"سيد غورباتشوف أهدم هذا الجدار" .. خطاب الرئيس ريغان أمام جدار برلين.. الأشهر في الحرب الباردة ومهد لسقوط الاتحاد السوفيتي

في الثاني عشر من حزيران / يونيو عام 1987، وقف الرئيس الأمريكي حينها "ريغان" ليلقي خطابا أمام الجماهير المحتشدة عند "بوابة براندنبورغ" في برلين الغربية. 

سيسجل التاريخ ذلك الخطاب، وسيتوقف عنده طويلا، خصوصا تلك اللحظة الحماسية التي وقف فيها الرئيس ريغان ليقول: ((Mr. Gorbachev, tear down this wall)) أو ((سيد جورباتشوف أهدم هذا الجدار)).

الرئيس الأمريكي ريغان في خطابه التاريخي عند بوابة براندنبورغ في برلين الغربية، 6 ديسمبر 1987، public domain، Reagan White House Photographs, via wikimedia commons.

لكن لفهم الخطاب الذي سمي بـ (خطاب جدار برلين) وكذلك بـ (خطاب سيد غورباتشوف اهدم هذا الجدار) .. وحتى ندرك تأثيراته بشكل كامل، علينا أن نستعيد القصة من بدايتها.

ألمانيا المقسمة:

كان العام 1945 عام نهاية الحرب العالمية الثانية، انهزم الألمان ودول المحور كلها أمام الحلفاء. 

ألمانيا نفسها لم تعد كما كانت، فلم تتحرر عنها الدول التي احتلتها حين شنت هجماتها الخاطفة بالمدرعات والطيران مع بداية المعارك عام 1939 فحسب، بل إن ألمانيا نفسها تم تقسيمها.

إلي أربع قطع تم التقسيم، قطعة للاتحاد السوفيتي، قطعة للولايات المتحدة، قطعة لبريطانيا، وقطعة رابعة لفرنسا التي وللمفارقة كانت نفسها قد تم احتلالها من قبل الألمان في بداية الحرب.

فترة ما بعد الحرب:

شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تحول تلك القطع إلي دولتين هما "ألمانيا الديمقراطية" وكانت تدين بالولاء للكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفيتي، و "ألمانيا الاتحادية" التي اتخذت من الغرب حليفا وداعما.

وبينما تمكنت ألمانيا الاتحادية من اتخاذ خطوات ثابتة نحو الرفاهية الاقتصادية والحرية السياسية لمواطنيها، فإن ألمانيا الديمقراطية عانت من نقص السلع، والقبضة الحديدية للأجهزة الأمنية السوفيتية علي المواطنين.

حتى وصلنا إلي عام 1961 الذي شهدت فيه برلين هروب أكثر من 30.000 مواطن من ألمانيا الشرقية "الديمقراطية" إلي ألمانيا الاتحادية عبر برلين التي كانت الحدود فيها مفتوحة، وفي الشهر التالي مباشرة ازداد الرقم إلي 40.000. لذا وفي ليلة 12 / 13 من شهر آب/أغسطس.

لم يكن من المقبول أبدا استمرار حالة الفرار الجماعي للمواطنين من ألمانيا الشرقية إلي الغربية، كان ذلك دليلا عمليا على إختيار الإنسان العيش في دولة ذات نظام غربي، في أوج الحرب الباردة، كان ذلك بمثابة علامة على أن الإنسان الحر لن يفضل العيش في نظم الحكم الشيوعية، لذا سرعان ما صدر القرار بقطع الطرق المفتوحة بين شطري برلين.

كما قامت دولة ألمانيا الديمقراطية ببناء جدار برلين لمنع سكانها من الهرب نحو حلمهم بحياة أفضل، وبالتحديد العمال والحرفيين المهرة وكذلك المثقفين، لما مثلته تلك الحالة من الرغبة من الهرب من ألمانيا الشرقية، وكما قلنا من إحراج كبير لهذه الدولة ونظامها السياسي، قد يؤدي إلي انهيارها.

ولقد كان جدار برلين مانعا فعلا من انهيارها لحوالي 3 عقود، قبل أن ينهار هو ذاته وينتهي معه كل شيء، في دليل أبقاه التاريخ لكل النظم التي تحكم مواطنيها بأجهزة الأمن والقبضة الحديدية، أنه قد يضمن لها هذا الأسلوب أن تعيش لمدة أطول، لكن في النهاية لابد من أن يعيش الإنسان كما خلقه الله، سيدا وحرا.

سيد غورباتشوف:

أصر ريغان على مخاطبة الرئيس السوفيتي وقتها "غورباتشوف" وبطريقة حماسية سجلتها عدسات الكاميرات قال له: "سيد غورباتشوف اهدم هذا الجدار"، White House Photographic Collection، public domain, via wikimedia commons.

نعود هنا للسيد ريغان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وخطابه الشهير الذي تزامن مع الاحتفال بالذكرى الـ 750 لتأسيس مدينة برلين، وكانت ملكة بريطانيا حينذاك (إليزابيث الثانية) قد زارت المدينة بالفعل للمشاركة في تلك الاحتفالات، وكان من المقرر أن يأتي ميخائيل غورباتشوف بعد ذلك بعدة أيام، كان الجميع يريد أن يأتي ليترك بصمته.

