كثيرا ما يدور النقاش والأسئلة عن هذا الملف.. بداية من جلسات الاصدقاء، مرورا بالتقارير الصحفية بلغات متعددة، ووصولا حتى إلي الدراسات العلمية المختصة، هل تمتلك للسعودية السلاح النووي؟.
مبنيين يقعان بالقرب من معهد أبحاث القرية الشمسية في المملكة العربية السعودية ، يعتقد بعض المحللين أنه يمكن أن يكونا منشآت نووية (Google Earth screen grab). |
ولعل النظر في طبيعة السؤال نفسه يجد فيه الكثير من المنطق، فالسعودية هي الدولة الأولى اقتصاديا على مستوى الدول العربية، سياسيا فهي دولة لها ثقل هائل حتى على الصعيد العالمي، بخلاف أهميتها الجيوسياسية وحتى الدينية باعتبارها أرض الحرمين الشريفين.
وهناك من يضيف فوق ذلك كله مسألة الطموح النووي الإيراني، وإمتلاك إسرائيل للسلاح النووي بالفعل، ما تعد عوامل محفزة للرياض لتملك هي الأخرى هذا السلاح، أقوى ما صنعه البشر منذ بدء الخليقة، والقادر على افناء كل صور الحياة في لحظات معدودة.
لماذا قد تريد السعودية امتلاك السلاح النووي؟:
قد يكون مفيدا للغاية أن نسأل نفسنا السؤال بصيغة أخرى.. ((لماذا قد تريد السعودية أو تفكر في امتلاك السلاح النووي؟)).
ما قلناه عن إيران، إسرائيل، مكانة السعودية نفسها كدولة كبرى.
هذه بالضبط هي النقاط التي أشار إليها تقرير (الانتشار النووي: حالة المملكة العربية السعودية)، الصادر عن معهد الشرق الأوسط، المجلد 60 ، العدد 3 (صيف ، 2006) ، ص 421-443 (23 صفحة).
إذ جاء في هذا التقرير: ((يجادل البعض بأن المملكة لديها حوافز استراتيجية وموارد مالية ما تكفيها لمتابعة برنامج نووي)).
هذا أيضا ما ورد في دراسة إعدت في (قاعدة ماكسويل الجوية ، ألاباما) التابعة للقوات الجوية الأمريكية، تحت عنوان: (نظرة في الخليج النووي : التفكير في الأسلحة النووية في السعودية)، وصدرت في نوفمبر 2013.
إذ أشارت إلي أن السعودية ستحصل على السلاح النووي إذا ما أمتلكته إيران، بل إن جزء من شرعية النظام السعودي تتمثل في قدرته على الدفاع عن البلاد والمنطقة بأكملها من ما وصفته الدراسة (التهديد الإيراني).
صواريخ باليستية سعودية من طراز DF-3 الصينية الصنع، صورة من القوات المسلحة السعودية. |
ذلك لأن الخطوة التالية لامتلاك إيران السلاح النووي، هو تحول سلوكها إلي سلوك عدواني مفرط تجاه جيرانها وهي في مأمن من الانتقام، الأمر الذي لن تسمح السعودية بحدوثه.
الدراسة نفسها أشارت إلى نقطة في غاية الأهمية عندما تحدثت عن ما شهدته القوة الصاروخية الاستراتيجية السعودية من تطوراً في بنيتها التحتية من أجل تعزيز مصداقية الرادع النووي.
فكما أنه من المهم أن تمتلك السلاح النووي، فإنه مهم أيضا أن تمتلك الوسيلة التي يمكنك من خلالها إطلاق ذلك السلاح، سواء كان ذلك عبر طائرة، غواصة، سفينة، أو صاروخ (لمزيد من التفاصيل يمكنكم مطالعة تقريرنا ((رياح الشرق وصواريخ أخرى.. نظرة على برنامج الصواريخ الباليستية السعودية)).
فإذا كانت المملكة لديها أسباب قد تدفعها للتفكير في امتلاك السلاح النووي.. فإن السؤال هو: ((هل بالفعل فعلت ذلك؟)).
الموقف الرسمي للسعودية:
رسميا، تقول المملكة أن برنامجها النووي هو للأغراض السلمية.
تري الرياض أن النفط سينضب ذات يوم، واستعدادا لهذا اليوم فهي لابد أن تمتلك القدرات النووية.
من الناحية الاقتصادية أيضا، فإن امتلاك مفاعلات نووية لأغراض توليد الطاقة، يجعل بوسع السعودي تصدير كميات أكبر من النفط ولفترات أطول، بدلا من استهلاكه في السوق المحلية.
برغم ذلك، لم تنفي السعودية أبدا أنها ((قد)) تمتلك ذات يوم السلاح النووي.
ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان) أعلنها صريحة في العام 2018، إذا امتلكت إيران السلاح النووي، فإن السعودية ستفعل نفس الشيء.
