نتناول اليوم منظومة الحرب الإلكترونية (EW) الدفاعية الإسرائيلية الصنع، والتي تحمل اسم العقرب أو Scorpius، والتي تصفها دولة الكيان الصهيوني بأنها تمثل "ثورة في الحرب الإلكترونية".
منظومة العقرب الإسرائيلية Scorpius، بلا صواريخ أو طلقات، ستعتمد على دفقات من الطاقة الكهرومغناطيسية لإيقاف عمل معدات خصومها الإلكترونية. صورة من IAI. |
منظومة العقرب، والتي تنطق أيضًا سكوربيوس Scorpius تستخدم أساسا حزمًا من الطاقة توجهها ضد أهدافها بدلا من الصواريخ أو الرصاص.
المنظومة من إنتاج شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية IAI، والتي تأسست في فترة مبكرة منذ تأسيس الكيان الصهيوني على الأرض العربية المحتلة، وبالتحديد في العام ١٩٥٣، وركزت منتجاتها في الفترة الأولى على معدات الدفاع الجوي، لكنها تعد حاليا واحدة من أكبر شركات إسرائيل المصنعة للسلاح والمصدرة له، في مجالات متعددة كالأسلحة البرية والبحرية والجوية والأمن السيبراني والحرب الإلكترونية ومعدات قوات الأمن. وبرغم تخصيص الشركة حرصت الحكومة الإسرائيلية دوما على امتلاك حصة الأغلبية في الشركة.
منظومة العقرب:
استوحي الإسرائيليين تسمية المنظومة باسم العقرب أو Scorpius باللغة الإنجليزية من برج العقرب وكذلك مجموعة النجوم الساطعة التي تقع بالقرب من مركز مجرة درب التبانة وتحمل ذات الاسم، إنها في علم الفلك كوكبة من البروج التي تقع في السماء الجنوبية بين الميزان والقوس.
نائب رئيس التسويق في شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية IAI قال أنهم اختاروا تسمية النظام بهذا الاسم، لأنه نظام لا يسبب أضرار خارجية ملموسة، لكن لدغته الحقيقية مميتة... وهكذا العقارب في الطبيعة، لا تسبب جروحا كبيرة أو نزيفا، لكن سمها قد يكون قاتلا.
ووفقا لما تم الإعلان عنه، فإن منظومة العقرب أو سكوربيوس Scorpius، هي قطعة سلاح متطورة، ستكون قادرة على التعامل مع مجموعة مختلفة ومتنوعة من التهديدات في أرض المعركة مثل الطائرات بدون طيار والسفن والصواريخ وأنظمة الرادار، وأنظمة الاتصالات.
الطاقة الكهرومغناطيسية:
سلاح منظومة العقرب Scorpius ليس الرصاص أو الصواريخ كما قلنا، بل حزم موجهة من الطاقة الكهرومغناطيسية.
الفكرة الأساسية في أشعة الطاقة الكهرومغناطيسية أن هذه الحزم لا تدمر الهدف بالطريقة التقليدية، بل تدمر أو تعطب الأجهزة الإلكترونية بداخله، وبالتالي يتوقف تماما عن العمل، ستسقط الطائرة والصاروخ بدون خدش، ستتعطل أنظمة الرادار عن العمل تماما، وتنفتح الثغرات في أنظمة الدفاع الجوي، ستتوقف السفن في عرض البحر وتصبح هدفا سهل الاغراق بلا أدني مقاومة... أشياء تتشابه بشدة مع أفلام الخيال العلمي.
لكن المنظومة الإسرائيلية العقرب Scorpius، ستختلف طريقة عملها بعض الشيء عن الفكرة الأساسية، إذ ستعتمد في طريقة عملها على (التشويش) و (التعمية) على تلك المعدات بدلا من تدميرها.
النتيجة النهائية أن منظومة العقرب Scorpius، حتى وإن لن تدمر مكونات أهدافها الإلكترونية لكنها ستعطلها عن أداء مهامها بكفاءة، فتكون النتيجة أن يضل الصاروخ هدفه، ولا يستطيع الرادار أن يرصد الأهداف المعادية، وتتعطل الأنظمة الدفاعية والهجومية على متن السفن.
شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية IAI التي تصنع المنظومة قالت أنها أول منظومة من نوعها في العالم، تستطيع أن تكتشف وتعطل أعداد من هذه التهديدات بشكل جماعي في نفس الوقت ومن على مسافات مختلفة، وليس استهداف كل هدف بمفرده (معظم المنظومات المماثلة الموجودة حاليا يمكنها استهداف هدفين على الأكثر في نفس اللحظة).
المنظومة العقرب Scorpius يمكن وضعها على منصات أسلحة متنوعة، إذ يمكن أن تحملها الطائرات، القطع البحرية، وكذلك تعمل من البر.
الرادار AESA:
تعتمد منظومة العقرب Scorpius الإسرائيلية في عملها على رادار من فئة AESA، يترجم هذا الاختصار باللغة العربية إلى (المصفوفة الممسوحة ضوئيًا إلكترونيًا).
