الأحدث

الإمام الطيب في الحلقة ٣٠ والأخيرة... مختارات من أهم ما قاله في حلقات شهر رمضان

 للعام الخامس، يتمتع المسلمون وينتفعون في شهر رمضان المبارك ببرنامج "الإمام الطيب" الخاص بفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف ورئيس مجلس حكماء المسلمين.

وهذا الموضوع يتناول الحلقة الثلاثين والأخيرة من رمضان ١٤٤٢ه‍‍ / ٢٠٢١ م... وندعو ﷲ أن نجتمع جميعا العام القادم وننتفع ونستمتع ونحن نشاهد ونسمع ونقرأ موسم جديد للإمام الطيب.

تمهيد:

بدأت حلقة اليوم، بالإشارة لكونها عبارة عن مختارات من حلقات برنامج الإمام الطيب هذا العام.

صلاحية الشريعة:
يقول الإمام الأكبر: ((يجب أن نذكر منذ البداية أن شريعة القرآن شيء، وما نشأ عن تأملها وتدبرها من فقه ورأي واختلاف في الرأي، شئ آخر)).

والشريعة التي نقصدها حين نقول إنها صالحة لكل زمان ومكان وليس اجتهادات الفقهاء التي قد نحكم علي بعضها بأنها كذلك، وعلي البعض الآخر بأنه مضي وانتهي بانتهاء عصره وأوانه.

شريعة حكمت الدنيا:
ومما قاله الدكتور أحمد الطيب: ((نذكر هؤلاء الساخرين، من فقهنا، وشريعتنا، وجملة تراثنا، بأن يقرأوا تاريخ فتوحات المسلمين، ويقفوا عند أبرز محطاته، ليعلموا أن المسلمين طبقوا وطووا تحت جناحهم أعتى دولتين في الشرق في تاريخ العصور الوسطى، وانتصروا عليهم انتصارا حاسما، وهما دولة الروم البيزنطية في معركة اليرموك عام ١٥ من الهجرة، ودولة الفرس في معركة القادسية في نفس العام.

أي بعد انتقال النبي صلى ﷲ عليه وسلم بأربع سنوات فقط، ولم يمضي عام واحد بعد ذلك، حتى تسلم المسلمون بيت المقدس، ثم انكشفت للمسلمين بعد ذلك، أراضي العراق والشام وإيران وأرمينيا وأذربيجان، وبلاد الأندلس، وأفريقيا مشرقها ومغربها، وإندونيسيا والصين، وغيرها.

فهل فتح المسلمون هذه البلاد، وبقوا فيها حتى اليوم، بشريعة منتهية الصلاحية كما يقولون، أو الصحيح أن يقال إن شريعتهم كانت إلي عهد قريب، هي المصدر الذي يمدهم بالثبات والصمود، حتى وهم في أحلك عصورهم ضعفا وتيها وهوانا علي الأمم)).

مشكلة كسل:

كان شيخ الأزهر قد قال أيضا: ((إن المشكلة، أيها المشاهدون الكرام، ليست في الفقه، ولا في الشريعة، وإنما هي في الكسل الذي أُصيبت به أمتنا، والتشرذم الفكري والثقافي، بل العجز عن استثمار المخزون المعرفي، في أعظم تراث تعرفه البشرية على وجه الأرض، وانتقاء ما يصلح منه لمعالجة قضايانا المعاصرة، والبناء على أصوله ومبادئه في إطار قاعدة "الثابت والمتغير"، التي جاء بها القرآن الكريم، وبينتها السنة المشرفة)).