في نفس السنة، وعقب هذا التصريح، قال (عادل الجبير) وزير الخارجية السعودي في ذلك الوقت، أن بلاده ستسعي لامتلاك سلاح نووي، في حال امتلكته إيران.
وفي أبريل 2023، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود إن جيران إيران العرب في الخليج سيعملون على تعزيز أمنهم إذا حصلت طهران على أسلحة نووية.
ليس ذلك بالموقف الجديد على السعودية، إذ تذكر قناة الجزيرة في تقرير لها بعنوان (القنبلة النووية السعودية.. تصنيع أم شراء؟) نشرته في مايو 2018، أن العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز أبلغ المسؤولين الأميركيين مرات عدة منذ عام 2003 بأنه إذا حصلت إيران على قنبلة نووية فإن المملكة ستحذو حذوها، مهما كانت التزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي.
سلاح نووي تحت الطلب:
هناك حالة من التكدس للتقارير التي تتحدث عن العلاقة بين السعودية والبرنامج النووي لباكستان، كثيرون تحدثوا عن هذا الملف منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن.
لكن من بين أهم هذه التقارير، ذلك الذي نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في نوفمبر عام 2013.
في هذا التقرير قالت بي بي سي، أن العديد من المصادر أكدت أن السعودية استثمرت في مشروعات إنتاج الأسلحة النووية الباكستانية.
هذه المساعدات السعودية لباكستان، جعل بمقدور الرياض أن تحصل متي شاءت على أسلحة نووية من إسلام أباد.
وهذا بالضبط ما قالته (ورقة موقف) نشرها (معهد أبحاث واشنطن) The Washington Institute في سنة 2022، بأنه كلما فشلت المباحثات النووية مع إيران، زاد احتمال قيام المملكة العربية السعودية بتجهيز نفسها بقنبلة نووية.
لدينا أيضا ما كشفته صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية عام 2019 عن قيام السعودية ببناء مصنع للصواريخ بعيدة المدى في قاعدة الوطا العسكرية قرب الرياض. من تحليل صور الأقمار الصناعية ، يبدو المصنع مشابهًا في الحجم والتصميم لمصنع باكستاني مماثل في مدينة كانبور. ويقدر الخبراء أنها مصممة لتطوير صواريخ بعيدة المدى تعتمد على الوقود الصلب وتصلح لحمل رؤوس نووية.
امتلاك القدرة النووية:
صورة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود يرقص بالسيف مع الرئيس الصيني شي جين بينغ. |
ربما قد يغيب عن علم الكثيرين أن هناك دول قادرة على تصنيع السلاح النووي حتى وإن لم تمتلكه، وذلك في غضون مدة زمنية قصيرة جدا، فإذا شعرت بالتهديد، صنعته وحمت نفسها على الفور.
في بحثنا الثري عن ((النووي السعودي))، وجدنا الكثير من الإشارات عن ذلك، يريد السعوديين امتلاك القدرة، حتى وإن لم يمتلكوا السلاح فعلا.
ففي تقرير نشرته أحد أهم الصحف الأمريكية (نيويورك تايمز) بتاريخ الأول من أبريل عام 2023، قالت أنه وبالرغم من المخاوف في واشنطن، فإن المسؤولون السعوديون ضغطوا على أمريكا لمساعدتهم في تطوير الطاقة النووية.
وأضاف التقرير أن السعودية برغم ذلك لم تكتفي بمساعدة الولايات المتحدة لها في هذا الصدد، بل بدأت تستكشف خيارات أخرى أيضًا، بما في ذلك التعاون مع الصين أو روسيا، بل وربما مع دولة أخرى من حلفاء الولايات المتحدة.
وقالت (نيويورك تايمز)، أن مسؤولين على دراية بالمفاوضات أخبروها بأن المحادثات حول الشراكة النووية بين أمريكا والسعودية قد طال أمدها.
ويرجع ذلك إلي حد كبير لرفض الحكومة السعودية الموافقة على الشروط التي تهدف بها الولايات المتحدة لمنعها من امتلاك القدرة على تطوير أسلحة نووية أو حتى مساعدة دول أخرى على القيام بذلك.
كذلك، فإن الولايات المتحدة تريد استخدام ورقة تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وفي المقابل تتم مساعدة السعودية في بناء المفاعلات النووية التي ترغب بها.
لم تكن تلك أول مرة تتحدث (النيويورك تايمز) عن "النووي السعودي".
الصور التي نشرتها الصحف عن ما يعتقد أنهما مبنيين نوويين في السعودية، (Google Earth screen grab). |
ففي عام 2021، قالت الصحيفة ذاتها أن الاستخبارات الأمريكية تحقق في (البرنامج النووي السعودي)، وهل من الممكن تطويره للأغراض العسكرية ام لا؟.
