فيما يبدو أنها أصبحت واحدة من متلازمات الأتراك، والمعروف عنهم التعصب وسهولة اللجوء للعنف.
سيارة حطمها أتراك غاضبون اعتقادا منهم أن صاحبها سوري، صورة من منصات التواصل |
قام مئات من المواطنين الأتراك بشن هجمات عنيفة ضد السوريين وممتلكاتهم في أنقرة، عاصمة تركيا وثاني أكبر مدنها بعد إسطنبول.
شرارة الهجمات:
بدأت شرارة الهجمات في وقت متأخر من ليل يوم الأربعاء / صباح الخميس الماضي، عندما نشبت مشاجرة بين بعض الأتراك من جهة، وبعض السوريين من جهة أخرى، أسفرت عن سقوط شاب تركي قتيل يدعي "أميرهان يالتشن" بعدما طعنه أحد السوريين.
القتيل التركي حفز الأمور على التصاعد، خصوصا أنها ليست المرة الأولى التي يتحرش فيها الأتراك بالسوريين اللأجئين في بلادهم، وانطلق الأتراك في هجوم واسع يحطمون سيارات ومحلات تجارية ومنازل مملوكة للسوريين.
تصف سيدة سورية ما حدث لقناة "يورو نيوز" بقولها: ((زوجي شهيد، ولدي أطفال، كان هنالك الكثير من الشرطة والشباب المحتشدين قالوا لي "عودي لسوريا" ... ألقوا الحجارة على نافذتي ..أنا خائفة حقا.. أطفالي ينامون إلى جانب المرحاض أنا وجيراني نجلس وننتظر)).
الشرطة تتدخل:
من جانبها أعلنت الشرطة التركية عن إلقاء القبض علي نحو ٨٠ تركيا، ساهموا في تلك الهجمات، إما بالتشجيع أو بالاشتراك الفعلي.
الشرطة التركية قالت أن المقبوض عليهم (٧٦) شخصا، ساهموا بالتحريض علي الهجمات بين المواطنين الأتراك، وكذلك قاموا ببث معلومات كاذبة علي مواقع التواصل الاجتماعي للتحريض ضد السوريين، ومنهم من اشترك فعليا في الهجمات.
ووفقا لبيانها الذي نقلته عنه وكالة "أ ف ب" فإن ٣٨ شخصا معروفين بارتكابهم أعمال سرقة وضرب واعتداءات وتهريب مخدرات، كانوا من ضمن المشاركين في الهجمات علي السوريين.
وربما تفسر هذه النوعية من المجرمين المشتركين في الاعتداءات قدرتهم علي اختراق أحد الأطواق الأمنية التي فرضتها الشرطة التركية، واندفاعهم لتنفيذ تلك الاعتداءات.
هذا وقد أوردت وكالة أنباء الأناضول الرسمية أنه قد تم توقيف "اثنين من الرعايا الأجانب" ووجهت إليهما تهمة "القتل العمد".
تغريدة من رئيس الهلال الأحمر التركي علي تويتر، يظهر فيها طفل سوري مصاب |
بينما أعلن كرم كنيك، وهو رئيس الهلال الأحمر التركي في حسابه عبر تويتر بأن طفلا سوريا نقل إلي المستشفي عقب إصابته خلال الاعتداءات بحجارة ألقاها الأتراك علي منزل أسرته، وأضاف متسائلا: ((منذ متى أصبح رشق منزل بالحجارة ليلاً جزءاً من عاداتنا؟ اتصل بنا العديد من اللاجئين. إنهم قلقون على سلامة أطفالهم)).
ملف أضخم:
ملف السوريين في تركيا هو أضخم كثيرا مما حدث ليل الأربعاء في أنقرة.
فتركيا التي ساهمت ولا تزال في تأجيج الأوضاع في بلادهم، عبر دعم الجماعات المسلحة هناك، والاستفادة من سلع مهربة من سوريا، يدور فيها حاليا نقاشات حامية الوطيس حول مصير ٣،٦ مليون لاجئ سوري يعيشون في أراضيها.
فمن ارتفاع نسب العداء للسوريين في استطلاعات الرأي التي تجري بين الأتراك، وصولا إلي تعهد (كمال كليشدار أوغلو) زعيم أكبر أحزاب المعارضة التركية بإعادة السوريين إلي وطنهم في غضون سنتين حال ربح الانتخابات المقررة عام ٢٠٢٣، ووصوله للحكم، ومن المفهوم في كل الدنيا أن الأحزاب لا تعد قبل الانتخابات إلا بشيء يعتبر مطلب شعبي أو جماهيري لضمان حصد أصوات الراغبين في حدوثه فعليا.
وسط كل هذا، يبدو أن الشرطة التركية لا تتدخل بشكل حاسم حينما ترتفع الأيادي بالبطش، ففي الاشتباكات الأخيرة علي سبيل المثال، وبحسب ما أورد موقع (سكاي نيوز عربية) من شهود عيان قابلهم فإن الشرطة التركية لم تتدخل إلا بعد مرور ساعتين كاملتين من بدء الهجمات.
نضع بجوار هذه الشهادات، ما صدر عن مكتب محافظ أنقرة تعقيبا علي الهجمات: ((التظاهرات والأحداث التي وقعت في حي ألتنداغ انتهت نتيجة سعة صدر مواطنينا والعمل الشاق لقواتنا الأمنية)). وأضاف أن ((شعبنا مطالب بعدم إضفاء صدقية على الأخبار الاستفزازية والتعليقات)).
فقد يفهم ولو علي مضض الإشارة إلي جهد الشرطة حتى وإن وصلت متأخرة ساعتين، عاث خلالهما المهاجمين الفساد، لكن كيف توصف تصرفات المواطنين الأتراك بسعة الصدر؟. وسعة الصدر كما تعرف في لغات العالم المختلفة، إشارة للصفح والتعامل الطيب مع من لديك معه مشاكل، فكيف يوصف وقف هجمات علي لاجئين بسعة الصدر، خصوصا أنها لم تتوقف إلا بتدخل الشرطة واستخدامها الغازات المسيلة للدموع؟.
ولا ننسي ما حدث في يونيو / تموز الماضي، حينما أعلن رئيس بلدية مدينة بولو التركية، تانجو أوزجان، عن نيته رفع تكاليف فواتير المياه بمقدار عشرة أضعاف للأجانب في المدينة، قاصدا السوريين المنتشرين في المدينة، ما دفع المدعي العام في الولاية إلى فتح تحقيق رسمي بحق أوزجان، بتهم "إساءة استخدام المنصب"، و"الكراهية والتمييز.
من المؤكد اذن أن الترحيب بالسوريين لم يعد موجودا علي نطاق واسع في تركيا، ومن الأهم الآن أن تحاول الحكومة السورية في دمشق أن تتحمل مسؤوليتها تجاه جميع السوريين في الداخل وفي الشتات السوري في الخارج، فعلي الجميع العودة والعمل من أجل سوريا، التي ستحتاج وقتا طويلا حتى تعود إلي ما كان قبل عام ٢٠١١، وإن كانت الخطوة الأولى المفروضة علي الجميع، هي تنحية المصالح الشخصية، ومحاولة حقيقية وصادقة لطي آلام الماضي الذي أخطأ فيه جميع الأطراف.