يستطيع رادار منظومة العقرب رصد أكثر من هدف في نفس الوقت، صورة من IAI. |
إنه يشير لأحدث تكنولوجيا مستخدمة في معدات الرادار عالميا، وتتميز أساسا بسرعة البحث عن أهدافها مقارنة بالأنواع السابقة، كما أنها أصعب من حيث إمكانية التشويش على عملها.
من نافلة القول أن إسرائيل استفادت من الولايات المتحدة الأمريكية التي امدتها بالكثير من المعرفة التي مكنتها من معرفة كيف تصنع الرادارات ايسا AESA.. وهو ما يشار إليه باللغة الإنجليزية (Know how)... باختصار علمتها كيف تصنع هذه النوعية من الرادارات.
لكن شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية IAI تملك كذلك مكاتب ومراكز للبحث والتطوير R&D داخل وخارج إسرائيل.
الرادارات من فئة AESA يصنفها الخبراء العسكريين بأنها تغيير في قواعد لعبة رصد الأهداف ، إذ تستطيع بواسطة حاسوب قوي ينظم عملها، اكتشاف الأهداف وتتبعها بشكل مثالي، خصوصا مع التطور المقابل في تقنيات التخفي التي أصبحت معتمدة في السفن والمقاتلات وحتى الأهداف الأرضية.
ستستخدم منظومة العقرب Scorpius إذن هذا الرادار في رصد الأهداف عبر ترددات مختلفة، ومن عدة اتجاهات في ذات اللحظة.
فعندما تحملها طائرة أو سفينة أو حتى حينما توضع على شاحنة مخصصة لها، ستقوم المنظومة بمسح المنطقة المحيطة بها بأكملها بحثًا عن الأهداف، وعندما تعثر عليها ستقوم بإطلاق حزم مركزة من الطيف الكهرومغناطيسي.
هذا الطيف يستطيع بشكل فعال أن يعطل تشغيل العديد من المعدات والأنظمة الهامة، بما في ذلك أجهزة الرادار وأجهزة الاستشعار الإلكترونية والملاحة وأجهزة الاتصالات بالبيانات، مما يعطل حركة وعمل الخصم.
العائلة:
طرحت شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية IAI، منظومتها الجديدة العقرب Scorpius، بعدد من النسخ واسمتهم بعائلة العقرب أو سكوربيوس.
النسخة Scorpius G (ground) هي النسخة الارضية من المنظومة، ويتم تحميلها على عربة مخصصة لها، والتي تستطيع التعامل مع الأهداف البرية والجوية معا، يمكن أن تصنف هذه النسخة أساسا بأنها منظومة للدفاع الجوي. إذ ستصنع ما يشبه (قبة إلكترونية) تحمي القوات البرية التي بداخلها من مجموعة واسعة من التهديدات الجوية.
وسيشار للنسخة البحرية منها باسم Scorpius N، والتي تستطيع أساسا التعامل مع التهديدات في المجال البحري، مثل الصواريخ الكروز المضادة للسفن، والمركبات البحرية صغيرة الحجم غير المأهولة (بدون طاقم) UCAV، ورادارات طائرات الاستطلاع، ما يجعل من هذه النسخة تستطيع توفير حماية فعالة للقطع البحرية المزودة بها.
أما النسخة التي ستحملها الطائرات للدفاع عن نفسها فهي SP (air – self-protection)، وسيتم وضعها داخل بود مخصص لتحمله المقاتلات، وربما نصنفه نحن بأنه البود الدفاعي الذي سيشوش على الصواريخ التي تتجه ضد المقاتلات التي تحمله، كما يمكن وضعه على متن طائرات النقل العسكرية.
المنظومة سكوربيوس النسخة SJ في شكل بود تحمله مقاتلة، صورة من IAI. |
هناك النسخة SJ (air – standoff jammer)، والتي يمكن أن نعتبرها البود الهجومي، فهذه النسخة لن تكتفي بالتشويش على الصواريخ التي تتجه لإصابة الطائرة التي ستحملها، بل ستنتقل لمرحلة جديدة هي التشويش على معدات طائرات الخصم، وتعطيل أجهزتها، كما وتستطيع أداء نفس المهام ضد القوات البرية، وتذكر شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية IAI، أن ذلك يتم (على مدى واسع) لكنها لا تضع أرقاما معينة لمدى عمل المنظومة.
كما تم انتاج نسخة مخصصة لأغراض التدريب تحمل الاسم Scorpius T (training)، وقد تم الكشف عنها في أكتوبر ٢٠٢١، وهي نسخة تستخدم أساسا ليتدرب عليها الطيارين، وبحسب الشركة يمكن لـ Scorpius-T محاكاة مجموعة متنوعة من أنظمة الدفاع الجوي الحديثة ، في وقت واحد، من منصة واحدة، وتصلح أيضًا لتدريبات مقاتلات الجيل الخامس التي حصلت عليها إسرائيل من أمريكا طراز اف-٣٥ F-35 JSF.
