كثيرة هي الأخبار التي تأتينا من كوريا الشمالية عن القتل والموت وارسال كل مقصر من وجهة نظر الزعيم إلي القبر، لكن النادر -وهو ما حدث هذه المرة- هو الاعتراف الرسمي ومن الزعيم ذاته "كيم جونغ اون" بأن بلاده تمر بأزمة غذاء طاحنة، مصحوبة بارتفاع صاروخي في أسعار السلع الغذائية.
الزعيم النحيف:
الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون |
كيم جونغ اون، الزعيم الكوري الشمالي المتميز ببدانة جسده، بدا أكثر نحافة في أحدث الصور التي التقطت إليه، يتكهن المحللين أن عمق الأزمة خطير إلي حد تأثيره علي الزعيم نفسه، في بلد عرفت تاريخيا منذ عهد والده ومن قبله جده، أن الزعيم هو الرمز الأعلى الذي تسخر من أجله كل خيرات البلاد، كما عرفت تاريخيا أيضا أن كل وسائل إعلامها تغذي الاعتقاد الراسخ بأن "الزعيم" لا يخطئ ولا يعترف بوجود أزمة.
التقارير القادمة من وسط قبضة بعض أكثر الأجهزة الامنية تحفزا وصرامة علي مستوي العالم، تشير إلي أن سعر كيلو الموز وصل الآن إلي ٤٥ دولارا أمريكيا، واذا ما علمنا ان كيلو الموز الواحد به نحو ٧ حبات، فإن هذا يعني ببساطة أن المواطن الكوري الشمالي عليه أن يدفع ما يزيد قليلا عن ٦،٤٠ دولار لكل حبة موز.
في ذات الوقت، تباع علبة البن بمائة دولار، وعلبة الشاي بسبعين دولار أمريكي.
علي ما يبدو فإن قدرة بيونغ يانغ علي مقاومة العقوبات الدولية قد انخفضت بفعل الركود الاقتصادي بسبب أزمة فيروس كورونا، وانخفاض التبادل التجاري مع شريكتها التجارية شبه الوحيدة "الصين"، وما عانته البلد الآسيوية من أعاصير وفيضانات أتت علي كثير من المحاصيل الزراعية.
علي الجهة المقابلة، وفي كوريا الجنوبية، خصم الشماليين الأساسي، تنبأ مركز أبحاث ودراسات في العاصمة "سيول" أن كوريا الشمالية تعاني من نقص في إمدادات الغذاء يصل إلي ما يزيد عن مليون طن "١،٣٥ مليون طن بالتحديد"، وهو رقم مخيف خصوصا اذا ما علمنا أن كوريا الشمالية تحتاج سنويا إلي نحو "٥،٧٥ مليون طن" من إمدادات الغذاء لاطعام شعبها.
تعهد:
السيد كيم جونغ اون، زعيم كوريا الشمالية، تعهد أنه سيحل ازمة الغذاء التي تسببت في جوع مواطنيه، وذلك بعدما اعترف بأن الوضع الغذائي للناس "متوتر ويزداد حدة".
لقاء كيم مع كبار المسؤولين في بيونغ يانغ في صورة غير مؤرخة نشرتها وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية في ٨ حزيران / يونيو. صورة من وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية / عبر رويترز |
فحسب "وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية"، فأنه ومع ختام اجتماع اجراه يوم الجمعة الماضية مع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوري الشمالي، فإن السيد كيم "أقسم رسميا" نيابة عن اللجنة المركزية، بأن الحزب سيتجاوز بكل تأكيد كل الصعوبات التي تعترض طريق "الثورة"، وأنه سيظل مؤمنا ومخلصا للفكرة الثورية حتى النهاية.
لكن البيان لم يكن سعيدا أو مبشرا في ختامه، بالعكس لقد قدم للشعب ما يشبه الإخطار بأن القادم سيكون أصعب بقوله: "بغض النظر عن "الصعوبات الأكثر شدة التي قد تواجهها البلاد في المستقبل".
محاولات السيطرة:
علي الأقل، تريد الحكومة الكورية الشمالية ان تحافظ علي استقرار نسبي في أسعار السلع الأساسية كالوقود والارز، وعلي ما يبدو فإنها ناجحة في ذلك الإطار إلي حد ما. إذ لا تزال أسعار تلك السلع تحافظ علي استقرارها نسبيا.
وفي ذات الوقت، قد تبدو هذه الأزمة حافزا اضافيا لدفع السيد كيم جونغ اون للانخراط في مفاوضات مع الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن.
فوفقا لما يجري حاليا في كوريا الشمالية، يبدو أن الأوضاع إذا ما صحت الأخبار تأخذ منحني يحفل بالغرابة، ففي الشهر الماضي وعلي عهدة "راديو آسيا الحرة"، فلقد طلب من بعض المزارعين الكوريين الشماليين المساهمة برتلين من "بولهم" يوميا لاستخدامها في إنتاج الأسمدة.
لكن وفي وجهة نظر أخرى، تعتقد صحيفة "واشنطن بوست" وهي واحدة من كبريات الصحف الأمريكية أن الوضع في كوريا الشمالية وإن كان مثيرا للقلق فإنه لن يؤدي إلي حدوث مجاعة في جميع أنحاء البلد.
ورغم كل هذا الضجيج القادم من كوريا الشمالية، فإن دعوة السيد "توماس أوجيا كوينتانا"، وهو المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في كوريا الشمالية، التي تقدم بها لمجلس الأمن الدولي الشهر الماضي بإنه ينبغي أن ينظر في رفع العقوبات عن البلاد ، حسبما ذكرت وكالة رويترز، فإن أيا من الدول الكبرى لم تبدي حتى استعدادها لمناقشة ذلك الطلب.
فهل ينتبه العالم لتلك الإشارات القادمة من كوريا الشمالية، وينسي الخلافات السياسية والايدولوجية معها؟ ام سيسمح بتكرار ما يعرف في كوريا الشمالية "بالمسيرة الشاقة" وهو المصطلح الكوري الشمالي الرسمي الذي يشير إلي المجاعة التي اصابت بلادهم مطلع تسعينيات القرن العشرين مع تفكك الاتحاد السوفيتي الذي كان يمنح الكوريين الشماليين وقتها مساعدات غذائية اعتمدوا عليها طوال عقود، ورغم غياب تقدير دقيق عن عدد من لقي حتفه جوعا في تلك السنوات، لكن بعض التقديرات ترجح أن عددهم قد وصل إلي ٣ مليون مواطن كوري شمالي، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".