أحكام توكيل البيع للنفس أو للغير الذي لا يجوز إلغاءه إلا بحضور الطرفين في الشهر العقاري

 في مصر، تلك الدولة التي يزيد عدد سكانها عن ١٠٠ مليون، تجري يوميا أعداد كبيرة من عمليات البيع والشراء والتوكيلات العامة والخاصة في مصلحة الشهر العقاري والتوثيق، والتي تعتبر أحد أهم وأسرع الوسائل القانونية لإتمام عملية البيع سواء تعلقت بمنقول كالسيارات أو الدراجات البخارية، أو تعلقت بعقارات كالأراضي والشقق السكنية والمنازل.. إلخ.

بحضور الطرفين:

واذا كان من الطبيعي، بل من المشترط والواجب الذي لا يتم توثيق التوكيلات إلا به، هو حضور طرفيها عند التوثيق في مصلحة الشهر العقاري والتوثيق.


فإننا نلحظ فكرة وضع اشتراط "أنه لا يجوز إلغاء التوكيل إلا بحضور الطرفين"، وهي فكرة تهدف في الأساس لحماية "المشتري"، من أي تلاعب قد يقوم به "البائع" بعد قبضه لثمن الشيء المبيع، فيذهب بمفرده للشهر العقاري، ويلغي توكيل البيع للمشتري للنفس أو للغير.

لذا يتم وضع هذا الشرط، حتى لا يتم الرجوع في توكيل البيع، إلا بعلم الطرفين، واتفاقهما عليه. لكن هناك بعض التفاصيل الهامة التي تجعل من هذا الشرط وجوبي التطبيق، فلا يمكن لأحد طرفين التوكيل الالتفاف عليه وإلغاءه دون حضور الطرف الثاني.

الوكالة عقد:

وفقا لفتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة الصادرة في ٢٨ فبراير عام ٢٠٠٠، والتي يسير العمل بمقتضاها في مكاتب مصلحة الشهر العقاري والتوثيق حتى اليوم، فإن الوكالة هي عقد، يلتزم بموجبه الوكيل أن يقوم بعمل لحساب الموكل.

وأن الوكالة تنتمي إلي "عقود التراضي". التي تتم قانونا بمجرد تلاقي إرادة الطرفين، "البائع والمشتري في حالة عقد البيع مثلا".

وبالتالي، فإن "التوكيل" لا يصلح للهبة، فإذا اراد شخص أن يهب لشخص أو لجهة ما، جزء من أمواله، فإن التوكيل لا يصلح، ويجب عليه اتخاذ طريق التسجيل الرسمي للهبة.

صياغة هامة:

علي أنه ينبغي الانتباه لنقطة غاية في الأهمية في مقام التوكيلات الخاصة بالبيع للنفس أو للغير، إذ لكي ينطبق عليها هذا الشرط بأنه لا يجوز إلغاءها إلا بحضور الطرفين، فأنه يجب أن يتم تعيين الشيء المباع ووصفه بدقة.

فعلي سبيل المثال لو كان توكيل البيع للنفس أو للغير يتعلق بسيارة، فينبغي تحديد نوعها، والموديل، وسنة الإنتاج، ورقم الرخصة، ورقم الموتور، ورقم الشاسية، واللون.

وأما لو تعلق توكيل البيع للنفس أو للغير بشقة مثلا، يتم تحديد موقعها، وحدودها، والمدينة والمحافظة والحي والشارع الذي تقع فيه، بجانب مساحتها، وطريقة انتقالها لملكية البائع وهو "الموكل" في حالتنا هذه.

لأنه وإن لم يتم تعيين في التوكيل الشيء بصفاته المميزة له، فإنه من الممكن إلغاءه من طرف واحد بدون علم الطرف الثاني أو حضوره حتى وإن كان التوكيل ينص صراحة علي أنه لا يلغي إلا بحضور الطرفين. وذلك إعمالا لنص المادة 701/1 من القانون المدني المصري، التي تجعل من اللازم أن تكون الوكالة واردة علي وجه الخصوص وليست في ألفاظ عامة، وإلا كانت لا تخول للوكيل أي حق سوى حق الإدارة. وبهذا يجوز للموكل في أي وقت أن ينهي الوكالة أو يقيدها ولو وجد اتفاق يخالف ذلك، وهذا ما تنص عليه المادة 715 من القانون المدني في فقرتها الأولى.

