كتالونيا .. الكثير من "التاريخ , الاقتصاد , الانفصال , وبرشلونة"

كتالونيا، وتكتب كذلك "كاتالونيا"، و "قطلونية"، هي منطقة تقع شمال شرقي إسبانيا وتأخذ على الخريطة شكل يشبه المثلث.

خريطة إسبانيا، ويظهر بها منطقة كتالونيا باللون الأحمر، Erik Bolstad، CC BY SA 3.0، via SNL.

وهي تشمل أربع مقاطعات هي (جيرونا، برشلونة، تاراغونا، ليدا)، حيث تمثل برشلونة أكبر المدن وعاصمة المقاطعة التي تغطي مساحة 12399 ميل مربع (أي ما يعادل 32113 كيلو متر مربع)، ما يجعلها سادس أكبر منطقة في إسبانيا من حيث المساحة.

ويفصل كتالونيا عن جارتها الشمالية فرنسا سلسلة (جبال البرانس)، ويقع إلي الشمال منها كذلك دولة أندورا. 

فيما يحدها البحر المتوسط من جهة الشرق من المقاطعة التي تضم العديد من الأنهار أبرزها (تير، يوبريجات، إيبرو)، وجميع هذه الأنهار الثلاثة تصب مياهها في البحر الأبيض المتوسط.

جنوبا هناك مقاطعة فالنسيا المتمتعة بالحكم الذاتي، ومن جهة الغرب مقاطعة أراغون وهي أيضا منطقة حكم ذاتي.

نقرأ اليوم قصة كتالونيا، ذات التاريخ العريق، والاقتصاد القوي بقوة صناعية هائلة وقطاع خدمات مستمر في النمو بشكل مستمر وسياحة تجذب إليها الكثيرين، إنها قصة كتالونيا التي تكتم بداخلها حلم الاستقلال عن إسبانيا، وتتحدث بلغتها الخاصة بها هي فقط.

كتالونيا والإسلام:

يرجع تاريخ المنطقة إلي آلاف السنين، إذ كانت واحدة من أولى المناطق الإسبانية التي تخضع لسيطرة الإمبراطورية الرومانية.

ويدور الزمان، ونصل إلي القرن الخامس الميلادي حين احتلها "القوط" الذين ظلوا حكاما لها حتى العام 712.

في ذلك العام بالتحديد وصل (المور) أو موريون، وهو اللفظ المستخدم لوصف العرب والمسلمين في الإندلس.

خريطة الدولة الأموية في الأندلس عام 732، في ذلك الوقت كانت كتالونيا تحت الحكم الإسلامي، EmiratoDeCórdoba910.svg، public domain.

لكن هذا الأمر لا يستمر طويلا، فقط 83 عاما، ففي العام 795، يستطيع الإمبراطور (شارلمان) أن يستعيدها من بين أيديهم مجددا.

ومع حلول العام 1469، عادت مملكة إسبانيا لتصبح دولة موحدة من جديد، وبمرور الوقت بدأت مكانة كتالونيا تتراجع رويدا رويدا.

الإنفصال عن إسبانيا:

لا يمكن أبدا إنكار وجود نزعة لدي الكتالونيين نحو الإنفصال عن إسبانيا، ولديهم أسبابهم الخاصة وراء ذلك.

فهم أولا إحد أكثر أقاليم إسبانيا من ناحية الثراء، هذا يعني ببساطة أنهم سيكونون في رغد من العيش بصورة أكبر إذا ما استقلوا خصوصا أن ثروتهم في هذه الحالة ستكون لهم هم وفقط، وستتوقف إمدادات الأموال التي تدفع بشكل سنوي إلي مدريد، والتي يري جزء كبير من الكاتالونيين أنها أكثر مما تستفيده منطقتهم من مدريد.

كتالونيا أو كاتالونيا هي أيضا المنطقة ذات القدرة والناتج الصناعي الأكبر في إسبانيا، حيث تشتهر بصناعات مثل صناعة المنسوجات وقطع غيار السيارات والإلكترونيات.