ثنائية الثوابت والمتغيرات:

وفي حلقة أخرى أوضح رئيس مجلس حكماء المسلمين: ((وهكذا أيها السادة المشاهدون، يمكن إيجاز القول بأن هذه الثنائية الواضحة بين مجال "الثوابت"، ومجال "المتغيرات" التي مكنت تشريعات القرآن من قدرتها علي مواكبة التطور كما مكنت شريعته من قيادة الإمة الإسلامية قرابة ثلاثة عشر قرنا من الزمان، قبل أن تخلي مكانها أو يخلي مكانها لقوانين الغرب، وأن مرونة هذه الشريعة هي التي حفظت حضارة الإسلام وأمدتها ولاتزال تمدها بأسباب المقاومة والصمود حتى يومنا هذا، وبسبب من إعجاز هذه الشريعة، لم تندثر حضارة المسلمين، وتصبح آثرا بعد عين، رغم الضربات الموجعة التي تسدد إليها علي مدى تاريخها الطويل من أبنائها ومن أعدائها علي السواء)).

فوضي الفتاوى:

كما قال صاحب الفضيلة مولانا الإمام الأكبر: ((فليس كل أمر أو نهي، ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة، ورد علي سبيل الوجوب والحرمة، وهذا ما يهمنا بيانه في هذا المقام.

لأن قدرا كبيرا من فوضي الفتاوى المعاصرة، غير المتخصصة علميا واكاديميا، وهذا قيد لابد من ذكره، أقول قدر كبير من هذه الفوضى، مرجعه إلي خلط المستحب بالواجب، والمكروه بالحرام، والاستدلال علي وجوب المستحب بمجرد ورود أمر، وعلي حرمة المكروه، بمجرد ورود نهي.

وأخطر ما في هذا الأمر، هو اقتحام هذا الفقه المعوج، لحياتنا الاجتماعية، وبخاصة الأسرية منها، وما نتج عنه، من فوضي الزواج، وفوضي الطلاق، وترويج مقولة "إن الأصل في الزواج التعدد"، وإن مخالفته مخالفة للسنة.

وكما كان سوء الفهم لمباحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في التشريع الإسلامي، سببا في مزايدات الأراء، والفتاوي المتشددة، وعرض أحكام الشريعة عرضا مدلسا مغشوشا.

وكذلك لعب الجهل بمباحث "النهي" دورا خطيرا في تحويل الإسلام إلى قائمة من الممنوعـات، تحرم على الناس ما أحله ﷲ لهم.

ولو أن المبشرين بهذه المذاهب المشوهة فطنوا لأنظار العلماء فى باب الأمر والنهي فى التراث الأصولى، لأدركوا أنهم يبشرون بإسلام غريب شكلا وموضوعا على إسلام القرآن والسنة وإجماع المسلمين)).

الثابت والمتغير:
الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف ورئيس مجلس حكماء المسلمين قال أيضا: ((تلزم الإشارة إلي عوامل شكلت ما يشبه العوائق علي طريق التجديد، من أهمها، بل أولها هو عدم التفرقة في موضوع التجديد، بين ما هو ثابت في الدين، وما هو متغير.

ونحن لا نمل من تكرار القول، بأن المتغيرات تتسع بطبيعتها لتطبيقات عدة، وصيغ مختلفة، كلها مشروع ما دام يحقق مصلحة معتبرة في موازين الإسلام ولا يصدم مقصدا من مقاصده، وليس بلازم أن تكون صيغة واحدة من، صيغ هذه المتغيرات هي الصيغة المشروعة دون غيرها، فما دام الإطار شرعيا، فليأت المضمون في آية صيغة يتسع لها هذا الإطار.

والمتأمل في بعض الأراء الرائجة، والمناهضة للتجديد الآن، يلاحظ فيها خلطا بين هذين الأمرين، وأن صيغة معينة، من الصيغ الفقهية في العصور الخوالي، اكتسبت شرعية الثبوت وشرعية استبعاد الصيغ الأخرى التي تحقق ذات المقصد، لا لشيء إلا لأن هذه الصيغة كانت على صورة معينة استحسنها نظام اجتماعي معين، ويراد استدعاؤها اليوم، لا لتحقيق منفعة عامة للمسلمين، وإنما لتحقيق مكاسب خاصة فطرية أو فردية.