بحسب الصحيفة، فإن التحقيق تطرق إلى تعاون بين السعودية والصين حول معالجة اليورانيوم الخام قبل تخصيبه واستخدامه وقودا لأسلحة نووية.
في هذا التقرير إشارة أيضا إلي (منشأة) بجوار محطة لاستغلال الطاقة الشمسية بالقرب من العاصمة الرياض، يشتبه الخبراء في كونها منشأة نووية غير معلنة.
لكن التقرير نفسه نقل عن بعض المصادر، أن الجهود السعودية لاتزال على حد وصفها (في مرحلة مبكرة)، فيما قال خبراء استخبارات أمريكيون للصحيفة إن السعودية حتى لو قررت تطوير برنامج نووي عسكري فسيلزمها سنوات لبناء رأس نووي واحد.
لدينا كذلك (يديعوت أحرونوت)، أحد أشهر الصحف الإسرائيلية والتي ذهبت في تقرير لها نشرته في سبتمبر 2020 أن هناك (وثائق صينية) كشفت عن وجود احتياطيات كافية من (اليورانيوم القابل للتعدين) في السعودية، بشكل يسمح لها بإنتاج الوقود النووي.
وتضيف الصحيفة الإسرائيلية (لقد فعل السعوديين ذلك بسرعة البرق).
وإذا كان ذلك مجرد تقرير في صحيفة إسرائيلية قبل أعوام، فإن وزير الطاقة السعودي، وأخو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (الأمير عبد العزيز بن سلمان) قال في يناير / كانون الثاني 2023 أن بلاده ستبدأ في استغلال اليورانيوم المحلي.
عدو عدوي صديقي:
على جانب آخر، يبدو سؤالا مهما أخر عن (الموقف الإسرائيلي من البرنامج النووي السعودي؟).
نحن جميعا نعلم الموقف الإسرائيلي العدائي تجاه امتلاك إيران للسلاح النووي، هذا ليس موقف خاص بإيران.
تاريخيا، وقفت إسرائيل بصرامة ضد أي محاولة لأي دولة من دول المنطقة تسعي لامتلاك السلاح النووي، قتلت علماء نوويين مصريين سواء عملوا في مصر خصوصا في زمن جمال عبد الناصر، أو حتى (يحيي المشد) الذي استدعاه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ليبني البرنامج النووي العراقي.
هذه السياسة الإسرائيلية هي تنفيذ عملي لما يعرف في إسرائيل باسم (مبدأ بيغن) في إشارة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحم بيغن، والذي يلزم بإحباط أي محاولة لإنشاء برنامج نووي عسكري في الشرق الأوسط.
هذا أيضا ما قاله مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق يعقوب عميدرور لصحيفة تايمز أوف إسرائيل في أغسطس 2020: ((إن السياسة الإسرائيلية واضحة ومتسقة: لا ينبغي لأي دولة في الشرق الأوسط أن تمتلك قدرة نووية عسكرية)).
فهل تغير إسرائيل موقفها؟ .. هل يكون لدي الدولة التي لا تشعر بالاطمئنان إلا بالتفوق العسكري على جميع دول المنطقة أي سبب ولو من مبدأ (عدو عدوي صديقي) يدفعها للقبول بامتلاك السعودية السلاح النووي؟.
هل لدي السعودية سلاح نووي؟:
في النهاية .. يبدو أن السعودية وإن لم يكن لدي ملوكها حقيبة نووية يضغطون على بعض الأزرار فيها فتنطلق أسلحتهم النووية، فإن لديهم الكثير من الأوراق في هذا الملف.
بداية من التزامات الولايات المتحدة القوية بالدفاع عن المملكة العربية السعودية ضد التهديدات الخارجية، والتي كانت برأي البعض حاسمة في الحد من الحوافز لامتلاك أسلحة نووية، وإن كانت لم تعد كافية بالنسبة للرياض، بل وربما بدأت المملكة تشعر بالتشكك تجاهها.
مرورا بباكستان التي ستكون مستعدة للوفاء بالفاتورة السعودية الهائلة، تلك المستحقة عليها منذ أن نجح الدكتور عبد القدير خان في إنتاج السلاح النووي الباكستاني، فإذا شعرت أن إيران تقترب من إنتاج سلاح نووي.. فإنها ستكون لديها هذا السلاح بأسرع مما تتوصل إليه طهران أصلا.
ووصولا حتى إلي سعي السعودية لتطبيق الحكمة القائلة (بيدي لا بيد عمرو).
وذلك من خلال امتلاك القدرة على القيام بأنشطة مختلفة، مثل تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود النووي المستنفد، وهذه الأنشطة ليست إلّا مدخلاً لتوفير المواد اللازمة لتطوير برنامج تسلّح نووي إذا رغبت السعودية في ذلك.