منذ عدة أيام، بدأ مرض "الفطر الاسود" يتردد صداه بقوة، أحاديث في وسائل الإعلام المختلفة، بيان من وزارة الصحة، وعدد من المصابين، وكثير من الكلام علي مواقع التواصل الاجتماعي، لم يخلو طبعا من الشائعات.
طبيب يرعي مصاب بالفطر الأسود، صورة من مستشفي في جبلبور في الهند بتاريخ ٢٠ مايو الجاري، حقوق الصورة لوكالة الأنباء الفرنسية.
كل هذا يدفعنا للحديث في تقرير شامل بعيدا عن التهويل أو التهوين، عن هذا المرض الفطري النادر، الذي ربما لم يسمع به غالبية المصريين قبل هذه الأيام.
توغل في الهند:
وبشكل عام، فرغم انتشار فيروس كورونا المستجد كوفيد-١٩ في أرجاء العالم منذ اكتشاف حالاته الأولى في مدينة ووهان الصينية في ديسمبر ٢٠١٩، فإن العالم لم يتعامل مع مرض "الفطر الأسود"، كأحد الأمراض المرتبطة بالفيروس أو المصاحبة له في بعض الأحيان أو التي تصيب المريض حتى بعد شفائه من الكورونا، إلا منذ التفشي الكبير للأخير للمرض في الهند، حيث تسبب في مقتل ٣٠٠ شخص واصيب به أكثر من ١٢ ألف مصاب... وهي نسبة أقل كثيرا مما يقوله الاطباء حول أن الفطر الأسود قد يقتل أحيانا نحو ٢٠ : ٥٠ ٪ ممن يصابون به.
فمنذ منتصف أبريل الماضي. لاحظ الأطباء في الهند أن المرضي يصلون وهم يعانون من أعراض لم يرونها من قبل منذ بدء وباء كوفيد-١٩، فلم يكن الناس يعانون من ضيق التنفس والحمى فقط، بل من الآلام والضغط خلف عظام الوجنتين وحول أعينهم، وافرازات من أنوفهم.
كانت تلك الدفعة الأولى من مصابي الفطر الأسود في الهند، ونذير لما ستغرق فيه الهند بعد أيام.. وباء داخل وباء، فطر أسود في قلب الكورونا.
الفطر الأسود:
ويسمى علميا ايضا بالفطر العفني، أو فطر الغشاء المخاطي... وهو عدوي "نادرة" الحدوث بالأصل، لكنها وجدت طريقها للانتشار مدفوعة بتأثر المجتمعات والاشخاص بكوفيد-١٩.
زاد الخوف من هذا المرض مع توسع انتشاره مؤخرا في الهند، وخصوصا أنه قد أدي لوفاة نسبة من المصابين به، وفي حالات أخرى كان لابد من إزالة عظم الفك أو العين، حتى لا يتوغل الفطر نحو الدماغ.
خلايا الفطر الأسود تحت الميكرسكوب، حقوق الصورة لصور غيتي.
لكنه ليس مرتبط بالهند فقط، فالفطر الأسود ناتج أصلا عن "العفن المخاطي" الذي يتواجد في البيئات الرطبة، مثل التربة أو الأسمدة أو المواد العضوية المتحللة أو الخشب أو الاوراق أو الفواكة والخضروات المصابة بالعفن المخاطي، وبالتالي فإن ملامسة الإنسان لتربة او سماد أو مادة عضوية متحللة مصابة بالفطر الأسود تنقله إليه.
وبدرجة أقل كثيرا تصل لحد الندرة، قد يصيب الإنسان عن طريق استنشاقه إذا كان متطايرا في الهواء، لكن هذا الاحتمال كما قلنا نادر جدا، ولا يثير القلق.
الفطر الأسود لحسن الحظ ليس مرضا معديا، فلا ينتقل من شخص لشخص آخر. لكنه صعد علي السطح نتيجة توغل فيروس كورونا المستجد كوفيد-١٩، فبعد صراع الجسم مع كورونا، تقل قوة مناعته، ومن هنا يجد الفطر الأسود الثغرة التي ينفذ ويتوغل من خلالها.