حالة الوفاة:

هناك تطبيق آخر يلفت النظر، وهو حالة وفاة أحد طرفي التوكيل.. والأصل أن الوكالة تنتهي بوفاة أحد الطرفين.

لكن هذه القاعدة ليست من "النظام العام"، لذا فإنه من الجائز مخالفتها، ويري المحامون هنا أنه من الأفضل وضمانا لقادم الأيام التي لا يعلم غيبها إلا الله ، أن يتضمن التوكيل الخاص بالبيع للنفس أو للغير أنه ينصرف إلي الخلف العام والخاص لطرفي التوكيل، وذلك بدون الاخلال بالأحكام العامة للميراث. وبذلك يلتزم ورثة طرفي التوكيل به حتى بعد وفاة مورثهم، وذلك ضمن حدود التركة التي تركها لهم كميراث عنه.

نقص أو فقدان الأهلية:

قد يحدث أيضا أن يقوم شخص بعمل توكيل بيع للنفس أو للغير مثلا لمن اشتري منه ودفع له ثمن الشيء، ثم يصاب بفقدان أو نقص في أهليته ((كأن يصاب بالجنون أو العته أو السفة علي سبيل المثال، أو أن يحكم عليه بالحجر))، قبل أن يتمكن المشتري من اتمام عملية البيع ونقل الملكية إليه.

ولقد رأي القضاء في مصر أن العبرة هنا في "أهلية" الموكل وقتما قام بتوكيل الوكيل، وأنه لا أثر لفقدان الموكل أهليته فيما بعد علي ما قام به من تصرفات وهو يتمتع بها، خصوصا أن تلك التصرفات قد أعطت حقوقا للوكيل، لا يجوز سلبها منه لسبب لا يد ولا دخل له فيه.

لكن ينبغي لكي يستمر توكيل البيع للنفس أو للغير حتى في حالة فقدان الموكل لأهليته أو نقصانها، أن يتم النص في التوكيل علي هذا النص الهام للغاية:

((يستمر التوكيل ساريا حتى في حالة وفاة الموكل أو فقدانه لأهليته أو نقصانها)).

الإلغاء بحكم القضاء:

يبقي في النهاية ضرورة الإشارة إلي أن محكمة النقض المصرية قد أقرت مبدأ يجيز إلغاء توكيل البيع بحكم القضاء، ولو نص التوكيل علي عدم جواز إلغاءه إلا بحضور الطرفين، وذلك إذا ما انفسخ عقد البيع الأساسي الذي تم بمقتضاه هذا التوكيل ولم يتم البيع.

وهذا ما ورد في الطعن رقم 4999 لسنة 71 ق، جلسة 9 يونيو 2014، والذي اعتبرت فيه أعلى محكمة مصرية أن التوكيل الخاص بالبيع للنفس أو للغير يدور وجودا وعدما مع عقد البيع ويجوز إلغاؤه إذا لم يكتمل البيع. وذلك يحدث في غالب الأحوال حينما لا يلتزم المشتري بسداد باقي ثمن البيع، ما يجيز للبائع طلب إنهاء تلك الوكالة وفسخ عقد البيع مع رده لما استلمه من أموال دفعها له المشتري.

وبصورة عامة، ينصح المحامون أيضا أن يقوم محامي مختص بإعداد صيغة توكيل البيع للنفس أو للغير، وكذلك بإعداد عقد بيع يشرح في بنوده ما لم ينص عليه في توكيل البيع للنفس أو للغير، وذلك ضمانا لحقوق الطرفين، ومن الناحية الاقتصادية أيضا، فإن اللجوء لمحامي لإعداد التوكيل والعقد سيكلف المشتري والبائع مبلغ أقل كثيرا، مما لو وقعوا في مشكلة ثم اضطروا للجوء لمحامي إذ لن يكون أمامهم من حل إلا رفع دعوى قضائية ستستغرق وقتا أطول بكثير، وسيدفعون أموالا أكثر مما كانوا سيؤدونها للمحامي في بداية الأمر حين إبرام التعاقد.

المعرفة للدراسات
بواسطة : المعرفة للدراسات
المعرفة للدراسات الإستراتيجية والسياسية، هي محاولة عربية جادة لتقديم أهم الأخبار العربية والعالمية مع التركيز علي تحليل مدلولاتها، لكي يقرأ العرب ويفهمون ويدركون. نمتلك في المعرفة للدراسات عددا من أفضل الكتاب العرب في عديد من التخصصات، لنقدم لكم محتوى حصري وفريد من نوعه. facebook twitter
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-