جدير بالذكر أن كل هذه الإمكانيات التي أعلنت عنها الشركة المصنعة، وأن منظومة سكوربيوس Scorpius لم تتعرض لاختبار فعلي في ساحة معركة حقيقية من قبل، لذا لا يمكن تقييم كفائتها الفعلية في ساحة القتال.
الشركة المصنعة تقول أن منظومة العقرب، وهي أحدث منظومة إسرائيلية للحرب الإلكترونية ، أصبحت أكثر قدرة على اكتشاف الأهداف المتنوعة، والتعامل معها في آن واحد، من مسافات أبعد كثيرا من أي منظومة حرب إلكترونية سبق لإسرائيل تصنيعها من قبل، لكنها لم تكشف عن مدى عملها.
مفهوم القتل الناعم:
هذه المنظومة تنتمي إلى فئة أسلحة 'soft protection' أو الحماية الناعمة باللغة العربية، والتي تتسم أساسا بكونها أسلحة هجومية لكنها لا ترسل الصواريخ أو الطلقات (المنظومات المسلحة بالصواريخ والطلقات تسمي بأنظمة الحماية الصعبة أو hard-kill system).
وبما إن الجيوش في حروب اليوم تعتمد على العديد من الأنظمة الإلكترونية التي تستخدمها للملاحة والاتصالات والاستشعار والرصد، فإن تعطيل هذه الأنظمة يفقد القوات الكثير من إمكانياتها في ساحة المعركة.
ووفقا للشركة المصنعة أيضًا، فإن منظومة العقرب Scorpius، تتمتع بميزة لا تتوافر في العديد من الأنظمة المماثلة لها والتي تصنع في عدد من الدول مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا.
تتمثل هذه الميزة باختصار في أن الحزم الكهرومغناطيسية التي تطلقها تستهدف أهداف محددة بالذات، ولا تؤثر على القوات الصديقة التي تتواجد بالقرب من الأهداف المعادية.
لنضرب مثالا توضيحيا لهذه الميزة، لنفترض مثلا أن هناك في ساحة المعركة عدد من الطائرات دون طيار UAV بعضها معادي للمنظومة التي تعمل بالطاقة الكهرومغناطيسية وبعضها صديق.
المنظومات المماثلة ستقوم بإطلاق حزم الطاقة الكهرومغناطيسية بشكل غير مركز على الطائرات المعادية، مما قد يصيب الطائرات الصديقة أيضا، يقول الإسرائيليين ان منظومة العقرب SCORPIUS تستطيع استهداف أهدافها فقط بشكل دقيق ومركز، دون إلحاق الضرر بالطائرات الصديقة.
لا يعرف على وجه الدقة موعد دخول النظام الجديد الخدمة في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، في حين ذكرت تقارير إعلامية أن منظومة سكوربيوس كان "أول ظهور عملي لها" خلال تدريبات "العلم الأزرق" لسلاح الجو الإسرائيلي في أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢١، كما أعلنت شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية IAI، أن النسخة المستخدمة في هذه التدريبات كانت هي النسخة التدريبية Scorpius-T.
فلسفة عسكرية:
شكل تخيلي لسفينة تحمل منظومة العقرب وكأنها محاطة بفقاعة تحميها من الصواريخ، صورة من IAI. |
في الختام، فإن منظومة العقرب Scorpius سكوربيوس تعد امتدادا للفلسفة العسكرية الإسرائيلية المستقرة منذ عقود، والتي تعتمد في جوهرها على امتلاك التفوق التكنولوجي في الميدان، وحرمان خصومها من الاستفادة من تلك القدرات، ما يؤدي في النهاية لحصولها على السيادة في أرض المعركة.
في الفلسفة العسكرية لا يمكن كذلك إغفال البعد الاقتصادي، وتكلفة امتلاك ذات القدرة، إذا كان هناك أكثر من وسيلة لامتلاكها، وسيؤديان نفس المهمة بنفس درجة الكفاءة، فإن العامل المرجح هنا سيكون تكلفة كل نظام.
ومع الارتفاع الكبير في أسعار الصواريخ، والتي تصبح باهظة الثمن كلما امتلكت قدرات توجيه وإصابة عالية الدقة، فإن منظومة العقرب الإسرائيلية Scorpius تعد الخيار الأرخص، إذ ستوفر ثمن الصواريخ والطلقات، وستزيد على ذلك أنها وفي القتال الفعلي لن تتعرض للخطر الشهير المتعلق بنفاذ الذخيرة، ولن يضطر طاقمها للتوفير في إستهداف أي هدف، مثلما يحدث أحيانا مع أطقم المنظومات المسلحة.
كل ذلك، يرفع في النهاية من احتمالية تصدير هذه المنظومة للخارج، وهو ما كشف عنه مسؤول بارز في شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية IAI لمجلة فوربس الأمريكية ، في تصريحه لها الذي قال فيه أن المنظومة تم تصديرها بالفعل لما سماه ((عدد من العملاء البارزين)).