علاقته بكورونا:
لكي نفهم تلك العلاقة بين المرضين، بشكل اكثر دقة من الناحية العلمية، فإننا نعرف بالطبع أن مريض كورونا يخضع لتناول أنواع متعددة من الادوية لعلاجه، منها الادوية المضادة للالتهابات، وهذه ادوية تثبط من عمل الجهاز المناعي للإنسان كي تمنعه من القيام بهجوم مدمر للفيروس وللجسم معا.
هناك أيضا في قائمة علاجات مرض كورونا، بعض الأدوية التي تحتوي علي مركب يسمي "الستيرويدات"، وهي مركبات تساعد في إنقاذ أرواح مرضي كورونا، كونها علاجا فعالا ورخيصا لتخفيف الالتهاب الرئوي الحاد الذي يتعرض له مصابين كورونا، لكنها في الوقت ذاته، تجعله أكثر عرضة للهجوم من قبل أي بيكتريا أو فطريات موجودة علي أجسامهم أو في بيئتهم المحيطة، والتي لو كان جهازهم المناعي بصورته الطبيعية، لتغلب عليها، ولما استطاعت من ضرب الجسد هذه الضربات المؤلمة بشدة.
في الأيام العادية، يقوم جهازنا التنفسي والرئتين بمقاومة تلك الفطريات وطردها، لكننا لا ننسي كذلك أن مصاب الكورونا يتعرض نتيجة اصابته بالفيروس التاجي، لأضرار تصيب رئتيه، بالتالي فهو كمن تعرض لضربتين.
الضربة الأولى أن الجهاز التنفسي والرئتين انخفضت قدراتهم علي تطهير الجسم من الفطريات بصورة طبيعية، والضربة الثانية أن الجهاز المناعي انخفضت قدراته أصلا نتيجة الادوية.
طريقة مهاجمته للجسم:
الفطر الأسود يتحرك بشكل سريع داخل جسم المصاب، يهاجم الأنف والفك والعينين وقد يمتد ليصل إلي الدماغ. لايقاف هجومه الشرس هذا، يحتاج المرضي للخضوع لجراحة لازالته، وهنا أشر الآثار الناتجة عنه، قد يضطر الأطباء لازالة العين ذاتها لحفظ حياة المصاب.
غرف العناية المركزة لمرضي كورونا، ينبغي تنظيف الأغطية بها بشكل كامل وتغييرها باستمرار مع الاهتمام بتنظيف أجهزة التكييف، وذلك لمنع الفطر الأسود من الانتشار، حقوق الصورة لصور غيتي.
التشخيص المبكر للمرض، قد يساعد في عدم حاجة المريض للخضوع لعملية جراحية، ويقول الأطباء أن الفطر الأسود يمكن علاجه بحقن مضادة للفطريات مثل "أمفوتيريسين ب"، لكن من فضلك لا تستخدم أي نوع دواء إلا بإشراف الطبيب، لأنه قد يؤذيك إن لم تكن مصابا بمرض يحتاج لهذا العلاج، كما قد يؤدي لنقص كمياته في الصيدليات والمستشفيات ما يمنع المرضي المحتاجين له فعلا من الوصول إليه، وهذا هو الوضع بالفعل حاليا في الهند، والأكثر خطرا أن يؤدي هذا إلي مقاومة الفطر الأسود للعلاج نتيجة سوء استخدامه، فيصبح دواءا غير مجدي.
هذا، ولا ينبغي اغفال أن حتى مع هذه الحقن، فإن رحلة العلاج ستكون صعبة، مريرة، وطويلة قد تمتد إلي ثمانية أسابيع، وقد يحتاج المريض لأنواع مضادات فطريات أغلي في السعر، ما يجعلها ايضا رحلة علاج مكلفة ماليا.
خصوصا انه وفقا لموقع "الباحثون الامريكيون" فإن أفضل نوع دواء يستطيع مواجهة الفطر الأسود قد يصل سعره إلي ٤١٠ دولار في اليوم الواحد. وهو مبلغ كارثي للكثير من الطبقات الاجتماعية. وإن كان هناك نوع أقل تكلفة يصل سعره إلي ٤٨ دولار يوميا.
يحتاج المريض في هذه الحالة، لأخذ الدواء عن طريق حقن في الوريد، وسيكون في معظم الأحيان من الواجب دخوله المستشفى لمراقبة وظائف الكليتين بشكل دقيق.
