MI5 "إم آي فايف"، والمختصة بالأمن القومي بالمملكة المتحدة، بدأت هي أيضا دعم جهود التحقيقات، وقالت صحيفة (فاينانشال تايمز) البريطانية، إن وكالة إم آي فايف MI5، بحثت بعض العناوين في العاصمة لندن، والمرتبطة بما وصفته (التطرف الإسلامي).
كما قالت شرطة العاصمة لندن إن المؤشرات الأولية التي توصلت لها التحقيقات ترجح وجود "دافع محتمل مرتبط بالتطرف الإسلامي".
وبرغم أن الشرطة قالت أنها (لا تبحث عن مشتبه بهم آخرين)، فإنها قامت بعمليات تفتيش لبعض المنازل في العاصمة لندن.
من المفارقات التي تجدر الإشارة إليها أن النائب الذي قتل طعنا بالسكين، كان علي ما يبدو يشعر بخطورة نفس نوعية الهجمات التي أودت بحياته.
ففي مارس / آذار الماضي أشار ديفيد أميس، تحدث عن حادث طعن يشبه ما تعرض لها، مشيرا إلي أن المجتمع والشرطة والبرلمان يجب عليهم العمل للتأكد من أن حوادث قتل "حمقاء"، لن تتكرر مرة أخرى، لكن السير أميس لم يكن ليدر في خلده أنه سيكون الضحية التالية.
حينها اعتبر أميس أن الاعتداءات التي تستهدف النواب، تبتغي (إفساد التقاليد البريطانية في أن يتمكن الناس من مقابلة نوابهم).
خسارة لبريطانيا:
كثير من البريطانيين ينظرون إلي حادث إغتيال النائب السير ديفيد أميس باعتباره خسارة فادحة لبلادهم.
عرف عن أميس أنه أحد النواب الملتزمين علي مدار خدمته الطويلة، إذ انتخب لأول مرة بالبرلمان البريطاني عام ١٩٨٣، وقيل عنه أيضا أنه كان واحدًا من أكثر الناس لطفًا وودًا، كما كان أحد المهتمين بالعمل الخيري، وساهم مؤخرا في جهود التصدي لفيروس كورونا المستجد COVID-19، كما عرف عن ديفيد أميس اهتمامه بملف الرفق بالحيوانات.
ديفيد أميس، كان قد حصل على لقب «فارس» في قائمة الشرف الرريطانية للعام الجديد لعام ٢٠١٥ تقديراً لخدماته لبلاده في مجال السياسة والشؤون العامة.
وكان آخر نشاط عام قد أعلن عنه السير ديفيد أميس عبر صفحته الرسمية علي موقع تويتر ، هو زياراته لقطر، إذ كان يترأس حتى اغتياله (المجموعة البرلمانية البريطانية - القطرية لجميع الأحزاب) Qatar APPG ، حيث التقي هو وفد رافقه بالأمير تميم بن حمد أمير قطر.
بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، وزعيم حزب المحافظين الذي كان ينتمي إليه ديفيد أميس، عاد فورا من زيارة له بغرب إنجلترا، بعدما إعلن نبأ الهجوم، وقال ناعيا أميس: ((كان ديفيد رجلاً آمن بشدة بهذا البلد ومستقبله، وفقدنا اليوم شخصية رائعة تعمل في مجال العمل العام وصديقاً وزميلاً محبوباً للغاية)).
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون برفقة زعيم المعارضة السير كير ستارمر يقدمون الاحترام للسير ديفيد أميس، تصوير أندرو بارسونز / رقم 10 داونينج ستريت، Flickr، (CC BY-NC-ND 2.0). |
كما سمي رئيس حزب المحافظين السابق إيان دنكان سميث، الحادث بالمروع والصادم.
في غضون ذلك، تم تنكيس الأعلام البريطانية في داوننغ ستريت مقر رئاسة الوزراء البريطاني حدادا علي النائب البريطاني السير ديفيد أميس.
بينما نعته كذلك لجنة تعرف باسم (إيران الحرة)، والتي كان يترأسها أميس، فقالت: "كان السير ديفيد نصيرًا لحقوق الإنسان والديمقراطية في إيران لأكثر من ثلاثة عقود.. لقد تحدث باستمرار عن دعم التطلعات الديمقراطية للشعب الإيراني وحركة المقاومة الإيرانية".
أمن النواب:
فتحت هذه الحادثة الباب علي مصراعيه لمناقشة قضية (أمن النواب البريطاني)، إذ لم يكن ديفيد أميس هو الأول.
ففي عام ٢٠١٠، نجا النائب عن حزب العمال (ستيفن تيمز) من هجوم مماثل في مكتب دائرته الانتخابية.
لكن النائبة عن حزب العمال (جو كوكس)، لم تمتلك نفس حظ زميلها، إذ قضت في إطلاق نار عام ٢٠١٦، قبل عدة أيام فقط من استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
من جانبه، قال رئيس مجلس العموم ليندسي هويل: ((في الايام القادمة، سنحتاج إلى إعادة النظر في أمن النواب)).
وفي نفس الملف، أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، أنها بصدد مراجعة كل الإجراءات الأمنية المتخذة لحماية نواب البرلمان.
الوزيرة باتيل أضافت: (نحن نستفيد من الدروس، ونقوم الآن بمراجعة لكل الإجراءات الأمنية اللازمة لحماية نوابنا، حتى نؤمن سلامة وأمن ٦٠٠ نائب أينما كانوا".