في مقابلتهما اليوم مع صحيفة "لوفيغارو" (Le Figaro) الفرنسية الشهيرة، كشف وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، ووزيرة المواطنة مارلين شيبا، عن مزيد من الإجراءات التي تتخذها الحكومة الفرنسية ضد ما تسميه "الإسلاموية".
مسجد باريس الكبير، Gryffindor، GNU Free Documentation License, Version 1.2، Wikimedia Commons. |
الإسلاموية، مصطلح يستخدم عادة من الحكومات أو الأحزاب أو الجماعات المناهضة للإسلاميين، الذين يحاولون إقامة أنظمة سياسية للحكم أساسها الإسلام، ولكنه أصبح الآن مصطلحا أكثر اتساعا وبلا حدود تقريبا، إذ اصبح مفتاحا للهجوم علي أي شكل من أشكال الإسلام، وحتى الاجتماعية منها، فعلي سبيل المثال تقوم الحكومة الفرنسية بالتضييق على ارتداء بعض أنواع الملابس للسيدات المسلمات، كما تحظر بعض الدول بناء مآذن للمساجد، أو إعلان أذان الصلاة في مواعيدها الخمس.
قطف الثمار:
وزير الداخلية دارمانان، ووزيرة المواطنة شيبا، كلاهما من أشد المعاديين للإسلاموية، وفي ميزان الكثيرين، هما من أشد أعداء الإسلام عموما.
فالرجل ذو الأصول اليهودية المالطية (نسبة إلي مالطا)، والسيدة التي طالبت من أئمة المساجد السماح بزواج المثليين، قالا في لقائهما اليوم أن اجراءتهما ضد الإسلاموية "بدأت تؤتي ثمارها".
ست مساجد، وعشر جميعات، وصفها الوزيران بالراديكالية أعلنا عن بدأ إجراءات إغلاق أبوابها وحلها.
إنها آخر نتائج ما حدث في ٢ أكتوبر / تشرين الأول، عندما شن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هجوما علي ما سماه "الانفصالية الإسلامية"، واعتبر أن ما سيقوم به من إجراءات هو دفاعا عن مباديء الجمهورية الفرنسية.. كما اعتبر ماكرون أن "الإسلام دين يعيش أزمة في كل مكان" علي حد وصفه.
بدا ملحوظا في الحوار الذي أجرته صحيفة "لوفيغارو" ، التعبيرات والمصطلحات المستخدمة فيه إذ قالت تمهيدا للحوار : ((بعد عام من خطاب الرئيس ماكرون، وبينما تحاول "الشريعة" فرض نفسها في المدن المبتلاة بالسلفية، حان الوقت للتقييم)).
كلمات تجعل من يقرأها يشعر وكأن لوفيغارو تتحدث عن أفغانستان أو اليمن، وليس عن فرنسا.
ثم تتابع الصحيفة بقولها أن هذا الموضوع سيكون اليوم محور النقاش في اجتماع مجلس الوزراء الفرنسي، وهو ما قد يكون مستغربا بعض الشيء، خصوصا أن فرنسا لم تفق بعد من أثر الزلزال الذي احدثته أمريكا عندما سرقت صفقة الغواصات الأسترالية منها، وهي الخطوة التي وصفتها باريس بأنها طعنة في الظهر، كلفتها خسارة صفقة قدرت بعض المصادر قيمتها بتسعين مليار دولار أمريكي.
خطة معركة جديدة:
علي ما يبدو ، قررت فرنسا أن تركز في الداخل أكثر، وتبتلع المهانة التي سببتها أمريكا لها، حتى أن صحيفة "لوفيغارو" قالت أن وزير الداخلية جيرالد دارمانان، ووزيرة المواطنة مارلين شيبا، كشف النقاب عما يسميانه "خطة المعركة الجديدة".
التحفز بدا واضحا في أسئلة الصحيفة الفرنسية لدرجة أنها اختارت أن يكون أول سؤال في المقابلة لوزير الداخلية المعروف عنه أنه قد أغلق الكثير من المساجد والجمعيات الإسلامية، هو "ماذا تقول لمن يتهمك بالتراخي في محاربة المساجد الراديكالية؟ ".
جيرالد دارمانان، كان واضحا في اجابته قدر وضوحه حركاته علي أرض الواقع، فأشار إلي أنه لم يسبق لأي حكومة فرنسية من قبل أن اتخذت هذا القدر من الإجراءات ضد الإسلام السياسي -يري الكثيرون أنها ضد الإسلام نفسه كاعتقاد وممارسة-، إذ اغلقت وحلت مساجد وجمعيات خلال أربع سنوات ثلاث مرات أكثر مما حدث في الحكومتين السابقتين مجتمعين.