لكن المشكلة الأساسية هنا، أنه قد يكون من الصعب أصلا كشف الاصابة بمرض الفطر الأسود في مرحلة مبكرة منه، كما انه لا يوجد إختبار أو تحليل للدم يمكنه الكشف عن إصابة الجسم به من عدمه.
يحتاج الأطباء لأخذ "خزعة" وهي عينة من خلايا أو نسيج الإنسان، ويتم تحليلها في المختبر، وقد يتم احيانا إجراء فحص بالاشعة المقطعية.
الطب الوقائي:
إدارة الطب الوقائي، بوزارة الصحة المصرية اعدت تقريرا تناول مرض الفطر الأسود.
التقرير عرف المرض بأنه مرض يصيب الإنسان "كنتيجة" لتدهور مستوي جهاز المناعة بالجسم. ويصاب الإنسان به عن طريق الاستنشاق أو التلامس أو البلع.
التقرير حدد مواضع الإصابة في:
*الاغشية المخاطية المبطنة للجيوب الأنفية.
*الأنف.
*العينين.
*الفم أو الأسنان.
*عظام الوجه.
وأن أعراضه تختلف حسب مكان نمو الفطر، وتتمثل في:
*الحمى.
*السعال.
*ضيق في التنفس.
*الإسهال.
*تورم في جانب الوجه.
*صداع.
*احتقان الجيوب الأنفية.
*آلام بالبطن.
*قئ.
*غثيان.
*نزيف بالجهاز الهضمي.
ومع حدوث تدهور في الحالة المصابة، قد تصيب الفطريات الرئتين أو الجهاز الهضمي أو الأوعية الدموية، وفي حالة ما اذا كان الجسم به جرح أو حرق، فإن الفطريات أيضا تستطيع مهاجمة تلك المناطق.
ارتفاع خطر الإصابة:
للأسف، فإن مرضي السكر هم الأكثر عرضة للأصابة بالفطر الأسود، ومعهم المرضي المصابين بالسرطان والمتعافين منه وهم كذلك من فئة المرضي الذين أضعفت الأدوية مناعتهم الطبيعية، وكذلك مرضي نقص المناعة المكتسب "الإيدز" الذين يعانون أساسا من انهيار أجهزتهم المناعية. هذا بجانب الذين خضعوا لنقل أعضاء منذ مدة قريبة، ومدمني المخدرات المحقونة، الاطفال المبسترين أو المولودين بوزن منخفض.
الصفحة الأولى من تقرير الطب الوقائي بوزارة الصحة والسكان المصرية.
العلماء لديهم معرفة سابقة منذ سنوات بأن مرض الفطر الاسود يكون أكثر شراسة خصوصا مع مصابين مرض السكر، لذا فبخلاف ما ذكرنا من عوامل تقلل قدرة جسد الإنسان الذي أصيب بكورونا علي مقاومة الفطر الأسود، فإن مرضي السكر يضاف لهم مرضهم كعامل خطر إضافي ضد الفطر الاسود.
لذا فهناك رأي يقول إن عوامل الخطر المتزايد بالنسبة لمرضي السكر، تجعل لازاما علي الأطباء المعالجين لمرضي كورونا من المصابين بالسكر، أن يصفوا لهم أدوية مضادة للفطريات لتكون كوقاية لهم ضد الفطر الأسود.
في النهاية، ونحن في مايو ٢٠٢١، فمن الصعب التنبؤ بنهاية وباء الفطر الأسود، ولكن كغيره من الأمراض، فإن زيادة معرفة الأطباء به، يساعد علي سرعة تشخيصه، أما الدرس القاسي في الأمر، فهو ان وباء فيروس كورونا المستجد كوفيد-١٩ لا يزال يفاجئ العالم بقدرته علي الضرب وبشدة.
الوقاية:
من قراءتنا عن هذا المرض، فإنه ينبغي وللوقاية منه، الحفاظ علي النظافة الشخصية بشكل منتظم، والابتعاد عن لمس الأماكن التي بها اي عفن، وغسل الخضروات والفواكة بصورة جيدة، مع عدم تناول اي قطعة خضروات أو فاكهة مصابة بأي عفن، وليس فقط قطع الجزء المصاب منها.. ويفضل تناول الطعام داخل المنزل للتأكد من اعداده بشكل سليم.