ومن أمثلة ذلك، أمور كثيرة يشتد فيها الخلاف الآن إلى درجة التحزب والانقسام: كالفتوى بحرمة حلق اللحية، أو فرضية النقاب ووجوبه، أو حرمة القيام للقادم، أو الرأي الذي يروج له اليوم وهو: أن تعدد الزوجات من السنة، أو أن عمل المرأة حرام، أو أن الطلاق بدون دواع ضرورية لا حرج فيه شرعا.

إلي آخر هذه الأمور التي روعيت فيها بيئة عصر ما من العصور، وظروف زمانه ومكانه، ولم يراع فيها المقصد الشرعي العام)).

طبيعة التراث:
شيخ الأزهر الشريف قال في إحدي الحلقات: ((تراثنا ليس كله قادرا علي مواجهات العصر، لكنه أيضا ليس كله بعاجز عن التعامل معها.. وهنا كان تركيز أسلافنا علي الحركة المتجددة التي هي خاصة هذا التراث، والتي تتطلب لاستمرار هذا التراث حيا، مؤثرا فيما حوله، تتطلب إلغاء ‏عناصر وإبقاء عناصر أخرى، واستدعاء عناصر ثالثة ‏من خارجه ‏حسب حاجة المجتمعات الإسلامية ومصلحتها.‏

((فالتجديد الدائم في التراث، هو المنوط به بقاء الإسلام دينا حيا متحركا، ينشر العدل والرحمة والمساواة ‏بين الناس، والتراث حين يتخذ من التجديد أداة ‏أو أسلوبًا يعبر به عن نفسه يشبه التيار الدافق، والنهر السيال الذي ‏‏لا يكف لحظة عن الجريان، أو هكذا يجب أن يكون، وإلا تحول إلى ‏ما يشبه ماء راكدًا آسنًا يضر بأكثر مما يفيد، ‏والذين يظنون أنهم ‏قادرون على مواجهة المستجدات بمجرد استدعاء الأحكام الجاهزة من ‏تراث القرون الماضية، يسيئون- ‏من حيث يدرون أو لا يدرون- ‏لطبيعة هذا التراث العظيم، والتي ما أظن أن تراثًا آخر عرف بها من ‏قبل، وأعني بها ‏القدرة على التحرك لمواكبة الواقع المتجدد عبر خمسة ‏عشر قرنًا، وتنزيل الخطاب الإلهي عليه)).

التيار الوسطي:

في حلقة أخرى أضاف الدكتور الذي حصل علي الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية باريس: ((واذا كان تيار الانغلاق قد اخفق في رسالته، بعدما راهن علي قدرة المسلمين علي العيش والحياة بعد أن يوصدوا أبوابهم في وجه حضارة الغرب وتدفق ثقافته.

بل تراجع بعدما خلف وراءه شبابا أعزل لا يستطيع مواكبة ومواجهة الوافد المكتسح.. وأقول إن كان هذا التيار قد أخفق، فإن تيار المتغربين والحداثيين لم يكن بأحسن حظا من صاحبه، حين أدار هذا التيار ظهره للتراث، ولم يجد حرجا ولا بأسا في السخرية والنيل منه. وكان داعاته كالمغردون خارج السرب، وزادوا المشهد اضطرابا علي اضطراب.

واليوم، لا يخامرنا أدنى شك في أن التيار الوسطى هو الجدير وحده بمهمة التجديد الذي تتطلع إليه الأمة، ونعني به التجديد الذي لا يشوه الدين ولا يلغيه، وإنما يأخذ من كنوزه، ويستضئ بهديه، ويترك ما لا يناسب من أحكامه الفقهية إلي فتراتها التاريخية التي قيلت فيها، وكانت تمثل آن إذ تجديدا استدعاه تغير الظروف والأحوال.

فإن لم يعثر علي ضالته فيه، فعليه أن يجتهد بحكم جديد ينسجم ومقاصد هذا الدين.

-المصادر التي اعتمد عليها الموضوع:
موقع يوتيوب، القناة الرسمية للأزهر الشريف، برنامج الإمام الطيب، الحلقة الثلاثين والأخيرة.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-