وزير الداخلية الفرنسي اوضح أن لديهم أيضا ٨٩ من أماكن العبادة الإسلامية مصنفة بأنها أماكن "مشتبه بها"، ومسجلة في قوائم أجهزة الأمن الفرنسية، وإن ثلثها علي الأقل قد خضع للمراقبة منذ نوفمبر / تشرين الثاني العام الماضي ٢٠٢٠.
الوزير جيرالد دارمانان أوضح أن الستة مساجد التي سيتم اغلاقها موزعة علي خمس مقاطعات فرنسية.
وفي استعراض جهود وزارته ضد ما يسميه "الانفصالية الإسلاموية" قال أن أجهزة وزارته قامت منذ عام ٢٠١٧ بتنفيذ نحو ((٢٤ ألف عملية تفتيش، ٦٥٠ عملية إغلاق لأماكن يتردد عليها متطرفون)).
حل الجمعيات:
وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان يصافح عدد من عناصر الشرطة الفرنسية، ٢٩ أبريل ٢٠١٩ ، Jacques Paquier، cc-by-2.0، Wikimedia Commons. |
دارمانان كشف أيضا أن من ضمن خطة معركته الجديدة، سيكون طلبه لحل دار النشر الإسلامية "نوى"، و"رابطة الدفاع السوداء الأفريقية".
"رابطة الدفاع السوداء الأفريقية" هي رابطة ظهرت لأول مرة خلال تظاهرة ضدّ عنف الشرطة نظّمتها في يونيو/ حزيران ٢٠٢٠ أمام سفارة الولايات المتّحدة في باريس.
وزير الداخلية برر إنّه سيطلب حلّها لأنّها "تدعو إلى الكراهية والتمييز العنصري".
لكن جيرالد دارمانان، يتجاهل أن عنف الشرطة الفرنسية هو السبب وراء ظهور تلك الرابطة، وهو في طريقه الذي يسلكه لا يري في أي ما يقوم به هو وحكومته، تمييزا عنصريا ضد المسلمين!!.
هذا يأتي ضمن سياسة العوار أو العين الواحدة التي تري بها فرنسا ماكرون ودارمانان ومارلين شيبا، والتي لا تعتبر الرسوم المسيئة للنبي صلى ﷲ عليه وسلم، والذي يشتعل للاساءة إليه قلب مليار وأربع مائة مليون شخص حول العالم من اتباعه المسلمين، لا تعتبرها إساءة أو تمييزا عنصريا بل "تدخل ضمن نطاق حرية التعبير".
موقف الحكومة الحالية في باريس يتعارض حتى مع المعايير الأوروبية للتعبير عن الرأي، ويتناقض تماما مع حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان القاضي بأن (الاساءة لنبي الإسلام ليست حرية تعبير).
وهو الحكم الصادر في ٢٥ أكتوبر ٢٠١٨، والتي كانت امرأة نمساوية قد أقامت دعوى أمامها ضد حكمين قضائيين صدرا ضدها من المحاكم النمساوية بتغريمها بسبب عقدها ندوات في مقرات لحزب الحرية اليميني النمساوي هاجمت فيها النبي صلى ﷲ عليه وسلم.
حكم أرفع محكمة أوروبية أسست أصلا لتدافع عن حق المواطنين الأوروبيين في التعبير انتهي لانتقاد المحاكم النمساوية لأنها لم تعاقب هذه المرأة النمساوية سوى بالغرامة، بينما رأت أن الإساءة لنبي يؤمن برسالته الكثير من الناس هو فعل يستحق تطبيق عقوبة الحبس بحقها.
أما دار نشر "نوى" الواقعة في آرييج جنوبي فرنسا، فقال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، أنها تحرض علي إبادة اليهود، وتفتي برجم الشواذ.
وضمن إطار خطة المعركة الجديدة قال أنه "في العام المقبل، ستكون هناك ١٠ جمعيات أخرى عرضة لإجراءات الحلّ، بينها أربع جمعيات ابتداءً من الشهر المقبل".
وداخل تفاصيل هذه الخطة أيضا، هناك ما يسمى "عقد الالتزام الجمهوري" المنصوص عليه في قانون مكافحة "الانفصالية"، وهذا العقد يجعل حصول الجمعيات على إعانات من الحكومة الفرنسية رهين بمدى احترامها لقيم الجمهورية الفرنسية، وسيبدأ تنفيذه اعتبارا من يناير / كانون الثاني ٢٠٢٢.
جدير بالذكر أن مجلس الدولة الفرنسي صادق في ٢٤ سبتمبر الجاري على قرار الحكومة الفرنسية حل كل من "التجمع المناهض للإسلاموفوبيا في فرنسا" و"مدينة البركة"، وهو القرار الذي كانت الحكومة قد أصدرته نهاية عام ٢٠٢٠ إثر مقتل المدرّس سامويل باتي علي يد شاب مسلم قام بقطع رأسه، المدرس كان قد قام بعرض الرسوم المسيئة للنبي صلى ﷲ عليه وسلم.