اقتصاديا أيضا .. توفر البنية التحتية والخدمات المتطورة التي تتمتع بها كتالونيا نقطة تنافسية هائلة لمصلحتها، تجعلها جاذبة وبشدة لاستثمارات الشركات وتدفقات رؤوس الأموال إليها.

لكن لا يبدو الثراء أو القوة الصناعية أو البنية التحتية المتقدمة سببا وحيدا أو حتى أسبابا تجمعت بمفردها لخلق تلك النزعة.

هناك في كتالونيا لديهم لغتهم الخاصة وثقافة وتاريخ يرجع إلى آلاف السنين، ما يخلق شعورا في نفوس الكثير من سكان الإقليم بأنهم مختلفين عن الإسبان، وأن لهم هوية خاصة بهم فقط.

مشهد بانورامي لمدينة برشلونة عاصمة كتالونيا، Mstyslav Chernov، CC BY-SA 3.0 DEED، via wikimedia commons.

يدعم هذا الشعور أن لهم لغة خاصة، فالمقاطعة لغتها هي –الكاتالونية-، وهي لغة رسمية معترف بها في مملكة إسبانيا، بالطبع إلي جانب الإسبانية كلغة رسمية رئيسية.

بالطبع وقفت إسبانيا والحكومة المركزية في مدريد موقف الرفض التام من هذه النزعة، لما تشكله من خطورة كبيرة عليها من كافة النواحي وخصوصا الاقتصادية كما قلنا، وحتى الاجتماعية والسياسية، إذ تخشي مدريد أن يدفع إنفصال كتالونيا عنها إلي تشجيع أقاليم أخرى فيها للمناداة بإستقلالها وعلى رأسها بالطبع إقليم الباسك.

هذه النزعة الانفصالية عن إسبانيا ليست وليدة اليوم، لقد شهدنا بين عامي 2017 و 2022 مظاهرات حاشدة –خفت حدتها بشكل تدريجي- تنادي بالاستقلال.

لكن الأمر أقدم من ذلك بكثير، وما زال يترك بصماته في كل مكان في كتالونيا.

إذ زرت برشلونة اليوم، ستجد ملعب ناديها الشهير يحمل اسم (الاستاد الأولمبي لويس كومبانس).

لا يزال الاستاد يحمل اسم "لويس كومبانوس" إنه رئيس حكومة كتالونيا المنتخب في العام 1934 وأحد أبرز من حاول إقامة دولة مستقلة عن إسبانيا، فكانت نهايته القتل رميا بالرصاص عام 1940 على يد حكومة الجنرال فرانكو في زمن الحرب الأهلية الإسبانية.

إنه كفاح مرير إذن سالت الدماء من أجله.

تاريخيا، يعتقد أن أول حركة إنفصالية ظهرت في كتالونيا بحلول القرن السابع عشر، وذلك حينما ثارت نزاعات بين كتالونيا من جهة ومملكتي قشتالة وليون من جهة أخرى، وأخذت هذه النزعة تتطور حتى تشكلت (القومية الكاتالونية) بل وأصبحت قوة جادة وفعالة خصوصا بعد عام 1876.

الحكم الذاتي:

علم إقليم كتالونيا، lecreusois، public domain via need pix.

تتمتع كاتالونيا حاليا بالفعل بالحكم الذاتي، وقد أقترب عدد سكانها من ثمانية مليون نسمة، يعيش معظمهم في برشلونة التي تعد ثاني أكبر المدن الإسبانية من حيث عدد السكان وخامس أكبر منطقة حضرية من حيث عدد السكان أيضا لكن على مستوي الاتحاد الأوروبي هذه المرة.

وفي الثلاثين من مايو عام 2024، وفي خطوة أثارت الكثير من الضجيج والجدل حولها، أقر البرلمان الإسباني قانونا يعفو بمقتضاه عن الإنفصاليين في كتالونيا.