ريغان والذي كان ثاني رئيس أمريكي يزور المدينة بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها (سبقه في ذلك سلفه كيندي) استطاع بذكاء استغلال تلك الفرصة، ووقف مخاطبا الأمين العام للحزب الشيوعي بالاتحاد السوفيتي "وهو منصب يعادل رئيس الدولة" في أهم جزء من خطابه وأكثره خطورة على الإطلاق.

يومها قال ريغان:

“يا سيد غورباتشوف، افتح هذه البوابة. يا سيد غورباتشوف، اهدم هذا الجدار.!”

ربط ريغان في خطابه بين هدم الجدار وبين الحرية، بين الرخاء الاقتصادي للاتحاد السوفيتي وهدم الجدار، بين السلام وهدم الجدار.. والأهم من ذلك كله كان يمارس ضغطا علي غورباتشوف ليظهره بمظهر من في يده فعل كل ذلك فقط بهدم الجدار.

وفقا للوثائق الأمريكية كان كبار مستشارين الرئيس يعارضونه في أن يقف في تحدي صريح ضد غورباتشوف، لكن ريغان صمم أن يحتوى خطابه على كلاما صريحا وموجها لغورباتشوف.

سيتضح فيما بعد أن وجهة نظر الرئيس ريغان كانت هي الأكثر صوابا، وشكل خطابه عند وبالتحديد كلمة "سيد غورباتشوف .. اهدم هذا الجدار"، نقطة تحول درامية في مسار الحرب الباردة.

وكان مما قاله يومها أيضا:

الورقة العاشرة من خطاب الرئيس ريغان في برلين، وفيها الجملة الأكثر شهرة (سيد غورباتشوف اهدم هذا الجدار)، The White House، Public domain via Wikimedia Commons.

"يقف خلفي جدار يطوق المناطق الحرة من هذه المدينة، ويمثل جزءا من نظام واسع من الحواجز التي تقسم قارة أوروبا بأكملها. ما دامت هذه البوابة مغلقة، ما دام هذا الجدار (...) مسموحا له بالوقوف، فإن الحرية الألمانية ليست وحدها محل شك، بل الحرية للبشرية كلها".

لقد عكست تلك الكلمات إدراك الرئيس الأمريكي ريغان والكثير من أفراد إدارته أن الناس في ألمانيا الشرقية انفسهم هم سيلتقطوا تلك الكلمات ليبدأو الضغط على حكومتهم وعلى الاتحاد السوفيتي من خلفها من أجل تحقيق حلمهم بإزالة الحواجز التي تفصلهم عن الغرب.

والحق يقال لقد كان رهانا ناجحا، أثبت صحة التحليل الذي توصل إليه الرئيس ريغان من أن الإتحاد السوفيتي يومها اضعف من أن يقف أمام الناس كما حدث في مطلع الستينيات.

هدم الجدار:

وهكذا وفي التاسع من تشرين الأول / أكتوبر 1989، وبعد ما يزيد قليلا عن عامين من خطاب ريغان، لم يعد الألمان يطيقون صبرا ليعودوا موحدين، انطلقوا جميعا من الشرق والغرب يحملون المطارق الثقيلة نحو جدار برلين الذي ظل فاصلا بينهما لأكثر من ثلاثين عاما.

لقد تحرك هؤلاء وهم يعلمون حقيقة أن ألمانيا الشرقية كانت في ذلك التاريخ لا يزال بها أكثر من 300 ألف جندي سوفيتي وأكثر من 12 ألف دبابة وعربة مدرعة، لكن وكما قلنا إن القوة قد تطيل عمر الأنظمة الديكتاتورية أو الشمولية أو غير الديمقراطية أحيانا، لكنها لا تحميها للأبد.

في صباح اليوم التالي عقد الزعيم السوفيتي الأخير "غورباتشوف" اجتماعا للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، وهي أهم سلطة في الاتحاد السوفيتي، ورغم أن بعض المجتمعين كان لهم في البداية مواقف صارمة تطالب بتحريك القوات وإنزال الدبابات للشوارع .. لكن في النهاية قرر المجتمعون أن قرار كهذا سيكون له عواقب وخيمة وسيؤدي في النهاية إلي كارثة، لذا تم التراجع عنه.

انهدم الجدار، وعادت ألمانيا حرة موحدة من جديد.. وأثبت الإنسان أنه في أصله (حر).

المعلومات الواردة بالموضوع، تم الاعتماد فيها علي المصادر التالية:

*موقع "شير أمريكا" الذي يشرف عليه مكتب الشؤون العامة العالمية بوزارة الخارجية الأميركية.

*راديو سوا.

*الموقع الرسمي للجيش اللبناني.

*صحيفة الشرق الأوسط.

*دتش ويلا عربي.

القانون في الخليج
القانون في الخليج
القانون في الخليج هي منصة إلكترونية صنعت خصيصا للتوفير المعلومات القانونية الدقيقة والموثوقة لكافة العاملين بالقانون وحتى الأفراد العاديين في دول الخليج العربي. إذا كنت إستاذا في القانون، قاضيا، محاميا، أو حتى قارئ عادي فستوفر لك القانون في الخليج المعلومة القانونية التي تحتاجها وفورا.
تعليقات