بموجب قانون العفو .. سيصبح بمقدور العديد من الانفصاليين الكتالونيين الذين فروا من إسبانيا بعد العام 2017 هربا من الملاحقة القضائية، العودة إلي كتالونيا من جديد بشكل آمن هذه المرة.

في كتالونيا أيضا برلمان خاص هو (برلمان كتالونيا) والذي يمثل سكان المقاطعة ويقومون هم بإنتخاب أعضائه، وله العديد من الاختصاصات شديدة الأهمية مثل حقه في إصدار القوانين التي تسري داخل كتالونيا، علاوة على اختصاصه بالموافقة على الميزانية السنوية للمقاطعة، وإقرار أي ضرائب جديدة تفرض بداخلها.

بجانب كل هذا هناك أيضا حكومة للإقليم.

كل تلك العوامل تتجمع معا، لتشكل ما قد يراه البعض بمثابة جمر تحت الرماد قد يشتعل في أي وقت ليحرك النزعة الانفصالية من جديد نحو التحرر من عرش عائلة بوربون الحاكمة لإسبانيا، تماما كما حدث في عام 2017، ولا تزال آثاره قائمة حتى يومنا هذا.

استفتاء عام 2017:

في الأول من أكتوبر عام 2017، مضى زعماء كاتالونيا المؤيدون للاستقلال قدما في إجراء استفتاء كامل موضوعه الإستقلال عن إسبانيا، استفتاء أعلنت المحكمة الدستورية الإسبانية أنه غير قانوني.

نتائج هذا الاستفتاء جاءت غريبة بعض الشئ.. إذ قال المنظمين له وهم من الانفصاليين أن نسبة الموافقة بلغت 90%.. نسبة كاسحة بكل تأكيد.

اندلعت المظاهرات في أكتوبر 2017 تزامنا مع الإعلان عن استفتاء الاستقلال عن إسبانيا، في الصورة تجمع أمام قسم شرطة تابع للشرطة الوطنية الإسبانية، Directa Youtube video، Audiovisuals: Sònia Calvó i Marta Pérez. Leoboudv.

لكن ما جعل الاستفتاء لا يدفع الأمور قدما أن نسبة المشاركين به كانت 43% فقط وسط مقاطعة الكثيرين له وعلى رأسهم النقابات.

وسط هذه الأجواء وفي السابع والعشرين من نفس الشهر أكتوبر / تشرين الأول 2017، أعلنت الأغلبية البرلمانية في برلمان كتالونيا الاستقلال، وهو الأمر الذي لم ينفذ على أرض الواقع حتى اليوم.

إذ ردت مدريد على الفور باستخدام سلطات الطوارئ المنصوص عليها في المادة 155، وقامت بحل البرلمان وإقالة قادته ودعت إلى إجراء انتخابات مبكرة في 21 ديسمبر/كانون الأول.

السياحة في كتالونيا:

كثيرة هي الأشياء التي تجعل كتالونيا واحدة من أكثر الأماكن الجاذبة للسياح، سواء من خارج إسبانيا أو حتى من الإسبان أنفسهم.

بداية من الشواطئ الرائعة مثل (كوستا برافا) وفنون الطهي التي تشتهر بها المقاطعة، وحتى المباني الرائعة التي صممها مهندسين معماريين لا ينساهم التاريخ مثل (أنطوني غاودي).

في كتالونيا كذلك العديد من المعالم الثقافية الرائعة، وعلى رأسها المباني التاريخية في برشلونة الملقبة باسم ((عاصمة الحداثة)) مثل "قاعة الموسيقي الكاتالانية" و "كاتدرائية ساغردا فاميليا" و "الموقع الاثري المتميز في تاراكو" و "الدير بوبليت" في تاراغونا، وكنائس وادي بوي في ليدا، وكل هذه المواقع مدرجة كمواقع للتراث العالمي من قبل منظمة اليونسكو.

وهكذا تشكل السياحة كذلك جزءا مهما من اقتصاد كتالونيا.

في النهاية .. ما رأيك أنت، هل ستنفصل كتالونيا عن إسبانيا أم أنها ستظل جزء من المملكة الإسبانية؟.